الشارع المغاربي – رئاسيات 2019: النهضة لن تقدّم مرشّحا .. جولة في «العقل النهضوي»

رئاسيات 2019: النهضة لن تقدّم مرشّحا .. جولة في «العقل النهضوي»

22 يونيو، 2018

الشارع المغاربي – وليد أحمد الفرشيشي: لم يمرّ تصريح بلقاسم حسن، عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، الذي أدلى به لصحيفةالشرق الأوسط، دون أن يحرّك المياه الرّاكدة داخل المشهد السياسي، ذلك أنّ الإعلان عن قرار الحركة بعدم تقديم مرّشحٍ عنها للانتخابات الرئاسيّة القادمة، في الوقت الذّي شبّ فيه حريقالخلافةداخل بيتالحليف الاستراتيجي، أي حركة نداء تونس، لا يمكنُ أن يُقرأ خارج فهمالنهضويينلمسارات اللعبة السياسية في تونس وتطوّرات الوضع الداخلي التي تجعل من العهدة الرئاسية القادمة أشبه بحقل ألغام حقيقي.

ودائمًا داخلَ هذا «العقل النهضوي» الذي عركتهُ تجربة الحكم جيّدًا، سواءً في سنوات الترويكا أو في مرحلة «التعايش المشترك» مع خصم الأمس، فإنّ الإطمئنان «النهائيّ» لقرار النهضة بخروجها من المنافسة على «الكرسي الأغلى» واكتفائها بدعم مرشّح من خارجِ معبد مونبليزير، يفرغُ أيّ تحليلٍ من محتواه، ذلك أنّ الحركة نفسها عوّدت خصومها بـ»الشيء ونقيضهِ»، خاصة أنّ التصريح صادرٌ أساسًا عن أحد قيادات الصفّ الثالث، ولم يقع تبنيهِ رسميًّا من طرف الحركة التي مازالت تحافظُ على خطابها «الهلاميّ» كلّما طرحت على رئيسها مسألة الترشّح من عدمها.

وإجمالاً، نجدُ أنفسنا أمام فرضيّتان لا تجمعُ بينهما سوى رغبة النهضة في أن تكون «لاعبًا محدّدا» في السباق الانتخابي: الفرضيّة الأولى، هي دخولها إلى الموقعة الانتخابية بجوادها الوحيد أي راشد الغنوشي، واضعة كلّ حصادها في مغامرة مجهولة النتائجِ والعواقب، أما الثانية، وهي الأقربُ إلى المنطق فهي عدم المشاركة في الانتخابات مع احتفاظها بحقّ المشاركة في اختيار «مرشّحٍ توافقيّ».

خطاب «الشيء ونقيضهِ» !

والمتابعَ الجيّد لمسار حركة النهضة خلال السنواتِ الأخيرة يلاحظُ بيسر أنّ هذا الحزب يبالغُ في الحذر كلّما تعلّق الأمرُ بالقرارات الكبرى حيثُ دائمًا ما اختارت قيادتهُ أن تلعبَ على الشيء ونقيضهِ، تاركةً الكرة دائمًا في النصف الآخر من الملعب. بمعنى أدقّ دائمًا ما فضّلت الحركة المراهنة، وبطريقة «براغماتيّة»، على سياسة «الخيارات المفتوحة» دون أن تتورّط في موقفٍ قد يقلبُ عليها الطاولة.

وفي مسألة الترشّح للانتخابات الرئاسيّة تحديدا أبقت الحركة الباب مفتوحا أمام كلّ الاحتمالات، فزعيم حركة النهضة وفي حوار أدلى بهِ لصحيفة «جون أفريك»، خلال شهر مارس 2018، أكّد أنّ الحركة لم «تحسم هذا الأمر بشكل نهائي الآن» مشيرًا إلى أنّ النهضة «ستناقش الأمر مباشرة بعد الانتخابات البلديةلكن الأكيد أن حركة النهضة ستشارك في الانتخابات الرئاسية ولن تكون محايدة في هذا الاستحقاق الانتخابي مثلما كان الأمر في 2014». وفي هذا الحوار أيضًا  قال الغنوشي إنّه من المؤكّد أن الحركة «ستدعمُ مرشّحًا» تاركًا مسألة ترشيحه هو معلّقة حين قال «سنناقش الأمر داخل الحركة ثم سنتشاور فيه مع أصدقائنا».

وفي شهر ماي الماضي، وفي حوار أدلى بهِ لصحيفة «الخبر» الجزائريّة، اعتمد راشد الغنوشي نفس سياسة «الخيارات المفتوحة»، حينَ قال إن «مسألة ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة لعام 2019 لم تحسم بعد»، وإن «الأمر مرتبط بمصلحة الانتقال الديمقراطي في البلاد»، قبل أن يترك الباب مفتوحًا أمام تزكية «مرشّحٍ  توافقي» مع حركة نداء تونس ليضيفَ بطريقة تختزلُ طريقة تفكير «العقل النهضوي»:  «حتى الآن ما هو واضح هو أننا سنشارك في الانتخابات المقبلة، ولن نكون محايدين مثلما كنا في انتخابات 2014، هذه المرة سنشارك. كيف سنشارك؟ تلك مسألة فيها نظر. هل سندعم مرشحا آخر، أو نقدم مرشحنا، ذلك مطروح للتفكير، والأكيد أن هذا الموضوع لن يكون خاضعا للرغبات الشخصية، ولكن  المحدد الأساسي فيه ستكون مصلحة البلاد ومصلحة الانتقال الديمقراطي، وتقدير الأوضاع الداخلية والخارجية».

ممّا تقدّم، يبدو أنّه من الصعبِ تصديقِ فكرة حسم  النهضة قرارها فعلاً، وأنّها اختارت التموقعِ بعيدًا عن الصراع الانتخابي، ذلك أنّها بهذه الطريقة تضعُ كلّ بيضها في سلّة خصومها، وهو ما يحيلنا ضمنّيا إلى سياسة أخرى برعت فيها حركة النهضة وهي «المناورة».

في هذه الحالة لن تقدّم مرشّحها !

ويقينًا، ومهما كان القرارُ الذي ستنتهي إليه حركة النهضة، فإنّ الثابت الوحيد في معادلتها هو تحويل الأنظار إليها مجدّدًا كمحدّدٍ رئيسي لمسار الانتخابات وهويّة الفائز بها، وفي هذه الوضعيّة تحديدًا، تعرفُ حركة النهضة أن حسابات خصومها ومنافسيها ستكونُ معدلة على موقفها هي الأمرُ الذي يمنحها هامشًا كبيرًا للمناورة وتحصيل أكثر ما يمكنُ من «منافع».

وعلى الرغمِ من غموضِ موقفها واعتمادها سياسة «الخيارات المفتوحة»، فإنّه ثمّة حالة واحدة  يمكنُ أن تثني النهضة عن محاولة تكرار سيناريو «أردوغان» في تونس، حالة تتضافر فيها العوامل المحليّة والخارجيّة لفائدة مرشّحٍ يحظى، إضافة إلى القبول «الدوليّ» ، بموافقة حليفها نداء تونس، وتحديدًا الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي، مرشّح غير استئصالي تستأنسُ فيه القدرة على التعايش المشترك.

وإذا كانَت بوصلة «التوافقات»، المحليّة والخارجيّة، ستكونُ المحدّدة في دعم مرشّحٍ من خارجِ معبد مونبليزير، فإنّ واقعِ الحركة نفسهُ قد يساهم في تثبيت خيار عدم الترشّح ذلك أنّ الحركة خرجت متضرّرة من الانتخابات البلديّة الأخيرة، حيث فقدت ما يقارب مليون صوت من ناخبيها، إضافة إلى عدم امتلاكها مرشّحين قادرين على حصد الإجماعِ حولهم بل إنّ مرشحها الوحيد، بحكم لوائحها الداخليّة، أي راشد الغنوشي يعتبرُ شخصيّة إشكالية لا تحظى بالإجماع داخليًّا أو خارجيًّا، الأمرُ الذي يجعل من أيّة مغامرة للدفع بشيخ النهضة إلى الواجهة، مغامرة غير محسوبة العواقب.

كما أنّ حركة النهضة تعرفُ قبل غيرها أنّ الدفع بشيخها إلى السباق الرئاسيّ ينهي بداهةً كلّ «التوافقات» ويعيدها إلى مرّبع ما قبل انتخابات 2014، حينَ وقعت مواجهتها من طرف كلّ القوى الحيّة في البلاد، ومن هذا المنظور لا يبدو أنّها ستراهن بكلّ ما حققت خلال السنوات الأربع الأخيرة في مغامرة من المؤكّدِ أنّها  ستخرجُ منها خالية «الوفاض» إن لم تخرج منها أكثر ضعفا وإنهاكًا هذه المرة.

لهذا من المتوقّعِ أن يكونَ قرارها النهائيّ مبنيّا على جملة من المعطيات الرئيسيّة، كتحسس وجهة «الرياح الدوليّة» في هذا الاتجاهِ، ولعب ورقة «التوافق» إلى آخر لحظة، وتفادي جرّها إلى مربّع ما قبل انتخابات 2014، وخاصة انتظار تطورات الوضعِ الداخليّ التي ستكونُ بدورها عاملاً محدّدا لهويّة ساكن قرطاج القادم.

وفي المحصّلة، يظلّ هدف النهضة، رغم ما أبانت من ضعف بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات البلدية، هو ضمان الحدّ الأدنى، وهذا الحدّ الأدنى في سياسة «الخيارات المفتوحة»، هو أن لا يقع تجاوزها في عمليّة تحديد اسم «المرشّح التوافقيّ»


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING