الشارع المغاربي – رسالة الى المجاهد الاكبر/ بقلم:د.فوزي البدوي-أستاذ الدراسات اليهودية بالجامعة التونسية

رسالة الى المجاهد الاكبر/ بقلم:د.فوزي البدوي-أستاذ الدراسات اليهودية بالجامعة التونسية

قسم الأخبار

13 أبريل، 2023

الشارع المغاربي: سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬باني‭ ‬تونس‭ ‬ومحرر‭ ‬المرأة

أعلم‭ ‬أنك‭ ‬تسمع‭ ‬في‭ ‬روضتك‭ ‬ما‭ ‬أقول‭ ‬ولكنك‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬أن‭ ‬تجيب‭ ‬كما‭ ‬رُوي‭ ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬يوم‭ ‬بدر‭ … ‬ولذلك‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬أحببت‭ ‬ليست‭ ‬بخير‭.. ‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تعرفني‭ ‬وإن‭ ‬التقيتك‭ ‬ابن‭ ‬أربع‭ ‬سنين‭ ‬زغب‭ ‬الحاصلة‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬فاحتضنتني‭ ‬كما‭ ‬حدثني‭ ‬والدي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بني‭ ‬مطير‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وطيب‭ ‬ثراه‭ ‬معلما‭ ‬يتنقل‭ ‬بين‭ ‬أرياف‭ ‬البلاد‭.‬

أنا‭ ‬سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الاستعمار‭. ‬سمعت‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬والدي‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬كمن‭ ‬سمع‭. ‬تعلمت‭ ‬في‭ ‬مدرستك‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬جامعتك‭. ‬درست‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬ريفية‭ ‬من‭ ‬جبال‭ ‬خمير‭ ‬إلى‭ ‬عين‭ ‬دراهم‭ ‬وغيرهما‭. ‬كنت‭ ‬آكل‭ ‬لمجتي‭ ‬من‭ ‬الهريسة‭ ‬والسردين‭ ‬والجبنة‭ ‬أحيانا‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الريفية‭ ‬التي‭ ‬بنيت‭ ‬وانتظرها‭ ‬بفارغ‭ ‬صبر‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬رنة‭ ‬جرس‭. ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬بالجوع‭ ‬ولا‭ ‬بالبرد‭ ‬ثم‭ ‬كبرت‭ ‬ودخلت‭ ‬المعهد‭ ‬الثانوي‭ ‬وكنت‭ ‬أنجذب‭ ‬إلى‭ ‬توجيهاتك‭ ‬وأنصت‭ ‬إلى‭ ‬خطاباتك‭ … ‬وبدأت‭ ‬أدرك‭ ‬أنك‭ ‬زعيم‭ ‬حقا‭ ‬ولكنى‭ ‬أدركت‭ ‬مبكرا‭ ‬أنك‭ ‬عربي‭ ‬أيضا‭ ‬فيك‭ ‬من‭ ‬عيوب‭ ‬العرب‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬وتلك‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭. ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬‮«‬اكتشفت‮»‬‭ ‬في‭ ‬المعلقات‭ ‬الحائطية‭ ‬أنك‭ ‬عميل‭ ‬للإمبريالية‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬يصفك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أترابي‭. ‬كانوا‭ ‬يعددون‭ ‬اخطاءك‭ ‬ويضخمون‭ ‬مثالبك‭ ‬ويتتبعون‭ ‬عوراتك‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬ليروا‭ ‬فيك‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سيء‭. ‬كانوا‭ ‬يصفونك‭ ‬بالرجعية‭ ‬ويشنعون‭ ‬عليك‭ ‬معاداتك‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬وأمين‭ ‬القومية‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬ويلعنونك‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬والعلن‭ ‬ويحاربونك‭ ‬بسهام‭ ‬الليل‭ ‬حينما‭ ‬لا‭ ‬يقدرون‭ ‬عليك‭ ‬بغيرها‭. ‬كانوا‭ ‬يلعنون‭ ‬معاداتك‭ ‬القومية‭ ‬والشيوعية‭ ‬وكرهك‭ ‬الأعراب‭ ‬الذين‭ ‬كنت‭ ‬تقول‭ ‬عنهم‭ ‬‮«‬عريان‭ ‬مع‭ ‬عريان‭ ‬ما‭ ‬يتلاقاو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الحمام‭ ‬‮«‬‭… ‬ويستكثرون‭ ‬عليك‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬‭ ‬الأمة‭ ‬التونسية‭ ‬‮«‬‭  ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬قلوبهم‭ ‬تهفو‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تيرانا‮»‬‭  ‬أنور‭ ‬خوجة‭  ‬وصين‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬وبيونغ‭ ‬يانغ‭ ‬الرفيق‭ ‬كيم‭ ‬جونغ‭ ‬ايل‭ ‬وريث‭ ‬فكر‭ ‬زوتشيه‭ ‬العظيم‭.. ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬الإخوان‭ ‬فلعنوك‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بارت‭ ‬تجارتهم‭ ‬على‭ ‬يديك‭ ‬وكفّروك‭ ‬كما‭ ‬كفّرك‭ ‬ابن‭ ‬باز‭ ‬والشيخ‭ ‬كشك‭ ‬ولم‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭  ‬من‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬لك‭ ‬فيها‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭  ‬والشتيمة‭ …‬التقى‭ ‬عليك‭ ‬اليسار‭ ‬الغبي‭ ‬واليمين‭ ‬الحاقد‭ ‬ووكزك‭ ‬فقضى‭ ‬عليك‭ ‬المتملقون‭ ‬من‭ ‬حزبك‭ ‬الذي‭ ‬صنعته‭ ‬بنفسك‭ ‬ولنفسك‭.‬‭… ‬ولأنك‭ ‬عربي‭ ‬وفيك‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬عيب‭ ‬‮«‬الإمارة‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حجارة‭ ‬‮«‬‭  ‬أبيت‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تتحدى‭ ‬الزمن‭ ‬وتنكر‭ ‬سننه‭  ‬فبلغت‭ ‬أرذل‭ ‬العمر‭ ‬وكدت‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬رآه‭  ‬ابن‭ ‬المعتز‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬ايامه‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬يتجول‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬وقد‭ ‬سملت‭ ‬عيناه‭ ‬يستجدي‭ ‬الناس‭ ‬قائلا‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬قد‭ ‬عرفتم‭ ‬ولكن‭ ‬ماضيك‭ ‬غفر‭ ‬لك‭… ‬وانتفض‭ ‬عليك‭ ‬أحد‭ ‬الانكشارية‭ ‬فحملك‭ ‬على‭ ‬التنازل‭ ‬ثم‭ ‬انشغل‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬بعمارة‭ ‬قصور‭ ‬تركها‭ ‬عما‭ ‬قريب‭ ‬وجمع‭ ‬أموالا‭ ‬كانت‭ ‬عونا‭ ‬لأعدائه‭ ‬عليه‭.‬‭.. ‬كنت‭ ‬زعيما‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شك‭ ‬ولكنك‭ ‬كنت‭ ‬بشرا‭  ‬لم‭ ‬يحسن‭ ‬قراءة‭ ‬لامية‭ ‬لابن‭ ‬الوردي‭ ‬وكثير‭ ‬ا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬تستشهد‭ ‬ببيته‭ ‬الشهير‭ :‬

‭  ‬أن‭ ‬نصفَ‭ ‬الناسِ‭ ‬أعداءٌ‭ ‬لمنْ

ولـيَ‭ ‬الأحكامَ‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬عَدَلْ

وكنت‭ ‬تضرب‭ ‬بعصاك‭ ‬الأرض‭ ‬وتقول‭ ‬نعم‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬عدل‭.. ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬عدل‭. ‬

سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬باني‭ ‬تونس‭ ‬ومحرر‭ ‬المرأة‭ ‬

‭ ‬استسمحك‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬منامك‭ ‬الطويل‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬ليست‭ ‬بخير‭ ‬وسأقص‭ ‬عليك‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تُحط‭ ‬به‭ ‬خبرا‭.‬

فدستور‭ ‬56‭  ‬الذي‭ ‬جعلته‭ ‬مدخل‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري‭ ‬ومدفن‭ ‬الملكية‭ ‬ضاع‭ ‬في‭ ‬الزحام‭ ‬واستعاض‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بعدك‭ ‬بدستورين‭ ‬واحد‭ ‬كان‭ ‬كسفينة‭ ‬نوح‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬زوجين‭ ‬اثنين‭ ‬وجعله‭ ‬عيينة‭ ‬بن‭ ‬حصن‭ ‬ترسه‭ ‬الذي‭ ‬يحميه‭ ‬وجنّته‭ ‬التي‭ ‬يدخلها‭ ‬وجماعته‭ ‬وهو‭ ‬ظالم‭ ‬لنفسه‭ ‬قائلا‭ ‬ما‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬تبيد‭ ‬هذه‭ ‬أبدا‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬الدستور‭ ‬الثاني‭ ‬فجعل‭ ‬الأول‭ ‬حصيدا‭ ‬كأن‭ ‬لم‭ ‬يغن‭ ‬بالأمس‭ ‬ليزيد‭ ‬في‭ ‬الشطرنج‭ ‬بغلا‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بن‭ ‬حزم‭ ‬الاندلسي‭ ‬وجعل‭ ‬من‭ ‬دين‭ ‬الدولة‭ ‬الذي‭ ‬أجملت‭ ‬موضوع‭ ‬فتنة‭ ‬وشر‭ ‬مستطير‭. ‬فيه‭ ‬فصول‭ ‬مُّحْكَمَاتٌ‭ ‬هُنَّ‭ ‬أُمُّ‭ ‬الدستور‭ ‬وأخر‭ ‬متشابهات‭ ‬وما‭ ‬يعلم‭ ‬تأويله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬والراسخون‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الدساتير‭.‬

سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬باني‭ ‬تونس‭ ‬ومحرّر‭ ‬المرأة‭ ‬

‭ ‬لن‭ ‬احدثك‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وقيادة‭ ‬البلاد‭ ‬ويأس‭ ‬الناس‭ ‬وضياع‭ ‬البوصلة‭ ‬وافتقاد‭ ‬المشروع‭ ‬فذلك‭ ‬كله‭ ‬‮«‬‭ ‬سخط‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬تقول‭. ‬ولن‭ ‬اوجع‭ ‬دماغك‭ ‬بالحديث‭ ‬فيه‭ ‬وانما‭ ‬سأحدثك‭ ‬عن‭ ‬مكمن‭ ‬مقتل‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري‭ ‬الذي‭ ‬أردته‭ ‬خلاص‭ ‬التونسيين‭. ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬قال‭ ‬فيهم‭ ‬أعداؤك‭ ‬انهم‭ ‬‮«‬غبار‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬‮«‬‭.‬

لقد‭ ‬سعيت‭ ‬إلى‭ ‬توحيد‭ ‬التعليم‭ ‬ووضعت‭ ‬حدا‭ ‬للجامع‭ ‬الأعظم‭ ‬وعوضته‭ ‬بجامعة‭ ‬زيتونية‭ ‬كنت‭ ‬تظنها‭ ‬علاجا‭ ‬لهذا‭ ‬الإسلام‭ ‬المتهالك‭ ‬الذي‭ ‬اتعبته‭ ‬القرون‭ ‬ولكنك‭ ‬أخطأت‭ ‬فهذا‭ ‬الذي‭ ‬صنعت‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬عبء‭ ‬على‭ ‬الجمهورية‭ ‬فلا‭ ‬هو‭ ‬تشرّب‭ ‬قيمها‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬اخراج‭ ‬المسلم‭ ‬الحزين‭ ‬من‭ ‬مأزقه‭ ‬التاريخي‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬يجمع‭  ‬اشتاتا‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬السودان‭ ‬وسوريا‭ ‬ومصر‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك‭ ‬مع‭ ‬ولاء‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬لفكر‭ ‬الاخوان‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬حذرت‭ ‬منه‭. ‬لقد‭ ‬انتقمت‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬منك‭ ‬ومن‭ ‬جمهوريتك‭ ‬وحداثتك‭ ‬ومشروعك‭ ‬وقعدت‭ ‬لك‭ ‬بالوصيد‭ ‬بل‭ ‬زادت‭ ‬ففرخت‭ ‬لك‭ ‬هيكلا‭ ‬جديدا‭ ‬هو‭ ‬مشيخة‭ ‬الجامع‭ ‬تشبها‭ ‬وتيمنا‭ ‬بسالف‭ ‬الايام‭ ‬الخوالى‭ ‬وبثت‭ ‬لها‭ ‬فروعا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬امعانا‭ ‬في‭ ‬تشتيت‭ ‬التعليم‭ ‬وخلق‭ ‬كيانات‭ ‬موازية‭ ‬على‭ ‬عادة‭ ‬من‭ ‬تشبع‭ ‬بالموازي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬نصرة‭ ‬للجماعة‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭.  ‬

سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬باني‭ ‬تونس‭ ‬ومحرر‭ ‬المرأة‭ ‬

صنعت‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬ايامك‭ ‬مجلسا‭ ‬اسلاميا‭ ‬أعلى‭ ‬أردته‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حزاما‭ ‬للجمهورية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المسلمين‭ ‬ولم‭ ‬يستثن‭ ‬بلدك‭ ‬الذي‭ ‬احببت‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬صار‭ ‬من‭ ‬بعدك‭ ‬عونا‭ ‬لأعدائك‭ ‬عليك‭ ‬وعشش‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬ناصب‭ ‬جمهوريتك‭ ‬العداء‭ ‬بل‭ ‬زين‭ ‬لهذه‭ ‬المجلس‭ ‬حينا‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬لنفسه‭ ‬من‭ ‬الصلاحيات‭ ‬ما‭ ‬به‭ ‬يراقب‭ ‬برامح‭ ‬التعليم‭. ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتثبت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬صلاحياته‭ ‬فلينظر‭ ‬في‭ ‬مشمولاته‭ ‬وتركيبته‭ ‬وبعض‭ ‬مواقفه‭ ‬المنكرة‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬الشهيرة‭  ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزة‭ ‬وكيف‭ ‬نصب‭ ‬نفسه‭ ‬محكمة‭ ‬للتفتيش‭ ‬‮«‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬المسلمين‭ ‬وحقوقهم‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬عقيدتهم،‭ ‬من‭  ‬البرامج‭ ‬الهدمية‭ ‬للأمن‭ ‬الثقافي‭ ‬والعقدي‮»‬‭  ‬في‭ ‬نحت‭ ‬لمفهوم‭ ‬ما‭ ‬سمعنا‭ ‬به‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الأولين‭ ‬ولا‭ ‬الآخرين‭.‬

سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬باني‭ ‬تونس‭ ‬ومحرر‭ ‬المرأة‭ ‬

‭ ‬لقد‭ ‬أوكلت‭ ‬تعليم‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬خلت‭ ‬أنها‭ ‬استجابت‭ ‬إلى‭ ‬حلمك‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬حداثية‭  ‬اردتها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وريثة‭ ‬حركة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الممتدة‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬ولكنها‭ ‬ما‭ ‬فعلت‭. ‬فلقد‭ ‬اربكت‭ ‬برامجها‭ ‬ونوعية‭ ‬خريجيها‭ ‬تعليم‭ ‬الناشئة‭ ‬وافسدت‭ ‬أحيانا‭ ‬كثيرة‭ ‬ما‭ ‬يتلقى‭ ‬أبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬دروس‭ ‬الفلسفة‭ ‬والعلوم‭ ‬الصحيحة‭. ‬بل‭ ‬فكّر‭ ‬بعضهم‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬ناشئة‭ ‬العلوم‭ ‬أفانين‭ ‬من‭ ‬هلوسات‭ ‬الاعجاز‭ ‬العلمي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تدرسها‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭ ‬علمية‭ ‬محترمة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬هذه‭ ‬الهلوسات‭ ‬التي‭ ‬ينادي‭ ‬بها‭ ‬أمثال‭ ‬زغلول‭ ‬النجار‭ ‬والمتحيل‭ ‬موريس‭ ‬بوكاي‭ ‬لتلاميذ‭ ‬يدرسون‭ ‬المنهج‭ ‬التجريبي‭ ‬وفلسفة‭ ‬الانوار‭… ‬لقد‭ ‬فاتك‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬انك‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬الجديد‭ ‬برسكلة‭ ‬القديم‭ ‬وفاتك‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬مؤسسات‭ ‬النظام‭ ‬الجمهورية‭ ‬نفسه‭ ‬وتصنعها‭ ‬صنعا‭ ‬من‭ ‬العدم‭ ‬وفات‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بعدك‭ ‬فبدت‭ ‬مدرستك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬بالذات‭ ‬هزيلة‭ ‬لا‭ ‬تستبين‭ ‬الخيط‭ ‬الأبيض‭ ‬من‭ ‬الخيط‭ ‬الأسود‭.‬

سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬باني‭ ‬تونس‭ ‬ومحرر‭ ‬المرأة‭ ‬

‭  ‬لن‭ ‬ازعجك‭ ‬أكثر‭ ‬بوصف‭ ‬حال‭ ‬مؤسسة‭ ‬الإفتاء‭ ‬وهل‭ ‬تحتاج‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬مفت؟‭ ‬ولن‭ ‬احدثك‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬الأغالبة‭ ‬ولا‭ ‬بحال‭ ‬مركز‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭ ‬والأديان‭ ‬المقارنة‭ ‬بسوسة‭ ‬فهي‭ ‬مراكز‭ ‬اختطفت‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري‭ ‬وقيمه‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬للجمهورية‭ ‬لها‭ ‬مزية‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬بهذا‭ ‬الإسلام‭ ‬لمواجهة‭ ‬العالم‭ ‬الحديث‭ ‬ومشاكله‭ ‬خاوية‭ ‬على‭ ‬عروشها‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يسمن‭ ‬ولا‭ ‬يغنى‭ ‬من‭ ‬جوع‭.‬

في‭ ‬جمهوريتك‭ ‬انتشرت‭ ‬الكتاتيب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬نوع‭ ‬بعضها‭ ‬مما‭ ‬يقال‭ ‬أن‭ ‬للدولة‭ ‬عليه‭ ‬رقابة‭ ‬وبعضه‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬سيطرة‭ ‬لها‭ ‬عليه‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تحت‭ ‬امرة‭ ‬جمعيات‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬لها‭ ‬نسب‭  ‬بالضبط‭ ‬بل‭ ‬وانتشرت‭ ‬ذات‭ ‬ثورة‭ ‬حدثت‭ ‬عشرات‭ ‬بل‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الوهمية‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬البلاد‭ ‬تدرس‭ ‬العلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬ايدي‭ ‬بعض‭ ‬ممن‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬وموريتانيا‭ ‬وسوريا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬وتعطي‭ ‬اجازات‭ ‬وشهائد‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬تام‭ ‬للدولة‭ ‬وأجهزة‭ ‬رقابتها‭ ‬وانتشرت‭ ‬في‭ ‬مساجدك‭ ‬خطب‭ ‬عجيبة‭ ‬واستسهل‭ ‬المنبر‭ ‬كثير‭ ‬ممن‭ ‬افلت‭ ‬من‭ ‬رقابة‭ ‬الدولة‭. ‬كل‭ ‬يغنى‭ ‬على‭ ‬ليلاه‭ ‬ولم‭ ‬تنتبه‭ ‬الى‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬هذا‭ ‬الامر‭ ‬على‭ ‬عاتقك‭ ‬بكيفية‭ ‬صارمة‭ ‬تكوينا‭ ‬ورقابة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ينفلت‭ ‬حال‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬بعدك‭ ‬وقد‭ ‬انفلت‭ ‬وذاقت‭ ‬منه‭ ‬البلاد‭ ‬الويلات‭ ‬وان‭ ‬تصون‭ ‬المنبر‭ ‬الذي‭ ‬اعتليته‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬فلا‭ ‬تستودعه‭ ‬كثيرا‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬صلة‭ ‬لهم‭ ‬بمشروعك‭ ‬وجمهوريتك‭.‬

سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬باني‭ ‬تونس‭ ‬ومحرر‭ ‬المرأة‭ ‬

‭ ‬نحن‭ ‬ندفع‭ ‬اليوم‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬تقديرك‭ ‬وتقديرنا‭ ‬من‭ ‬بعدك‭ ‬لخطر‭ ‬المسألة‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تمادى‭ ‬فيها‭ ‬خلفك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يمسك‭ ‬بالبلاد‭ ‬من‭ ‬اقض‭ ‬مضاجع‭ ‬دولتك‭ ‬لأربعين‭ ‬سنة‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭. ‬لقد‭ ‬فشلت‭ ‬وما‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تفشل‭ ‬وفشل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بعدك‭ ‬لانهم‭ ‬لم‭ ‬يفهموا‭ ‬أن‭ ‬الجمهورية‭ ‬لا‭ ‬تستقسم‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬أحشائها‭  ‬أسباب‭ ‬مقتلها‭. ‬واعلم‭ ‬أن‭ ‬دار‭ ‬لقمان‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭  ‬استيقظ‭  ‬ذلك‭ ‬المارد‭ ‬البربري‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬حذرت‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬سبات‭ ‬طويل‭ ‬فدمر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬والآن‭ ‬فقط‭ ‬أدركنا‭ ‬متأخرين‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬السفينة‭ ‬الجانحة‭ ‬إلى‭ ‬مسارها‭  ‬أمر‭ ‬عسير‭ ‬المنال‭  ‬وادركنا‭ ‬للمرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أننا‭ ‬اخطأنا‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬حقك‭ ‬بعض‭ ‬الخطأ‭ ‬وعذرنا‭ ‬أن‭ ‬خير‭ ‬الخطائين‭ ‬التوابون‭. ‬ولقد‭ ‬علمنا‭ ‬التاريخ‭ ‬والاحداث‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬هفواتك‭ ‬أنك‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬قومٌ‭ ‬هم‭ ‬الأنف‭ ‬والأذناب‭ ‬غيرهم‭ ***‬ومن‭ ‬يسوِّي‭ ‬بأنف‭ ‬الناقة‭ ‬الذنبا‭  ‬

لقد‭ ‬كنت‭ ‬كثيرا‭ ‬مما‭ ‬ترد‭ ‬لامية‭ ‬الشنفري‭ ‬وتعجب‭ ‬بقوله‭ ‬‮«‬أقيموا‭ ‬بني‭ ‬أمّي‭ ‬صدور‭ ‬مطييّكم‭    ‬فإني‭ ‬إلى‭ ‬قوم‭ ‬سواكم‭ ‬لأمْيل‮»‬‭ ‬وها‭ ‬قد‭ ‬رحلت‭ ‬وانت‭ ‬تعلم‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬مشروعك‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭ ‬رغم‭ ‬أنك‭ ‬شربت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬المرار‭ ‬على‭ ‬القذى‭* **‬وظمئت‭ ‬وأي‭ ‬الناس‭ ‬تصفو‭ ‬مشاربه؟

سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬باني‭ ‬تونس‭ ‬ومحرر‭ ‬المرأة‭ ‬

رحلت‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬ترحل‭ ‬وجاء‭ ‬من‭ ‬بعدك‭ ‬‮«‬‭ ‬القوي‭ ‬الامين‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬رحل‭ ‬غير‭ ‬مأسوف‭ ‬عليه‭ ‬ثم‭ ‬جاءنا‭ ‬مجنون‭ ‬بني‭ ‬عجل‭ ‬مدمر‭ ‬سوريا‭ ‬وخادم‭ ‬من‭ ‬علمه‭ ‬كيف‭ ‬يصافح‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُصرع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اقبل‭ ‬البدر‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬من‭ ‬ثنيات‭ ‬المطار‭ ‬حفيد‭ ‬عيينة‭ ‬بن‭ ‬حصن‭ ‬الأحمق‭ ‬المطاع‭ ‬فظل‭ ‬يأتينا‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬تضيق‭ ‬به‭ ‬الصدور‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬عطشى‭ ‬يترائى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬لنا‭ ‬سراب‭ ‬بقيعة‭ ‬يحسبه‭ ‬الظمآن‭ ‬ماء‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬جئناه‭ ‬لم‭ ‬نجده‭ ‬شيئا‭.‬‭ ‬

‭ ‬أعلم‭ ‬أنك‭ ‬حزين‭ ‬على‭ ‬بلدك‭ ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬أحببت‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنك‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬حيا‭ ‬اليوم‭ ‬لما‭ ‬ترددت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬مع‭ ‬الطغرائي‭ ‬شاعرك‭ ‬المفضل‭ …. ‬‮«‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬يمتدّ‭ ‬بي‭ ‬زمني‭… ‬حتى‭ ‬أرى‭ ‬دولة‭ ‬الأوغاد‭ ‬والسفل‮»‬‭ ‬

رحمك‭ ‬الله‭ ‬سيدي‭ ‬الرئيس‭ ‬لقد‭ ‬أحببت‭ ‬تونس‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يحبها‭ ‬أحد‭ ‬صباح‭ ‬مساءا‭ ‬ويوم‭ ‬الأحد‭ ‬واغفر‭ ‬لنا‭ ‬فقد‭ ‬ضيعنا‭ ‬الأمانة‭.‬

(صدرت‭ ‬هذه‭ ‬الافتتاحية‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬324‭ ‬بتاريخ‭ ‬30‭ ‬أوت ‭ ‬2022 ‬نظرا‭ ‬لتناغمها‭ ‬مع‭ ‬الذكرى‭ ‬23‭ ‬لوفاة‭ ‬الزعيم‭ ‬بورقيبة‭ ‬ارتأينا‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬إعادة‭ ‬نشرها‭.‬)

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 افريل 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING