الشارع المغاربي: عزيزي القارىء لتعلم انه مع كل دقيقة تقضيها في الاطلاع على هذا المقال تزداد 3 آلاف مشاهدة لقناة بموقع “يوتيوب” على ملك شاب تونسي لم يتجاوز عمره العقد الثالث.
عزيزي القارىء فلتهيئ نفسك من الآن لمراجعة حساباتك ومسلّماتك حول سطوة وسيطرة وانتشار بعض وسائل الاعلام التقليدية بما ان قناة “ريومادون” (Riomadon) التابعة لنفس الشاب تتصدر القنوات التونسية الاكثر متابعة على “يوتيوب” بتخطيها 3 مليارات و35 مليون مشاهدة الى حدود الساعة التاسعة صباحا من يوم امس الاثنين. فعدد مشاهدات قناة “ريومادون” يتغير بين الثانية والاخرى بالمئات على خلاف اغلب بقية القنوات التونسية على اختلاف مشاربها واختصاصاتها وثقلها المالي والاداري.
3 مليارات مشاهدة
تُعَرَّف قناة اليويتوب بالفضاء الذي يخصصه هذه الموقع لكل مستخدم من اجل نشر فيديوهات من انتاجه بشرط تجنب اي محتوى يحرض على العنف والعنصرية والاساءة للاطفال أو يروج لمشاهد اباحية. ويكون بمقدور متابعي القناة الاشتراك فيها ومشاهدة فيديوهاتها والتعبير عن ارائهم في ما شاهدوا. وكلما ازداد عدد المتابعين والمعجبين وخاصة حجم المشاهدات ارتفع نصيب “باعث القناة” من العائدات المالية التي توفرها ادارة الموقع العالمي لمن تصفهم بـ “صانعي المحتوى الرقمي”.
مع العلم ان موقع “يوتيوب” المملوك من شركة غوغل العالمية منذ سنة 2006 كان قد اعلن بداية السنة الماضية عن تخصيص 300 مليون دينار لمنتجي فيديوهات قصيرة لا تتجاوز مدتها الدقيقة اطلق عليها اسم Shorts بالاضافة الى مئات ملايين الدولارات رصدها للفيديوهات الطويلة.
“ريو” كما يحلو للشاب الثلاثيني تسمية نفسه هو واحد من صانعي المحتوى الذين تخصصوا في انتاج فيديوهات قصيرة. تشير قناته الى انه تم بعثها في 12 أفريل 2021 والى انها تتضمن 1425 فيديو الى حدود يوم أمس الاثنين.
ويظهر في نفس القناة ان عدد المشتركين بها بلغ مليونين و950 ألفا وان عدد المشاهدات تجاوز 3 مليارات و35 مليونا.
كما يُظهر موقع social blade المختص في تقديم احصائيات عن مستخدمي تطبيقات “يوتيوب” و”تويتر” و”انستغرام” و”تيك توك” ان العائدات السنوية لقناة “ريومادون” تتراوح بين مليار ومائة واربعة وثلاثين الف دينار و18 مليون دينار وأن مداخيل القناة هي الاعلى سنويا مقارنة ببقية القنوات التونسية المشتغلة على يوتيوب بينما ينفي الشاب “ريو” في تصريح لـ “الشارع المغاربي” حصوله على هذه المداخيل لافتا الى ان ارقام الموقع ليست دقيقة والى انها لا تعكس العائدات الصحيحة.
يقول”ريو”: “بدايتي مع انتاج الفيديوهات تعود الى شهر سبتمبر 2020 حين صورت مشاهد عن العودة المدرسية تقمصت فيها اربع شخصيات ونزّلتها بتطبيقة “تيك توك” ففوجئت بأن الفيديو حظي بـ 300 ألف مشاهدة… وانتجت جزءا ثانيا ثم ثالثا عن العودة المدرسية فحصدا 3 ملايين مشاهدة… حينها بعثت قناة على “يوتيوب” وداومت على انتاج فيديوهات قصيرة مما مكنني من احتلال المرتبة الاولى عربيا والحصول على الدرعين الذهبي والفضي من “يوتيوب”.
ويتابع “ما لا يعرفه ملايين المتابعين انني اقوم بكل مراحل انتاج الفيديوهات بمفردي بدءا باعداد فكرة القصة المصورة مرورا بكتابة الحوار واختيار الملابس وتقمص الشخصيات وتصوير الفيديو وتركيبه بواسطة هاتف جوال ونشره على القناة” لافتا الى انه يحاول دائما مفاجأة متابعيه بقصص جديدة وغير مألوفة والى انه يسعى دائما الى تمرير رسائل وعِبَر ٍ سواء كان الطرح كوميديا او دراميا.
“ريو” يشدد على انه “عادة ما يستوحي افكاره من محيطه الاجتماعي او من الاحداث الانية وعلى انه بالاضافة الى ذلك “يقتبس بعضها مما ينشر على موقع “فايسبوك” مؤكدا انه اختار من البداية اعتماد اللغة الفصحى في قصصه المصورة” وان ذلك “ساهم في تزايد عدد متابعيه بعدة دول مثل الجزائر والعراق وسوريا والمانيا وكندا وفرنسا وحتى كردستان”.
الأكثر متابعة
ويكشف موقعSocial Blade ان قناة الشاب القاطن بمدينة سوسة والحديث العهد بصناعة المحتوى الرقمي (اول فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي كان في نهاية سنة 2020) يتربع على عرش القنوات الاكثر متابعة ومشاهدة متفوقا على كل القنوات التونسية الاخرى وان قائمة المائة قناة الاكثر مشاهدة تتضمن مؤسسات اعلامية كبرى منها قنوات تلفزية وأخرى إذاعية وقنوات “اعلامية” بديلة وقنوات مختصة في اغاني الراب او العاب الفيديو او الرسم..
في العشر مراكز الاولى حسب تصنيف موقع social blade يأتي “ريو” في الصدارة بعدد مشاهدات فاق 3 مليارات وعائدات مالية تترواح بين 1.134 مليون دينار و18 مليون دينار يليه مغني الراب سامارا ب717 مليون مشاهدة وعائدات تتراوح بين 330 ألف دينار و5.2 ملايين دينار. وتحتل القناة الوطنية الاولى المرتبة الثاثة بمشاهدات ناهزت 4.8 ملايين وعائدات سنوية تتراوح بين 336 الف دينار و 5.2 ملايين دينار يليها مغني الراب “جنجون” بـ 180 مليون مشاهدة وبمداخيل سنوية تتراوح بين 275 الف دينار و 3.9 ملايين دينار ثم مغني الراب “بلطي” بـ مليار و850 مليون مشاهدة ومداخيل مالية تتراوح بين 200 ألف دينار و 3.2 ملايين دينار.
ويأتي ترتيب بقية القنوات والاذاعات التونسية على النحو التالي:
قناة التاسعة في المركز الثامن بـ 2.3 مليون مشاهدة وعائدات مالية محصورة بين 155 ألف دينار و 2.4 مليون دينار.
قناة الحوار التونسي في المركز 17 بـ 3.9 مليارات مشاهدة وعائدات تترواح بين 242 ألف دينار و 3.9 ملايين دينار.
اذاعة IFM في المركز 19 بـ 451 مليون مشاهدة وعائدات متراوحة بين 63 الف دينار ومليون دينار.
قناة الوطنية الثانية في المرتبة 26 بـ 222 مليون مشاهدة ومداخيل تتراوح بين 55 ألف دينار و 889 ألف دينار.
اذاعة ديوان اف ام في المرتبة 37 بـ 5.1 ملايين مشاهدة ومداخيل تتراوح بين 47.4 الف دينار و753 ألف دينار
اذاعة موزاييك اف ام في المرتبة 48 بـ 447 مليون مشاهدة ومداخيل سنوية بين 27.4 ألف دينار و 438 ألف دينار.
في نفس التصنيف تظهر قنوات اخرى تنتمي الى ما يعرف بالاعلام البديل مثل قناة “بلا قناع” التي تحتل المركز 15 بـ 480 مليون مشاهدة وبعائدات مالية بين 78 الف دينار و 1.2 مليون دينار تليها مباشرة قناة “الواقع التونسي” بـ 147 مليون مشاهدة وبمداخيل سنوية بين 55 الف دينار و 855 الف دينار بالاضافة الى قناة New Media المتمركزة في المرتبة 30 بـ 65 مليون مشاهدة وبعائدات سنوية بين 50 الف دينار و796 الف دينار.
مع العلم ان ترتيب القنوات لا يخضع فقط الى عدد المشاهدات او قيمة العائدات وانما ياخذ بعين الاعتبار المنحى التصاعدي للمتابعات وللمشتركين.
متابعون وهميون
“ريو” ليس سوى واحد من مئات الفاعلين والفاعلات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي الذين اصبحوا يحظون بـ “شهرة” ويتصدرون هذه المواقع ويتنافسون على محاولة استمالة المتابعين والتأثير فيهم لحيازة اكثر عدد ممكن منهم مستغلين “ذياع صيتهم” لضمان عقود استشهار مع شركات تجارية تبحث عمن يروج لمنتجاتها.
احد صناع المحتوى أسرّ لـ “الشارع المغاربي” بان احتدام المنافسة بين بعض الفنانين والفنانات وما يعرف بـ “المؤثرين” على تحصيل اكثر ما يمكن من المتابعين دفعهم الى التوجه الى شركات لاقتناء “متابعين وهميين” مشيرا الى انه لاحظ ارتفاع عدد متابعي اكثر من نجم او نجمة على تطبيقة “انستغرام” باكثر من 500 الف متابع بين عشية وضحاها والى ان ذلك يعد تحيّلا على الرأي العام وعلى المستشهرين.
وأضاف “يكفي التمعن في بعض حسابات هؤلاء المؤثرين التي تظهر وجود الاف التعاليق على احد الفيديوهات لتكتشف ان عددها لا يتجاوز بضع عشرات فقط” مبينا ان هذه العمليات تكلفهم الاف الدنانير.
وقال ” لاحظت في الاونة الاخيرة ان ادارة “انستغرام” اغلقت حساب شخصية معروفة فعادت بحساب اخر يملك أكثر من 100 ألف متابع” متسائلا ” من اين اتى كل هؤلاء المتابعين ان لم يكونوا وهميين؟”
ناشط اخر بمواقع التواصل الاجتماعي اكد ان “بعض التطبيقات مثل “يوتيوب” أو “تيك توك” تتبع اجراءات صارمة للتأكد من صحة عمليات المتابعة” وان تطبيقات اخرى مثل فايسبوك او انستغرام تشهد عمليات بيع وشراء بالجملة للمتابعين وان شركات تقدم عروضا بضمان او بغير ضمان لمن يبحث عن التضخيم في اعداد المتابعين مقابل اموال طائلة.
وأشار إلى أن بعض الباحثين عن الشهرة يضخون أموالا طائلة لاقتناء الاف المتابعين على تطبيقة “يوتيوب” للترويج لاغانيهم والى انهم عادة ما يكونون في غنى عن تحصيل عائدات من نفس التطبيقة مؤكدا ان منشطة تونسية سابقة اصبحت اليوم تنتج أغاني شرقية تنفق عليها ألاف الدنانير مقابل ضمان أعداد مهولة من المتابعين لقناتها.
في سنة 2014 أعلن ريد هاستينغز رئيس مدير عام شركة “نتفليكس” انذاك ان ايام التلفزة باتت معدودة وان بثها سينتهي خلال 16 سنة مؤكدا ان مصيرها سيكون شبيها بمصير الخيول بعد اكتشاف السيارات. ويبدو ان في موقف ر.م.ع اكبر منصة رقمية للافلام من الوجاهة ما ينذر بكسوف الاذاعات والقنوات التلفزية مقابل سطوع نجم فيالق من “المؤثرين” و “صناع المحتوى” بقطع النظر عن جودة ما يقدمون.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 اكتوبر 2022