الشارع المغاربي – جمهورية ثالثة أم منظومة قيس سعيد ؟ / بقلم: كوثر زنطور

جمهورية ثالثة أم منظومة قيس سعيد ؟ / بقلم: كوثر زنطور

قسم الأخبار

1 أكتوبر، 2021

الشارع المغاربي: الامر الرئاسي المتعلق بالتدابير الاستثنائية مثلما قدمته رئاسة الجمهورية في بلاغ مقتضب دون تكليف نفسها عناء التوضيح او تبيان مضامينه المُؤسسة لدكتاتورية ولعهد جديد من حكم الفرد الواحد ، تسوق له رئاسة الجمهورية عند المؤثرين في الخارج على أنه عملية تحصين للدولة ستمكن من إطلاق عملية كبرى لـ” مواجهة اخطبوط المنظومة” التي نجحت خلال العشرية الأخيرة في التغلغل في مفاصل الدولة بشكل جعلها قادرة على فرملة بل وحتى وأد اية محاولات للاصلاح. فلسفة الامر 117 مثلما يروج له القصر الرئاسي لا تبدو متناغمة مع الاخبار القادمة من “القصر” وشبكة العلاقات الجديدة الداعمة له والتي نجحت في وضع موطئ قدم في منظومة الحكم الجديدة.

شكّل الامر 117 منعرجا اخطر من منعرج 25 جويلية باعتباره شرّع لعودة البلاد عقود الى الوراء باعتباره يفتح الباب امام ارساء نظام فردي استبدادي قد يكون من تبعاته الخطيرة الزج بالبلاد في مغامرة غير محمودة العواقب. صمتت الرئاسة رغم كم الانتقادات التي طالتها في الداخل والخارج وكأنها غير عابئة بما يحدث وغير معنية أصلا بالنقاش العام الدائر حول احكامها الانتقالية الصادرة دون أي نفس تشاركي والتي فُرضت فرضا عبر سياسة الامر الواقع والمرور بالقوة التي اعتمدتهما الرئاسة منذ إجراءات 25 جويلية.

هذا الامر او الاحكام الانتقالية هي احد ” الصواريخ” مثلما يقول قيس سعيد التي ستؤسس، وفق السردية الرئاسية، لاصلاح شامل ينطلق بتفكيك ” المنظومة” وإرساء المنظومة البديلة التي سيؤثثها ” الثقاة” في القيادة او الواجهة بما يمهد لتشكيل نخب جديدة مؤهلة لتنفيذ “مشروع الرئيس”. وعملية “تحصين الدولة” من الداخل هي من اهم المحطات في مشروع قيس سعيد وسيكون نجاحه في فرضه مع حسن إدارة الازمة الاقتصادية والمالية بمثابة الايذان ببقاء مريح في السلطة بلا معارضة وبصلاحيات واسعة لم ينلها تقريبا أي رئيس قبله.

تحصين الدولة

دأب قيس سعيد منذ خطاب 17 ديسمبر 2019 في سيدي بوزيد وهو الأول منذ تسلمه السلطة يوم 23 أكتوبر 2019، على التأكيد على أن له كل المعلومات والمعطيات حول “الفاسدين والخونة والمتلاعبين بمصالح الشعب وقوته” وعلى أنه سيكشفها في الوقت المناسب على رؤوس الملإ. هذه المعلومات الخطيرة مثلما يصفها سعيد، نقل البعض منها الى قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل خلال لقاء جمعه بوفد عن مكتبه التنفيذي. الاجتماع يعود ليوم 14 ماي 2020 واسرّ سعيد خلاله لضيوفه بأن له مئات ملفات الفساد الجاهزة تتعلق بـ “أطراف نافذة في منظومة الحكم”.

تكرّر الامر مع مختلف من يلتقيهم سعيد، تهم خطيرة بالفساد وبالتآمر والتخابر والاعداد لاغتياله ومحاولات ” تفجير الدولة من الداخل” وتعطيل مصالحها الحيوية والمؤامرات والدسائس. انهمك الكل بلا استثناء في انتقاد الخطاب الرئاسي الرسمي الجديد الغريب وغير المألوف ورافقت تلك الانتقادات موجة تنديد على خلفية عدم إحالة أي ملف الى القضاء رغم ثقل التهم. لكن لم يدر بخلد احد أن ما يقوم به سعيد كان ضمن استراتيجية “استنزاف” وحتى شيطنة مختلف “مكونات المنظومة” وانه كان صادقا وهو يتعهد ويتوعد “في انتظار حلول اللحظة”.

نجحت عملية الاستنزاف وقد يكون الفشل الحكومي ومآسي موجة كورونا الأخيرة وراء جزء هام من نجاح خطة سعيد التي قامت أولا بتأكيد امتلاك المعلومة ثم التشهير فالاخذ بزمام المبادرة تحت عنوان الاستجابة لجماهير الشعب عبر تفعيل الفصل 80 من الدستور واتخاذ جملة من التدابير الاستثنائية لمواجهة الخطر الداهم الذي تقول قراءة سعيد انه قادم من داخل مؤسسات الدولة وعلى رأسها مجلس نواب الشعب و بعد شهر تحول الخطر من داهم الى جاثم وطبعا للكلمة معنى في قاموس سعيد السياسي .

هذا الخطر الجاثم لن يزول بوقت محدد آنفا وسيخصص سعيد كل “الوقت الممكن” لمواجهته وأعد له احكاما انتقالية تضمنت بين ثناياها نسف أية إمكانية لتعطيل “القطار بعد ان وضع على السكة”، مثلما يقول احد المقربين من دوائره الذي شدد لـ”الشارع المغاربي” على ان “تقاطع المصالح وتشابكها في ثنايا مؤسسات الحكم” جعلا سعيد يحاول غلق كل المنافذ التي قد تكون بمثابة” مداخل تستغل لارباك المسار الجديد” مذكرا بإقرار سعيد بتعرضه للخيانة في خطابه الأخير في سيدي بوزيد معتبرا ان من يتعرض للخيانة من اشخاص وثق بهم واختارهم بنفسه سيصبح ” بالقوة” يحتاط ويقرأ ألف حساب لكل كبيرة وصغيرة.

ويؤكد المصدر ان الاحكام الانتقالية التي اقرها سعيد في الامر 117 هي “جسر للبناء” وانها تمثل “لبنة الإنقاذ” مشيرا الى ان الحكم الاستبدادي “مفروض للإنقاذ” وإلى أن الدولة في حاجة الى ما اسماه بالعملية القيصرية التي قال انها ستكون شاقة وصعبة على من “استفادوا من الحكم خلال السنوات المنقضية” وعلى أن “من يريدون الخير والنجاح للمسار التصحيحي مطالبون بتفهم خلفيات الاحكام الانتقالية” التي وصفها المصدر بالضرورة.

هذا الطرح قُدم بشكل اكثر وضوح من داخل الرئاسة في ردها على “تساؤلات الخارج” دولة استبيحت من اللوبيات النافذة والأحزاب واجسام وسيطة ” انتهازية” وباتت مكبّلة بـ”جهاز سري وامن مواز وقضاء مضمون واخطبوط من الموظفين تم تعيينهم بالولاءات والمحسوبية وبرلمان يشرع للفساد ” وكونوا منظومة عصية على التفكيك بعد ان “امنت لنفسها بذور البقاء والرخاء” بفعل التشريعات والموالين الطيعين”. ويذهب هذا الطرح الى حد توصيف الدولة ومؤسساتها بـ” الرهينة” عند هذا الاخطبوط وبأن لا حل إلا باستئصاله بالكامل .

بين السيناريو الجزائري والسيناريو المصري

في خطابه بسيدي بوزيد اكد قيس سعيد انه اتخذ قراراته في إشارة الى تفعيل الفصل 80 والتدابير الاستثنائية المرافقة له لوحده وهي إجابة كانت للرد على الروايات المتداولة بخصوص خلفيات وخفايا اجراءات 25 جويلية التي لن تبوح باسرارها اليوم طبعا. ومن الروايات المتداولة والتي جاءت على لسان بعض رافضي مسار 25 جويلية ان المؤسسة العسكرية هي من يقف وراء تلك القرارات وانها “طبخة مصرية” قُدمت وصفتها لسعيد خلال الزيارة التي اداها الى القاهرة والتي كان خلالها محل حظوة لافتة من قبل نظيره المصري عبد الفتاح السيسي.

تكذيب سعيد لم يكن كافيا لانهاء التساؤلات حول 25 جويلية وخفاياه ويمكن ان ينظر له اليوم مع التطورات التي عرفتها البلاد خاصة مع اصدار “دستور قيس سعيد الصغير” او التنظيم المؤقت للسلط، كمزيج بين السيناريوين الجزائري والمصري وللدولتين الجزائر ومصر وقيادتهما العليا علاقات متقدمة وتنسيق مكثف مع الرئيس سعيد. وفي المحصلة 25 جويلية هو ابعاد النهضة من الحكم واستحواذ سعيد عليه وهو ما حدث في مصر مع السيسي الذي اخرج الاخوان من الحكم وتحول هذا السيناريو الى كابوس يؤرق النهضة ولم تخف تخوفها منه منذ صائفة 2013 وكان زعيمها راشد الغنوشي يحذر في كل مرة من “جنرال مجنون” ينقلب على مسار الانتقال الديمقراطي.

وفي التفاصيل هو لا يبعد عن السيناريو الجزائري و” الثورة الناعمة” مثلما يسميها البعض داخل المنظومة لتصفية الوجه القبيح منها خلال احداث ما يعرف بالحراك الذي افضى الى خروج الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة من الحكم. فالمعطيات القادمة من الدوائر القريبة من القصر تؤكد ان ما يحدث ليس ” تفكيكا للمنظومة بقدر ما هو تصفية وإعادة تموقع داخل المنظومة” لافتة الى أن التعيينات مثلا في وزارة الداخلية هي “تسونامي تغييرات شمل مختلف الإدارات العامة” وإلى أن من المديرين العامين الجدد في اعلى مستوى من كان محل تهم بالتعذيب وآخر بالقتل في أحداث الثورة احدهما اقيل بعد 5 أيام من تعيينه والثاني لا يزال يباشر مهامه الى اليوم.

وسيكون تقرير الطب الشرعي الصادر حول وفاة عبد السلام زيان في الإيقاف التحفظي بصفاقس الذي اثبت ان الوفاة ناتجة عن عدم الحصول على ” الانسولين” خلال يومين متتالين فيما تستوجب حالته 3 جرعات يوميا ، امتحانا حقيقيا لقيس سعيد الذي قال في سيدي بوزيد ان الاشكال في المنظومة وليس في الحكم وأن المنظومة كانت قائمة على “البوليسية” او دولة البوليس التي شكلت أدوات حكم أساسية وسنرى ان كان سعيد سينهيها وينهي معها حقبات من الإفلات من العقاب ومن تسخير الامن وتوظيفه وتطويعه وان كان سيستجيب أيضا لطلبات الترفيع في الأجور التي ينادي بها عدد من النقابات الأمنية.

بخلاف التعيينات وما كشفت من موزاين قوى جديدة داخل المنظومة او مثلما اشرنا الى عملية تصفية داخلية ، فإن الامر سيان أيضا بالنسبة الى قطاعات أخرى منها ما يسمى بـ”الصالونات المؤثرة” التي عادت للنشاط بقوة وهي منقسمة تماما مثلما كان الحال في السابق بين دوائر “مخازنية” منسوبة الى اطراف في الرئاسة ودوائر” سواحلية” منسوبة الى شق آخر. وفي هذه الصراعات نجد مسألتين كنا نخال انهما سينتهيان في عهد سعيد ، الأولى هي العائلة والثانية المحسوبية في انتظار التشريعات الجديدة وما ستتضمن من “ثورة” تنهي اقتصاد الريع والامتيازات التي كانت تتلاعب بها “المنظومة” قبل الثورة وبعدها. وقال تقرير صادر عن البنك الدولي بتاريخ 27 مارس 2014 مثلا انه تم تعديل قانون التشجيع على الاستثمار 25 مرة لتمكين عائلة بن علي من الاستحواذ على القطاع الخاص عبر اكثر من 200 شركة يديرها افراد من عائلته وشبكة من التابعين لها وتستحوذ على اكثر من ربع مرابيح القطاع الخاص بما كبل المنافسة بل ودمرها بعد ان تحولت القوانين والتشريعات الى عمليات” شخصية” و”سياسية” تعد على مقاس النظام.

محاربة المنظومة هي محاربة أيضا للممارسات وعقليات مهيمنة لا تبشر الصراعات المحتدمة في القصر بانها كانت قوسا واغلق مع قيس سعيد اذ ان دخول ” شرور” الحقبات السابقة من تدخل العائلة والمحسوبية والولاءات والمحاور والنزعة السلطوية في المعادلة لا يبشر بانبلاج افق سياسي جديد لاصلاح جدي يقوده رئيس لا يختلف اثنان على نظافة يده ونزاهته لكنه قد يفوّت على نفسه دخول التاريخ مثلما يمنّي النفس بسبب سوء تقدير قد يجعله في النهاية مجرد مرحلة انتقالية استعمل لترتيبات داخلية وربما إقليمية ودولية مثلما يروج لذلك أنصار نظرية المؤامرة.

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 28 سبتمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING