الشارع المغاربي – تونس‭ ‬ضحية‭ ‬تناقضاتها‭ ‬ونكث‭ ‬تعهّداتها / بقلم:عز الدين سعيدان

تونس‭ ‬ضحية‭ ‬تناقضاتها‭ ‬ونكث‭ ‬تعهّداتها / بقلم:عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

13 أبريل، 2023

الشارع المغاربي: تونس‭ ‬لم‭ ‬تقترض‭ ‬دولارا‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬1993‭ ‬إلى‭ ‬2013‭  ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تونس‭ ‬سددت‭ ‬آخر‭ ‬قرض‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬سنة‭ ‬1993‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬تاريخ‭ ‬استحقاق‭ ‬القرض‭ ‬بثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬مما‭ ‬أعطى‭ ‬لتونس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬صورة‭ ‬ناصعة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬ولدى‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬المانحة‭. ‬

2013‭ ‬ – ثم‭ ‬بدأت‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬تسوء‭ ‬منذ‭ ‬2012‭ ‬ممّا‭ ‬اضطرّ‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬الى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬وقد‭ ‬تقدمت‭ ‬آنذاك‭ ‬تونس‭ ‬بطلب‭ ‬قرض‭ ‬إلى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬مرفوقا‭ ‬ببرنامج‭ ‬إصلاحات‭ ‬تعهدت‭ ‬به‭ ‬الحكومة‭ ‬التونسية‭ ‬ولكن‭ ‬تونس‭ ‬لم‭ ‬تنفذ‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التي‭ ‬تعهدت‭ ‬بها‭ ‬وتمت‭ ‬معاقبتها‭ ‬بإلغاء‭ ‬القسط‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرض‭.‬

2016‭ ‬ ‬- في‭ ‬2016‭ ‬تقدمت‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بطلب‭ ‬قرض‭ ‬إلى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬وكان‭ ‬الطلب‭ ‬مرفوقا‭ ‬ببرنامج‭ ‬إصلاحات‭ ‬تعهدت‭ ‬بها‭ ‬حكومة‭ ‬يوسف‭ ‬الشاهد‭. ‬وقد‭ ‬علّلت‭ ‬السلط‭ ‬التونسية‭ ‬طلب‭ ‬القرض‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بالدستور‭ ‬الجديد‭ ‬والانتخابات‭ ‬الجديدة‭ ‬والحكومة‭ ‬الجديدة‭. ‬أما‭ ‬برنامج‭ ‬الاصلاحات‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬نفس‭ ‬برنامج‭ ‬2013‭. ‬ولكن‭ ‬السلط‭ ‬التونسية‭ ‬لم‭ ‬تنفذ‭ ‬مرّة‭ ‬أخرى‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التي‭ ‬تعهدت‭ ‬بها‭ ‬ممّا‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إلغاء‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القرض‭ : ‬1‭,‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬2‭,‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬كما‭ ‬تسبب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬مصداقية‭ ‬تونس‭ ‬لدى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والجهات‭ ‬المانحة‭ ‬الأخرى‭.‬

في‭ ‬الأثناء‭ ‬تدهورت‭ ‬كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬وتراكمت‭ ‬الدّيون‭ ‬وتمت‭ ‬مراجعة‭ ‬التصنيف‭ ‬الإئتماني‭ ‬عشر‭ ‬مرات‭ ‬إلى‭ ‬الأسفل‭ ‬ممّا‭ ‬جعل‭ ‬تونس‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تعبئة‭ ‬أية‭ ‬موارد‭ ‬مالية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬انعدام‭ ‬إمكانية‭ ‬الدخول‭ ‬الى‭ ‬السوق‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭.‬

اللّجوء‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬قصوى‭ ‬خطيرة

نذكر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الحلول‭ ‬الاقتراض‭ ‬المشط‭ ‬بالدينار‭ ‬لدى‭ ‬الجهاز‭ ‬البنكي‭ ‬والمالي‭ ‬التونسي‭ ‬ممّا‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬التضخم‭ ‬المالي‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬تمويل‭ ‬لعجز‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬البنوك‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬تضخم‭ ‬مالي‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬التمويل‭ ‬يعتبر‭ ‬لجوءا‭ ‬إلى‭ ‬طبع‭ ‬أوراق‭ ‬نقدية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬طبعا‭ ‬ماديا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬أيضا‭ ‬بـ‭ ‬Planche à billets‭.‬

كما‭ ‬نذكر‭ ‬أيضا‭ ‬اقتراض‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬التونسية‭ ‬بالعملات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬الحلول‭ ‬وقد‭ ‬تحدثنا‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭.‬

من‭ ‬الحلول‭ ‬الخطيرة‭ ‬أيضا‭ ‬عدم‭ ‬تسديد‭ ‬مستحقات‭ ‬الدين‭ ‬الداخلي‭ ‬بالدينار‭ ‬وبالعملات‭ ‬وإعادة‭ ‬جدولتها‭ ‬إلى‭ ‬تواريخ‭ ‬لاحقة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬2033‭.‬

وتبقى‭ ‬السلط‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬إنكار‭ ‬كامل‭ ‬لهذه‭ ‬الحلول‭ ‬الخطيرة‭ ‬وخاصة‭ ‬منها‭ ‬طبع‭ ‬الأوراق‭ ‬النقدية‭ ‬الذي‭ ‬تجاوز‭ ‬مستوى‭ ‬خمس‭ ‬مليارات‭ ‬دينار‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬وكما‭ ‬تجاوز‭ ‬مستوى‭ ‬أربعة‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬نلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬النسق‭ ‬التصاعدي‭ ‬الخطير‭.‬

2021‭ ‬ – منذ‭ ‬أفريل‭ ‬2021‭ ‬وتونس‭ ‬تتناقش‭ ‬وتتفاوض‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬الدولي‭ ‬وتتفاوض‭ ‬معه‭ ‬قصد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬جديد‭ ‬نظرا‭ ‬لتفاقم‭ ‬الصعوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬وبعد‭ ‬عناء‭ ‬شديد‭ ‬توصلت‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬إتفاق‭ ‬مبدئي‭  ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬اتفاق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬خبراء‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬قصد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬بمبلغ‭ ‬1‭,‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬مقابل‭ ‬برنامج‭ ‬إصلاحات‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬البنود‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬وسنة‭ ‬2016‭. ‬وقد‭ ‬صرّح‭ ‬الفريق‭ ‬المفاوض‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬ووزير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتخطيط‭ ‬ومحافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬أن‭ ‬برنامج‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الذي‭ ‬تقدمت‭ ‬به‭ ‬السلط‭ ‬التونسية‭ ‬هو‭ ‬برنامج‭ ‬تونسي‭ ‬بحت‭ ‬وأنه‭ ‬اشتغل‭ ‬عليه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬مائة‭ ‬خبير‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬وأنه‭ ‬نال‭ ‬إعجاب‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭.‬

هذا‭ ‬يعني‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬إملاءات‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭. ‬ولكننا‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬نرفض‭ ‬إملاءات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أساسا‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭. ‬وعمّاذا‭ ‬تفاوض‭ ‬الفريق‭ ‬المفاوض‭ ‬التونسي؟‭ ‬ولماذا‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬الاتفاق‭ ‬المبدئي‭ ‬بتاريخ‭ ‬15‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭ ‬كانتصار‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاته‭. ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬ورئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬المحادثات‭ ‬التقنية‭ ‬والمفاوضات‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي؟‭ ‬هل‭ ‬تريد‭ ‬السلط‭ ‬التونسية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬القرض‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬دون‭ ‬القيام‭ ‬بالإصلاحات‭ ‬التي‭ ‬بالأساس‭ ‬لم‭ ‬يفرضها‭ ‬علينا‭ ‬أي‭ ‬طرف‭. ‬ولكنها‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬بإلحاح‭ ‬شديد‭ ‬نظرا‭ ‬لتأخر‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بالإصلاحات‭ ‬منذ ‭ ‬2013؟

لمّا‭ ‬سئل‭ ‬وزير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ووزيرة‭ ‬المالية‭ ‬ومحافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بديل‭ ‬لقرض‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬عدم‭ ‬التوصل‭ ‬الىِ‭ ‬اتفاق‭ ‬نهائي‭ ‬وصرف‭ ‬القسط‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرض‭ ‬كان‭ ‬الجواب‭ ‬دائما‭ : ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬بديل‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬مخطط‭ ‬بـ‭ ‬Plan B‭. ‬ولكن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬رفض‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬أفريل‭ ‬2023‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ “‬إملاءات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭” ‬وجزم‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬بديلا‭. ‬البديل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نعوّل‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬كيف‭.‬

اجتماعات‭ ‬الربيع‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي

ترفض‭ ‬تونس‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬ولكن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تسدد‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬2‭,‬4‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ )‬أو‭ ‬حوالي‭ ‬8‭ ‬مليارات‭ ‬دينار‭ ( ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬خلال‭ ‬الخمس‭ ‬سنوات‭ ‬القادمة‭. ‬2023‭ ‬–‭ ‬2027‭ ‬

تونس‭ ‬ترفض‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يشارك‭ ‬وزير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ومحافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬الربيع‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬إلى‭ ‬16‭ ‬أفريل‭ ‬2023 ‬بأي‭ ‬برنامج‭ ‬وبأي‭ ‬هدف‭ ‬يا‭ ‬ترى؟.

تونس‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬تناقضاتها‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬انسداد‭ ‬الأفق‭ ‬وتعمق‭ ‬خطير‭ ‬للأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 افريل 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING