الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تعرف دول المغرب العربي بتأثرها الشديد بأزمات الغذاء سيما تلك المتعلقة منها بالحبوب والخبز منذ عقود طوال. وبالتزامن مع ما تشهد تونس منذ فترة من مشاكل في التزويد بالسميد بسبب انهيار منظومة الحبوب وغيرها نتيجة سوء التصرف وعجز المالية العمومية عن مواصلة دعمها تتالت التحذيرات الدولية من توتّر اجتماعي بسبب ازمة خبز في تونس. وفي هذا الاطار، ذكرت دراسة أصدرها حديثا معهد دراسات الشرق الأوسط وهو مؤسسة بحثية مستقلة سياسيا تعني بالدراسات الجغراقتصادية أن المنطقة المغاربية ككل دخلت في أزمة أمن غذائي. وتشهد تونس والجزائر والمغرب مستويات تضخم في أسعار الغذاء منذ اضطرابات ما يسمى بـ “الربيع العربي” قبل عقد من الزمن. ووفق المعهد ساهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لا سيما الخبز في تأجيج حركات الاحتجاج الشعبية ضد نظام زين العابدين بن علي والأنظمة الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي المغرب العربي وغيره من بلدان الشرق الأوسط، أدت الاضطرابات الاجتماعية إلى إطلاق شرارة الإصلاح السياسي. وعلى الرغم من أن الأزمة الغذائية عجلت بالأزمة الاقتصادية المحلية والعالمية وكذلك الصدمة التي سببها وباء كوفيد-19 في عام 2020 وما تلاها في عام 2021 فإن الهشاشة الهيكلية للنظم الغذائية في تونس والجزائر والمغرب تتفاقم بسبب الفشل في تنفيذ التدابير المناسبة للتعامل مع تأثير زيادة ندرة المياه وتغير المناخ. وحسب دراسة معهد دراسات الشرق الأوسط تتمثل نقطة الضعف الرئيسية في المنطقة المغاربية في اعتمادها الشديد على واردات الحبوب، سواء للاستهلاك البشري أو كعلف للحيوانات. وقد ارتفع متوسط السعر العالمي للحبوب بنسبة 27.3٪ في سبتمبر 2021 مقارنة بشهر سبتمبر من العام السابق، واستمرت الأسعار منذ ذلك الحين في الارتفاع بمعدل أسرع. وصارت العائلات في تونس والجزائر والمغرب، تشعر بأزمة الغذاء. وظل سعر القمح اللين المستخدم في صناعة الخبز عند 271 دولارًا للطن في نهاية الثلاثي الثالث من عام 2021، بزيادة قدرها 22٪ مقارنة بالعام السابق. وارتفعت الأسعار في الثلاثي الرابع من عام 2021 مع تضاؤل المخزونات وشهدت الولايات المتحدة وكندا وروسيا والدول المنتجة في منطقة البحر الأسود ضعفا في المحاصيل بسبب الجفاف والصقي. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال ، يجب ألا يتجاوز مخزون القمح 580 مليون بوشل ( البوشل يساوي 27 كلغ) بحلول 1 جوان 2022 ، وهو مخزون لم تشهده منذ أكثر من 14 عامًا. كما تفاقم ارتفاع أسعار الحبوب بسبب ارتفاع تكاليف الأسمدة والغاز الطبيعي أو الفحم المستخدم في تصنيعها. وفي حالة سماد القمح، تأتي حوالي 80٪ من تكلفة الإنتاج من الغاز الطبيعي، والذي زاد سعره بمقدار خمسة أضعاف بالنسبة لمصنعي الأسمدة الأوروبيين وبنحو 1.5 مرة بالنسبة للمصنعين في الولايات المتحدة. أدت كل هذه العوامل استنادا الى معطيات الدراسة إلى ارتفاع سعر القمح اللين في مجلس شيكاغو للتجارة في 1 نوفمبر 2021 إلى 7.95 دولارات للبوشل، وهو ما يمثل ذروة بلغت 57٪ منذ 1 جويلية 2021 وسعر لم يشهد له مثيلا منذ جانفي 2013.
وكشفت أزمة الحبوب لعام 2021التي تعتبر بمثابة اختبار لحالة الاقتصاد والفلاحة والبيئة في المنطقة المغاربية، أن النظم الغذائية في البلدان المغاربية تمثل نقاط ضعف خطيرة يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي. وأصبح انعدام الأمن الغذائي المتزايد في تونس عاملاً دافعًا للوضع السياسي غير المستقر في البلاد خصوصا منذ 2014 . وفي الفترة التي أعقبت ذلك العام، ازداد انعدام الأمن الغذائي بمعدل متسارع. ووفقًا لمتوسط منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لمدة ثلاث سنوات، كان 25.1٪ من التونسيين بين 2018 و2020 في حالة من انعدام الأمن الغذائي المعتدل إلى الشديد مقابل 18.2٪ في ما بين 2014 و2016.
ورغم أن تونس حققت الاكتفاء الذاتي في منتجات الألبان والخضروات والغلال فانها لا تزال تعتمد بشكل كبير على مشتريات الحبوب من الخارج، حيث تستورد 50٪ من الحبوب المستخدمة للاستهلاك البشري و 60٪ من تلك المستخدمة في علف الماشية. ولقد تمت حماية المستهلكين التونسيين إلى حد ما من ارتفاع كلفة هذه الواردات الأجنبية من خلال دعم المواد الغذائية. لكن الصدمة الاقتصادية لكوفيد-19التي أعقبها ارتفاع أسعار الحبوب العالمية في مواجهة ظروف الجفاف المحلية تعني أن دعم المواد الغذائية في تونس لم يعد مستدامًا نظرًا لهشاشة المالية العامة.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 فيفري 2022