الشارع المغاربي – رسالة من تحت الماء /بقلم: محمد جويلي

رسالة من تحت الماء /بقلم: محمد جويلي

13 أبريل، 2018

الشارع المغاربي: إلى فقيد الشغف اللامتناهي، إلى عمر العبيدي

بلغ العبث مداه، طفل مطارد من أجل غرامه يبحث عن ملاذ. تخذله جغرافيا محيط الملعب  يستجير، لا أعرف العوم. تعلّم العوم إن كنت تريد البقاء، يغرق في الأوحال، ليس وحده عمر العبيدي من غرق في الأوحال. الكلّ غارق فيها. عمر العبيدي غرق مرّة واحدة، أما الآخرون فهم غارقون فيها كل يوم.

الوحل الكبير الذي لم نخرج منه هو هذه العداوة التي تستفحل مع الأيام بين الأمن ومجموعات الأولتراس. عنف تحرّكه الهوية  وعنف من أجل الشرف. ولمّا ينبني العنف على هاتين المقولتين فإننا لا نستطيع إيقافه.

منذ بروز مجموعات الأولتراس في تونس والمشهد يتغير في المدارج وفي محيط الجمعية واللاعبين. مجموعات شبابية تبحث عن مكانة وعن دور في مجتمع تفقد فيه مؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية جذوتها. لم تعد قادرة على الإغراء وعلى شدّ الانتباه. ما تقدّمه لا يستجيب لمتطلبات تنشئة جديدة تحتاج إلى لغة مغايرة وإلى مضمون مغاير وإلى ذات مختلفة.

لم نفهم أن مقولة الجماهير المشاغبة لم تعد تؤدّي المعنى. لقد أفرغتها التحولات الاجتماعية من معناها. الوحل الكبير أننا لم نفهم إلى الآن أن الشغب تحول إلى أسلوب عيش في الملاعب وخارجها. تنشئة اجتماعية على أسس مغايرة، شبيبة تريد أن تقول أنها تواقة لمسك زمام أمورها بنفسها. هي من تعطي للمناصرة معنى لم يكن متاحا.

قد نبقى في الأوحال إذا لم نفهم أن العنف الذي يحيط بنا في الملاعب وفي غير الملاعب هو صورة من صور أزمة الدولة الراعية، هو فقدان الوسائط المجتمعية فاعليتها حين يجد الفرد نفسه وحيدا يواجه الضغوطات التي تثقل كاهله.  ضغوطات مجتمع استهلاكي، تنافسي إلى أقصى الحدود ودون ضوابط هذا الفرد غير القادر على تعريف ما يحيط به، فيكون عنيفا وبشكل عبثي لأنه غير محصّن، على هشاشة كبيرة وموجعة.

كيف نتصرف إزاء وضع مماثل ؟

من السهل إغلاق المدارج أمام مرتاديها وكفى المؤمنين شرّ الكرّ والفرّ. لا أعتقد أن ذلك سيساعد على الخروج من الأوحال. الملاعب الممتلئة أقل خطرا. أين ستذهب هذه الشبيبة المغرمة بنواديها ؟ أين ستعيش تجربتها ؟ لمن ستصرف الطاقة النضالية إن لم يكن للنادي وللمجموعة ؟ كلما أبعدنا مجموعات الأولتراس عن شغفها بكرة القدم كلما تحوّل شغفها إلى مضامين أخرى وإلى أوحال أخرى. قد يكلفنا فتح كل أبواب الملاعب أمام المناصرين بعض العنف وبعض التجاوز ولكن ذلك في كل الظروف أقل وطأة وأقل خسارة من إبقائها خارج الملعب.

من السهل أيضا إدراج  ما يفعل هؤلاء المناصرون ضمن  ما يسمى شغب الملاعب، ومن اليسير أيضا إتباع سياسة العصا الغليظة تجاههم. ولكن سنبقى في الأوحال، لن نخرج أبدا. علينا إعادة تعريف معنى الشغب ومعنى المناصرة الجديدة ومعنى أن ترافق ناديك إلى أبعد الحدود وأن تكون فاعلا في مجموعة لها هويتها ولها طقوسها ولها منطقها في التعامل مع مجريات عالم كرة القدم. عندما نأخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار نكون قد بدأنا الخروج من الوحل. عندها نستطيع العمل على تجسير الفجوة بين كل الفاعلين في حقل كرة القدم في بلادنا وعندها أيضا نفتح المجال أمام مناخ مناسب لكرة قدم جميلة وممتعة وعندها كذلك يتراجع منسوب العنف المادي والرمزي إلى عتبة المسموح به والمتفق عليه.

إلى ذلك الحين،  وإلى أن يتحقق ذلك، لا يزال هاشتاقتعلّم عومنقاوم به عبث موتك يا عمر….


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING