الشارع المغاربي – رئيس الحكومة يبعث برسالة تنهي العقد الاجتماعي وتهدّد السلم والأمن القومي- بقلم: جمال الدين العويديدي

رئيس الحكومة يبعث برسالة تنهي العقد الاجتماعي وتهدّد السلم والأمن القومي- بقلم: جمال الدين العويديدي

27 ديسمبر، 2018

 الشارع المغاربي : بالرجوع للوضع الإقليمي المتفجر، سارعت السلطة الفرنسية بالتراجع عن غلوها في الضغط على الفئات الاجتماعية الضعيفة والمتوسطة نتيجة الاحتجاجات الخطيرة وغير المسبوقة التي عرفتها فرنسا منذ ستة أسابيع متتالية.

غير أن هذه الاحتجاجات لم تقف عند هذا الحد حيث اتخذت منعرجا سياسيا خطيرا معلنا عن نهاية العقد الاجتماعي السائد في فرنسا منذ أكثر من ثلاثة عقود في علاقة مباشرة بهيمنة الليبرالية الجديدة التي دمرت المرافق العمومية مثل الصحة والتعليم وكرست هيمنة الأقليات على الاقتصاد الفرنسي وثرواته عبر سيطرتها على الإعلام وعلى الأحزاب السياسية.

في نفس هذا الوقت جاءت رسالة رئيس الحكومة التونسية الأخيرة مخيبة لكل الآمال حيث أغلق الأبواب لإمكانية الخروج سلميا من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية والعميقة التي انطلقت منذ انتفاضة الحوض المنجمي في سنة 2008 وأدت إلى ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 والتي
خلفت أكثر من 800 ألف عاطل عن العمل من بينهم 300 ألف من حاملي الشهادات الجامعية وكرست اقتصادا موازيا تغول من سنة إلى أخرى إلى اليوم وإلى ظاهرة تهرب رؤوس أموال مهولة إلى الخارج زيادة على انهيار قيمة الدينار وتنامي المديونية التي أوصلت البلاد إلى حالة إفلاس غير معلنة علاوة على ظاهرة الهجرة السرية وهجرة الأدمغة وهي كلها ظواهر تهدد السلم الاجتماعي والأمن القومي في البلاد.

من هذا المنطلق يجب أن نذكر السيد رئيس الحكومة أن هناك عقدا اجتماعيا منصوص عليه دستوريا منذ استقلال البلاد إلى اليوم تقوم عليه أسس العلاقة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد ومن أهمها حق كل مواطن تونسي في الشغل وفي مجانية التعليم وحقه في الصحة وفي العيش الكريم مما يعني لزاما على كل من يتحمل مسؤولية تسيير البلاد ضرورة التخطيط المحكم والعمل على توفير الموارد المالية لضمان توفير هذه الحقوق حتى يتم الحفاظ
على السلم الاجتماعية بوصفها ركنا أساسيا لاستقرار البلاد وضمان نجاح المسيرة التنموية في إطار السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني.

غير أنه مع الأسف باستعراض أهم ما جاء على لسان رئيس الحكومة مؤخرا نؤكد أنه لا يوحي بأنه حريص على تأمين هذا العقد الاجتماعي الذي أصبح مختلا مما ينذر بتهديدالسلم والأمن الوطنيين لأنه تعمد التعتيم على ما يجري من غضب شعبي .
1 – حيث صرح بأن الحكومات التونسية هي التي طلبت تدخل صندوق النقد الدولي وليس العكس؟ غير أنه في الحقيقة هذا التصريح عار من الصحة حيث تعرضنا في مقال سابق في جريدة «الشارع المغاربي » إلى محتوى الندوة الصحفية التي نظمتها المديرة العامة لصندوق النقد الدولي «كريستين لقارد » في تونس بتاريخ 12 فيفري 2012 وبحضور محافظ البنك المركزي آنذاك مصطفى كمال النابلي المنشور على الرابط التالي (/ https://www.youtube.com
watch?v=tFNTAP4wak8&t=67s) وذلك تنفيذا لقرارات قمة «دوفيل » الفرنسية في ماي 2011 حيث أكدت بالحرف الواحد «أن صندوق النقد الدولي تقدم إلى الحكومة التونسية بعرض خدماته في سنة 2011 غير أنه لم يتم قبوله بدعوى أن الحكومة التونسية في تلك السنة لم تكن في حاجة إلى تدخل الصندوق » ثم أضافت مباشرة «أن صندوق النقد الدولي يعيد عرضه من جديد ويعلن عن استعداده لتقديم ما تطلبه الحكومة التونسية الجديدة (الترويكا) في إطار برنامج يتم الاتفاق عليه بين الطرفين » كما أكدت في محاولة لرفع التخوفات من هذا الطلب «بأن صندوق النقد الدولي لسنة 2012 ليس نفس الذي كان يتصرف في الثمانينات » و «أن الصندوق لا يتدخل في اختيار منوال التنمية .»
وقد نجحت كريستين لقارد في ترويض الحكومة وإدخالها في فخ التداين والإملاءات التي لا تنتهي خاصة عندما تعلق الأمر بحكومات فاقدة لمشروع تنموي وطني وفاقدة للخبرة والحنكة للتعامل مع هذه المؤسسة المالية العالمية الخطيرة التي تقف وراءها أهم القوى العالمية والإقليمية لتكريس هيمنتها السياسية والاقتصادية. وهو ما حصل بالفعل في تونس منذ سنة 2013 إلى اليوم.
لذلك كان لزاما على رئيس الحكومة أن يتحقق من الوقائع بدقة قبل أن يصرح بأن الحكومات هي التي طلبت تدخل الصندوق لأن المسألة حمالة لمسؤوليات جسيمة على مستوى الوطن والشعب خاصة في ظل هذا الوضع الذي ينذر بتعرض البلاد إلى حالة إفلاس غير معلنة.

كما أشرنا لذلك في عديد المناسبات.

2 – ذكر رئيس الحكومة أن منوال التنمية ناجح؟ يجب في هذا الباب التذكير بأن منوال التنمية الذي تتبعه تونس منذ أواخر الثمانينات إلى اليوم هو الذي تم فرضه من طرف صندوق النقد الدولي في سنة 1986 والذي يعتمد آليات السوق لتعديل الاقتصاد والتخلي عن سياسة المخططات التنموية الخماسية التي كانت تحدد الأولويات للمسيرة التنموية في البلاد.

كما اعتمد سياسة الخوصصة والتفويت للخارج في أهم القطاعات الهامة في البلاد نذكر من بينها البنوك (ما لا يقل عن سبعة بنوك من بينها أربعة لصالح مؤسسات بنكية فرنسية)وكذلك قطاع التأمين والاتصالات وقطاع صناعة الاسمنت وهي قطاعات تعتبر إستراتيجية لا تفتح للاستثمار الخارجي في الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان الأمن القومي الوطني الأمريكي الشيء دفع كلا من فرنسا وألمانيا وبريطانيا بأن تحذو حذوها وتؤمن اقتصادها الوطني من أي تدخل خارجي يمكن يعرض البلاد إلى مخاطر كبرى.

هذا المنوال الذي تم وضعه في إطار «العولمة » وتحرير السوق عبر الانخراط في منظمة التجارة العالمية وتوقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي مكن كما نعلم جميعا من سيطرة أقلية متنفذة كانت تدور في فلك النظام السابق من مفاصل الاقتصاد الوطني وأصبحت تتحصل على 21 بالمائة من المرابيح التي يحققها الاقتصاد الوطني التونسي سنويا. حيث أكد التقرير الصادر في سنة 2014 عن البنك الدولي «أنه في سنة 2014 وبعد ثلاثة سنوات عن اندلاع
الثورة، ثبت أن المنظومة الاقتصادية التي كانت سارية المفعول تحت النظام السابق لم تتغير. حيث أن الثورة أدت إلى التخلص من رأس النظام
ولكن السياسة الاقتصادية (منوال التنمية) بقيت على حالها وتخلّلتها تجاوزات كبيرة. كما أضاف التقرير «أن الإطار الذي تعمل بموجبه السياسة العمومية والموروثة عن النظام السابق تكرس تعميق التفاوت الاجتماعي وتعميق ظاهرة الفساد ».

من هذا المنطلق أيضا ومن منطلق كل المؤشرات المتعلقة بتنامي المديونية وغلاء المعيشة وارتفاع نسبة التضخم وانهيار سعر الدينار وتنامي العجز التجاري كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يتحدث عن منوال ناجح ويضيف أن تونس تصنع الطائرات وهو يرمز إلى فرع من شركة «ايرباص » الفرنسية تحصل على امتيازات كبيرة ليقوم بالمناولة لتركيب بعض أجزاء بسيطة في تونس في فضاء مغلق وبأجور متدنية وإعفاء جبائي تام لا يمكن بلادنا من أية قيمة مضافة تذكر ليتم تحويلها بالكامل إلى فرنسا بدون أي مردود على الميزان التجاري الوطني.

3 – عند تعرضه إلى معضلة العجز التجاري جاء جواب رئيس الحكومة أن الحل يتطلب «الرجوع إلى العمل والإنتاجية ؟» السيد رئيس الحكومة ألا تعلم أن لدينا
آلاف العاطلين بمن فيهم أصحاب الشهائد العليا يحترقون من البطالة وهم يترقبون برامج الحكومة الموقرة للانخراط في العمل والإنتاجية لو تكرمت الحكومة بتوفير مواطن الشغل؟
العجز التجاري الذي سيناهز 29 مليار دينار هذه السنة مقابل 25 مليارا في سنة 2017 هو كارثة وطنية بأتم معنى الكلمة وهويستوجب تطبيق آليات الحماية التي يمكنها الفصل الثامن من قانون منظمة التجارة العالمية والفصل 35 من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقع في سنة 1995 والذي مع الأسف ترفض لوبيات التوريد الطاغية في البلاد وشركائهم في الخارج من تطبيق هذه القوانين بكل جدية وبسرعة قصوى إنقاذ البلاد  من إفلاس حتمي حيث تبين بالكاشف أن هذه اللوبيات سيطرت على مفاصل القرار السياسي في البلاد.
لذلك نعتقد أن هناك خطرا حقيقيا محدقا بالبلاد يهدد السلم والأمن بالنظر إلى تعنت الحكومة والأحزاب التي تساندها في التمادي في تطبيق سياسة ثبت أنها أوصلت البلاد إلى نفق مظلم لا يمكن أن يستمر من دون تعريض البلاد إلى هزات اجتماعية خطيرة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING