الشارع المغاربي – خرافة‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ :‬الشاهد‭ ‬أنجز‭ ‬في‭ ‬سنتين‭ ‬ما‭ ‬لـم‭ ‬ينجز‭ ‬بورقيبة‭ ‬وبن‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬60‭ ‬سنة‭!!!‬

خرافة‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ :‬الشاهد‭ ‬أنجز‭ ‬في‭ ‬سنتين‭ ‬ما‭ ‬لـم‭ ‬ينجز‭ ‬بورقيبة‭ ‬وبن‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬60‭ ‬سنة‭!!!‬

26 أبريل، 2019

الشارع المغاربي – محمد بوعود : استغرب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬من‭ ‬الجملة‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الأسبوع‭ ‬الفارط‭ ‬والتي‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أنجزته‭ ‬حكومته‭ ‬خلال‭ ‬سنتين‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬لم‭ ‬تنجزه‭ ‬كل‭ ‬حكومات‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭.‬ قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هل‭ ‬يجوز‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬فساد‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الزعيم‭ ‬بورقيبة؟‭ ‬باستثناء‭ ‬حالة‭ ‬أو‭ ‬حالتين‭ ‬معروفتين‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬وقريبة‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬بورقيبة‭ ‬العائلية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬لتُعرف‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬الفاسدة،‭ ‬بل‭ ‬بالعكس‭ ‬كانت‭ ‬شهادات‭ ‬المؤسسات‭ ‬العالمية‭ ‬المعنية‭ ‬بمتابعة‭ ‬درجة‭ ‬الشفافية‭ ‬لدول‭ ‬العالم‭ ‬تأتي‭ ‬مشيدة‭ ‬بنظافة‭ ‬النظام‭ ‬التونسي،‭ ‬وحتى‭ ‬التونسيين‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬حاملين‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬السلوكيات‭ ‬تأبى‭ ‬الفساد‭ ‬ومشتقاته‭. ‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬المظاهرات‭ ‬الشعبية‭ ‬المناصرة‭ ‬لبورقيبة‭ ‬في‭ ‬خصامه‭ ‬التاريخي‭ ‬مع‭ ‬الزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬كانت‭ ‬تغني‭ ‬بنظافة‭ ‬تونس‭ ‬مقارنة‭ ‬بالبقشيش‭ ‬المصري‭… ‬فالحديث‭ ‬عن‭ ‬عجز‭ ‬الحكومات‭ ‬البورقيبية‭ ‬المتتالية‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬كما‭ ‬استبطنه‭ ‬خطاب‭ ‬يوسف‭ ‬الشاهد‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬سذاجة‭ ‬وهو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الجهل‭ ‬والاستخفاف‭ ‬بالتاريخ‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.

‬ أما‭ ‬الحقبة‭ ‬النوفمبرية‭ ‬فإن‭ ‬دخلت‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬بدايتها‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬الفساد‭ ‬والتطبيع‭ ‬مع‭ ‬آفاته‭ ‬رويدا‭ ‬رويدا‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬القول‭ ‬بأنه‭ ‬عمّ‭ ‬واستشرى‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬اليوم‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬أثّث‭ ‬آليات‭ ‬حوكمته‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬المتعمدة‭ ‬للفساد‭ ‬الاّ‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ممارسة‭ ‬عمودية‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أفقية‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬وتمرد‭ ‬الفاسدين‭ ‬عن‭ ‬المساءلة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬والعقاب‭… ‬وحتى‭ ‬إذا‭ ‬سلّمنا‭ ‬جدلا‭ ‬بعجز‭ ‬الحقبة‭ ‬النوفمبرية‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬يكون‭ ‬كلام‭ ‬يوسف‭ ‬الشاهد‭ ‬عبثيا‭ ‬بامتياز‭ ‬لحشره‭ ‬النظام‭ ‬البورقيبي‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬العجز‭. ‬

لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬أثارت‭ ‬كلمة‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬استغراب‭ ‬الجميع،‭ ‬ومردّ‭ ‬الاستغراب‭ ‬والتعجّب،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الدهشة،‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬وخلال‭ ‬السنتين‭ ‬الراهنتين،‭ ‬تقاوم‭ ‬الفساد،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تحاول‭ ‬مقاومته‭ ‬والحدّ‭ ‬منه،‭ ‬اللهم‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي،‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬استساغ‭ ‬كلمة‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬ووجد‭ ‬أنها‭ ‬تؤثّر‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وتثير‭ ‬الإعجاب،‭ ‬فأصبح‭ ‬يزجّها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مداخلة‭ ‬وفي‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬خطاب،‭ ‬بل‭ ‬وحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬شعار‭ ‬ترفعه‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنه‭ ‬هدف‭ ‬سامي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيقه.

‭‬ يذكر‭ ‬التونسيون‭ ‬عرضا،‭ ‬ومن‭ ‬وقت‭ ‬بعيد‭ ‬مضى،‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬يوسف‭ ‬الشاهد‭ ‬بدأ‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬بل‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬يفاخر‭ ‬الى‭ ‬اليوم‭ ‬بأن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬وضع‭ ‬شفيق‭ ‬جراية‭ ‬في‭ ‬السجن،‭ ‬وألقى‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬مهربين‭ ‬من‭ ‬بنقردان‭ ‬والجم‭ ‬وجمال‭ ‬والقصرين،‭ ‬وأنه‭ ‬حلّ‭ ‬وزارة‭ ‬الطاقة‭ ‬بأكملها‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬وضعية‭ ‬استغلال‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭ ‬لبئر‭ ‬نفط‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬المنستير،‭ ‬والقى‭ ‬بكاتب‭ ‬الدولة‭ ‬للمناجم‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شبهة‭ ‬ارتشاء‭.‬

لكن‭ ‬تلك‭ ‬الاحداث‭ ‬تحوّلت‭ ‬وكأنها‭ ‬ذكريات‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬بعيد،‭ ‬فمن‭ ‬وقتها‭ ‬توقّف‭ ‬مجهود‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬وكأن‭ ‬الفساد‭ ‬قد‭ ‬قُضي‭ ‬عليه‭ ‬بمجرد‭ ‬وضع‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬السجون،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬أطلق‭ ‬سراحهم‭ ‬تباعا‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬الا‭ ‬رجل‭ ‬الاعمال‭ ‬المثير‭ ‬للجدل‭ ‬جراية،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬تتجرأ‭ ‬الدولة‭ ‬وتوجّه‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬تهمة‭ ‬الفساد،‭ ‬بل‭ ‬تحتفظ‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتخابر‭ ‬مع‭ ‬جيش‭ ‬أجنبي‭ ‬أو‭ ‬خيانة‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التهم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالفساد‭.

‬ الارقام‭ ‬التي‭ ‬قع‭ ‬تداولها‭ ‬أحيانا‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬والمختصين‭ ‬والهيئات‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الافة،‭ ‬تبدو‭ ‬رهيبة،‭ ‬بل‭ ‬انها‭ ‬أحيانا‭ ‬تقارب‭ ‬الخيال‭.‬ القاضي‭ ‬أحمد‭ ‬صواب،‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬أورد‭ ‬رقما‭ ‬يقارب‭ ‬الخمسين‭ ‬ألف‭ ‬مليار‭ ‬قال‭ ‬أنها‭ ‬ضاعت‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تهرّب‭ ‬جبائي‭ ‬وتصاريح‭ ‬جبائية‭ ‬مغشوشة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬يحرم‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬مبالغ‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم،‭ ‬تبدو‭ ‬احيانا‭ ‬غير‭ ‬مقبولة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬حتى‭ ‬تخيّلها‭.‬

ولم‭ ‬تتقدم‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬التصنيف‭ ‬العالمي‭ ‬حول‭ ‬مؤشّر‭ ‬الفساد‭ ‬لسنة‭ ‬2018‭ ‬الا‭ ‬بدرجة‭ ‬واحدة،‭ ‬حيث‭ ‬احتلت‭ ‬المرتبة‭ ‬73‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬180‭ ‬دولة‭ ‬يشملها‭ ‬التصنيف،‭ ‬واحتفظت‭ ‬بالمرتبة‭ ‬السابعة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكّد‭ ‬أن‭ ‬حديث‭ ‬الحكومة‭ ‬عن‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬اما‭ ‬أنه‭ ‬مجرد‭ ‬كلام‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬تطبيقه‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬خطاب‭ ‬للاستهلاك‭ ‬الاعلامي‭ ‬فقط‭.‬

الاستاذ‭ ‬شوقي‭ ‬الطبيب،‭ ‬رئيس‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬عبّر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المناسبات‭ ‬تقريبا‭ ‬عن‭ ‬تخوفه‭ ‬من‭ ‬البطء‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬القضائي‭ ‬مع‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد،‭ ‬وقال‭ ‬أن‭ ‬هيئته‭ ‬قد‭ ‬احالت‭ ‬الى‭ ‬القضاء‭ ‬مئات‭ ‬الملفات‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يقع‭ ‬البتّ‭ ‬فيها‭ ‬الى‭ ‬اليوم‭.‬

ويرى‭ ‬مراقبون‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تكاد‭ ‬تقتسم‭ ‬الفساد‭ ‬بالتساوي،‭ ‬فكل‭ ‬سلطة‭ ‬لها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفاسدين‭ ‬المتنفّذين‭ ‬الذين‭ ‬تحميهم،‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطالهم‭ ‬العقاب‭ ‬الرادع‭ ‬لأنهم‭ ‬ببساطة‭ ‬محسوبين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭.‬

فخلال‭ ‬السنتين‭ ‬اللتين‭ ‬قال‭ ‬الشاهد‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬كافحت‭ ‬فيهما‭ ‬الفساد‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تكافحه‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬بدأ‭ ‬يتكرّس‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬مبدأ‭ “‬الفساد‭ ‬القطاعي‭” ‬الذي‭ ‬استحكم‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬السلطات‭ ‬الأربعة،‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬مراكز‭ ‬قوى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬على‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬تسمية‭ “‬الراعي‭ ‬الرسمي‭” ‬للفساد‭.‬

السلطة‭ ‬الأصلية،‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬لا‭ ‬يمرّ‭ ‬عليه‭ ‬اسبوع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬اتهامات‭ ‬بالفساد،‭ ‬لنواب‭ ‬فيه،‭ ‬وتخرج‭ ‬منها‭ ‬أحاديث‭ ‬عن‭ ‬ملفات‭ ‬ضخمة،‭ ‬وعن‭ ‬تدخّلات‭ ‬ووساطات‭ ‬ومحسوبية‭ ‬وحتى‭ ‬رشوة،‭ ‬وقضاء‭ ‬مصالح‭ ‬بمقابل‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التّهم‭ ‬التي‭ ‬يتداولها‭ ‬النواب‭ ‬عن‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضا،‭ ‬او‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬تداولها‭ ‬خارج‭ ‬المجلس‭.‬

آخر‭ ‬الأخبار‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬باردو‭ ‬تقول‭ ‬أن‭ ‬تتبعات‭ ‬عدلية‭ ‬مفتوحة‭ ‬ضدّ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬نائبا‭ ‬وأن‭ ‬أسماء‭ ‬أغلبهم‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬منشورة‭ ‬أمام‭ ‬القطب‭ ‬القضائي‭ ‬المالي‭.‬ مجلس‭ ‬النواب‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحصّن‭ ‬الفاسدين‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جملة‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬نظامه‭ ‬الداخلي،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬المتعلّق‭ ‬برفع‭ ‬الحصانة،‭ ‬حيث‭ ‬أضاف‭ ‬عباقرة‭ ‬القانون‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ “‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬رفع‭ ‬الحصانة‭ ‬عن‭ ‬النائب‭ ‬الا‭ ‬متى‭ ‬تمسّك‭ ‬بها‭ ‬كتابيا‭”‬،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الفخّ‭ ‬الذي‭ ‬نصبه‭ ‬المشرّعون،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬ومتى‭ ‬مرّ‭ ‬أمامها‭ ‬اسم‭ ‬أحد‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬قضيّة‭ ‬معيّنة،‭ ‬تراسل‭ ‬مباشرة‭ ‬مكتب‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬طالبة‭ ‬رفع‭ ‬الحصانة‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المثول‭ ‬أمامها،‭ ‬فيرد‭ ‬المجلس‭ ‬بسؤال‭: ‬وهل‭ ‬تمسّك‭ ‬النائب‭ ‬بحصانته‭ ‬كتابيا‭ ‬وأرسل‭ ‬لكم‭ ‬رسالة‭ ‬مكتوبة‭ ‬مفادها‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يحضر؟‭ ‬وهنا‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬التي‭ ‬تتصل‭ ‬بالنائب‭ ‬فيرفض‭ ‬الحضور‭ ‬ويرفض‭ ‬أيضا‭ ‬التمسّك‭ ‬كتابيا‭ ‬بعدم‭ ‬الحضور،‭ ‬فيضيع‭ ‬حق‭ ‬المشتكي‭ ‬وترقد‭ ‬القضية‭ ‬في‭ ‬رفوف‭ ‬المحاكم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬القضائي،‭ ‬رغم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬نوابا‭ ‬عديدين‭ ‬يتوجّهون‭ ‬الى‭ ‬القضاء‭ ‬اذا‭ ‬طُلب‭ ‬منهم‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬رفع‭ ‬الحصانة،‭ ‬اي‭ ‬انهم‭ ‬يحضرون‭ ‬فقط‭ ‬للتعرّف‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬وعلى‭ ‬من‭ ‬رفعها‭ ‬وأورد‭ ‬اسمائهم‭ ‬فيها‭.‬ السلطة‭ ‬الثانية،‭ ‬الحكومة،‭ ‬والتي‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬وتعتبره‭ ‬من‭ ‬أولوياتها،‭ ‬تتعرَّض‭ ‬بدورها‭ ‬الى‭ ‬انتقادات‭ ‬لاذعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬كثيرين‭ ‬لا‭ ‬يعتبرون‭ ‬الحكومة‭ ‬صادقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنحى،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬نواب‭ ‬المعارضة،‭ ‬كالسيدة‭ ‬سامية‭ ‬عبّو،‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬أنها‭ ‬تمتلك‭ ‬ملفات‭ ‬موثّقة‭ ‬عن‭ ‬فساد‭ ‬كبير‭ ‬ينخر‭ ‬قصر‭ ‬القصبة،‭ ‬وتحدّثت‭ ‬بالخصوص‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬ضباط‭ ‬الديوانة‭ ‬الذي‭ ‬تعلّقت‭ ‬به‭ ‬قضايا‭ ‬بمئات‭ ‬المليارات‭ ‬ولازال‭ ‬مستشارا‭ ‬لدى‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة،‭ ‬بل‭ ‬تقول‭ ‬أنه‭ ‬عيّنه‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬لم‭ ‬تردّ‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬واكتفت‭ ‬بردّ‭ ‬من‭ ‬ادارة‭ ‬الديوانة،‭ ‬نفت‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلا‭.‬

ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬النقد‭ ‬على‭ ‬النواب‭ ‬او‭ ‬على‭ ‬سامية‭ ‬عبو‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬جمعيات‭ ‬كثيرة‭ ‬تتهم‭ ‬الحكومة‭ ‬بالتستر‭ ‬على‭ ‬الفساد،‭ ‬مثل‭ ‬جمعية‭ ‬أنا‭ ‬يقظ‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬شكاية‭ ‬ضد‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬تتهمه‭ ‬فيها‭ ‬بالتدخل‭ ‬لدى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاوروبي‭ ‬للافراج‭ ‬عن‭ ‬اموال‭ ‬مشبوهة‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬رجل‭ ‬الاعمال‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬القصبة،‭ ‬مروان‭ ‬المبروك‭.‬ في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تتحدث‭ ‬مصادر‭ ‬اعلامية‭ ‬عديدة‭ ‬عن‭ ‬فساد‭ ‬حتى‭ ‬لدى‭ ‬المقرّبين‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة،‭ ‬وتذكر‭ ‬بالخصوص‭ ‬الوزير‭ ‬السابق‭ ‬والصديق‭ ‬الشخصي‭ ‬للشاهد،‭ ‬مهدي‭ ‬بن‭ ‬غربية،‭ ‬وتذكر‭ ‬أيضا‭ ‬رياض‭ ‬الموخّر‭ ‬الكاتب‭ ‬العام‭ ‬للحكومة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬مثل‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬الى‭ ‬حدّ‭ ‬الان،‭ ‬أو‭ ‬فنّد‭ ‬علنا‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭.‬ السلطة‭ ‬الثالثة،‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬تتعرّض‭ ‬بدورها‭ ‬لانتقادات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفساد،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬الناشط‭ ‬السياسي‭ ‬الاستاذ‭ ‬لزهر‭ ‬العكرمي‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬المناسبات،‭ ‬وفي‭ ‬حوارات‭ ‬تلفزية‭ ‬مباشرة،‭ ‬ان‭ ‬عائلة‭ ‬الرئيس،‭ ‬وخصوصا‭ ‬ابنه‭ ‬وزوجة‭ ‬ابنه‭ ‬لهم‭ ‬نشاطات‭ ‬مالية‭ ‬مشبوهة‭.‬ وهو‭ ‬ما‭ ‬تطرّق‭ ‬اليه‭ ‬ايضا‭ ‬الاستاذ‭ ‬عبد‭ ‬الستار‭ ‬المسعودي،‭ ‬القريب‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬القصر،‭ ‬والذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬مع‭ ‬العكرمي‭ ‬من‭ ‬أصدقاء‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فحديثهم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬جمعيات‭ ‬الشفافية‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬لا‭ ‬تركّز‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬الاسماء‭ ‬العائلية،‭ ‬بل‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬تدخّلات‭ ‬من‭ ‬الرئاسة،‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬مسألة‭ ‬العفو‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬الناشط‭ ‬السابق‭ ‬برهان‭ ‬بسيس،‭ ‬والذي‭ ‬رأت‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬قد‭ ‬خرق‭ ‬أحكام‭ ‬القضاء،‭ ‬لان‭ ‬المسألة‭ ‬تتعلّق‭ ‬بشبهة‭ ‬فساد‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬صوتيتال،‭ ‬وان‭ ‬لم‭ ‬تعترض‭ ‬على‭ ‬حقّ‭ ‬الرئيس‭ ‬دستوريا‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬العفو‭.‬

السلطة‭ ‬الرابعة،‭ ‬القضاء،‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬اتهامات‭ ‬بالفساد،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬كثيرين‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنه‭ ‬قطاع‭ ‬مورّط‭ ‬في‭ ‬الفساد،‭ ‬وان‭ ‬بدرجات،‭ ‬وأن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬حسمها،‭ ‬لكن‭ ‬أصحابها‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬النفوذ‭ ‬المالي‭ ‬والسياسي،‭ ‬فتتعطّل‭ ‬في‭ ‬أدراج‭ ‬المحاكم،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يجدون‭ ‬لها‭ ‬ثغرات‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يُطبّق‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭.‬ وان‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يحاول‭ ‬ان‭ ‬يتجنّب‭ ‬عادة‭ ‬ذكر‭ ‬أسماء‭ ‬قضاة،‭ ‬أو‭ ‬كيل‭ ‬اتهامات‭ ‬إلى‭ ‬الجهاز‭ ‬ككل،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬الجميع‭ ‬ايضا‭ ‬لا‭ ‬ينكر،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬القضاة‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬اخلالات‭ ‬كبرى‭ ‬تعيق‭ ‬النزاهة‭ ‬والشفافية‭ ‬والالتزام‭ ‬الصارم‭ ‬بخدمة‭ ‬العدالة،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬انه‭ ‬تورّط‭ ‬كما‭ ‬سائر‭ ‬القطاعات،‭ ‬ودخل‭ ‬دوامة‭ ‬الفساد‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭.‬

وبذلك‭ ‬يمكن‭ ‬الاستنتاج‭ ‬بأن‭ ‬الفساد‭ ‬قد‭ ‬عمّ‭ ‬كل‭ ‬القطاعات‭ ‬والسلطات‭ ‬أيضا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬انه‭ ‬أصبح‭ ‬أخطبوطا‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬توفير‭ “‬دولة‭” ‬بكاملها‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحه،‭ ‬والسهر‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬نموّه‭ ‬وتغلغله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المفاصل‭.‬

صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الأخير.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING