الشارع المغاربي – دباباته أسقطت كل المبادرات السياسية: حفتر يستفرد بليبيا !

دباباته أسقطت كل المبادرات السياسية: حفتر يستفرد بليبيا !

7 يوليو، 2018

الشارع المغاربي- بقلم الحبيب القيزاني: في تطورات عسكرية متسارعة في ليبيا، حررت قوات المشير خليفة حفتر درنة واستعادت السيطرة على الهلال النفطي ليفاجئ الرجل حكومة الوفاق المعترف بها دوليا بما اعتبره عديد الملاحظين عملية غدر سلّم بمقتضاها حفتر موانئ الهلال النفطي الى الحكومة المؤقتة في شرق البلاد بدلا من حكومة فايز السراج. انقلاب عقّد أوضاع كل الجهات الطامعة في السلطة وأثبتت أن حفتر لاعب بامتياز في الساحة ويعرف كيف يغير خريطة الصراع لصالحه.

فقد التزمت حكومة الوفاق الوطني الصمت حيال عملية «الاجتياح المقدس » التي أطلقها حفتر، حتى أنّ فايز السراج هاجم إبراهيم الجضران وطالبه بالانسحاب من منطقة الهلال النفطي رغم وعود الأخير بتسليم المنطقة له بعد هزم قوات حفتر، الشيء الذي دفع المؤسسة الوطنية للنفط الموجودة في طرابلس الى مهاجمة «الجضران » بعدما تعرضت نصف صهاريج التخزين في «راس لانوف والسدرة » إلى التدمير وفقدت نحو 400 ألف برميل من النفط. ولم تقف الأمور عند هذا الحد اذ نقلت وكالة الاناضول التركية أن قوات عسكرية تابعة لحكومة الوفاق الليبية تمركزت على الطرق الصحراوية المحيطة بمدينة سرت -شرق طرابلس- لقطع إمدادات «الجضران »، ما يعني أنّ حكومة السراج التي ربما عقدت صفقة في السر بالتزامها الصمت، تعرضت على الأرجح لتآمر واضح في العلن.

وقصة السيطرة على الهلال النفطي الذي يمتد من بنغازي شرقا الى سرت غربا ويحتوي على 80 ٪ من احتياطي النفط الليبي، ويمثل نحو 90 % من مصادر الدخل بدأت أواخر عام 2013 عندما طالت فوضى الحرب الوزارات الليبية على أيدي مُسلحين جمعهم السلاح وفرقتهم العصبية القبلية والمطالب، حتى أنّ التيارات الاسلامية سيطرت آنذاك على المؤتمر الوطني الليبي )البرلمان( الذي تصدر المشهد وأقصت جناحي الليبراليين والوسط، لتبدأ الدعوات الانفصالية والتحركات السريعة لإنشاء فيدراليات مستقلة، وكانت البداية بتشكيل حكومة برقة– شرق ليبيا- المكونة من «أجدابيا وبنغازي والجبل الاخضر وطبرق ،» ونجح الزعيم القبلي «إبراهيم الجضران » الذي انضم للدعوات الانفصالية في السيطرة على الهلال النفطي، وفي تلك الأثناء قرر المؤتمر الوطني -الذي أقرّ الشريعة الإسلامية– مدّ ولايته لمدة عام، لكنّ «الجضران » انشق عن الحكومة المؤقتة وشرع في تصدير النفط لحسابه الخاص، قبل أن يقرر مجلس الأمن منع خروج النفط من البلاد بطريقة غير مشروعة، لتتوقف نصف صادرات البلاد، وتدخل ليبيا في أزمة اقتصادية خانقة.

أثار قرار تمديد المؤتمر الوطني ولايته غضب حفتر الذي قام بمحاولة انقلاب فاشلة بداية عام 2014 ، لكنه فجأة غيّ خططه وتحالف مع «الجضران » الذي يُسيطر على مصافي النفط ويشاركه في معاداة إسلاميي الغرب، لكنّ التحالف سُعان ما انتهي بالخذلان، فحفتر رفض مساعدة الحضران في التصدِّي للهجوم الذي شنه «داعش » الارهابي في ليبيا على مصافي النفط، لكنّ قوات حرس المنشآت النفطية تمكنت في النهاية من هزم التنظيم، وفي جويلية من عام 2016 ، توّصل الجضران إلى اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا برئاسة فايز السراج برعاية الأمم المتحدة، يقضي باستعادة الحكومة السيطرة على موانئ النفط وبدأ تصديره مرة أخرى مقابل دفعها رواتب شهرية لأفراد قوات حرس المنشآت النفطية التي أصبح لها وجود رسمي مُعترف به.

وبعد شهرين فقط في سبتمبر 2016 انتقم حفتر وأعلن سيطرته على منطقة الهلال النفطي، لكنّ المثير أنّ اللواء المتقاعد الذي يمتلك حقلً نفطيًا واحدًا في مدينة طبرق ويحتاج إلى الهلال النفطي لدفع تكاليف عملياته العسكرية سلّم الموانئ النفطية لحكومة الوفاق، واستمرت عمليات تصدير النفط من دون أن يحصل على أية مكاسب اقتصادية؛ لكنّ الأوضاع تغيرت منذ عام 2011 ، وحتى الآن؛ فبعدما أصبح يسيطر على الشرق الليبي بكامله لم يعد هناك سبب لكي يفي بوعوده.

حكومة الوفاق.. حساب الربح والخسارة

قرار حفتر عقّد الخريطة الليبية تعقيدا لا يمكن الوقوف على أبعاده الا اذا أدركنا أنّ هناك بنكين، ومؤسستين وطنيتين للنفط إحداها في طرابلس معترف بها، والأخرى موازية في بنغازي وتابعة لحفتر؛ إضافة إلى ثلاث حكومات تتقاتل في ما بينها لانتزاع شرعية الحُكم؛ أولها حكومة الوفاق الوطني المُعترف بها، برئاسة فايز السراج، وتحظى بدعم الأمم المتحدة بعد توقيع اتفاق الصخيرات عام 2015 ثم الحكومة المؤقتة في طبرق -أقصى الشرق- المنبثقة عن البرلمان، ويترأسها عبد الله الثني، وهي موالية لحفتر، وحكومة الإنقاذ غرب البلاد التي يترأسها خليفة الغويل وانبثقت عن المؤتمر الوطني، ويُسيطر عليها الإخوان المسلمون.

وطبقا لقرار الأمم المتحدة، تعتبر المؤسسة الوطنية في طرابلس برئاسة مصطفى صنع الله، الجهة الوحيدة المخول لها إدارة المرافق النفطية، وهي جهة سيادية تابعة لحكومة الوفاق، لذا اعتبرت المؤسسة الوطنية إقدام السلطات الموازية في حكومة طبرق على تصدير النفط من منطقة الهلال النفطي أمرًا غير قانوني، وحذرت حكومة الوفاق من أنها ستلجأ لمجلس الأمن لوقف أية عمليات تصدير باعتبارها الجهة الوحيدة المخوّل لها إبرام العقود والصفقات. لكن حفتر يستند في قراره إلى كون عائدات النفط تذهب في النهاية إلى المليشيات المُسلحة التي يُقاتلها ضمن عملية الكرامة، وهو مبرر أخلاقي في نظره يزيد الأمور تعقيدًا، لأنّ المؤسسة النفطية في طرابلس مُعترف بها لدى «أوبك »، بما يعني أنّ حفتر لن يكون قادرًا على تصدير النفط عبر الطرق الشرعية. أما حكومة الوفاق فستجد نفسها في أزمة اقتصادية كبرى نتيجة توقف عمليات التصدير التي تمثل عائداتها نحو 88 % من الدخل الوطني، بما يعني أنها ستفقد جانبا من شرعيتها بعد خسارة النفط رغم الاعتراف الدولي. لكنّ طموح حفتر يتجاوز الهلال النفطي، وسبق له أن حاول في عام 2016 بيع نحو 300 ألف برميل بشكل مستقل لكنه فشل بعد تدخل الأمم المتحدة، بما يعني أنّ هدف خطوته الحالية السيطرة على النفط بالمعنى الاقتصادي، لأن ذلك سيكون معركة سيخسرها بسهولة في حال تدخل مجلس الأمن، خاصة بعد تنديد ست دول بمعركته الأخيرة هي الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، لكن يبدو أنّ الرجل درس خُطواته جيدًا، رغم اتهامات أعدائه له.

وأمام هذا المأزق لم يكن أمام حكومة السرّاج سوى الاستنجاد بوساطات عربية ليطير بعد ساعات وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي الى طبرق في محاولة للوصول لتسوية، وفي نفس التوقيت كشف أحد أعضاء حكومة الوفاق أن مصر طلبت من المشير حفتر التراجع عن قراره بخصوص الهلال النفطي، كلام تناقض مع ترحيب أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط بنجاح العملية العسكرية في الهلال النفطي متجاهلً القرار الأخير والأزمة التي ترتبت عنه بما بدا أنه ترحيب واصطفاف عربي وراء حفتر. كيف أسقط حفتر كافة المبادرات السياسية؟

كان معنى انتقال إدارة المنشآت النفطية من المؤسسة الوطنية في طرابلس إلى الكيان الموازي لها في بنغازي أنّ حفتر تنكر لبنود مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأخيرة والتي نصت على الاتفاق على حل سلمي للأزمة، وإنهاء المؤسسات الموازية والاعتراف بالدستور الذي صاغته الهيئة التأسيسية، ووقف العمليات العسكرية وتوحيد الجيش الليبي وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام الجاري.

كما يعني قرار حفتر التنكر لحكومة الوفاق الوطني، ولاتفاق الصخيرات. ولم يكن حفتر حتى اطلاق المبادرة الفرنسية يحظى بأي اعتراف دولي. حتى “عملية الكرامة” فقد أكسبته دعما دوليا محدودا. واليوم أصبح الرجل بفعل “الانقلاب النظيف” الذي قوّض به كل المبادرات الدولية الرابح الوحيد في أزمة دخلت نفقا جديدا من الضبابية والتعقيد نظرا لزوال الثقة بين أطرافها. ومنذ أواخر سنة 2016 ظل الهلال النفطي تحت سيطرة قوات حفتر الذي كان عاجزا عناتخاذ قراره الأخير قبل السيطرة على مدينة درنة -معقل الإسلاميين في الشرق- وبعد تحرير المدينة سيصبح الشرق الليبي بعد تعزيز صلاحيات حكومة طبرق وبسط سيطرة الجيش الليبي مُستعد لطموح حفتر.

تفيد كل المؤشرات إلى أنّ “المشير” لن يتجه إلى طرابلس محطته الأخيرة التي أعلن مرارًا أنه يُخطط لدخولها، بل يتوجب عليه السيطرة على جنوب البلاد من ناحية الشرق وترك المنطقة الغربية كمحطة أخيرة وحاسمة. وحاليا يسيطر حفتر على عدة مدن بالجنوب أبرزها سَبها والكفرة والجفرة، الإضافة إلى المناطق الحدودية مع مصر والسودان والتشاد، ومؤخرًا أطلق الجنرال الليبي عملية «فرض القانون » لاستعادة ما تبقى في الجنوب الليبي بمساعدة مصرية إماراتية فرنسية حسب ما كشف موقع “الشبكة العالمية”. ولم تبق في الخريطة سوى المناطق التي تسيطر عليها حكومة طرابلس في الغرب الليبي بداية من سرت -شرق طرابلس- التي كانت معقلً لتنظيم الدولة مرورًا بالعاصمة طرابلس ومصراتة وحتى حدود تونس، ولا تنازعها في تلك المناطق سوى «حكومة الإنقاذ الوطني » الإسلامية التي تسيطر على مساحات صغيرة، إضافة إلى وجود بعض المناطق خارج سيطرة الجميع. وتوجد أيضًا قوات خارج السيطرة أبرزها «مجلس شورى أجدابيا » -أكبر مدينة في الهلال النفطي-، و «سرايا الدفاع عن بنغازي .»

ورغم أنّ المبادرة الفرنسية حددت سير العملية السياسية في ليبيا، فإنه من الواضح أن حفتر يعوّل على سياسة الأمر الواقع الذي تفرضه قواته متطلعا للفوز بالانتخابات الرئاسية وتتويج طموحه بالاستحواذ على ليبيا.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING