الشارع المغاربي – تونس على شفا الفوضى والانهيار/ بقلم: كوثر زنطور

تونس على شفا الفوضى والانهيار/ بقلم: كوثر زنطور

قسم الأخبار

4 فبراير، 2022

الشارع المغاربي: “تونس فوتت فرصا ثمينة لانعاش اقتصادها واليوم قد يتطلب الخروج من الازمة ما لا يقل عن 15 سنة “. هذه الجملة التي يتم تناقلها  على لسان احد المسؤولين بمؤسسة مالية دولية خلال لقاءات عقدها وهو يهم بمغادرة البلاد تنضاف اليها تقارير مفزعة اهمها تقرير المنتدى الاقتصاد العالمي الذي يضع تونس ضمن الدول التي تهددها مخاطر انهيار الدولة وتقرير مركز الازمات الدولية الذي صنف تونس في قائمة  10 دول مهددة بصراعات مميتة.

شهر جانفي 2022 هو شهر التقارير السوداء التي زادت الوضع ارباكا اكثر مما هو عليه  أصلا. تقارير متتالية صادرة عن كبريات المنتديات ومراكز التفكير الدولية المعتمدة لدى صناع القرار في العالم  تصب كلها في ان الدولة تعيش احدى احلك ازماتها منذ الاستقلال وأنها مهددة بالانهيار والفوضى. لا نعلم ان كان  رئيس الجمهورية قيس سعيد القائم بجل السلطات في البلاد بصدد اعادة ترتيب اولوياته نحو البوصلة الوطنية  بما يستجيب للتحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية أم انه لا يزال في حالة انكار ويتعاطى مع تلك التقارير على أنها نتاج “لوبيينغ” خارجي “ضخت له مئات ملايين الدنانير” لتشويه صورة تونس في الخارج من قبل “خونة ومتآمرين لا يريدون خيرا لبلادهم” .

واقع مخيف والقادم أسوأ 

شكل التأخير غير المسبوق في صرف اجور العاملين بالقطاع العمومي والوظيفة العمومية والذي تجاوز بالنسبة لبعض القطاعات الـ10 ايام بالتمام والكمال رجة حقيقية فتحت  للمرة الاولى الباب امام تساؤلات مرفوقة بمخاوف حول مدى قدرة الدولة على مواصلة الايفاء بالتزاماتها الداخلية الدنيا منها على غرار نفقات التأجير. هذه الفرضية  طُرحت  طبعا سابقا في شكل تحذيرات متكررة وملحة تم التعاطي معها في المجمل  بالنفي القاطع او باتهام الخبراء بخدمة اجندات سياسية وبالتهويل حتى تحولت التحذيرات الى واقع مخيف ينذر بالاسوإ.

الاسوأ قادم لا محالة ان تواصل الحال على حاله من شلل وانعدام كفاءة وشغورات في مناصب حساسة  وفوضى عارمة على رأس دولة يقودها  رئيس متهم اليوم ببيع الاوهام لاسيما بعد تجاهله الوضع الاقتصادي والمالي عبر خروجه الاستعراضي منذ ايام موجها تعليمات لوزير النقل تقضي بالانطلاق في دراسات  حول مشروع قطار سريع يمكن القول انه ثاني مشروع عملاق  “خيالي” للرئيس  بعد مشروع “مدينة الاغالبة الصحية” الذي عُقدت حوله الاجتماعات بحضور كوادر عليا من الهندسة العسكرية وكانت للرئيس زيارة ميدانية لمنطقة “منزل المهيري” التابعة لولاية القيروان اين ستشيد المدينة على مساحة جملية تقدر بـ 550  هكتارا وبطاقة تشغيلية تتجاوز الـ50 الف موطن شغل وطلب تمويلات لانجازها من فرنسا وقطر.

وتشكو الدولة بخلاف ازمة في تعبئة موارد لخزينتها بعد استنفاد كل منافذ التداين من أزمة حوكمة غير مسبوقة تكشف شهادات مخضرمين في الادارة  حدتها وخطورتها في وزارات يقودها وافدون على السلطة بلا أية كفاءة ومنحت لهم المناصب استنادا الى الولاءات وبنفس سياسة ” التمكين” التي اطلقتها حركة النهضة وكشفت حصيلة عشرية الفشل انها مثلت داء نهش جسد الدولة. ورغم ذلك واصل فيها قيس سعيد بشعار التطهير والشعب يريد والانخراط في تشكيل نخبة جديدة تتكون من “الهوامش”  من جماعته الذين انخرطوا في خدمة “المشروع”  رغم تذكير معارضين لمسار 25 جويلية بأن هذا الانخراط  سيفتح عليهم باب التتبع القضائي استنادا الى الفصل 96 الشهير.

هذه الوضعية لخصها وزير سابق في حديث لـ”الشارع المغاربي” تطرق فيه الى انهيار الادارة مستدلا في ذلك على استعانة الحكومة بمؤسسات استشارات اجنبية لاعداد  وصياغة البرامج ذاكرا منها برنامج الاصلاحات الذي وُجه مؤخرا الى صندوق النقد الدولي. واعتبر ان ما آلت  اليه الاوضاع داخل اجهزة الدولة نتاج لما شهدت من سياسات قادتها احزاب ليس لها من برامج سواء البقاء في السلطة وكلفت الادارة خسارة اكثر من 70 في المئة من اهم كفاءاتها. وتقول الكواليس ان حالة الفوضى السائدة جعلت مثلا احد مديري دواوين اهم الوزارات الاقتصادية “يهرب بجلده”. ويقول مصدر موثوق به ان  “ما يحدث في  اجتماعات رفيعة المستوى يندى له الجبين” و”يمثل اهانة للدولة التونسية” ذاكر منها اجتماعا مع مملثين للبنك الدولي واجابات عدد من الوزراء التي يقول المصدر انها “تنم عن  جهل بأبجديات التفاوض مع المؤسسات الدولية المانحة ” وان ذلك كان سببا من أسباب غياب أية مرونة لدى هذه المؤسسات وهي تكتشف الماسكين الجدد بملف المفاوضات ومساعديهم.

كثيرون  يرون ان الخطر الداهم على الدولة ناتج عن تراكمات سنوات  بلا اي منجز جراء سوء تصرف قد يبلغ درجة الاجرام وضُربت خلالها مختلف محركات اقتصادها وزادت تداعيات جائحة كورونا من حدة ازماتها  بافلاس الاف من المؤسسات. هذا الخطر سيبقى ” جاثما” وينذر بالاخطر مع انحراف  الحكومة  عن  الانكباب على أولوية الاوليات والتي تتمثل في البحث عن حلول للانقاذ قد يبدو مهمة صعبة مع حالة العزلة الدولية التي يتجاهلها رئيس الجمهورية.

 الانهيار والفوضى

خلال الموجة  السابقة من جائحة كورونا احتضنت وزارة الداخلية اجتماعا يعد الاول من نوعه في تاريخها ضم كبار المديرين العامين مع نخبة من الصحفيين والاعلاميين. الموضوع كان حارقا بالنسبة لكبار مسؤولي الوزارة ويتعلق بالسيناريوهات التي قد تنتج عن تفاقم الوضع الوبائي وانهيار المنظومة الصحية والتداعيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لاجراءات اقرتها الحكومة لتطويق الازمة والتي تعني “الجوع” لاكثر من مليوني عائلة تحت خطر الفقر واكثر من مليوني تونسي بين البطالة والعمل اليومي أو من أصحاب المهن التي تضررت جراء قرارات الغلق.

الوزارة  وضعت سيناريو “الأسوأ” وصدمت تفاصيله “المرعبة” الحاضرين  التي تتضمن حالة “فوضى” عارمة  و”حرب شوارع” واجرام في اشكال غير مسبوقة. العودة لتلك التفاصيل بعد اكثر من 8 اشهر أو سنة على اقصى تقدير  ليس من باب بث الرعب مثلما ذهب الى ذلك احد المديرين العامين بعد انتهاء الاجتماع وهو ينفي طرح هذا السيناريو للاعداد  لحكم البلاد  بـ”قبضة من حديد”، بقدر ما يكشف عن مخاطر الازمة الاقتصادية والمالية على السلم الاجتماعي وأولها الفوضى وأحداث عنف لم تستبعدها من جهتها التقارير الاخيرة  الصادرة عن جهات دولية ذات مصداقية عالية ونبّه إليها مؤخرا امين عام الاتحاد العام التونسي للشغل وسماها بثورة الجياع التي قد تذهب وفق قوله  بالاخضر واليابس  وحذر قبله عديدون من “ثورة دموية” لا تشبه قطعا ما سمي بـ” ثورة الياسمين”. 

في نفس السياق وبالحديث عن التحذيرات،  عقدت منذ ايام قليلة سلسلة اجتماعات ضمت فاعلين في الاقتصاد والاحصاء وعلم الاجتماع وخبراء دوليين متواجدين منذ مدة  في تونس ودبلوماسيين  خصصت لـ” التداول حول الازمة الراهنة”. من بين ما طرح  وقد يكون الاهم ما جاء على لسان مسؤول بمؤسسة مالية دولية  حذر من  تواصل اهدار فرص الاصلاح التي شدد على انها  قد تكلف هذه المرة  البلاد ما لا يقل عن 15 سنة حتى تسترد أنفاسها. وذكر في سياق متصل بمأساة  لبنان الذي انهار سنة بعد رفض السياسيين الاصلاحات ويعيش هذا البلد اليوم  ازمة وصفها البنك الدولي بأنها ” تحدث مرة في القرن” و قال انها “من بين أسوإ 3 أزمات في العالم خلال  الـ150 سنة الاخيرة”.

وحسب تقرير البنك سيحتاج لبنان الى ما بين 12 و19  سنة حتى يتعافى اقتصاده  فيما احتاجت الشيلي لـ16 سنة حتى تعافى اقتصادها من انهيار 1926. اما إسبانيا  فقد استغرق تعافيها بعد  حربها الأهلية في الثلاثينات 26 عاما.  وتونس مهددة بسيناريو لبنان  الذي انهار، حسب نفس التقرير بسبب ما أسمته المؤسسة المالية المذكورة  بـ”قدرة الحكومة اللامحدودة على إلحاق الضرر بنفسها”. هذا يذكرنا  بما يحدث اليوم  مع حكومة نجلاء بودن ومن ورائها الحاكم بأمره رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي قد يكون تناسى ان الاقتصاد والذي ان كان لا يتحمل مسؤولية ما آل اليه من انهيار، فإنه مسؤول منذ 25 جويلية على حسن ادارة الازمة وعلى تقديم الحلول والبدائل  لمواجهة انهيار اقتصادي وشيك يمثل المعارض الحقيقي وربما الاوحد  له.

والرئيس الذي اغرق بالتقارير الامنية ، حسب شهادات بعض ممن كانوا مستشارين معه في الرئاسة، والذي “افحم الجماهير” عند انتقاده وكالات التصنيف الدولية بنعتها بـ”أمك صنافة”، يعول على اتفاق مع صندوق النقد الدولي دون ان يكلف نفسه عناء توفير شروط نجاح التوصل اليه ومنها “اتفاق سياسي واجتماعي شامل” وتسايره حكومته  في حماية مساره خوفا  من خسارة  المنصب او ربما ايمانا بمشروعه في نفي اقرار اية اجراءات تقشفية سنة 2022 والمعلوم انها سنة  انتخابية او سنة تنزيل المشروع السياسي للرئيس وتحويل وجهة البلاد بالكامل بقرارات أحادية.  وللتذكير  جزء من الاجراءات انطلق فعلا على غرار الترفيع في سعر المحروقات الذي سيتواصل بنسبة 3 في المئة شهريا  طيلة هذه السنة  على ان تكون  سنة 2023 منطلق تفعيل “الاصلاحات المؤلمة” .

في الاثناء وفي غياب أية رؤية للانقاذ او استفاقة قبل “اللطخة” من القصر والحكومة المرشحة لتحمل مسؤولية الفشل وتتم اقالتها بجرة قلم، ادرجت مجموعة الازمات الدولية في تقريرها الصادر منذ ايام  تونس ضمن “قائمة المراقبة لسنة 2022 ” وهي قائمة تضم 10 بلدان تواجه صراعات مميتة او حالات طوارىء انسانية او ازمات اخرى ترى المجموعة انه يمكن للاتحاد الاوروبي المساعدة على انقاذها واعادة الاستقرار فيها.

واكدت في تقريرها حول قائمة المراقبة لسنة 2022 ان اقتصاد تونس المتعثر بدأ في تقويض الثقة في السلطة السياسية (رئاسة الجمهورية) لافتة الى ان خزينة الدولة تستطيع بالكاد تغطية الرواتب خالصة الى ان وضعية المالية العمومية هذه  تحول دون امكانية ايفاء الدولة بالتزاماتها ذاكرة منها تحديدا خلاص ديونها معتبرة ان ذلك يشكل مؤشرا على خطر حدوث ازمة مالية وبنكية خطيرة في المستقبل قالت انها قد تعني مزيد خفض القدرة المعيشية للعديد من التونسيين.

يضع التقرير سيناريوهات على المدى القريب منها اضطرار المقرضين اما الى اعادة هيكلة الديون او التوجه الى نادي باريس لطلب ذلك او اعلان افلاس الدولة  محذرا من انه ستكون لذلك في كلتا الحالتين تداعيات اجتماعية واقتصادية مؤلمة مفسرا ذلك بأن تداعيات اعادة هيكلة الديون وان كانت اقل صعوبة من نادي باريس ليست بهينة وانها تشمل خوصصة المؤسسات العمومية وتجميد الرواتب واحالة على التقاعد المبكر ونقص مزمن في المواد الاساسية جراء انخفاض التوريد بشكل كبير مع ارتفاع نسبتي البطالة والتضخم ..

من جهة اخرى ذكرت المجموعة بانه في غضون ذلك يدور حديث في الكونغرس الأمريكي عن ربط صرف المساعدات المالية والعسكرية لتونس  بالتحقيق الجاري  حول دور الجيش في احداث 25 جويلية محذرة من ان حصول ذلك أي قطع واشنطن المساعدات الموجهة للجيش يعني حدوث اضطراب داخل القوات المسلحة واضطرابات في الشارع. 

هذه العوامل، يقول التقرير انه قد تكون لها تأثير كرة الثلج وأنها قد تدفع بالرئيس قيس سعيد الى التمادي في ما أسماه التقرير بالخطاب الشعبوي لتوجيه إحباط مؤيديه الذين يتوقعون منه “تطهير” مؤسسات الدولة .

علاوة على ذلك نبه التقرير إلى أن تصعيد الرئيس قيس سعيد خطابه الشعبوي لصرف الانتباه عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية قد يثير ردود فعل لا يمكن السيطرة عليها بين التونسيين مثل المظاهرات امام السفارات والوفود الأجنبية للبلاد وأعمال عنف أخرى لا سيما إذا غير سعيد موازين القوى باسم محاربة الفساد وبهدف تعزيز نفوذ أنصاره في مناطق معينة.

كما ابرزت المجموعة ان مثل هذه التدابير التي اعتبرت انها مصممة للاستفادة من الاستياء بين الفئات المحرومة في المجتمع قد تساعد على تأجيج الاضطرابات التي ينفث فيها العاطلون عن العمل أو غيرهم غضبهم محذرة من إمكانية تحوّل مثل هذه الاحتجاجات إلى عنف خاصة إذا استخدمت الشرطة القوة المفرطة لإعادة الهدوء. واشارت الى ان كبار السياسيين ورجال الأعمال قد يجدون أنفسهم أكثر عرضة للاعتقال ليتم عرضهم أمام الجمهور كرموز للفساد مؤكدة ان مثل هذه التحركات قد تخاطر بالحاق الضرر بالاعمال بدل افادة الاقتصاد.

وحذرت من ان الضغط الأجنبي والنزعة الشعبوية قد يؤديان إلى تفاقم الاستقطاب بين القوى المؤيدة لسعيد والقوى المناهضة له وأن ذلك قد يدفع سعيد نحو مزيد من القمع  مبينة ان هذا التطور قد يفضي بدوره إلى إثارة التوترات والعنف بما يزيد من المخاطر.

قبلها بأسبوعين كشف تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أنّ تونس ستواجه مخاطر انهيار الدولة، وعدم القدرة على تحمل الديون، والتشغيل والأزمات المعيشية، والركود الاقتصادي، وانتشار النشاط الاقتصادي الموازي. وجاء ذلك حسب نتائج استطلاع أجراه المديرون التنفيذيون للمنتدى بين ماي وسبتمبر 2021 شمل 124 دولة وعينة من 12 ألف من خبراء المخاطر وقادة العالم في مجال الأعمال والحوكمة والمجتمع المدني.

وحسب منهجية التقرير يتعيّن اختيار المخاطر الخمسة الكبرى من بين 35 خطرا محتملا خلال العامين المقبلين في البلد المعنيّ. ومن البلدان المهددة بخطر انهيار الدولة حسب التقرير، تونس واليمن ولبنان والهندوراس ونيكاراغوا والبيرو وفنزويلا وأوكرانيا وجنوب إفريقيا وبوليفيا والمكسيك وغواتيمالا والسلفادور وكوستاريكا والشيلي. ويشكل تصنيف تونس على هذا المستوى سابقة من نوعها بما للأمر من تداعيات محققة خصوصا في محور التعاملات الخارجية وثقة العالم في ديمومة التوازنات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 1 فيفري 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING