الشارع المغاربي – حركة النهضة حركة غير تونسية/ بقلم: نصر سامي

حركة النهضة حركة غير تونسية/ بقلم: نصر سامي

قسم الأخبار

9 أكتوبر، 2021

الشارع المغاربي: يبدو المرشد وسط الحراك الكبير المناهض للثورة التصحيحية التي أعلنها قيس سعيد المحرّك الرئيسي والأساسي، إذ استعاد حزبه لدى أنصاره على الأقلّ تاريخ المظلومية التّي تأسّست عليها أدبياته، وإذ يعلن أن حزبه “تلقّى رسالة الشعب بكل شجاعة، وسوف يعلن عن نقده الذاتي” فإنّنا لم نظفر بعد مرور ما يفوق الستين يوما على 25 جويلية بأيّة مراجعة أو نقد ذاتي أو تقييم، غير ما يحدث من “أفلام” الاستقالات الوهمية. ذلك أن جميع الأحزاب القائمة على الدين تعتبر الانخراط رابطا لا ينفصم إلا بالموت، لأنه قائم على ولاء لا يمكن الخروج عنه.

لقد أثبت المرشد أنه لا ينصت للشعب، وأنه مكابر وأصمّ، وأنه لا يمكن لحزبه بسبب بنيته الأبوية المغلقة البطريركية المتقادمة الانفتاح على المراجعات الجذرية، ولا على نظام محاسبات عصري مراقب بشفافية. وإذ يعلن المرشد أن الشعب الذي أنجز ثورة الحرية والكرامة لن يتراجع على مساره التاريخي في تجذير الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فإنّنا نخبره بأنّه لم يكن طيلة عشر سنوات فاعلا أو مؤثرا في ذلك الخط الثوري الذّي فاجأه، وأنه كان مهتما بالتمكين لحركته في كل أجهزة الدولة ومدّ الجسور كلها لعودة التجمّعيين والدساترة، وأنه كان حجر عثرة أمام كلّ مطالب الشعب في الحرية والعدالة والكرامة.

مشكلة المرشد أن له برنامجا واحدا يغيّر تسميته في كل مرحلة، وأنّ هذا البرنامج لا يهمّنا كتونسيين. لأن المشترك الديني الذي يتحرك فيه راشد الغنوشي دون مبادئ ليس أساسا يمكن البناء عليه لسياسة الدول، وحزبه المتحوّز دون حقّ على إرث التوانسة الديني يبدو قديما وبعيدا عن كلّ مشاريع التحديث التونسية الاجتماعي منها والديني والسياسي. إنّ حزبه يقفز على كلّ تاريخ التونسيين التحديثي ولا يقدّم في المقابل أيّة رؤية مجتمعية قابلة للتطبيق عدا ما رأينا من تخبّط ومحسوبية وزبونية، ورثاثة في الأداء وفي النتائج.

استعاد قيس سعيد بعد تريّث طويل المبادرة، وقرّر أن يتحرّك في مستوى إرث التونسيين التحديثي وخصوصا في وجهه البورقيبي، وذلك باستعادة مسألة القيمة الأخلاقية التّي يجب أن تكون محايِثة للفعل السياسي، وأقرّ مبدأ التصحيح لما فسد كلّه، وأقرّ مبدأ مهمّا وهو أنّ مهمّة مؤسسة الرئيس لا تزال في قلب المشاريع السياسية في العالم الثالث، وأن مهمة البرلمان هي التي تحدد مشروعية وجوده، ولقد مثّل وجوده خطرا على الدولة لأنه قائم ووظيفته غير قائمة. وفي وجود إرادة بيّنة على إفراغ المؤسسات من مهماتها، وملئها بالفاسدين بسبب دستور موضوع على المقاس فإنّ المرشد إما أن يكون مشاركا في إرادة الإفساد تلك بتصميم وموقف مسبق أو أنّه ليس كفؤا ولا أهلا ليكون مؤثرا في سياق ثوري متدافع ومتجدد.

يتذكر أغلبنا تلك الرسائل التي كان قيس سعيد يوجهها ولا تجد الاهتمام، بل إنّ المجالس كانت تنعقد لنقده ولقد بالغ البعض فاعتبره مجرد موظف عليه أن ينال راتبه ويصمت وأنه “كان عندو ريح يذري عشرة” على حد قول أحد النواب الذّي تملكته نشوة التمكّن من السلطة. واستمرّ الوضع وزاد الفساد واستشرى وبدا أنّ سياسة توافق ما لا يتوافق قد رذّلت الواقع السياسي وجعلت التونسيين مهدّدين في قوتهم و”شهرياتهم” ومشاريعهم المجتمعية.

إن حركة مغلقة مثل حركة النهضة بمرجعياتها السوداء وأدبياتها الإخوانية حركة غير تونسية من جهة صلاتها بالفكر الإخواني، وهي لم تبن مشروعها انطلاقا من الفكر التونسي، ولكنها ترسخت بفعل التصادم والعنف وما تولد عنه من مظلومية فبدت مثل الحقّ وما هي بحق. الدين المشترك بيننا وبين النهضة هو الحقّ ولنا فيه فهم معاصر تونسي خلاق ومتجدد. أما دين النهضة فليس تونسيّا وليس خلاقا ولقد جربنا أهله في سياسات الحكم فكدنا نفقد الدولة. وما قام به قيس سعيد هو أنّه أزاح المشترك من سياقات الامتلاك الفردي، وأعاد للتونسيين إرادتهم في حكم أنفسهم. فالديمقراطية أوسع من المجالس، والدين أوسع من النهضة، والرئاسة بما هي تكليف شعبي مباشر دون وكيل أوسع من فصل في الدستور يحدد تلك الصلاحية.

انتخب جزء من التونسيين النهضة مرارا لتحكم، وفي كلّ مرّة يرشّح المرشد شخصا ليحكم، ولا يضع نفسه أبدا موضع الحاكم. وفي جميع التجارب فشلوا فشلا ذريعا، فنسب الفشل اليهم، لا للمرشد. وتلك سياسة غريبة في الديمقراطيات. ذلك أنّ أي حزب حين يفوز فإن رئيسه هو المعني بالتكليف، ولكن المرشد لا يريد أن يحكم مباشرة بل من وراء ستار، فإن فشل خرج من جديد، وبرّر، وذكّر الناس بأنّه لم يكن يحكم. ولقد أصبح الأمر مهزلة، فكيف أمكن لأشخاص منهكين ومرضى أن يديروا دولة؟ وكيف استقام أمر الحكم لأشخاص مجهولين تماما لحكم تونس؟ وكيف توافقت جميع الأطياف على أن الأمور جيّدة والحال أنّ المياه أغرقت السفينة؟

لقد كان قيس سعيّد الجدار السميك الذّي ردّ الأذى عن الإسلاميين في 25 جويلية، قصد ذلك أو لم يقصد، وربما كان ذلك ردّا منه على مساهمتهم في انتخابه! ولكنّه أدرك مثل أغلب التونسيين أنّ تلك الحركة عقبة في سياق الثقافة التونسية على كل مستوياتها، وخصوصا في المجال السياسي وأن من أوليات الفعل السياسي التصحيحي تحييدها ثمّ حلّها لتنتظم في سياقات مجتمعية وحزبية حديثة ولادينية وبعيدة عن المشترك التونسي الذي استعاده التونسيون.

نتساءل هل قيس سعيد خطر على الديموقراطية والمرشد ديمقراطي؟ هل قيس سعيد دكتاتور والمرشد تشاركي؟ هل قيس سعيد الذي لم يستكمل عامين كرئيس برتبة موظف خطير والمرشد طيب؟ تلك أسئلة يستحسن النظر فيها بعمق، ذلك أنّ الفرق واضح. فالمرشد الذي يصرّح: “نحن ننصت للأصوات الناقدة والمحتجة من داخل الحركة وخارجها، ولكن للحزب مؤسساته العليا هي التي تتخذ القرارات والجميع يلتزم بتنفيذها بما في ذلك رئيس الحركة”، لا يقصد ما قال فعلا، فهو لا ينصت لأحد! وواقعيا لقد تقدّم به العمر وارتفعت مكانته الاعتبارية لدى حركته لدرجة يصعب عليه فعليا أن يجد طرقا لإقناع أجيال أصغر منه بعقود تماما مثلما يصعب على أبنائه أن يُخرجوه دون رغبة منه. وحين نقرأ أحيانا عن استقالات ومطالبات فإنّها تنتهي جميعا إذا قرّر المرشد إفراد البعير الخارج ليبقى فردا أو يبشره بسياسة “بوس خوك” و”عُد للحضيرة”.

رسم قيس سعيد بتأنّ نهاية حكم المرشد، ونهاية حكم جميع التوافقات الهشة التي حصلت منذ الثورة، وأعاد رسم المجال الحيوي الحقيقي للفاعل الأساسي الذّي هو الشعب الذّي يمتلك لوحده حق تمثيل نفسه. فمطالب الحرية والعدالة والكرامة لا تتحقّق بمجرّد توفير المؤسسات، إذ أنّ شرعية المؤسسات لا تتحقق إلا بتحقّق الغاية منها. والدساتير إنما كتبت لتمثيل الإرادة الشعبية في تحقيق حياة أفضل. فإن لم تحقق تلك الغاية فإنّ الشعب يغيّر ويبدّل، وظنّي أنّ ما نعيش من تصحيح ثوري يجب أن يجاوره وعي مجتمعيّ يستعيد قيمه الأصيلة وأهمها العمل في صمت لخلق الأفكار الخلاقة البانية للحضارة.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 5 اكتوبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING