الشارع المغاربي قسم المتابعات والتحاليل الإخبارية : اتّسم بيان رئاسة الجمهوريّة، الصادر اليوم الثلاثاء 6 مارس 2018، بقدر مهمّ من الوضوح في تبيان أسباب تمديد حالة الطوارئ بكامل التراب التونسي لمدّة 7 أشهر كاملة على غير العادة، لكنّه يحتاج لتوضيح الخلفيات التي تقف وراء هذه الخطوة غير المسبوقة.
ومن ثمّة فإنّ فترة حالة الطوارئ ستمتدّ هذه المرّة لمدّة سبعة أشهر كاملة ابتداء من يوم 12 مارس 2018 إلى غاية يوم 11 سبتمبر 2018، وذلك اعتمادا “تقييم الأوضاع الأمنيّة داخليّا وإقليميّا” التي استعرضها مجلس الأمن القومي خلال اجتماعه اليوم الثلاثاء بإشراف رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي.
تجدر الإشارة إلى أنّ أطول فترة تمديد لحالة الطوارئ في تونس كانت لمدة أربعة أشهر وذلك في جوان 2017. كما سبق أن مُدّدت حالة الطوارئ في شهر نوفمبر 2017 بثلاثة أشهر، ولكن في شهر فيفري الماضي عادت رئاسة الجمهورية إلى النسق العادي في تمديد حالة الطوارئ بشهر واحد من 10 فيفري إلى غاية 11 مارس 2018.
وممّا يُلاحظ أنّه حتى في أحلك الفترات التي مرّت بها تونس خلال السنوات الماضية، لم تصل فترة تمديد حالة الطوارئ إلى هذه المدّة، على غرار الاعتداءات الإرهابيّة الثلاث في عام 2015 التي استهدفت متحف باردو (18 مارس 2015) وفندق بسوسة (26 جوان 2015) وحافلة الأمن الرئاسي (24 نوفمبر 2015)، حين لم تمدّد حالة الطوارئ سوى بشهر واحد. وهو ما يعني أنّ رئاسة الجمهوريّة رأت هذه المرّة أنّ الوضع العام في البلاد تستوجب إطالة فترة حالة الطوارئ إلى نهاية الصيف المقبل.
وأرجع البيان ضمنيا تمديد مدة حالة الطوارئ إلى فترة أطول من العادة بكثير هذه المرّة إلى عدد الدواعي، وصفها بـ”آخر الاستعدادات لإنجاح المواعيد والمناسبات الوطنيّة الكبرى، وفي مقدمتها الانتخابات البلديّة وتأمين الموسم السياحي الصيفي وشهر رمضان المعظم”.
وطبعا فإنّ هذه المناسبات الثلاث، أي الانتخابات وشهر رمضان والموسم السياحي، لا تقف وحدها وراء إطالة فترة حالة الطوارئ. وهو ما لم يُخفه بيان رئاسة الجمهورية، ولو ضمنيا، فقد أكّد على مسألة ضرورة “تأمين المواقع الحيويّة لإنتاج الفسفاط والتسريع بعودة الانتاج وضمان ديمومته”، مُلمّحا بذلك إلى أنّ أجهزة الدولة لن تسمح خلال الفترة المقبلة باستمرار الاعتصامات في منطقة الحوض المنجمي. برز ذلك بوضوح في تأكيد بيان رئاسة الجمهورية “الحرص على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتطبيق القانون وحماية المصلحة العليا للوطن”.
وللإشارة فإنّ الحكومة كانت قد استخدمت قانون الطوارئ سابقا في ما عُرف بـ”الحرب على الفساد” منذ يوم 23 ماي 2017 لإيقاف عدد من رجال الأعمال وإيداع بعضهم في السجون وبعضهم الآخر قيد الإقامة الجبرية.
وتعطي حالة الطوارئ السلطات صلاحيات استثنائية واسعة مثل حظر تجوّل الأفراد والمركبات ومنع الإضرابات العمالية، وفرض الإقامة الجبرية وحظر الاجتماعات، وتفتيش المحلات ليلا ونهارا، وغيرها من الإجراءات الاستثنائية من دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء.
ولا شكّ أنّ رئاسة الجمهوريّة أرادت أن توجّه رسالة تحذير مضمونة الوصول إلى من تعتبر أنّهم يتسبّبون يوميًا في تعميق الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها البلاد، وتكبيد الدولة خسائر ماديّة فائقة جدّا، ولاسيما من امتهنوا الاعتصامات بمنطقة الحوض المنجمي التي تكاد تتسبّب في إفلاس إحدى أكبر الشركات الوطنيّة التونسيّة. ومع ذلك فإنّ السؤال المطروح هو: هل أنّ مؤسّسات الدولة المعنيّة قادرة اليوم على استرجاع شيء من هيبتها عبر افتكاك المبادرة والمضيّ قدما في تطبيق القانون أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون مجدّدا سوى ذرّ للرماد على العيون مثلما تعوّدنا سابقا؟!.