الشارع المغاربي – تاريخ المجلس البلدي لمدينة تونس (1858 - 2018): من الجنرال حسين أول شيخ مدينة تونس إلى اليوم/ بقلم أ. محمد لطفي الشايبي

تاريخ المجلس البلدي لمدينة تونس (1858 – 2018): من الجنرال حسين أول شيخ مدينة تونس إلى اليوم/ بقلم أ. محمد لطفي الشايبي

25 مايو، 2018

الشارع المغاربي: إن تاريخ المجلس البلدي لمدينة تونس في مفهومه العصري يعود إلى سنة 1858 ، حينما عُيّن الجنرال حسين (18281887) رفيق الوزير المصلح خيرالدين، رئيسا للمجلس. واقترن بمسألة تنظيف موقع المدينة الواقع بين سبخة وبحيرة، تكثر بها في فصل الشتاء الأوحال وبرك الماء والمستنقعات مما يسبب تلوثا كبيرا يضاعف من مفعول الأوبئة ويقلق راحة السكان. وقد صوّر الصحفي اللبناني أحمد فارس الشدياق (18041887) الذي أقام بتونس قبيل تأسيس البلدية بوقت قصير ما عليه  الحاضرة  من سوء نظافة، في عام 1857 وينتقد الوضع المُزْري :

« يا عيشة مستنكرة       في بلدة مستقذرة

ما إن ترى من روضة        فيها ولا شجرة

إلا غبارا ثائرا                 في الصيف بئس الغبرة

وفي الشتاء وحل           تغوص فيها البقرة

و في الطريق جثث         مبثوثة منتشرة

من حيوان ميت              وبشر للعذرة»

ولئن يثبت أرشيف المجْلس البلدي (قسم وثائق الحكومة التونسية) الدور الذي أدّاه القنصل الفرنسي، « ليون روش» (18561863) في تأسيس المجلس البلدي، فإن عاملي توفير الأمن والاستقرار كانا أيضا مطلبا أساسيا يضاف إلى مسألة النظافة حيث يشيرالحبيب أولاد محمد في أطروحته حول «المخيال والمدينة: مثال تونس في القرن التاسع عشر (18501881)» إلى تعاقب التوترات والأزمات التي رافقت اتساع مجال مدينة تونس والمتمثلة في الحضور الفعلي والمجاور للعنصر الأوروبي الذي طال وسط المدينة وأدت إلى الأمر العلي المؤرخ في 3 أوت 1858 والمعلن نشأة المجلس البلدي للسبب التالي : «مراقبة المجال التقليدي وحمايته من أي تٓعٓدّ أوروبي. إن البلدية المفروضة من قبل «ليون روش « سوف تمكن الفرنسيين خاصة، حسب جلال عبد الكافي، من حماية وتنظيم ممتلكاتهم العقارية»(2).

فكان تأسيس بلدية مدينة تونس محاولة لتنظيم الحياة الاجتماعية في رحابها ولضبط العلاقات مع الأغراب  الذين أكثروا من الهرج والتطاول على حياة التونسيين وعلى السلط التونسية ذاتها، بداية من عهد المشير أحمد باي (18371855). وكان الجنرال حسين شاعرا بالمسؤولية الكبيرة التي أوكلت إليه، فاستعان بمجموعة من الشبان من أمثال العربي الزرّوق الذي شغل منصب نائب رئيس البلدية وبعض المتخرّجين من مدرسة باردو من أمثال اليوزباشي حمودة بن الحاج واليوزباشي حسونة البلهوان كما استعان ببعض الأجانب ومنهم «كاليغاريس» المستعرب المعروف لدى خريجي مدرسة باردو (3).

وتوالى في فترة ما قبل الحماية على منصب رئاسة بلدية مدينة تونس أربعة شيوخ هم تباعا الجنرال حسين (18581865)، محمد قارة (18651869)، العربي زروق (18691881) وحسونة دالي (18811882). وقد خص الزميل محمد العزيز بن عاشور في أطروحته، فئات المجتمع البلْدي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيّزا هاما لتبيان مهمّة شيخ المدينة السابقة لرئيس المجلس البلدي والتي تشمل مجال داخل الأسوار والتي تنظم الحياة العامة (مجموع الحرفيين والصناعيين والتجار الموزعين على أسواق خاصة بهم) وجل سكان هذا الرحاب أصيلي المدينة(4). وقد وصف عالم الاجتماع الفرنسي « جاك بارك» كيفية استقرار النازحين من دواخل البلاد في أرباض المدينة، وكانت بداياتهم من الجنوب الشرقي (الحوامية والمطاوة والدويرات والجريدية…)، حيث «يُقٓضّون تربّصا في التحضّر يمكّنهم من بعد الانصهار في بوتقة «مدنية البلْدية».

كما خصّ عالم الاجتماع التونسي/الفرنسي، بول سباغ، محورا في كتابه «تونس، تاريخ مدينة» لتوصيف وتحليل ظاهرة التوسع والتنوع الذي شهدته مدينة تونس أثناء فترة الحماية التي تعاقب على رئاسة مجلسها البلدي 13 شيخا بٓلْديا (حسونة الوزير، محمد المبزع، محمد عصفوري، صادق غليب، مصطفي دنقزلي، خليل بوحاجب، شاذلي عقبي، علي سقا، عبد الجليل الزاوش، مصطفى صفر، محمد سعد الله، عزيز جلولي والشاذلي حيدر). وجل هذه الأسماء تعد من أنصار الحضور الاستعماري والتعاون معه.

وفي إطار التعريف بالبلْدية، الأسر المتساكنة مجال داخل الأسوار، نشر الباحث الضاوي خوالدية دراسة حول «الأسر والذوات التونسية في القرن التاسع عشر من خلال إتحاف أهل الزمان لأحمد بن أبي الضياف» مصنفا أصولها العربية والتركية والمملوكية (5).

ولم تتخلى دولة الاستقلال على تمشي إسناد رئاسة مجلس بلدية مدينة تونس إلى أصيلي أسر داخل الأسوار أي البلدية بدءا بأحمد الزاوش (19561957) إلى سيف الله الأصرم (أفريل 2011) والذي بلغ عددهم 15 وجلهم من الوطنيين الدستوريين والتجمعيين (علي البلهوان، أحمد الزاوش، حسيب بن عمار، فؤاد المبزع، عزالدين العباسي، حسن الممي، صالح عويج، زكرياء بن مصطفى، محمد علي بوليمان، أحمد بلخوجة، محمد علي بوليمان، عباس محسن، محمد الباجي بن مامي…).

واليوم، يبقى الرهان الجديد والحارق في انتخاب المجلس البلدي لمدينة تونس، الأول بعد تغيير 2011، ليس محصورا في مواصلة سياسة النظافة والتهيئة والمحافظة على التراث والتعصير ولكن في من سيترأس مجلسه  الشيخة مترشحة النهضة ومنافسة  النداء الذي اتخذ من شعار حضور المرأة التونسية في المجالس المنتخبة سواء كانت مهنية أو ذات صبغة عمومية فرس معركة لحملته الانتخابية والذي لم يفز بالأغلبية في الانتخابات البلدية الأخيرة؟ مهما تكن التنيجة، مسألة حضور البلْدية في رئاسة المجلس من عدمه أصبحت لاغية وفي عداد الماضي.

———————

الهوامش :

(1) حفناوي عمايرية ، الصحافة وتجديد الثقافة تونس في القرن التاسع عشر. تونس، المعهد الوطني للتراث / الدار التونسية للنشر، 1994.

(2) حبيب أولاد أحمد، المخيال والمدينة: مثال تونس في القرن التاسع عشر (18501881). أطروحة في علم الاجتماع، قرونوبل، 1977 (بالفرنسية).

(3) حفناوي عمايرية ، الصحافة وتجديد الثقافة، مرجع سابق، ص. 61.

(4) محمد العزيز بن عاشور ، فئات المجتمع البلْدي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. تونس، معهد الفنون والآثار، 1989 (بالفرنسية)

(5) د. الضاوي خوالدية،  الأسر والذوات التونسية في القرن التاسع عشر من خلال إتحاف أهل الزمان لأحمد بن أبي الضياف. تونس، طبعة ثانية، 2008.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING