الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: نشرت منذ بداية العام الحالي ست هيئات مالية وبنوك عالمية ووكالات تصنيف سيادي تقارير مختلفة حول قدرة تونس على الايفاء بالتزاماتها المالية الخارجية، ابرزت بشكل مؤكد دخول البلاد في مرحلة التعثر المالي وذلك على وقع حصول التعثر فعليا في سداد ديون داخلية منذ شهر ماي الماضي.
غير ان وكالة بلومبرغ الامريكية وهي وكالة متخصصة في الدراسات والتقييمات الاقتصادية في العالم كانت قد نشرت نهاية الاسبوع الفارط تصنيفا للخمسة وعشرين دولة الاشد عرضة في العالم لمخاطر التعثر المالي اظهر تمركز تونس في المرتبة الثالثة دوليا والاولى عربيا، على هذا المستوى.
تقييمات سلبية متواترة
خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني ترقيم تونس السيادي في 21 اكتوبر الفارط، من B3 إلىCaa1 مع نظرة مستقبلية سلبية وهو ما اكدته وكالة ”فيتش رايتنغ” في 18 مارس الماضي بتخفيض ذات الترقيم من B- إلى CCC مع آفاق سلبية. غير ان بنك امريكا كان اول هيئة مالية دولية مرجعية اعتبرت تونس في 8 ديسمبر المنقضي بلدا مهدد بالعجز على الايفاء بالتزاماته المالية لتوريد مواد أساسية أهمها النفط والحبوب والدواء مع التأكيد على ان الاقتراض من صندوق النقد مقابل إصلاحات سريعة وكبرى أمر مستحيل.
ومن ثمة تواترت التقييمات المعلنة صراحة عن وجود تونس في لائحة الدول المعرضة بحدة للعجز عن سداد ديونها الخارجية وذلك بسبب تفاقم عجز الميزانية، من ناحية وتحول ديونها الى ديون غير قابلة للتحمل، من ناحية اخرى.
وحذّر، في هذا الإطار، أحد اكبر البنوك الاستثمارية في العالم وهو بنك “مورغان ستانلي”، في 21 مارس 2022 من توجه تونس نحو تخلف عن سداد ديونها إذا استمر التدهور في ماليتها العمومية. وقال البنك “في سيناريو يستمر معه المعدل الحالي لتدهور المالية العمومية، من المحتمل أن تتخلف تونس عن سداد ديونها” مضيفا أنه من المرجح أن يحدث ذلك العام القادم ما لم تتوصل البلاد سريعا إلى برنامح مع صندوق النقد الدولي وتجري تخفيضات كبيرة في الإنفاق.
وبينت من جهتها وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز غلوبال”، في تقرير اصدرته في 14جوان 2022 أن النظام البنكي التونسي من بين الانظمة الأكثر عرضة لمخاطر السيولة العالمية التي صارت نادرة ومكلفة بشكل متزايد. وارجعت الوكالة تقييمها الى قيام البنك المركزي بتشديد سياسته النقدية بشكل أسرع مما كان متوقعا، وهو ما يرجح زيادة كلفة الديون في الأسواق المالية الدولية. كما اوضحت الوكالة ان النظام البنكي التونسي معرض للتعثر إما بشكل مباشر بسبب استمرار ارتفاع قائم الديون الخارجية، أو بشكل غير مباشر من خلال التعرض لمخاطر تراجع قيمة سندات الاقتراض المصدرة من قبل الحكومة التونسية في الاسواق العالمية او باعتبار مزيد تفاقم ديون المؤسسات العمومية.
وخفضت وكالة “فيتش” بدورها في تقرير نشرته يوم 3 جويلية الحالي توقعاتها بخصوص الديون السيادية لـ 17 دولة جرى تخفيض ترقيم عشرة منها الى CCC ومن بينها تونس، بسبب مخاوف بشأن ارتفاع تكاليف الاقتراض العالمية واحتمال حدوث موجة جديدة من حالات التخلف عن السداد.
وضمت القائمة تونس وباكستان وسريلانكا الى جانب زامبيا ولبنان وغانا وإثيوبيا وأوكرانيا وطاجكستان والسلفادور وسورينام والإكوادور وبليز والأرجنتين، وروسيا، وبيلاروسيا، وفنزويلا.
وتشترك هذه البلدان، المدرجة في قائمة الدول المتخلفة عن سداد ديونها، في عاملين اساسيين يتمثلان في تراجع عائدات سندات القرض في الأسواق المالية إلى مستويات جد متدنية علاوة على عدم القدرة على مجابهة تداعيات الحرب في أوكرانيا واهمها ارتفاع التضخم واضطرابات التزويد بالمواد الاساسية وضعف النمو وازدياد معدلات الفائدة بما يرفع من تكاليف خدمة الدين العمومي. ووضعت فيتش نهاية الاسبوع الفارط تونس تحت الرقابة في معايير التصنيف مع امكانية مراجعة الترقيم CCC خلال الاشهر الست القادمة علما ان الوكالة تعتبر تونس والمغرب من بين أكثر البلدان المغاربية عرضة لتراجع سعر الأورو مقابل الدولار الأمريكي بحكم احتمال تأثير الركود في اوروبا على اقتصادهما نظرا لارتباطهما الوثيق على مستوى الصادرات بالأسواق الأوروبية، اذ توجه تونس 67 بالمائة من صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي بينما تستقطب أوروبا لوحدها 61 بالمائة من مجموع الصادرات المغربية.
تونس الدولة العربية الاعلى خطرا في سداد ديونها
أعدت وكالة “رويترز” نهاية الاسبوع الفارط تقريرا موجزا حول التعثر المالي الوشيك لعدد من البلدان رصدت فيه العلامات المشتركة بينها على مستوى التوجه نحو العجز عن سداد الديون وذلك استنادا الى وضعيات انهيارات اقتصادية وافلاسات دول سابقة. وتمركزت تونس في المرتبة الثالثة دوليا والاولى عربيا في قائمة تضم 25 دولة عاجزة ومفلسة أبرزها مصر والأرجنتين وأوكرانيا وإثيوبيا وباكستان.
وتتمثل علامات الانذار المبكر للعجز، حسب الوكالة، في انهيار العملات وتراجع مردود سندات القرض الحكومية في الاسواق المالية بما لا يقل عن 10 بالمائة في المدى القصير (32.1 بالمائة بالنسبة لتونس( وتراجع احتياطيات العملات الأجنبية بنسق سريع.
كما تمت الاشارة في هذا الصدد الى تخلف كل من لبنان وسريلانكا وروسيا وسورينام وزامبيا عن سداد اقساط من ديونها الخارجية، علاوة على وجود روسيا البيضاء على حافة الهاوية، وما لا يقل عن 10 دول أخرى أبرزها السلفادور وغانا وتونس مصنفة في منطقة الخطر في وضع يتسم بارتفاع تكاليف الاقتراض والتضخم والديون بما يؤجج المخاوف من الانهيار الاقتصادي لهذه الدول.
وتقدر قيمة ديون الدول العاجزة ماليا، حسب البيانات المفصح عنها، بحوالي 400 مليار دولار، يعود القدر الأكبر منها للأرجنتين وذلك في حدود 150 مليار دولار، وتأتي خلفها الإكوادور ومصر بديون تتراوح قيمتها بين 40 و45 مليار دولار.
ويأمل المتخصصون في الأزمات أن تستطيع دول كثيرة تجنب التخلف عن السداد، خاصة إذا هدأت الأسواق العالمية وتدخل صندوق النقد الدولي للمساعدة.
وبخصوص الحالة التونسية، فانه رغم وجود العديد من الدول الإفريقية التي قد تتجه إلى صندوق النقد الدولي، فان تونس تبدو أكثرها عرضة للخطر حيث يبلغ عجز الميزانية 10 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، وهو أحد أعلى مستويات عجز الميزانيات في العالم. كما أنه ووفقا لبنك مورغان ستانلي فإن تونس هي في قائمة الدول المتعثرة ماليا إلى جانب اوكرانيا والسلفادور كأولى الدول المتخلفة عن السداد.
في المقابل، لا تبدي السلط المالية التونسية اي تفاعل مع التقارير الصادرة حول العجز المالي لتونس رغم فداحته وبلوغه مستويات مخيفة بل ان الحكومة لم تصدر كسابقتها ومنذ 2012 اي تقرير حول الدين العمومي في ظل تضارب في الارقام المتعلقة به حيث تفيد المعطيات الرسمية ببلوغه 87.3بالمائة من الناتج المحلي في حين يبرز تقرير صادر في 11 نوفمبر 2021 عن المؤسسة الدولية للسياسات العامة المستدامة “هاينريش بل” تحت عنوان “خارطة الديون العامة الخارجية لتونس”، بلوغ مؤشر الدين العمومي التونسي 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 دون اعتبار ديون المؤسسات العمومية حيث يمكن ان تصل نسبة الدين باحتسابها الى 130 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي.
ويبرز التقرير ان الارقام المتعلقة بمديونية تونس متضاربة بين البنك المركزي التونسي ووزارة المالية ومعطيات البنك الدولي وان التضارب يتعلق في عدة حالات بمواقع هياكل إحصائية تونسية وأن الامر يصل الى حد تناقض في الأرقام تقع ملاحظته بمجرد ترجمة البيانات من لغة الى أخرى بمواقع الهيئات الإحصائية والاقتصادية الرسمية التونسية.
وأوضحت مؤسسة “هاينريش بل” ان إدارة الدين الخارجي للبلاد تجري باعتماد تطبيقة إعلامية تسمى SIADE طورها مركز الإعلامية لوزارة الإعلامية استنادا الى برمجة تعود الى عدة عقود خلت علما ان السلط التونسية لم تمتثل لتوصيات صندوق النقد الدولي في ما يهم اعتماد معايير الإفصاح المحاسبية الدولية الجديدة الخاصة بالمديونية مما حدا به الى رفض تسريح بعض أقساط القروض الخارجية دون اعتماد هذه المعايير.
ووفق المؤسسة، يمثل الدين الخارجي ثلاثة أرباع الدين العمومي التونسي مقابل 61 بالمائة حسب وزارة المالية، نصف الدائنين فيه مؤسسات مالية دولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، البنك الافريقي للتنمية) أو مؤسسات ملحقة بالدول الشريكة (الوكالة الفرنسية للتنمية، بنك الائتمان الالماني لإعادة التنمية )، تليها قروض من الأسواق المالية وتتبعها قروض مباشرة بين الدول.
وتمتلك دول بشكل مباشر 15 بالمائة من الدين العام الخارجي. وتعد فرنسا والسعودية أكبر دائني تونس حسب البيانات التي يبرزها التقرير علاوة على تأكيده انه كان من المفروض توجيه موارد الاقتراض ولو جزئيا للاستثمار والتنمية، وعلى ان الدولة التونسية لا تبذل اي جهد في هذا الاتجاه.
ودعت المؤسسة السلط المالية والنقدية الى إحكام التفاوض مع دائنيها لكسب هوامش مناورة حقيقية، في هذا الصدد، وصرف موارد مالية أقل من أجل وضع استراتيجية مناسبة لتحرير الاقتصاد وضمان نضجه.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 جويلية 2022