الشارع المغاربي – بورتري " الرئيس": عبير موسي..من قياديّة تجمعية إلى زعيمة تونسية

بورتري ” الرئيس”: عبير موسي..من قياديّة تجمعية إلى زعيمة تونسية

13 سبتمبر، 2019

الشارع المغاربي -بقلم معز زيود : عبير للعبور من الظلمات إلى النور”، هكذا تغنّى أنصار رئيسة “الحزب الدستوري الحرّ” عبير موسي، ووشّحوا بتلك العبارة سيّاراتهم خلال حملتها الانتخابيّة. شعار ردّ عليه خصومها بشعار ساخر من الطينة ذاتها يقول “عبير للعطور والزغاريد والبخور”. مضامين متعارضة ترسم ملامح شخصيّة محسوبة على نظام بن علي، لكنّها أمست مرشّحة قويّة ومنافسة جديّة…

نجحت عبير موسي في نحت خطاب ميّزها عن سائر منافسيها من المرشّحين للانتخابات الرئاسيّة. فقد تبنّت، على امتداد السنوات الماضيّة، خطابًا إقصائيّا واضحًا ومعلنا لتنظيمات الإسلام السياسي على خلاف المواقف المواربة لمعظم النخب السياسيّة التونسيّة الأخرى… كما أجادت لعبة “الشعبويّة” عبر اعتماد خطاب سياسي انتقائي ومكثّف للحديث باسم الشعب. وهو ما أتاح لها تقديم نفسها على أنّها “البديل” لخصوم سياسيّين أثبتوا فشلهم في تلبية الانتظارات الشعبيّة وتسبّبوا في أزمة خانقة لمؤسّسات الدولة…

بين المغازلة والمعاداة
تعهّدت عبير موسي مرارًا بـ”إعادة بناء دولة ذات مؤسّسات قويّة ترتكز على ثوابت الدولة البورقيبيّة”، والقطع مع تداعيات ما تسمّيها بـ”السنوات السوداء” لحكم “الترويكا” بقيادة حركة النهضة. ويكفي الإمعان في صفحات الميديا الاجتماعيّة التابعة لأنصارها لنستحضر شعارا أساسيا واحدا، يتمثّل في أنّه لا حلّ إلّا في التصويت بكثافة لعبير موسي لأنّها الشخصيّة الوحيدة الحريصة على اقتلاع “الخوانجيّة” من البلاد، وكأنّ الإسلاميّين قد قدموا إلى تونس من كوكب آخر!…
وليس هذا النهج السياسي الصارم بغريب عن عبير موسي، باعتبارها سليلة نظام بن علي، وذلك على الرغم من أنّها غيّبت في خطابها رئيس النظام السابق واستبدلته اليوم بموروث الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وتناقلت صوره حيثما حلّت.
والأكثر من استقطاب التجمعيّين ومغازلة مناهضي الإسلام السياسي، فإنّ موسي كانت تصدح بموقفها الرافض علنا للثورة و”تبخيسها”، بل واعتبارها مجرّد مؤامرة أو انقلاب. ومع ذلك فإنّ موسي قد أجرت تعديلات طفيفة على خطابها خلال العام المنقضي لتُفسّر عدم تصنيفها لأحداث ديسمبر 2010 وجانفي 2011 بـ”الثورة” نظرا إلى أنّها “لم تقف وراءها برامج أو رؤية”. وهو خطاب ديماغوجي ينبني على مغالطات نظريّة وعمليّة مقصودة، باعتبار أنّه لا يوجد نموذج أصلي للثورة على الأنظمة السائدة وينبغي استنساخه بشكل مطابق من بلد إلى آخر أو من زمن إلى غيره…
وفي المقابل فإنّ هذا الطرح قد أسهم، شئنا أم أبينا، في الصعود السياسي السريع لعبير موسي، وذلك بالنظر إلى تركيز خطابها على تراجع الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة لفئة مهمّة من التونسيّين. كما استفادت بالخصوص من الآليات الديمقراطيّة وحريّة التعبير التي حقّقتها الثورة لبناء حركتها. فمن المفارقات الصارخة أنّه لولا الثورة وتداعياتها لبقيت عبير موسي سياسيّة مغمورة تشغل كرسيّ أحد رموز الصفّ الثاني لنظام بن علي. فلئن كان من الثابت استفادة عبير موسي من نظام بن علي، بوصفها كانت أمينة قارّة للمرأة بحزب التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحلّ، فإنّها لم تكن آنذاك سوى “بيدق تنفيذي” تُعنى بخدمة بتلميع صورة النظام الاستبدادي السابق ورئيسه. وهو ما جعل مصيرها يرتبط آنذاك بمدى الولاء التّام للمتحكّمين بدواليب القصر والدولة. وكان بالإمكان أن تصعد في سلّم النظام أو تسقط من عليائه بمجرّد إشارة من بنان ليلى الطرابلسي الحاكمة بأمرها قبل الثورة.

شخصيّة قويّة
تتميّز عبير موسي بخصال يندر وجودها لدى معظم المرشّحين الآخرين للانتخابات الرئاسيّة، ولاسيّما قوّة الشخصيّة والتحكّم في الانفعالات التي تُحصّنها من ردود أفعال قد تنعكس ضدّها، فضلا عن قدرتها على المراوغة. في هذا الصدد نستذكر أنّ أحد المذيعين البارزين حاول مؤخرا استفزازها عبر الإشارة إلى انتمائها إلى النظام السابق، فردّت عليه باعتراف أربكه، قائلة: “المنظومة القديمة كنت فيها أنا وأنت”.
أفلحت موسي إذن في رسم ملامح امرأة تونسيّة تصطبغ بحدّ كبير من القوّة والشجاعة. فقد بدت تتقدّم جموع من حولها من الرجال والنساء بابتسامة شبه دائمة وثقة في النفس نادرة. كما تنظر إليها النساء الحاضرات في اجتماعاتها العامّة، ويتفرسن في وجهها وكأنّهنّ يقلن “إنّك تمثليننا”. لا إشكال في ذلك طبعا، فهناك من أعلنت أنّها ستصوّت لنبيل القروي لأنّه سيواصل بثّ المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة التونسيّة، وربّما لو فاز سيكون ذلك من أبرز إنجازاته تعميم المسلسلات التركيّة على القنوات التونسيّة مجانا… ومع ذلك فإنّ عبير موسي قد حقّقت صعودها بفضل حراكها الميداني المتواتر خلال السنوات الماضية من دون حيازة آلة إعلاميّة تناصرها ليلا نهارًا…
وهكذا تمكّنت موسي من نحت صورة امرأة تونسيّة قويّة، من شأنها أن تُغري أيضا جمعا من مناصري حقوق المرأة، ربّما ليس افتتانا بخطابها وخصالها الشخصيّة ومواقفها السياسيّة، وإنّما قناعة بقدرتها على المنافسة الحقيقيّة ومعارضتها “التحريم” الفقهي المتوارث لتولّي المرأة الولاية العامّة عملا بالحديث القائل “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”…

منافسة جديّة ولكن…
تحوز موسي ماكينة انتخابيّة متفرّعة، تجمع بين جموع من مناهضي حركة النهضة والتجمّعيّين القدامى الذي أضحت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ بمثابة مثالهم الأعلى الأقدر على رفع رؤوسهم والدفاع عنهم. ورغم ذلك فإنّ هذه الفئة من المناصرين تبدو نوعا ما هرمة، وهو ما يعني أنّ ماكينتها التعبوية يعوزها إلى حدّ ما النفس الشبابي إلّا ما قلّ وندر، مثلما ظهر في معظم اجتماعاتها الشعبيّة. وهذا تقريبا مكمن أهم نقاط ضعفها التكتيكي، فضلا عن تركيزها على الميدان واللقاء المباشر، مقابل إهمالها للقوّة التأثيريّة للميديا الاجتماعيّة في العالم بأسره، لا في تونس فحسب.
والملفت للانتباه، بالعودة إلى مشاركتها في المناظرة التلفزيونيّة ليوم الأحد الماضي، بدا أنّ عبير موسي قد اختارت عن وعي تكييف أجوبتها وفق حدود الأسئلة، وامتنعت عن مهاجمة خصومها، مثلما عرفت به سابقا. وهو ما لا يعني أنّها فقدت حيويّتها المعهودة، وإنّما يعكس رغبتها في توسيع قاعدتها الجماهيريّة لاستقطاب فئات أخرى من التونسيّين الذين يقبلون عقليّة الإقصاء، وذلك بعد أنّ تمكّنت خلال الفترة الماضية من تحديد هويتها السياسيّة التي مكّنتها من صعود غير منتظر.
قد يصعب على عبير موسي إجمالا أن تحقّق المفاجأة بالوصول إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسيّة، لكنّ هذه المرأة التونسيّة أثبتت أنّها لم ترشّح نفسها لمجرّد المشاركة أو لإضافة سطر في سيرتها الذاتية، بل أصرّت على أن تكون منافسة جديّة لا تكلّ ولا تملّ. فمن الواضح أنّ حراكها السياسي الدؤوب قد مكّنها إلى حدّ الآن من النجاح في أن تبقى ضمن كوكبة المرشّحين الستّة الأكثر حظّا، متفوّقة بذلك على العشرين مرشّحا المتبقّين. وهو ما يُمكن أن يُتيح لحزبها، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسيّة، حظوظا غير متوقّعة في الانتخابات التشريعيّة قد تُسهم في التغيير المنتظر للخارطة السياسيّة المقبلة…


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING