الشارع المغاربي – ترامب يُنهي العولمة من بلد منشئها ومنعرج تاريخي ينتظر العالم

ترامب يُنهي العولمة من بلد منشئها ومنعرج تاريخي ينتظر العالم

قسم الأخبار

15 مايو، 2020

الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة اواخر سبتمبر الماضي، كشف الرئيس الامريكي بوضوح عن موقفه من العولمة كتجربة اقتصادية وسياسية انطلقت في بداية تسعينات القرن الماضي وغيرت وجه العالم نحو بروز صناع المال وتحويل مواطني دول بأكملها الى مجرد مستهلكين، في سياق يقترب تاريخيا والى حد بعيد من مراحل تطور النظم الاقطاعية وما تلاها من تغيرات وصراعات وحروب عصفت بالعالم طيلة قرون.
ودعا رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب دول العالم في خطابه إلى أن تحذو حذو بلاده وأن تفخر بتاريخها وإرثها الخاص مبرزا ان القادة الحكماء يضعون دائما مصلحة شعوبهم وبلدانهم، في المقام الأول. كما بين أن المستقبل لا ينتمي الى المنادين بالعولمة، وانما ينتمي إلى الوطنيين، حسب تعبيره.
الرئيس الامريكي والثبات على موقفه من العولمة
لم يحد دونالد ترامب عن توجهه في حواره يوم أمس الخميس 14 ماي 2020 لقناة تلفزيونية أمريكية حول طريقة التصرّف في الوباء والتوترات مع الصين. وكان الرئيس الأمريكي قد حمل بكين مراراً وتكراراً مسؤولية ما آل إليه الوضع الصحي في الولايات المتحدة.
وتدرس إدارة ترامب خيارات لمعاقبة الصين أو طلب تعويض مالي منها لما تراه افتقارًا للشفافية في التعامل مع الأزمة منذ ظهورها ورغبة في كتمانها مع ما انجرّ عن ذلك من أزمة اقتصادية وأخرى صحية لم يسبق حدوثهما.
وقال الرئيس أيضا إن العلاقات السيئة مع الصين أكّدت نهاية حقبة العولمة. وكشف عن رغبته في نقل مصانع الشركات المتعددة الجنسيات الكبيرة الموجودة في الصين خصوصا إلى الولايات المتحدة، بل ذكر أنه يمكن فرض ضرائب على الشركات الأمريكية لاجبارها على نقل مصانعها ووسائل الإنتاج إلى البلاد.
ويرى ملاحظون أنه يمكن لهذه المعطيات الجديدة أن تلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي الذي يعاني أصلاً بسبب إغلاق لمدة شهرين في معظم البلدان الصناعية إضافة إلى أنّ إمكانية دخول القوتين العالميتين الأوليين مرة أخرى في صراع اقتصادي وسياسي قد صارت أمرا شبه مؤكد الآن.
ووصل الأمر ببعض الخبراء إلى تشبيه الوضع الحالي بالحرب الباردة السوفياتية – الأمريكية رغم انتعاش التبادل التجاري بين البلدين ووصول واردات الولايات المتحدة من الصين في إلى 580 مليار دولار سنة 2018.
وعلى غرار الحرب الباردة السوفياتية – الأمريكية، ستؤدي حرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة هذه المرة إلى تقسيم العالم وفقًا لمعسكرات متناقضة وستفضي إلى نهاية العديد من الهيئات والمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية التي جمد دونالد ترامب إعانات الولايات المتحدة الامريكية الموجهة اليها والتي تقدر بنحو 500 مليون دولار سنويا إضافة إلى انخفاض كبير في نسق التجارة البينية والدولية.
وتجدر الإشارة إلى أنّه في نفس اليوم الذي تحدث فيه دونالد ترامب عن عقوبات وشيكة ضد الصين، أعلن المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، البرازيلي روبرتو أزيفيدو استقالته في نهاية شهر أوت القادم “لأسباب عائلية” قبل عام من نهاية ولايته، في سياق تمر فيه منظمة التجارة العالمية بأزمة خطيرة منذ شهور، إذ تمّ تعليق عمل المحكمة التي تبت في النزاعات التجارية بين أعضائها ولم تعد قادرة على الاعتماد على هيئة الاستئناف التابعة لهيئة تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية والتي منعت واشنطن تعيين قضاتها منذ 11 ديسمبر 2019.
منعرج تاريخي ينتظر العالم
يرى بعض المراقبين أنّ تصريحات الرئيس دونالد ترامب واستقالة مدير منظمة التجارة العالمية بمثابة ضربة لنظام اقتصادي عالمي معولم فيما أسهم الواقع الجديد الناجم عن أزمة وباء كورونا في إنهاء العولمة التي كشفت عن عالم مترابط لكنه مجزأ. ومن المتوقع ولادة نظام اقتصادي وسياسي جديد في أعقاب الأزمة يستعيد المقاربات السياسية والاقتصادية القائمة على سيادة الدول الوطنية وحتى على النزعات الانعزالية بريقها.
والسؤال حول مصير العولمة أصبح مطروحًا بإلحاح عندما استعادت التيارات القومية عافيتها في عدة بلدان وذلك تقريبا في كافة انحاء العالم خلال السنوات القليلة الماضية، وكلها بلورت حزمةً من الأفكار المضادة لاتجاهات ورموز العولمة الرئيسية من أول هجرة البشر إلى حركة التجارة إلى المؤسسات التي عبرت عنها، بشكل ما لم يعد ممكنًا تلاقي الأفكار القومية المعروفة حول دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع مع أفكار العولمة، أو حتى ما كان معروفًا بالنظام الدولي المتسم بحرية التجارة.
وأصبحت هذه التوجهات تميل بقوة نحو الانعزال والعزلة، والتقوقع داخل شرنقة الدولة القومية مع درجة كبيرة من التوجس في الدول الأخرى بما فيها تلك التي اجتمعت داخل تحالفات واندماجات وتكاملات عابرة للحدود الوطنية. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت هذه الاتجاهات الجديدة تأخذ أشكالاً عملية ظهرت في الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي فيما بات معروفًا بـ”البركسيت” وجاء انتخاب ترامب لكي يشكل ما هو أكثر من انتخاب رئيس جديد، وإنما ظاهرة متكاملة نعتها العديد من المختصين في الشؤون الجغراسياسية  بـ “الأمريكسيت”.
وفي وقت من الأوقات فإن المعارضة للعولمة جاءت من عنف التيارات الراديكالية، ولكن في الوقت الراهن فإن ظواهر التناقض في المجتمعات هي التي تفرض نفسها. وعندما يكون ضمن برنامج ترامب ليس فقط طرد المهاجرين من أمريكا اللاتينية، ومنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وإنما زيادة حادة في ميزانية الدفاع تصل إلى 20% حتى ناهزت 700 مليار دولار عام 2017 وينجم عنها زيادة كبيرة في حجم القوات الأميركية وقدراتها التدميرية. فهل هناك معنى آخر لكل هذا السلاح سوى أنه يكشف عن لحظة منذرة في التاريخ الإنساني؟.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING