الشارع المغاربي – بين غطرسة الأمريكان ودهاء الإيرانيين: هكذا التحمت ايران بالصين لكسر الحصار المفروض عليها

بين غطرسة الأمريكان ودهاء الإيرانيين: هكذا التحمت ايران بالصين لكسر الحصار المفروض عليها

قسم الأخبار

8 يناير، 2022

الشارع المغاربي-الحبيب القيزاني: تتواصل منذ أكثر من عام مفاوضات جديدة حول النووي الإيراني بعد تنكر الرئيس الأمريكي السابق لها في ماي 2018 نزولا عند رغبة تل أبيب التي أقامت الدنيا ولم تقعدها اثر التوصل لاتفاق يوم 14 جويلية 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما. تنصل ترامب من الاتفاق واجهته طهران في مرحلة أولى برفض الدخول في مفاوضات جديدة. وأمام تهاطل العقوبات الامريكية المصحوبة بتهديدات باللجوء الى الخيار العسكري قبلت ايران العودة لطاولة المفاوضات بعد اعلان الرئيس بايدن يوم 29 أكتوبر 2021 عودة بلادها اليها مشترطة رفع كل العقوبات المفروضة عليها الشيء الذي رفضته واشنطن بل وفرضت سلسلة من العقوبات الجديدة في محاولة لخنق النظام الإيراني واجباره على رمي المنديل. حسابات بدّدتها الصين بدخولها على خط الأزمة وعقدها اتفاقا استراتيجيا مع ايران فتح ثغرة في الحصار المفروض عليها ودفعها الى التصلب في المفاوضات. فماذا تريد أمريكا ومن ورائها إسرائيل بالضبط من ايران؟ وهل تكفي التهديدات لتركيعها في ضوء بروز محور روسي-صيني-إيراني برفض مواصلة أمريكا التفرّد بحكم العالم واملاء أوامرها على الدول؟ رحلة في دهاليز ماراطون ليّ ذراع تحوّل مع مرور الزمن الى ما يشبه مقابلة في الشطرنج الجغراسياسي بين الطرفين.

لم تكد تمر 3 سنوات على امضاء الاتفاق حول النووي الإيراني حتى تنصل منه دونالد ترامب في ماي 2018 ليخرج وزير خارجيته آنذاك مايك بومبيو ويقدم شروط بلاده للتوصل الى اتفاق جديد. طلب بومبيو قطع ايران التحالف مع الرئيس بشار الأسد ومع حزب الله اللبناني ومع الحوثيين في اليمن وانسحاب القوات الإيرانية من سوريا. كما طالب بامتناع ايران عما اسماه دعم الجماعات الإرهابية وعن التدخل في شؤون جيرانها وامتناعها عن تهديدهم الى جانب إيقاف تخصيب اليورانيوم وغلق مفاعل الماء الثقيل الخاص به ووضع حدّ لبرنامج الصواريخ البالستية الإيرانية طويلة المدى وتمكين المفتشين الدوليين من حق الوصول غير المشروط الى كل المنشآت النووية والعسكرية.

ومثلنا يتضح فإن هذه الشروط وباعتراف بومبيو نفسه “ليست واقعية ولكنها في الآن نفسه مطالب أساسية” بما يعني أنها شروط إسرائيلية بالأساس خصوصا اذا تذكرنا أن رئيس وزراء إسرائيل السابق نتنياهو واللوبي اليهودي المتحكم في مراكز القرار الأمريكي حذّرا تارة من “تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة” وأخرى من “الخطر الإيراني على وجود دولة إسرائيل” الى جانب سلسلة اغتيالات نجح “الموساد” في تنفيذها ضدّ رؤوس النظام الإيراني العسكرية وخصوصا منها تصفية قاسم سليماني قائد فيلق القدس الى جانب علماء في الذرة وخبراء في برنامج الصواريخ الإيرانية دون ذكر محاولات توريط طهران في عمليات قرصنة سفن بمياه الخليج أو بضفاف البحر الأحمر وفي غارة طائرات مسيرة على منشآت شركة “أرامكو” السعودية.

ومثلما صرّح بذلك أكثر من مسؤول إيراني أكدت طهران أنها لن ترضخ للتهديدات وللابتزاز مصرّة على أن سيادتها الوطنية خط أحمر غير قابل للتفاوض بل وهدّدت بمحو إسرائيل من الوجود في صورة اقدامها على عمل عسكري ضد منشآتها النووية. تهديد تأخذه واشنطن بكل جدية خاصة بعد الغارة الصاروخية التي شنها الجيش الإيراني على قاعدة “عين الأسد” الامريكية بالعراق انتقاما لاغتيال سليماني.

كيف ناورت ايران؟

ينسى معظم المتابعين لملف المفاوضات الإيرانية-الغربية ان أمريكا تفرض عقوبات على ايران منذ ما يزيد عن 40 عاما – منذ قيام الثورة والاطاحة بالشاه – ويغيب عن اذهانهم ان قيادة نظام الملالي لا تضيّع وقتها في الدعاية الفارغة والتطاوس الكاذب.

وخير دليل على ذلك نجاح هذه القيادة في بناء ترسانة عسكرية ذاتية الصنع بمساعدة خبراء روس وكوريين شماليين وباكستانيين يعارضون هيمنة الامبريالية الامريكية على دول العالم.

تدرك السلطات الإيرانية ان امتلاك سلاح رادع نوويا كان أو صواريخ طويلة المدى هو الضمانة الوحيدة لمستقبل البلاد الذي سطروه. كما تدرك هذه القيادة ان ميزان القوى العالمي يتغير في غير صالح أمريكا وحليفاتها الغربية. والثابت ان الذكاء بل والدهاء الذي ورثه الإيرانيون جيل بعد جيل من لعبة الشطرنج التي اخترعوها يمكنهم من مواجهة المفاوضين الغربيين بأعصاب باردة تخفي حقيقة مناوراتهم قبل التوصل الى اتفاق وخصوصا اتقان التصدّي لتفاصيل الشروط والوصول بالمفاوضات الى طريق مسدود يملي على الأطراف المقابلة البحث عن مخرج وهكذا دواليك في لعبة لكسب الوقت بما يوحي بأن لهم برنامجا زمنيا يبغون اكتمال شروطه لتحقيق “غاية في نفس يعقوب” ربّما تكون مفاجأة العالم بتفجير أول قنبلة نووية إيرانية يضعون بها العالم أمام الأمر الواقع.

لكن الإيرانيين يعرفون أيضا مدى تصميم القوى الغربية على منعهم بأي ثمن من امتلاك السلاح الرادع. ولذلك تركزت مناوراتهم على تفويت الفرصة على الدول الغربية لاستعادة سيطرتها على البلاد اقتصاديا وعسكريا بالخصوص مثلما كان الشأن في عهد الشاه حتى لو أدى الأمر الى مقاطعة التعامل نهائيا مع الغرب.

ما يؤكد ذلك التفات ايران شرقا وتوقيعها اتفاق تعاون تجاري استراتيجي شامل مع الصين في الأشهر الأولى من عام 2021 يمتد على مدى 25 عاما.

دوافع الاتفاق الذي جرى التفاوض حوله لمدة سنوات قد تتجاوز مجرد مواجهة مع واشنطن وحلفائها الى آفاق مستقبلية تجارية وعسكرية واستراتيجية أعمق أبرزها حصول الصين التي تزيد احتياجاتها من النفط المورد عن 6 ملايين برميل يوميا على نصيب الأسد من النفط الإيراني مع تأمين سوق خارجية ضخمة لها وتعزيز مشروع “طريق الحرير الجديدة” الاقتصادي الاستراتيجي العابر للقارات مقابل حصول ايران على نقل التكنولوجيات الصينية المتطورة والتي باتت تزعج الامريكان.

لقد استغل الإيرانيون التنافس الصيني الأمريكي لكسر الحصار عن بلادهم بالدخول في تحالف ليس مع الصين فقط وانما أيضا مع روسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا التي أمدوها بناقلات من النفط.

التحالف مع الصين هو أحد أسباب تصلّب الحكومة الإيرانية في المفاوضات بعدما نجحت طهران في لعبة كسب الوقت بالامتناع في البداية عن استئناف المفاوضات لعلمها قبل غيرها أن بقاءها خارج المفاوضات أفضل لها وأن ذلك يمكنها من أخذ الوقت اللازم لتخصيب اليورانيوم وهو ما أعلنت عنه صراحة لتضع الجميع أمام الأمر الواقع ولتحسن سقف شروطها خلال المفاوضات.

كما تدرك طهران أن انضمامها للمحور الروسي-الصيني حوّلها الى منصة رئيسية في الصراع الجغراسياسي مع المعسكر الغربي للسيطرة على خريطة المصالح الاقتصادية بالمنطقة القائمة أساسا على خطوط أنابيب النفط والغاز والمشاريع المتعلقة بها انطلاقا من سيبيريا وصولا الى الصين مرورا بأراضيها الى جانب سيطرتها على مضيق هرمز الذي تمر منه 70 ٪ من ناقلات النفط المتوجهة الى الدول الغربية.

وهذا التموقع يمنحها حصانة من أي عدوان كبير لما ينطوي عليه من خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة باعتبار أنه يصعب رؤية الصين وروسيا أمريكا وحلفاءها يتحركون عسكريا لاسقاط النظام الإيراني دون أن تحرّكا ساكنا بالنظر الى أن ذلك يعني ضرب مصالحهما الاقتصادية.

أما إسرائيل التي هددت أكثر من مرة بالتحرك بمفردها لتدمير ما تقول انه برنامجا نوويا عسكريا إيرانيا فالكل يعلم ان هدف سياسة الترويع مما تسميه الخطر الإيراني ليس سوى محاولة للتغطية على ترسانتها النووية التي أعدتها كسلاح رادع لكل من يعترض على مشروعها من النيل الى الفرات خاصة بعدما تسلمت مقاليد قيادة “الشرق الأوسط الجديد” ومضيها في تسجيل نقاط التطبيع.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING