الشارع المغاربي – تأملات في تطور المواقف الخارجية من الثورة التونسية /بقلم أحمد بن مصطفى

تأملات في تطور المواقف الخارجية من الثورة التونسية /بقلم أحمد بن مصطفى

2 فبراير، 2019

الشارع المغاربي : مرت الذكرى الثامنة للثورة في أجواء سياسية واجتماعية مشحونة ومتوترة طغى عليها تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية وخروجها عن دائرة السيطرة، واستفحال المأزق السياسي الناجم عن الصراع المعلن في أعلى هرم السلطة، وتعدد مظاهر الاحتجاج عن تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية التونسيين، إلى درجة العودة إلى عمليات الانتحار حرقا في صفوف الشباب وتفشي الإحباط في صفوف الشعب اليائس من عجز السلطات عن تلبية الحد الأدنى من تطلعاته إلى بناء جمهورية جديدة قوامها الحرية والكرامة و العدالة.

واللافت أن السلطة الحاكمة لم تحاول حتى التظاهر بإحياء ذكرى الثورة وإبراز قيمة هذا الحدث الذي يدرك الجميع مدى تأثيراته العالمية وتداعياته الجعراسياسية الكاسحة على الساحتين الإقليمية والدولية وعلى طبيعة العلاقات شمال جنوب بل أنها تتمادى في رفض نشر قائمة الشهداء في إشارة واضحة إلى مدى استخفافها بتضحياتهم وتنكرها لهم بانحيازها الواضح إلى المصالح الأجنبية ورموز الثورة المضادة ولوبيات المال والفساد التي ما انفكت تسعى جاهدة الى تقزيم الثورة وتتفيهها وتجريدها من أبعادها التاريخية والرمزية.

أما  الدول والتجمعات الخارجية المتعددة الاطراف المرتبطة بمصالح حيوية مع تونس فإنها تنكرت لوعودها وتعهداتها بالعمل على إنجاح “الاستثناء التونسي”  وإعطاء الأولوية للنهوض بالديمقراطية في العالم العربي من خلال القطع مع سياساتها القائمة على التحالف مع الأنظمة المستبدة الخاضعة لاملاءاتها  وتغليب المصالح على حساب المبادئ والقيم الديمقراطية الكونية التي تدعي أنها حريصة على انتشارها عبر العالم.

وهكذا تجد الثورة التونسية والقوى الوطنية التي تناضل من أجل الإبقاء على زخمها والانتصار لقيمها في مواجهة مكشوفة مع القوى الأجنبية وعملائها المحليين الساعين دون هوادة لإفشال المشروع المجتمعي والديمقراطي الذي يجسده الدستور التونسي وما يتضمن من خيارات إستراتيجية جديدة قوامها بناء دولة القانون والمؤسسات واسترداد تونس سيادتها واستقلالية قرارها وحرية التحكم في ثرواتها بما يخدم مصالحها العليا وتطلعات شعبها.

وإزاء المخاطر والتحديات التي تهدد بعرقلة المواعيد الانتخابية القادمة وإسقاط المسار الديمقراطي بتونس مثلما حصل في بقية بلدان “الربيع العربي” يتعين على أحزاب المعارضة والقوى السياسية المنحازة للثورة أن تطور من أساليب نضالها لتتكيف مع حجم هذه التهديدات وذلك من خلال تقديم الحلول والبدائل الحقيقة للسياسات التي تعمل الإطراف الخارجية على فرض استمرارها على تونس وفي طليعتها توسيع التبادل الحر غير المتكافئ وما يتصل به من اتفاقيات ومعاهدات.

وفي هذا الصدد لا بد من تكثيف الضغوط لاستكمال إرساء المؤسسات الدستورية وخاصة المحكمة الدستورية لا فقط لضمان إجراء الانتخابات في موعدها  والحفاظ على مصداقيتها بل أيضا لفتح المجال للطعن في دستورية هذه الاتفاقيات والمطالبة بتعديلها أو إلغائها مع ما ترتب عنها من تشريعات وقوانين وبرامج “إصلاحية” أدت إلى تدمير الاقتصاد الإنتاجي التونسي وتكريس تبعية تونس إزاء الخارج والسطو على مقدراتها ومصادرة استقلالها.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ 29 جانفي 2019

 

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING