الشارع المغاربي – منير السويسي: حذّر مركز الأبحاث الأمريكي “كارنيغي” في دراسة حديثة حول تونس، من انضمام شبّان تونسيين “محبطين اقتصاديا” أو عائدين من سوريا أو ممنوعين من السفر إلى بؤر التوتر، إلى التنظيمات الإرهابية المتحصنة بالمرتفعات الغربية للبلاد التونسية.
وقال المركز في الدراسة التي تحمل عنوان “التمرد في المناطق الحدودية الغربية بتونس“ إن الجماعات الإرهابية في تونس تتحصّن و/أو تتحرك في جبال 5 ولايات “مهمشة” اقتصاديا هي القصرين والكاف وجندوبة وسيدي بوزيد وقفصة، والتي يبلغ تعداد سكانها مجتمعة حوالي مليون و800 ألف نسمة.
ولاحظ أن الولايات الخمس تشترك في محدودية الفرص الاجتماعية والاقتصادية، وأن سكانها يعانون من البطالة ومن “ضعف الوصول إلى التعليم وخدمات الرعاية الصحية“.
وأشار إلى أنه كان هناك “تفاؤل كبير” لدى سكان تلك المناطق بتحسن حياتهم اليومية عقب الثورة، إلا أنهم أصيبوا على مدى السنوات السبع الماضية بـ“الإحباط” لأن الحكومات المتعاقبة لم تفعل شيئا يذكر للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك الولايات التي يشعر شبابها بأن عزلتها “تعمّقت أكثر“.
وذكر أن “عددا صغيرا” من السكان في تلك المناطق أصبحوا، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، “إما مجندين أو مؤيدين” لـ“كتيبة عقبة بن نافع” التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو لمجموعة “جند الخلافة” الموالية لتنظيم داعش.
وقال إن المجموعتين الإرهابيتين “استفادتا” في السابق من “تدهور الوضع الاقتصادي في تونس ولا سيما في الشمال الغربي، وهذا أخطر شيء على الإطلاق” محذرا من خطر “ازدياد” نسبة المنخرطين في المجموعتين إذا “تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية” والمعيشية لسكان المرتفعات الغربية.
ولفت إلى أن عناصر المجموعتين تمكنوا من البقاء على قيد الحياة –رغم قساوة العوامل الجوية صيفا وشتاء، والضربات الأمنية والعسكرية المتتالية– بفضل حصولهم على “دعم” من بعض سكان المناطق التي يتحصّنون بها، مقابل “إغراءات مالية” كبيرة.
وقال المركز إن عدد المنتمين إلى المجموعتين الإرهابيتين “صغير“، وأنه“ليس لديهم القدرة على الاستيلاء على قرية ريفية صغيرة والاحتفاظ بها” وأن العمليات الإرهابية التي يرتكبونها حققت “نجاحا محدودا في تقويض (استقرار) الدولة التونسية“.
وحسب الدراسة ليس هناك في الشمال الغربي حاضنة شعبية للإرهابيين، والسكان الذين قد يتعاونون معهم يقومون بذلك لدوافع “مالية” وليست “إيديولوجية.
في المقابل، قال المركز إن عدد المنتمين إلى المجموعتين الإرهابيتين في المرتفعات الغربية “تضاعف أربع مرات” منذ سنة 2012، دون أن يذكر على أي أساس قام بهذه التقديرات، في حين تقدّر السلطات التونسية عددهم ببضع العشرات.
ووصف المركز الجرائم التي تنفذّها المجموعتان الإرهابيتان (استهداف قوات الأمن والجيش، زرع الألغام، قتل رعاة..) بأنها “تمرّد وليست حملة إرهابية طويلة الأمد“، لافتا إلى أن “أغلب” عناصر المجموعتيْن تونسيون “تمّ تجنيدهم من مناطق مختلفة في البلاد“.
وأفاد أن قوات الأمن والجيش التونسية قتلت خلال السنوات السبع الماضية 127 إرهابيا في المرتفعات الغربية، في حين استشهد هناك 118 عسكريا وأمنيا وأصيب أكثر من 200 آخرين.
وأضاف المركز أن الإرهابيين في الجبال التونسية المتاخمة للحدود الجزائرية “يستغلون تغيرات الوضع الإقليمي، سواء كان تدهورًا في الاقتصاد أو تراجعًا ديمقراطيًا في تونس، أو انتقالًا سياسيًا قد يثير احتجاجات في الجزائر“.
وقال إن “كتيبة عقبة بن نافع” تعمل “بشكل وثيق” مع تنظيم القاعدة في الجزائر، وأن الطابع “العابر للحدود” لهذا التعاون يفاقم التحديات الأمنية التي تواجهها تونس والجزائر خصوصا وقت الأزمات.
وتابع “بالنظر إلى قدرة المجموعات المسلحة في الشمال الغربي على الصمود، ينبغي على الحكومة التونسية والشركاء الدوليين إعادة تقييم نهجهم الاستراتيجي للصراع” مع الإرهابيين.
ودعا في هذا السياق السلطات التونسية إلى “البحث الاستراتيجي” في الظروف والأسباب التي ساعدت على ظهور واستمرار بقاء كتيبتي “عقبة بن نافع” و“جند الخلافة” في المرتفعات الغربية، معتبرا أنه “ما لم يحدث ذلك، فمن المؤكد تقريبا أن هذه الجماعات ستستمر وتهدد استقرار تونس“.
وفي هذا الجانب، ذكّر المركز بحالة الفراغ الأمني التي شهدتها تونس مباشرة عقب الثورة، وبـ“تبخّر” شبكات مخبرين على الحدود، كانوا يتعاونون مع أجهزة الأمن في مراقبة تسلل الإرهابيين، وبعملية “الكشف عن (هوية) هؤلاء المخبرين وتهديدهم” بالإضافة إلى تغيير قيادات الوحدات الأمنية ممّا “أعاق نجاعتها” مستحضرا بالخصوص حلّ جهاز أمن الدولة الذي كان ”يشرف على جمع المعلومات الإستراتيجية على الحدود”.
ووفق المركز فانه“بسبب تقسيم وزارة الداخلية، لم يكن لدى الإدارات (الأمنية) الأخرى سوى فهم ضئيل لإستراتيجية جمع المعلومات على الحدود، ولم تكن قادرة على الحفاظ عليها” و“بسبب حالة الفوضى، فقدت قوات الأمن التونسية قدرتها على المراقبة والتحكم في ما كان يحدث في الشمال الغربي فاستغل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وذلك ووضع موطئ قدم في البلاد.
وأضاف المركز أن عددا قليلا من القيادات الجزائرية في تنظيم القاعدة دخلوا التراب التونسي بعد الثورة و“ركزوا” على تجنيد سكان من المناطق الحدودية باستعمال “الإغراءات المالية” مستفيدين من حالة “الإحباط الاقتصادي” في تلك المناطق.
وقال إن الإرهابيين استقطبوا عناصر ينتمون إلى “أنصار الشريعة” من مناطق ساحلية، كانوا “أكثر التزاما” من الناحية “الايديولوجية“.
*رئيس “منتدى تونس للصحافة والمعلومات“.