الشارع المغاربي – رفع الكرذونة في زمن كورونا  

رفع الكرذونة في زمن كورونا  

قسم الأخبار

7 أبريل، 2020

الشارع المغاربي – السيد التوي (كاتب): يقوم الحكام بحركات رمزية تشجيعا وتحفيزا للشعب. وما قام به مؤخرا الرئيس قيس سعيد ليس بدعًا. لكن إذا وضعنا حركته في سياقها من تمثلات الناس وتمثلات الرجل لنفسه ادركنا كم كانت الحركة سخيفة وبائسة  وهي إن كانت مقصودة فذلك مصيبة وإن لم تكن مقصودة فالمصيبة أعظم.

ورغم أني أكاد أجزم بأن الرجل يقيم على الارض بشكل ايتيقي نموذجي على الأقل حسب النموذح الشعبي المتداول في تحديد ملامح الاستقامة، فإني أذهب إلى ان مثل هذه الحركات يمثل كارثة على تونس. واعتقد ان الرجل من خلال الشعارات التي رفعها في حملته الانتخابية وموجة الاطراء التي غمرته بات مسكونا بمحاكاة شخصيات تاريخية اسلامية صورتها السردية السيرية النبوية في صورة اقرب إلى ابطال الملاحم منها إلى صورة بشر عاشوا في التاريخ فعلا وانفعالا.

ولئن اتى قيس سعيد من الأفعال بعد اعتلائه منصب الرئاسة ما يناقض وعوده الانتخابية فإن اكثر التونسيين يعتقدون ان الرئيس صالح في قبيلة من الفاسدين. وهذا الإصرار على نصرة  قيس سعيد يعود إلى قراءة مفادها انّ المشكل في الاشخاص وليس في المنظومة، وأن المعادلة الفكرية والسياسية الأنجع هي التوفيق بين قيم الحداثة ومرتكزات ثقافتنا العربية الإسلامية. ويبدو أن هذا السياق هو الذي جعل صعود قيس سعيد ممكنا. ولو افترضنا بسذاجة ان حركة رفع الكرذونة تمثل تعبيرا عن دعم الرئيس لشعبه المحاصر بالوباء فإنّ المطلوب يجب ان يكون حركات اكثر عمقاً مثل زيارة المخابر التي صنعت الروبو او اجهزة التنفس الاصطناعي او زيارة ضيعة من الضيعات المنتجة او الرفع من معنويات الاطار الطبي وشبه الطبي بارتداء اللباس الواقي.

وحين نعود إلى الماضي القريب لنقرأ حركات القادة السياسيين، فإننا نرى ان رفعهم البندقية او غرسهم أشجارا او دخولهم إلى المصانع وارتدائهم ملابس العمل يكون في شكل رسالة إلى شعوبهم أثناء مسار بناء وتحدّ. فغيفارا مثلا الذي تحفظ لنا الذاكرة صورة له وهو يدفع المنقلة عاري الصدر والعرق يتصبب منه فعل ما فعل في إطار رؤية ايديولوجية واضحة المعالم وسياسة وطنية اشتراكية قيد التحقّق. وحين ادرك ان هذه المهمة دون طموحاته سلك مسلك مقاومة الامبريالية بضرب مصالحها حيث توجد.

ويقتضي المنطق السليم منا ان نتساءل ما هي الرسالة التي يروم الاخشيدي إبلاغها الى الشعب؟ اظن ان المغزى من رفع الكرذونة بغض النظر عن النوايا هو ترسيخ ثقافة التسول وتكريس عقلية الرعيّة. أمّا ما يرمي إليه الرئيس فاظنه تنميط الصورة التي استقرت في ذهن ناخبيه. والخطير في الأمر إذا عددنا الأمر حركة عفوية أن الرجل يمارس الخطاب السياسي بما هو قول وحركة وايماءة خارج دائرة العلم. ومن المعلوم أن ما يقوم به رجل السياسة وما يؤديه من حركات اضحى يُدرَس بعناية نظرا إلى ما يمكن ان ينجرّ عن الخطاب العفوي من رسائل خاطئة قد تؤول إلى عكس المقصود.

ان صعود قيس سعيد الى أعلى هرم في السلطة وتمسك انصاره به ظاهرة لا بدّ من فهمها. وعوضا عن التأفف والسخط من مواقف الجماهير الممجدة للرئيس، على المثقف العضوي ان يدرك أنّ النخب التقدمية بانتهازيتها والتشويش الفكري الذي يتلبّسها هي المسؤولة عما حدث وما سيحدث. ولنكون صريحين مع بعضنا بعضا: هل منعنا الشعب من التنظم والنّأي بانفسنا عن كذبة الانتخابات على الأقل بالصورة التي رايناها، وهل نلنا ثقة الجماهير لتسمع منا وتقتفي اثرنا؟

هذا هو شعبنا حبيس رؤية ماضوية تشكلت عنده نتيجة هزائم سياسية وحضارية متتالية ونتيحة ضعف منهجي وفكري لمن يدعون التكلم بإسمه، ومن الزور والبهتان الاعتقاد بان كورونا سنساهم في ضرب الفكر الخرافي والاسطوري بل بالعكس ستزدهر آفات اخرى. وتبسيطا للامر فإنّ كورونا لن تنجز المهمة التي على المثقف العضوي والسياسي الثوري ان ينجزها. وانتظروا حركات اخرى شبيهة بهذه وانتظروا استحسانا اكثر من الجماهير العديدة وسخطا ولعنًا من النخب القليلة. ولا غرابة في ذلك ففي مثل هذه المناخ يكثر الفقر وما يتصل به من كوارث.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING