الشارع المغاربي: في الوقفة الأخيرة لجماعة النهضة وتُبَّعها أمام المسرح البلدي لفت انتباهي ما أتى على لسان عبد اللطيف المكي من خطاب جانب الحقيقة وانحرف بالوقائع على الأقلّ في مسألتين اثنتين:
-1 تحدث في البداية عن رجل الأعمال محمد فريخة وذكر أنه من مفاخر تونس وأن شركته تعاني من صعوبات اقتصاديّة. والذي يعلمه الجميع أن فريخة ينتمي إلى النهضة واستفاد من وجودها في الحكم كبقية النهضويّين الذين نهبوا ماليّة الدولة وأقلّهم شأنا حصل على التعويضات فضلا عن الذين سُرقت الملايين من بيوتهم ولكنهم فضّلوا الصمت حتى لا يفتضح أمر الثروات التي راكموها. من هذا المنطلق لا يمكن لأيّ وطني إلا أن يساند الدولة في فتح ملفّ فريخة الذي تحوم حوله شبهات كثيرة بدايتها ديون لشركة عجيل ولديوان المطارات ولبعض البنوك التي اقترض منها أموالا لشراء طائرات بمبالغ فلكية، ونهايتها اتهامه بتسفير الإرهابيين إلى تركيا من صفاقس في رحلات ذهاب بلا عودة. وقد عُرض هذا الملف على القضاء منذ السنة الفارطة. والغريب في الأمر أنّ المكي يعتبر فريخة من مفاخر تونس ويدافع عنه بينما نجد أنه يتم احتجاز الذين هم فعلا من مفاخر تونس من طرف زملاء المكي مثلما حدث مع العميد المرحوم علي الحيلي. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا أصدق المكي ولا أي إخوانجي لمّا يتحدّث عن تونس أو عن رموزها أو أشخاصها إذ لا تربطهم بتونس أيّ صلة وتأمّلوا مليّا في حصيلة هذه الحركة التي وجدت منذ نصف قرن ولكنها لم تقدّم لتونس سوى القتلة والمجرمين ممن لا حرفة لهم سوى الطعن بالخناجر والرش بماء الفرق والتآمر على رأس الدولة. وحتى لمّا وصلت إلى الحكم عقب أحداث سنة 2011 فإنك لن تجد مأثرة واحدة تثبت أن لها علاقة بتونس. فالمجلس العلمي لبيت الحكمة الذي أصبح في عهدهم المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون تحوّل إلى خلية حزبية عيّن أعضاؤها لولائهم الحزبي ممّن لا تتوفر فيهم الشروط المتعارف عليها في المجامع المشابهة. فمن بين أعضائها من لم ينشر سوى بعض الوريقات عن الهجرة كمهدي المبروك وزير ثقافتهم وأبو يعرب المرزوقي أوّل من ابتدع المناشدة حيث ناشد بن علي للترشح مجددا للانتخابات الرئاسية سنة 1994 في نصّ طويل عنوانه “أثر الفصام الثقافي على القوى السياسيّة العربيّة: تونس نموذجا” نشر بعضه في جريدة “القدس” ولكنها منعت من الدخول وقد أرسله إلى الرئيس السابق الذي علّق عليه بعد أن قرؤوه له “آش يحب هذا؟”. والغريب في الأمر تعمّد رئيس البيت المعين بالتوافق تهشيم شعار الدولة الحسينية الموجود في أعلى واجهة البيت رغم أنه من المعالم التاريخية التي يجب أن يحافظ عليها أي مسؤول يمتلك حس الوطنيا. وممّا يؤكد ما ذهبت إليه من أنّ هذه الحركة تعتبر تونس غنيمة يجب اقتسامها بين منظوريها أن عبد الكريم الهاروني هدّد الحكم في شهر جويلية 2021 بأنّه على الحكومة أن تستجيب لمطالبهم بالتعويض لجماعتهم رغم علمه وعلم جماعته بأنّ البلاد على حافة الإفلاس. تونس في خطاب الإخوانجيّة كلمة حق أريد بها باطل.
-2 قوله إن محاربة الفساد تستلزم تغيير القوانين التي وضعت في عهد بن علي حتى وإن صدقنا هذا الكلام فإن السؤال الذي يفرض نفسه: لقد كنتم في الحكم طوال 11 سنة ولكنكم لم تتفطنوا إلى ذلك ولا غيّرتم القوانين بل حافظتم على أفسدها وأكثرها إهدارا للمال العام لأنّكم انتفعتم بها. من ذلك مثلا جرايات تقاعد الوزراء وكتّاب الدولة ومرتب رئيس الجمهوريّة وعائلته حيا وميتا والمنافع المتأتية من ذلك. ورفّعتم في مرتبات أعضاء مجلسكم التأسيسي بعد منتصف الليل. أمّا نوابكم الذين يعيشون في الخارج فإن مرتباتهم تصلهم بالعملة الصعبة. ثم والأخطر من كل ما ذكر ابتزاز رجال الأعمال. فقد ذكر عزيز كريشان مستشار المرزوقي في ص 134 و135 من كتابه عن الربيع “La promesse du printemps.” أنه تمّ إعداد ملفات صلح جزائي مع رجال الأعمال الذين تعلّقت بهم شبهات فساد مالي وأنّ هذه الملفات جميعها سُحبت من المؤسّسات التابعة للدولة وتمّ الإنحراف بها إلى مونبليزير ليتم ابتزاز رجال الأعمال وإجبارهم على الدفع لميزانيّة حركة النهضة. هذا الملف لم يفتح الى حدّ الآن وندعو رئيس الدولة وهو الحريص على إرجاع أموال الشعب إلى الشعب أن يأذن بفتح هذا الملف لأن أكبر وأخطر رجل أعمال فاسد عرفه الوطن في العشرية الماضية هو حزب النهضة.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 26 سبتمبر 2023