الشارع المغاربي – أنور الشعافي (ناقد): وإن تباينت ردود الأفعال والمواقف تجاه الأعمال الدرامية التلفزية فإن الجميع يتفق على الأداء اللافت لجل الممثلين والمبهر لبعضهَم وهذه المسألة لا تتحكم فيها قدرات الممثل فحسب بل أيضا عناصر تقنية خارجة عنه مثل جودة السيناريو ووضوح بناء الشخصيات وشبكة علاقاتها وأيضا التركيب le montage بل كل المفردات الأخرى من صوت وإضاءة وزوايا تصوير وغيرها فهي فن يتماهى فيه الإنساني بالتقني.
مسلسلات رمضان – هده الصناعة الموسمية في تونس- أكّدت موهبة وجوه ألفناها لكنها أيضا أبانت عن طاقات اكتشفناها بل أن بعض الوجوه التي أثبتت موهبتها زادتنا تأكيدا وإقناعا.
فتحي الهداوي الذي ألفته الشاشة حتى ألفها فعرفنا أسلوب أدائه وجدناه هذه السنة في ثلاث مسلسلات كان في “أولاد مفيدة” مساويا لنفسه وكان في “قلب الذيب” منكسرا على نفسه فقدم أسوأ أدواره لكنه في “النوبة” كان شامخا ساحرا في شخصية هي أنضج وأطرف ما تم تقديمه في تاريخ الأعمال الدرامية في تونس. فقد لعب دور شخصية بملامح كوستوريكية نسبة إلى (Emir Kusturica) الناهلة من عالمه ورائحته في استعصاء شخصياته شكلا ومضمونا فقد سافر إليها الهداوي متسلحا بخبرته وحرفيته ووعيه المعرفي وذاكرته الفرجوية فكان دورا هو الأفضل ببعده عن القوالب الجاهزة التي اتسمت بها تركيبة هذه الشخصية بعمله على تفاصيل دقيقة ومقتصِدة.
حسين المحنوش: لم يمنعه وضعه الصحي من الإبهار بدور قوي التأثير لا يتمكن منه غير ممثل خبير مراكم لتجربة أدائية.
كمال التواتي: هو الممثل الذي ثار على نفسه وانقلب عليها فقد حصر نفسه في الأعوام الأخيرة في شخصية تكاد تكون جاهزة لكنه قدم هذه المرة شخصية وإن تناولتها الشاشة الكبيرة والصغيرة سابقا قد يكون عبد الحميد بوشناق إستند إليها عند كتابة السيناريو مثل Casino للمخرج Martin Scorsese أو Il était une fois le Bronx التي أخرجها Robert De Niro ومثل في كلاهما لكن التواتي لعب هذه الشخصية بطريقة استثنائية فجمع بشكل مدهش بين طابعين لا يجتمعان: عنف هازل وهزل عنيف.
هالة عياد عميقة في أدائها صادقة إلى حد التماهي حتى كادت وسيلة أن تكون هالة وكانت هالة قد أعارت لوسيلة روحها وجسدها فقدمت شخصية مركبة في شكلها، صاخبة في داخلها.
بحري الرحالي في دور عم الهادي قدم شخصية من النوع الصعب الممتنع استند فيها إلى تجربة مسرحية ممتدة بدأت مع الفرقة القارة بالكاف وتواصلت مع فرقة الحمراء وأيضا لتجربته مع مجموعة بومخلوف التي تتقاطع مع أجواء مسلسل “النوبة”. البحري لعب بحنكة وبأريحية aisance وكان معلّما Un maître اهتدت به الوجوه الشابة بوصلةً ونبراسا.
الشاذلي العرفاوي: ممثل يجمع بين تناقضين متّسم بالضخامة في شكله لكن أسلوب أدائه شاعري كاشف عن صفاء وتلقائية طفل صغير، هو ممثل متلون حتى في مسارات شخصياته وكل هذا نلاحظه في أداء شخصية Brenga لكن العرفاوي لم يذهب إلى ظاهرها بل أثراها بأدواته الخاصة فتقدمت طريفة مقنعة
عزة السليماني في دور (زينة) بمسلسل “أولاد مفيدة” أكدت أن فن الأداء ممكن لغير الضالعين فيه. فالكاميرا أحيانا تعشق الوجوه الموهوبة وتتوجه إليها وتميل لها وتنجذب نحوها. فالسليماني كانت طبيعية لا تعرف الافتعال فأقنعت بصدقها وتصالحت مع عين الكاميرا وهي عارضة الأزياء المتعودة على العيون المتابعة المتفحصة وتذكر لنا السينما العالمية ممثلين نجحوا وهم قادمون من مهن بعيدة عن عالم التمثيل لذلك فإنها تعتبر اكتشافا جميلا واعدا لأنها جمعت بين الأداء الطبيعي الصادق والوجه الحسن وهما من الصفات الدافعة للنجاح في عوالم الشاشة.
مهذب الرميلي: عندما نشاهد الجزء الأول من مسار شخصيته قبل أن يتغيّر قد نقول إن لعبه منسجم مع أسلوب أدائه الذي عُرف به لكنه بعدها قفز شاهقا فأقنع فأبهر وأكد أنه من طينة الكبار.
عزيز الجبالي : نجح في تقديم شخصيتين مختلفتي البناء فلم يكرر نفسه فيهما وكان مفردا متفردا بأسلوب أداء وحساسية غير سائدة فمن الشائع وجود ممثلين جيدين لكنهم مكررين لأنفسهم أو لغيرهم.
مراد بن نافلة : لم ينتبه البعض لهذا الممثل اللافت فحصره المخرجون في أدوار هامشية لم تبرِز طاقاته لكنه لمع هذه السنة في صمت وأبهر في شخصية بسيطة في منشئها لكنه جعلها فارقة بصدقه فبرهن وأكد أنه ممثل ظلمه المخرجون بعدم انتباههم اليه.
عاصم بالتوهامي : قدم أداء ساطعا لشخصية مستعصبة لعل الجميع يتذكر الأداء الساحر لشخصية المريض النفسي التي قدمها Anthony Hopkins في شريط Le Silence des agneaux للمخرج Jonathan Demme ويبدو أن بوشناق نهل من ذاكرته السينمائية في تصورها لكن عاصم لعبها بحرفية لا تشبه أحدا في أداء غير مسرحي وهو القادم منه فأرغم الكاميرا على اقتناصه فتفرّد.
أمين ليمام : وجه واعد قديم وشخصية جاذبة رغم بعض المبالغة أحيانا le sur-jeu بسبب غياب إدارة الممثل، فأمين يذكرنا بتلقائية وطزاجة La fraîcheur عمر الشريف وفي صورته الظليّة sa silhouette وبالذات في أفلامه الأولى.
لقد كانت هذه الاقتراحات هي نقاط الضوء. فبالإضافة لما تقدم لا يمكن أن ننسى البعض الآخر مع اختلاف مساحات أدوارهم وتباين أساليب أدائهم مثل القيمة الأدائية الثابتة لوحيدة الدريدي والإحساس الغائر لياسمين الديماسي والحضور الكاريزماتي لمنصف العجنقي والطلّة المؤنقة لرباب السرايري والمرور المنبلج لربيع إبراهيم والظهور المخترِق لأميرة الشبلي والعبور الأنيق لأحمد الأندلسي والإكتشاف السّني لجهاد الشارني غيرهم.