الشارع المغاربي – خلفيات صيد الحبارة والغزلان : قافلة قطريّة بـ38 سيارة في قبلي لمباشرة أعمال إبادة

خلفيات صيد الحبارة والغزلان : قافلة قطريّة بـ38 سيارة في قبلي لمباشرة أعمال إبادة

2 فبراير، 2019

الشارع المغاربي – بقلم معز زيود :علينا أن نُقيم نصبا تذكاريا للهيلوكبتر الحمراء”. هذه العبارة كانت بمثابة صرخة مؤلمة أطلقها الناشط الإيكولوجي عبد المجيد الدبّار من أعماق النفس. فقد فضحت الصور التي نشرها كارثة الصيد العشوائي للثروات الطبيعيّة المهدّدة بالانقراض في الصحاري التونسيّة. قضيّة أخذت أبعادا لم تكن سابقا في الحسبان. هذه خلفياتها…

تتالت، خلال الأشهر الأخيرة، الحملات التي أطلقها عدد من المدافعين عن الحفاظ على الثروات الطبيعيّة المهدّدة بالزوال في الصحاري التونسيّة. كان في مقدّمة هؤلاء الناشط الإيكولوجي عبد المجيد الدبّار، غير أنّ صيحات الاستغاثة تلك لم تجد صدى إلاّ لدى بعض الأصدقاء في صفحات موقع “فيسبوك”. ثمّ كان المنعرج بداية من الأسبوع الماضي، فتدخّلت الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان، وتلاها بيان الجامعة الوطنية لجمعيات الصيادين. واضطرّت وزارة الدفاع الوطني لتدلي بدلوها في هذه القضيّة الشائكة…

الأمير القطري والرئيس التونسي!
كشف عبد المجيد الدبّار رئيس “جمعية تونس للإيكولوجيا”، في بداية الأسبوع الماضي، أنّ قافلة قطريّة تضمّ 38 سيّارة رباعيّة الدفع اخترقت بوادي ولاية توزر، وتحديدا منطقة شطّ الغرسة بين الرديف والمتلوي والشبيكة. وصرخ أنّ لا قصد لتلك القافلة سوى الإيغال في الصيد العشوائي للحيوانات والطيور البرّية المهدّدة بالانقراض، وفي مقدّمتها طيور الحبار والغزلان. لم تُسمع التنبيهات التي أطلقها الدبّار منذ يوم 8 أكتوبر 2018 ثم في أواسط شهر ديسمبر الماضي، بل استهدفته حملات التشويه من هذا الجانب وذاك.
ومع ذلك، ما كلّ مرّة تسلم الجرّة، كما يقول المثل، إزاء الجرائم المتعمّدة المسكوت عنها ضدّ الثروات الطبيعيّة الوطنيّة. فقد فضحتها هذه المرّة صورة تلك الهيلوكبتر الحمراء التي نشرها الدبّار، بعد أن أرسلها إليه أحد أهالي المنطقة قبيل أن تُحذف من هاتفه الجوّال. مروحيّة أوقفت الدنيا ولم تُقعدها، شوهدت في بوادي توزر تلاحق غزلان وطيور الحبار وطيور القطا التي يُعشّش ما بقي منها في تلك الربوع الصحراويّة.
انكشفت الفضيحة الكبرى هذه المرّة، وظهرت صور صقور الصيد والمناظير الدقيقة وخصوصا المروحية القطريّة القادمة من المغرب، فأضحت قضيّة رأي عام. ولم يعد في مقدور جحافل المتواطئين وسائر المستفيدين من حزم البترودولار إخفائها. كما هبّت شبكة “جمعية تونس للإيكولوجيا” التي تضمّ أكثر من 140 متطوّعا في مساندة هذه المبادرة لرصد ما تُكرّسه بعض الشبكات من دعم لوجستي لجرائم الصيد العشوائي في الصحاري التونسيّة.
كما انتشر فيديو مثير للغاية يُظهر احتجاجات بعض أهالي المنطقة على شخص باللباس الخليجي يقود سيّارة رباعيّة الدفع ذات لوحة منجميّة لدولة قطر. حاول الصيّاد القطري تقديم التبرير وراء التبرير بشأن حرص القطريّين على حماية البيئة البريّة التونسيّة، مدّعيا امتناعهم عن الصيد لفترة عشر سنين، لكنّ الأكثر إثارة أنّ شخص المذكور قد وقع في فخّ التصريح من حيث لا يدري. فقد أكّد وجود قافلة الأمير القطري نفسه في تلك الأنحاء في حماية الحرس الوطني، بل وأومأ تحت إلحاح المحتجّين أنّ الرئيس التونسي هو الذي أذن برحلة الصيد تلك…

عصابات التواطئ!
الخطير في هذه القضيّة أنّ بعض الجمعيات الجهويّة والوطنيّة للصيّادين كانت لزمن طويل ضمن الحلقات الضالعة في السكوت عن تلك الجرائم. ولم تنبس أغلبها بكلمة إلاّ بعد افتضاح الأمر وتحوّله إلى قضيّة رأي عام شغلت عموم التونسيين. هل تعرفون سبب صمت المريب؟ لأنّ البعض كان ولا يزال جزءا من عمليّة هذا التخريب المنهجي. فمكمن احتجاج هؤلاء الصيّادين، دون تعميم، يتمثّل أساسا في سياسة “المحاباة” التي تمارسها بعض مؤسّسات الدولة إزاءهم بتفضيل الصيّادين الخليجيّين، منذ بداية زمن حكم نظام بن عليّ إلى اليوم.
وحتّى الفيديو الذي انتشر احتجاجا على الصيد العشوائي للقطريّين في توزر، كشف أنّ بعض المحتجين لم يكن همّهم الحفاظ على الثروة الطبيعية المهدّدة بالانقراض، وإنّما اغتاظوا أساسا لمنعهم من ممارسة “حقّهم” في الصيد أسوة بالقطريّين. فالإشكال بالنسبة إليهم يكمن في حرمانهم من المشاركة في تلك الجريمة!!!.
حقيقة أخرى في منتهى الخطورة وتحتاج للتوضيح، وتتمثّل في أنّ بعض المحسوبين على جمعيّات الصيد ضالعون في تلك الجرائم منذ زمن بن علي. وهذا ليس مجرّد رأي أو تحليل أو تخمين وإنّما حقيقة مبنية على معلومات وشهادات. ووفق المعطيات التي نمتلكها فإنّ رئيس إحدى جمعيّات الصيد في شمال البلاد مورّط بدوره في مثل هذه الممارسات، وخصوصا في تقديم تسهيلات لدبلوماسيين وأعيان من دول خليجية في الصيد دون أدنى احترام للقانون وخارج مواسم الصيد والمناطق المسموح بها.

ماكينة جهنّمية
عبد المجيد الدبّار تحدّث بدوره عن ماكينة كبرى مختصّة في الصيد العشوائي تحتكم إلى شبكات قد تكون أقرب إلى العصابات الإجراميّة، ولا همّ لها إلّا تحصيل الربح المالي السريع. وأفاد في هذا الصدد أنّ أهمّ حلقات تلك الماكينة تتشكّل من تونسيين مهامهم تحديد أوكار طيور الحبارى والغزال في الصحاري التونسيّة وإبلاغ القطريين بذلك. وهو ما يتيح للعميل التونسي بأن ينال ما يتراوح بين 200 و1000 دولار عن الرأس الواحدة.
وحتّى بعد مغادرة القطريين توجد وكالات أسفار وهميّة، حسب تأكيده، تأتي بقوافل الصيادين الأجانب من الهند والإمارات وعدد من الدول الأخرى، ليعدوا لهم كلّ شيء من أجل صيد الغزلان وطيور الحبار. ففي شهري مارس وأفريل تلد الغزلان. وخلال أيام “العجاج” ورياح الغبار العاتية يقتنص هؤلاء العملاء صغار الغزلان، يربونها في بيوتهم، ثمّ يطلقونها من الشاحنات أمام الصيادين لإيهامهم بأنّها تجوب الصحراء ليطلقوا عليها النار. وقد يصل سعر الغزال الواحد، حسب إفادة الدبار إلى خمسة آلاف دينار.
الجدير بالذكر أنّ آخر المعطيات تُشير إلى أنّ القافلة القطريّة قد وصلت أمس الأوّل، الموافق ليوم الأحد 27 جانفي 2019، إلى ربوع قبلي لمباشرة أعمال إبادة الثروات الطبيعيّة في أنحاء نفزاوة. هذا ما كشفه بعض أهالي المنطقة، فضلا عن التأكيد بأنّ فرق الأدلاء والوسطاء انطلقت منذ فترة في تأجير البيوت وإعداد العدّة لمستلزمات محفل الصيد العشوائي.
وبعد كلّ هذا نكتشف أنّ هناك بعض المواقع أصابها العمى الأيديولوجي لمجرّد ارتباط قضيّة الحال بقوافل قطريّة. فأخذت تدافع بكلّ وقاحة عن الحركيّة التجاريّة التي يُحدثها الصيد العشوائي. والحال أنّ تلك الممارسات مرفوضة كليّا، بل تبدو في مقام الجرائم سواء ارتكبها تونسيّون أو قطريّون أو إماراتيّون أو غيرهم…

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING