الشارع المغاربي-كوثر زنطور: طرح المحامي والناشط السياسي محمد عبو مبادرة لتجميع المعارضة أو ما تبقى منها حول هدف واحد يتمثل في غلق قوس منظومة قيس سعيد. عبو قدم 3 حلول لتجسيد هذا المشروع أقصاها ما أسماه بالتمرّد والذي اعتبره حتمية مرتبطة باحتدام الأزمة الحالية. بالتأكيد ليس لهذا الوزير السابق المشروعية الكافية لطرح مثل هذه المبادرة وهو الذي كان من اهم الدافعين نحو تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 . وبالتأكيد أيضا ان فكرة رص المعارضة صفوفها في اتجاه بلورة عرض سياسي قد يُشكّل البديل لمنظومة الحكم الحالية لا تزال غير ممكنة وحتى مستحيلة .
المتأمل في الخارطة السياسية بعد مرور سنتين على اطلاق مسار 25 جويلية يلاحظ انها فقدت تقريبا جل لاعبيها الأساسيين دون ان تشهد في المقابل اعادة تشكل واضحة. ذلك أنه لم يبق مما يصنف بمنظومة ما قبل 25 الا بعض الشخصيات وقلة من الاحزاب المنقسمة بين المتموقعة في” المقاومة” بأشكال متفاوتة وأخرى تبحث عن موطىء قدم في الواقع السياسي الجديد تقابلها بعض المكونات المتشكّلة حديثا في احزاب او حركات تقدّم نفسها كمدافعة عن ” المسار” بيّنت المحطات الانتخابية ضعفها ووهنها وفشلها (لم يحصد جلها مقاعد في الانتخابات التشريعية الاخيرة) وتتنافس في التقرب الى السلطات القائمة.
معارضات
يواجه رئيس الجمهورية قيس سعيد معارضة سياسية واسعة انطلقت باحتشام في الفترة الاولى بعد 25 جويلية خاصة ممن كانوا ضحايا اجراءاته على غرار حركة النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة .ثم توسعت دائرة معارضي الرئيس في فترة ثانية مع اصدار المرسوم عدد 17 ثم دستور جوان 2021 وما شهدت بينهما البلاد من سياسات وقرارات ومراسيم أكدت ” انحراف المسار” من مشروع تصحيحي الى مشروع شخصي اصبح يوصف بوضوح بنظام دكتاتوري .
تنقسم الاحزاب المعارضة لرئيس الجمهورية الى 3 مجموعات:
منظومة 24 جويلية التي تضم اساسا حركة النهضة الحزب المحظور تقريبا والممنوع من النشاط بقرار من وزير الداخلية كمال الفقي ( شهر افريل المنقضي) . لم يكن من السهل على الحركة استيعاب الزلزال السياسي الذي ضرب البلاد منذ 25 جويلية اذ فشلت عملية ” المراجعات الداخلية” بسبب خلافات عميقة بين اجنحتها حول ادارة المرحلة انتهت باستقالات سميت انذاك بـ” القفز من المركب قبل ان يغرق بالجميع .”وانخرطت النهضة بعد ذلك في استراتيجية المقاومة المباشرة عبر رفض ما تسميه بـ” الانقلاب” ومحاولة ارساء صراع شرعيات من خلال المراهنة على دور يلعبه البرلمان المجمدة اشغاله ورئيسه راشد الغنوشي بنيل اعتراف من ” دول صديقة” .
كانت هذه المحاولة مكلفة للنهضة اذ انها كانت وراء اصدار قيس سعيد قرار حل البرلمان . الخطوة الثانية كانت الخروج من العزلة ورسم تحالفات تجمع ” معارضي المسار”.انسحبت النهضة من الواجهة تاركة مكانها لجبهة الخلاص بقيادة السياسي المخضرم احمد نجيب الشابي مكثفة من تحركاتها الميدانية لكسب معركة الشارع وضرب ” المساندة الشعبية” للرئيس لجره الى تسويات ضمن ” الحوار الوطني” على شاكلة ما حدث في ” حوار الرباعي” عام 2013 وكانت النهضة من اكبر المستفيدين منه .
انتهى حال جل قيادات الجبهة في السجن بتهمة ” التامر على امن الدولة ” اما البقية فهم ملاحقون قضائيا في قضايا مختلفة . ولا يختلف الحال مع حركة النهضة بايقاف رئيسها راشد الغنوشي ونائبيه علي العريض ونور الدين البحيري واهم قياداتها خلال العشرية السابقة .
تراهن النهضة على ” المظلومية” رغم ما يلاحقها وقيادتها من تهم خطيرة . هي تبحث ، وفق بعض القراءات عن ” تسوية” مع رئيس الجمهورية عبر ضغط من عواصم نافذة . وتمر كل مبادرات توحيد ” المعارضة” بشروط تعني في جوهرها استثناء الحركة منها فيما لا يترقب من تبقى من قيادييها من افق مشاورات او حوار في هذا الاتجاه غير تأمين محاكمات عادلة للموقوفين او افراج عنهم وعدم منعها من النشاط السياسي .
الدستوري الحر: كان الدستوري الحر من مساندي اجراءات 25 جويلية 2021 .لم يكن لرئيسته عبير موسي من خيار في بداية المسار سوى المساندة لان ” الهدف كان واحدا” وهو اخراج “الاخوان” من الحكم وغلق ما تسميه بـ” منظومة ربيع الخراب”. تعتبر موسي ان لحظة 25 جويلية هي نتاج لعمل حزبها وانها هي من ” ناضلت” في مواجهة” الاخوان” واخطبوطه. واعتبرت في اول موقف لها عقب اعلانات 25 جويلية انها ” ستتصدى لاية محاولة للالتفاف على فرحة التونسيين ” . وتعد موسي وحزبها من الثابتين في معارضة حركة النهضة معارضة راديكالية .
لم تدم مساندة موسي والدستوري الحر لقيس سعيد طويلا اذ لم تكد تتجاوز الـ3 ايام حتى خرجت رئيسة الحزب رافضة اولى قرارات سعيد بعد تجميد اشغال البرلمان معلنة عن معارضتها سحب صفتها كنائبة شعب ورفضها خاصة رفع الحصانة عن النواب . تسارعت مواقف الرفض والتنديد لتصل بعدها الى عدم الاعتراف بسعيد رئيسا ودعوته الى اعلان الشغور . عادت موسي الى الاحتجاج في الشارع والى التشكي من قمعها متهمة ” السلطات القائمة” بمحاربتها . خفت بريق الحزب الذي تقول موسي انه القوة الاولى في البلاد وانه البديل عن ” منظومة الخراب” وعن ” منظومة 25 جويلية” .
ولا تبدو عبير موسي معنية باي مسار لتوحيد المعارضة والانخراط في اية تحالفات .
الاحزاب الديمقراطية والاجتماعية: حزب العمال والتيار وافاق تونس والتكتل والجمهوري: تجتمع هذه الاحزاب على موقف موحد من رئيس الجمهورية قيس سعيد ومن مسار 25 جويلية . لم ينطلق هذا الخماسي بنفس الموقف منذ بداية المسار . تفتقد هذه الاحزاب لامتداد شعبي يجعلها قادرة على ان تتحول الى لاعب اساسي في المشهد. الا انها تبقى في صدارة المشاركين في معارك الحريات وتتحرك بلا خطوط حمراء كلما تعلق الامر بما تسميه المسائل المبدئية حتى وان كانت مُكلفة شعبيا على غرار ما حصل مع حزب العمال عندما عارض ايقاف راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بسبب تصريح معتبرا الايقاف تصفية حسابات رافضا ما تبع الايقاف من قرارات بغلق مقرات الحركة ومنع اجتماعاتها.
لهذا الخماسي اريحية اكثر في التعاطي مع اية مبادرات في اتجاه التوحيد .
هل هي ممكنة ؟
توحيد صفوف الاحزاب المعارضة لرئيس الجمهورية بشكلها الحالي لا يبدو من قبيل الممكن وهو خاصة بلا اية جدوى. فمختلف الاحزاب التي لا تزال ناشطة فشلت في كل المعارك التي خاضتها منذ بداية مسار 25 جويلية . قد يعزى ذلك الى حالة الغضب الشعبي على الاحزاب عموما وهو غضب غذاه قيس سعيد قبل وبعد 25 جويلية وراهن عليه للقضاء على الحياة السياسية مثلما يتهمه البعض . غياب الجدوى يحيل الى عبارة ” البديل” الاكثر تداولا منذ فترة ” .
هذا البديل اصبح مطروحا بقوة وهو ضرورة لمن يرى ان هذه المنظومة باتت تمثل خطرا على ما تبقى من استقرار لهذه البلاد .الفكرة الطاغية ان الحال سيبقى على ما هو عليه في غياب زعيم قادر على لعب نفس الدور الذي كان قد لعبه مثلا الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي خلال فترة حكم الترويكا . نجح قائد السبسي انذاك في خلق دينامية في المشهد وفي اعادة موازين القوى المختلة بما مكنه من تزعم المعارضة وفاز بعدها في الانتخابات بشقيها الرئاسي والتشريعي ( حزب نداء تونس).
والملفت ان مشاورات مضنية تمت في هذا الاتجاه لكنها فشلت كلها بسبب رفض عدة “شخصيات وطنية” الانخراط في اية عملية سياسية خوفا من ” بطش ” منظومة الحكم . و.في غياب رواية قضائية رسمية يُقدم خيام التركي ، الموقوف منذ اشهر في قضية تآمر على امن الدولة ، كمثال على ما قد ينتظر الحالمين بلعب دور سياسي بارز .
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 29 اوت 2023