الشارع المغاربي: لا شك أن الوضع المتدهور جدا الذي تمر به البلاد سياديا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصل إلى مستوى خطير جعل من تونس رهينة في الداخل والخارج ومعروضة للبيع لم يعد ممكنا السكوت عنه لأن الصمت عن الحق جريمة.
ولتوضيح الصورة لابد من التذكير بالأزمة الاقتصادية اليونانية التي كانت تخفي أيضا في ثناياها معضلة سياسية عميقة بالدرجة الأولى مفادها أن الطبقة السياسية كانت تحكمها المحسوبية والنهب في ظل تناوب حزبين اثنين على السلطة منذ سقوط الحكم العسكري سنة 1974. أي منذ أكثر من أربعين سنة إلى أن وضع حزب «سيرازا» حدا لهذه السلطة الوراثية عند انتصاره في الانتخابات التشريعية الأخيرة في سنة 2015. ما هو جدير بالذكر هو أنه طيلة هذه المدة سيطرت ثلاث عائلات يونانية بطريقة وراثية على السلطة سواء من حزب «البازوك» الاشتراكي الذي تزعمته عائلة «بباندريو» أو من الحزب اليميني «الديمقراطية الجديدة» الذي تزعمته عائلة «كرامانليس» وعائلة «ميتسوتاكيس»، والذين منحوا اليونان ستة رؤساء حكومات وعشرة نواب منذ حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
كما بينت الدراسات الخاصة بالوضع اليوناني أن ظاهرة الفساد والمحسوبية والنهب سادت أيضا تصرف المسؤولين في الجهات وفي البلديات ونسأل الله السلامة لتونس رغم التخوفات المشروعة.
كما جاء أيضا في هذه الدراسة «أن الطبقة السياسية اليونانية كانت تتميز بوجهين وجها يُعرض في بروكسل وهو يتكلم الانقليزية ويعلن استعداده لإنجاز ما يسمى بـ«الإصلاحات» لتركيز مؤسسات الدولة ووجه يُعرض داخل اليونان حيث يُخيّر ترك الحبل على الغارب ولا يحرك ساكنا لتغيير الوضع»…هذا مع العلم أن الفساد والرشوة يعتبران ظاهرة منتشرة في اليونان. غير انه قبل أن يصبح عٌضوا في الاتحاد الأوروبي كان اليونان بعيدا عن التبذير ويحافظ إلى حد ما على توازناته المالية الداخلية والخارجية. ولكن ما أن انخرط في الاتحاد الأوروبي في جانفي 1981 حتى تغير التصرف عبر استسهال المال المتدفق والمتأتي من القروض من بروكسل والدخول في مرحلة التبذير وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج خاصة عبر التوريد المكثف الذي قضى على النسيج الصناعي الداخلي.
ما يلفت الانتباه أيضا في الوضع اليوناني ما تبين بالكاشف أثناء اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 2008 بأنه كان مُكبّلا بمديونية عالية تعمّدت الحكومة اليونانية إخفاء بعضها على الدائنين وذلك من خلال جمع أموال غير مٌحتسبة بالموازنات العمومية بالاعتماد على وسائل مالية تم وضعها من طرف بنك الاستثمار الأمريكي العالمي «قولدمان ساكس» « Goldman Sachs « في شكل مقايضة ضد مخاطر القروض «Swap de risque crédit» مكلفة ويتم إخفاؤها. كما أنه تم اكتشاف إخفاء نسبة كبيرة من العجز الحقيقي في ميزانية الدولة التي كانت في حدود 13 بالمائة والحال أن النسبة المُعلنة رسميا كانت في حدود 6,8 بالمائة تقريبا فقط. وهذه التصرفات التي لا تنم عن روح المسؤولية والتي أفقدت الثقة في الدولة في الداخل والخارج، ساهمت بقسط وافر في تعميق الأزمة اليونانية. هذه الأزمة التي دفع الشعب اليوناني ثمنها باهظا من خلال سياسات التقشف والضغط على الأجور بل وصل الأمر إلى فرض التقليص بنسب مرتفعة في منح المتقاعدين علاوة على الضغط الجبائي المستمر وعلى ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة البطالة. كما دفعت الحكومة اليونانية إلى التفويت في ممتلكاتها العمومية بما فيها الموانئ الهامة والمنتجعات السياحية وبعض الجزر. كما تم التفويت في 14 مطارا جهويا بقيمة أربعة مطارات فقط لشركات ألمانية بالأساس باعتبار ألمانيا من أكبر الدائنين وبالنظر للضغوطات التي تعرضت لها اليونان. هذا ويعتبر اليونان محظوظا بالمقارنة بالوضع في تونس بالنظر لوجوده كعضو في الاتحاد الأوروبي وفي منطقة الأورو الذي حصن اقتصاده من الانهيار التام. حيث لو كانت عملته «بالدراشما» اليونانية وفي حالة منهارة مثلما يجري اليوم بالدينار في تونس الذي فقد ما يناهز المرة ونصف المرة من قيمته منذ انطلاق اليورو في سنة 2002 حيث سُعّر آنذاك بقيمة 1.19 دينار للأورو الواحد مقابل ما يناهز 3,2 دينار اليوم. لقد نال الدائنون الكثير من السيادة اليونانية ولم يتمكن إلى اليوم من الخروج من الأزمة لأنه لم يتمكن من تغيير سياسته الاقتصادية المُكبّلة داخليا من طرف أقليّة استحوذت على القسط الوافر من الديون التي تحصلت عليها البلاد بتواطئ مع البنوك وتم تهريبها إلى الخارج حيث تحدثت بعض الدراسات على أن 10 بالمائة فقط من القروض الخارجية دخلت إلى خزينة الدولة بينما 90 بالمائة استفرد بها القطاع الخاص.
الخلاصة أن اليونان اليوم فاقد للسيادة يعيش من خلال جرعات الديون التي تُقسطها الترويكا المتكونة من البنك الأوروبي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. كما أجبر على التفويت في ممتلكاته العمومية الإستراتيجية وما زال. كما فقد نسيجه الصناعي وأصبح يلتجئ إلى التوريد الذي أصبح مصدرا أساسيا لتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج (من ذلك والدة رئيس الوزراء السابق «أندرياس بباندريو «ميرقرات بباندريو»متهمة من طرف رئيسة صندوق النقد الدولي «كريستين لقارد» بتهريب مبلغ 550 مليون أورو في بنوك سويسرية). كما أن القدرة الشرائية للمواطن اليوناني تقلصت بنسبة كبيرة جدا وشملت فئة المتقاعدين الذين فقدوا ما يقارب 40 بالمائة من منحهم الشهرية بين 2010 و2018. كما تحدثت عديد الدراسات الاجتماعية عن تفشي ظاهرة الإجرام والانتحار حيث أصبح المرضى لا يستطيعون المداواة نظرا للفقر الذي أصبح الشعب اليوناني يعانيه.
لقد تعمدنا الخوض في عمق الأزمة اليونانية حتى نعي مدى تقارب الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين اليونان وتونس بمعنى يؤكد أن نفس الأسباب تؤدي حتما إلى نفس النتائج.
بالرجوع إلى ما يجري في تونس منذ سقوط النظام السابق سنة 2011 يتبين بوضوح أن الوضع يتدهور من سنة إلى أخرى. كما تبين أن البلاد أصبحت رهينة لهيمنة حزبين اثنين على السلطة خاصة بعد انتخابات 2014 اللذين اتفقا على حكم البلاد بما سمي «بالتوافق» الذي أفقد البلاد فرصة لتكريس الديمقراطية حيث أن في الديمقراطيات الحقيقية كان على الحزب الثاني الفائز في الانتخابات أن يترأس المعارضة. كما تبين بوضوح عدم وجود أية إرادة سياسية من الطرفين لمراجعة السياسة الاقتصادية التي كانت مُتّبعة من طرف النظام والتي أدت لاندلاع ثورة الشباب ضد البطالة والفقر والتهميش. لا بل كرّست نفس السياسة المترابطة عضويا بولائها للقوى الإقليمية وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي الذي أحكم قبضته على البلاد. كما تبين عدم وجود إرادة سياسية لمقاومة الفساد وإصلاح مؤسسات الدولة بدأ بتركيز المؤسسات الدستورية ذات الأولوية كالمحكمة الدستورية ومرورا إلى إصلاح المؤسسات السيادية القضائية منها والأمنية وكذلك المؤسسات الاقتصادية ذات الأهمية القصوى.
وكنتيجة لهذا الوضع المتأزم نلاحظ أنه منذ عدة سنوات كثر الجدال حول المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية رغم أن أهم هذه المؤشرات لاتترك للشك مجالا للتأكيد على خطورة ما آلت إليه الأوضاع التي تستدعي شعورا عاليا بالمسؤولية وحس وطني كبير وبدون مزايدات. لمزيد تسليط الضوء على هذه المؤشرات نقدم الجداول التالية:
جدول حول تطور انزلاق قيمة الدينار مقارنة بالأورو في السنوات 2002 – 2010 و2017 2018– (المصدر: البنك المركزي التونسي)
هذا الانهيار المتواصل منذ 2002 يبين بوضوح أنه انهيار هيكلي يعكس وضع اقتصادي غير منتج ومتدهور لأن العُملة الوطنية كما معلوم تُعتبر مرآة تعكس الحالة الاقتصادية في البلاد. فهو إذا ليس وليد الثورة كما يدعيه العديد من السياسيين وحتى العديد من الخبراء أيضا. حيث نلاحظ أن الدينار التونسي فقد 59 بالمائة من قيمته مقابل اليورو على امتداد الثماني سنوات الأولى بين سنة 2002 وسنة 2010 باعتبار هذه الأخيرة سنة مرجعية. كما فقد الدينار في الثماني سنوات الأخيرة بين 2010 و2018 ما يناهز 63 بالمائة من قيمته. هذا الانهيار كانت له نتائج وخيمة على المديونية وعلى مستوى تنامي العجز التجاري وكذلك على مستوى ما يسمى «التضخم المستورد» وما نتج عنه من تدهور كبير للقدرة الشرائية للمواطن التونسي. كما نتج عنه انهيار تام للاستثمار الداخلي خاصة منه الصناعي الذي يعتبر المُحرّك الأساسي للتنمية في البلاد بالنظر لغلاء توريد التجهيزات الخاصة بالمصانع.
الغريب في الأمر أن هذا الانهيار الحاد والخطير، لأنه لم يبق في حدود معقولة تتراوح بين 10 أو حتى 20 بالمائة على طول كل المدة بين 2002 و2018 مثلما جرى للدرهم في المغرب الشقيق، يتم في صمت تام من طرف كل الحكومات التي تتالت على السلطة وإلى اليوم. والحقيقة لم يشهد العالم مثل هذا التصرف لأننا رأينا عديد الأمثلة التي تُبيّن تجنّد كامل للحكومات المسؤولة للذود عن قيمة العملة الوطنية التي تتعرض للانهيار بالنظر لما للتداعيات الوخيمة على الاقتصاد الوطني.
طبعا نحن نعلم أن هذا الانهيار الهيكلي والممنهج جاء نتيجة لتأثير الأطراف الخارجية الدائنة وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تأثيرات تحمل في طياتها أهداف أخرى أكثر خطورة. وهي في علاقة مباشرة بما يخطط له من تفويت في المؤسسات العمومية الذي بدأ التسويق له عبر وسائل الإعلام الموالية للسلطة في إطار قانون المالية لسنة 2019. والمعلوم أن تقييم المؤسسات العمومية المزمع التفويت فيها سيكون بالدينار التونسي المتدهورة قيمته مما سيسهل الاستيلاء عليها من الخارج عبر اليورو والدولار اللذين يُعدّان في أوجههما؟ كذلك نعتقد أن هذا الصمت الحكومي الخطير يُنذر بوجود قبول ضمني لتسهيل السيطرة على ثروات ومقدرات البلاد اثر إعلان الحكومة، وضمنيا يبدو بموافقة الحزبين الحاكمين على الأقل إلى حد الساعة، عن عزمها التوقيع على اتفاق منطقة التبادل الحر الشامل والمعمق والذي سيفتح المجال الواسع للأشخاص والمؤسسات في الاتحاد الأوروبي والغالب سيكون ذلك بتواطئ مع لوبيات محلية للسيطرة على العديد من القطاعات الهامة في البلاد خاصة أن هذا الاتفاق سيشمل القطاع الفلاحي وقطاعي الخدمات بما فيها قطاع التجارة.
أمام هذه المعطيات الموضوعية تبدو عديد الأسئلة وكثير من الشبهات التي تُبيّن أن البلاد أصبحت معروضة للبيع في صمت كامل من جميع الأطراف تقريبا باستثناء ما أعلنه الاتحاد العام التونسي للشغل في عديد المناسبات والذي تعرض من خلالها لهجمات شيطنة نرجو أن لن تنال منه. كما نرجو أن يكون موقف الاتحاد مبدئي ولا رجعة فيه حتى يُستبعد ما تم ترويجه من أن هذا الموقف لربما جاء لنصرة جهة متنافسة على السلطة ضد أخرى!
كما نلاحظ أيضا كثرة الجدل حول بعض المؤشرات التي تستدلّ بها الحكومة لتبين أن هناك انتعاشة اقتصادية بدأت تظهر منذ بداية سنة 2018 حيث سجلت نسبة النمو 2,6 بالمائة في السداسي الأول لهذه السنة. ولمزيد التوضيح نعرض الجدول التالي المُستمد من البنك الدولي والذي يُفصّل نسبة النمو من سنة 2010 إلى سنة 2017 بحساب الدينار القار أي بعد احتساب نسبة التضخم حتى لا يُحتسب هذا الأخير نسبة نمو ولكن قبل احتساب التدهور الخطير لقيمة الدينار القار مقارنة بقيمة الدولار الأمريكي الذي ارتفع كثيرا في هذه المدة. حيث أن هذا التدهور أصبح يُحتسب في نسبة النمو وهي طريقة غير سليمة لمعرفة حقيقة النمو في البلاد.
جدول حول تطور الناتج المحلي الإجمالي بالدينار القار بعد طرح نسبة التضخم وبالدولار الجاري لمعرفة مدى تأثير انزلاق الدينار مقارنة باليورو
(بحساب المليار دينار وبحساب المليار دولار) المصدر: البنك الدولي
وبدون أية مزايدات فقد بين هذا الجدول أن معدل نسبة النمو على مدى السنوات السبع بين سنة 2010 و2017 في حدود 2 بالمائة مما يدل على ركود لا يُمكن أن يضفي إلى تنمية مستدامة تمكن من خلق الثروة وخلق مواطن شغل هامة خاصة في القطاع الخاص. كما أن المتأمل في نسبة النمو في السداسي الأول من سنة 2018 يتبين أن أساسها يعتمد على ظروف موسمية تتعلق بالإنتاج الفلاحي خاصة في الزيتون والتمور. كما أن تصدير زيت الزيتون الذي عرف نموا استثنائيا في بداية هذه السنة نتج عن قرار خاص من الاتحاد الأوروبي لتصدير كميات إضافية وهي حركة تدخل في سياق حرصه على التسويق من أجل التوقيع على اتفاق منطقة التبادل الحر الشامل والمعمق والذي يعتبره الطرف الأوروبي موضوعا استراتيجيا هاما بالنظر لما يستهدف له الاتحاد الأوروبي من تشكيك خاصة بعد خروج بريطانيا أو ما يسمى بـ«البريكسيت».
إذا ما أضفنا إلى هذه المؤشرات بعض المعطيات المخفية على العموم والهامة جدا والمتعلقة بقدرة الاقتصاد التونسي على خلق مواطن الشغل خاصة في القطاع الخاص الذي يتميز البعض منه المتكون من المجموعات الكبرى بنيل القسط الأعظم من القروض البنكية كما يتبين من التقارير السنوية للبنك المركزي. حيث نلاحظ أن المعدل السنوي لخلق مواطن الشغل في كامل القطاعات الخاصة المنظمة بين سنة 2000 وسنة 2016 يتراوح في حدود 15,3 ألف موطن شغل فقط سنويا بينما يعد عدد طالبي الشغل الوافدين سنويا على سوق الشغل في حدود 85 ألف. طبعا هذا بقطع النظر عن عدد العاطلين عن العمل المسجلين والذين يتراوح عددهم بين 650 ألف إلى ربما 800 ألف عاطل. بمعنى أنه لو اعتبرنا استيعاب العاطلين الحاليين في حدود 650 ألف شخص في مدة العشرة سنوات القادمة مع ضرورة استيعاب الوافدين الجدد سنويا يجب خلق 150 ألف موطن شغل في القطاع الخاص لكي يتم التقليص في نسبة البطالة في البلاد في حدود مقبولة عالميا. ما يجري اليوم أبعد عن هذا الافتراض بكثير مع الأسف.
لمزيد التوضيح نعرض الجدول التالي الصادر عن المعهد الوطني للإحصاء تحت عنوان: إحصائيات الدليل الوطني للمؤسسات الخاصة الصادر في سنة 2017.
تطور عدد مواطن الشغل في القطاع الخاص المنظم
هذا الجدول يبن أنه في المدة بين سنة 2000 وسنة 2016 تم خلق 244305 مواطن شغل على مدى 16 سنة أي بمعدل 15,3 ألف موطن شغل في السنة كما ذكرناه سالفا.
إذا ما أضفنا أخيرا ما صدر عن البنك المركزي مؤخرا من أن رصيد الدولة من العملة الأجنبية آخذ في التآكل ولا يغطي إلا 70 يوم توريد. وهو ما يتعارض مع ما صرح به كاتب الدولة للتجارة الخارجية من أن نسبة التصدير ارتفعت في الثلاثي الأول والثاني بمعدل 20 بالمائة وهو طبعا يحتسب في تصدير الشركات الغير مقيمة والمصدرة كليا التي لا تسترجع مداخيل التصدير كما ينُصّ على ذلك قانون الصرف للبنك المركزي والذي يُؤكده كلا من البنك المركزي في تقاريره الثلاثية. كما تعترف بذلك المحاسبة العمومية الفرنسية مثلا التي تُؤكّد بالنص «أن المواد التي يتم توجيهها للخارج من أجل تحويلها لا تعتبرها تصديرا وأن المنتوجات التي يتم إرجاعها لا تعتبرها توريدا وإنما تُعتبر خدمات صناعية». هذه الخدمات يجب احتسابها في ميزان الخدمات وليس في الميزان التجاري للمنتوجات. غير أن الحكومة التونسية تُصر على احتساب هذه المبادلات التي تتم بدون تحويلات مالية لا توريدا ولا تصديرا في الميزان التجاري سعيا لتقليص العجز المهول الذي تشهده البلاد وهذا أمر مستراب يرتقي إلى مستوى لا يمكن السكوت عنه حقيقة لأنه تجاوز كل الحدود المعقولة. والدليل على ذلك أنه في تونس تتحدث الحكومة على زيادة هامة في التصدير ولا نرى لها أي أثر على رصيد الدولة من العملة الأجنبية ولا على تعزيز قيمة الدينار. مما يؤكد التجاوزات التي أشرنا إليها منذ عدة سنوات. هذا زيادة على ما أكده محافظ البنك المركزي السابق والحالي من أن عدد السياح يتطور ولكن مداخيل السياحة لم يتم تحويلها وهو ما يطرح نقاط استفهام خطيرة جدا عما يجري من تجاوزات في حق الأمن القومي للاقتصاد الوطني.
لذلك نرى أنه لابد من مصارحة الشعب عما يجري ومطالبة الحكومة وكل المسؤولين على إدارة الدولة سواء على مستوى رئاسة الجمهورية وعلى مستوى مجلس نواب الشعب وكذلك على مستوى الحزبين الأساسيين المسؤولين على شؤون البلاد بأن يهتدوا لخطورة ما يجري في البلاد من تجاوزات حيث نلاحظ حرص المسؤولين للتوقيع على اتفاقية خطيرة بنفس الأسلوب الذي اتبعه النظام السابق عند التوقيع على اتفاق الشراكة في سنة 1995 بمعنى بدون تفويض من المجلس وبدون دراسات وطنية معمقة بدون استشارة الشعب التونسي وبالمقابل نلاحظ الإمعان في التغافل المستمر والخطير خاصة على مستوى كتابة الدولة للتجارة الخارجية على تطبيق قواعد المنظمة العالمية للتجارة لحماية ما تبقى من المؤسسات الوطنية التي تضمن الشغل للمواطنين وتعزز خزينة الدولة وتعزيز رصدها من العملة الأجنبية . كما أن الدولة مدعوة لتفعيل حق الحماية بالنظر لتدهور ميزان الدفوعات وهو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة التي ارتهنت سيادة البلاد ومستقبل أبنائها حيث ثبت من نسبة المديونية المرتفعة أن كل مواطن تونسي أصبح مدينا اليوم بما قيمته 6080 دينار مقابل 2480 دينار فقط في سنة 2010. إن الوضع شديد الخطورة ينذر بما لا يحمد عقباه ولا يحتمل الانتظار.