الشارع المغاربي – رُبَّ هِمّة أنقذت أمّة / بقلم: حمادي بن جاءبالله

رُبَّ هِمّة أنقذت أمّة / بقلم: حمادي بن جاءبالله

قسم الأخبار

2 أكتوبر، 2020

 

الشارع المغاربي: ما من شيء أضر بالوطن قدر ما أضر به تيه الوطنيين وهم يريدون به خيرا، وما من شيء أضر بالوطن قدر ما أضر به الإسلام السياسي وهو يضمر له شرا. وليس أدلّ على ذلك من فشل الوطنيين المتزايد من ناحية، واشتداد  مكر الإسلام السياسي  المستفحل، حتى أنه كان علينا  أن نتساءل ماذا بقي اليوم  من تونس التي بناها  المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة والذين معه رحم الله الجميع- وأرادوها ”دولة مستقلة ذات سيادة ؟”.

كانت أول الخطوات في اتجاه هدمها جريمة السطو على جامع الزيتونة المعمور،  تبعتها جريمة أشد ضررا، إنزال العلم الوطني في جامعة منوبة، ورفع علم فصائل الإرهاب الدولي، في عهد حكم الترويكا. وما مر بنا يوم دون فاجعة، بدءا بالاغتيال السياسي، والاعتداء على القوات المسلحة، وإفساد مدرسة الجمهورية، حتى إفراغ  خزائن الدولة وتجنيد الشباب التونسي في صفوف الإرهاب  الدولي والاعتداء على إخواننا  في سوريا وليبيا  في مجرى تمهيد الطريق إلى عودة الاستعمار العثماني المؤتمن اليوم عند البعض على عودة ”الخلافة”، دولة القهر. وهل كان لذلك أن يكون دون نشر الشعور بإمكان الجريمة دون عقاب؟ وهل كان لذلك الشعور أن يتعمق، دون شغب يرهق القوات المسلحة، ودون إغراق الهيئة  القضائية في مشاكل وهمية لا تحصى، وشبهات لا تنحسم، مثل تلك التي جادت بها عبقرية ”هيئة الحقيقة والكرامة” !؟

فحتى لو سلمنا جدلا بسلامة ذلك التمشي بتعلة الاستئناس بتجارب أمم قبلنا، وخاصة   بإخواننا في المغرب وبأصدقائنا في افريقيا  الجنويبة أو أمريكا اللاتينية ،فكيف خفي على الوطنيين أن ذلك الاستئناس  قام على غش أصلي هو من حبك الإسلام السياسي ؟ فالعدالة الانتقالية في المغرب مثلا لم تقع – كما هو الشأن عندنا- في افق التفريط في المغرب او تفكيك الدولة المغربية  بما في ذلك النظام الملكي، بل إنها أنجزت –رغم عمق الجراح – انجازا زاد الشعب المغربي التحاما، والدولة قوة، على نحو ما يشهد له دستور 2011.وكيف غاب ذلك كله  على الوطنيين –وخاصة على  المتمرسين منهم بالعمل السياسي منذ أيام الاستعمار؟

وما يحق لنا أن نعجب له أكثر أن الوطنيين  أعانوا الإسلام السياسي –من حيث  لم يحتسبوا- على الغدر بالوطن بالوقوع في فخ سياسة ”التوافق ” المغشوش التي عقبت حكم الترويكا. وما يشهد لما ذهبنا اليه :

1/ أنه ما كان التوافق في عرف الإسلام السياسي الا وسيلة للتغطية على آثامه في حق الوطن بتوريط  الغير فيها،  والترويج لما سمي زيفا ”المسؤولية الجماعية”.ولذلك تراه اليوم يتبرأ من كل مسؤولية في ما نحن فيه.

2/ أن فكرة ”التوافق” في حد ذاتها  تفترض رد المختلف الى المؤتلف، والفرق إلى التماهي  حتى يبدو الجميع على منهج واحد وكلمة واحدة. ولا ريب ان ذلك امر محمود في ذاته وقد سماه الوطنيون محقين ”الوحدة الوطنية” غير انه يصبح شرا مستطيرا لا سيما حين يفضي الى شيطنة الاختلاف وورفض الخروج عن الإجماع  وبالتالي إلى إلغاء قيمة الحرية  والفردية،  وحين يقع في خط التفريط في الوطن دولة وقيما وتاريخا ورموزا، وهو الأخطر على الإطلاق.

3/ أن الديمقراطية تقتضي تنظيم انتخابات تفرز حزبا أو ائتلافا حزبيا قادرا على الحكم  المسؤول  أخلاقيا وقضائيا  وسياسيا .

ولما كان ذلك المطلب عزيز المنال  في ظل تشتت صفوف الوطنيين، وتوزّع الأحزاب السياسية –الا من رحم ربك- إلى هيئات  بلهاء وان بدت  متذاكية، وهيئات انتهازية وان تسترت بصالح الشعب، وهيئات لاوطنية غادرة، وإن تلبست بنفاق التوافق، وفي وضع تكاثر فيه المال الفاسد والجمعيات الدعائية المتسللة الى اسناد  الحياة السياسية، وغوغاء وسائل انتشار الفكر الزائف، وتظليل الوعي الوطني، فضلا عن دستور بائس، وقوانين انتخابية عرجاء. في هذا السياق الخطير كان لزاما على السياسي أن ينصرف إلى حكم الكفاءات الوطنية متى استطاع الى ذلك سبيلا.

غير أن هذا الاختيار يظل –على وجاهته في الأقلّ راهنا- ضعيف الجدوى، ما لم يستفق الوطنيون من غفلتهم  فيدعموه في غير تفريط لا في حق النقد، ولا في واجب النصح أولا، وما لم يندرج ثانيا  في افق معركة تحرير الوطن مما آل اليه من وهن، سواء بتدبير حاقد ماكر، او بحكم انتهازية  كثيرة الأطماع، او بسوء تقدير، ضحاياه من خيرة  الوطنيين، وان شتتت شملهم زعامات وهمية، ورؤى لم تركز في أذهانهم، حتى أنك ”تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون”، وما لم تلتق ثالثا  الشرعية بالقانونية  لتتكلم السلطة التنفيذية بصوت واحد وتنظر في اتجاه واحد، على اختلاف الأمزجة، وتباين الأساليب .

ولا يغيب على الفطن أن شرعية الانتخاب مهما كان اتساعها تفقد –مع مرور الأيام- كل قيمتها ما لم تدعمها شرعية الانجاز، وهو ما لا يجب  ان يغيب عن رئيس الجمهورية الذي  ما زلنا ننتظر منه الكثير. فهو على حق تماما حين يطالب بتطبيق القانون إذ لا معنى لعدالة لا نفاذ لها، وهو محق حين يلح على ضرورة استرجاع أموال الشعب المنهوبة ومعاقبة العابثين بمصالح الوطن، وهو محق  حين ينادي بواجب فضح المتآمرين على الوطن في ”الغرف المظلمة”‘وهو محق خاصة حين يدعو إلى إيقاف الاعتداء على الذكاء الوطني عن طريق جمعيات” فقهية ” و” خيرية” جاءت لتعلم التونسيين ان ”الست ست” و”الراجل راجل” مثلما أن ”الفرخة  فرخة  و” الديك ديك” كما نعق بذلك  ضيف عموم ” الإسلام السياسي ”وحكومة الترويكا  بقبة المنزه  يوم 12 فيفري 2012.ذلك كله يندرج في مسؤوليات رئيس الدولة المؤتمن على سلامة الوطن أخلاقيا وسياسيا ودستوريا، بصرف النظر عن كل ما سوى سلامة الوطن .

غير أن ما نطمح إليه اليوم هو أن نشهد الرئيس يتخطى عتبة التنديد والوعيد، في اتجاه المبادرة التشريعية النافذة، والإجراء القضائي الناجز. ولا ريب أن ذلك يكون عليه هيّنا حين يعمل في وفاق صحيح مع رئيس الحكومة الذي رشحه هو بنفسه لهذه المسؤولية العالية، وحين لا يخطئ  في حق وطنيين أكفاء لا ريب في نجاعة تدخلهم اليوم في عملية انقاذ الوطن، مثلما هو الشأن بالنسبة الى السيدين توفيق بكار والمنجي صفرة، بصرف النظر عن صحة الأخبار الرائجة في هذا الشأن او زيفها. فقد عرفت توفيق منذ ما لا يقل عن ثلاثين سنة،   ولم أعرف عنه الا خيرا، فضلا عن أن القضاء برأه  –على ما اعلم – من كل شبهة إلى يوم الدين .ولولا يقيني ذلك ما كنت معه من مؤسسي ”المركز الدولي الهادي نويرة للاستشراف والدراسات التنموية” الذي أصبح اليوم وطني النفع عالمي الصيت. وقد تعاملت مع الزميل والأخ  المنجي صفرة،  مذ كان رئس جامعة تونس الثالثة، ولم أجد منه إلا خيرا وكفاءة …

ولا ريب في أنّ هذا التمشّي  يكون  أنجع حين يندرج بإحكام في الائتلاف الوطني الذي كنت عرضت خطوطه الكبرى في مداخلة  نشرت بـ”الشارع المغاربي” يوم 13 فيفري 2019، على أن يكون تحت سامي إشراف رئيس الدولة، باعتباره عامل توحيد الوطنيين. فلا  لا مناص لنا اليوم من التعاون الوثيق  بين السلطة التنفيذية الموحدة وفاقيا ،وقوى الإنتاج وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، واتحاد الفلاحين، ومختلف تنظيمات المجتمع المدني التونسية، هوية وهوى، وفي مقدمتها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية وتنظيمات الفنانين والأطباء والمهندسين والصيادلة وجميع أصحاب الإرادة الخيرة .

ويقيني أن جميع المصاعب تصغر حين يعي الجميع أن الفعل السياسي اليوم يدور على معنى تحرير الوطن، وبالتالي فانه  لا معنى  لتصنيف التونسيين الى ثوريين و’ازلام” أو يمين ويسار، أو وسطي ومتطرف الخ.. .فخط التمايز الوحيد اليوم  واقع بين وطني ولا وطني. ذلك هو الشرط الأساسي الذي لابد منه لإنقاذ تونس، والارتقاء بها الى مصاف الدولة الوطنية الديمقراطية وتحقيق أهداف الثورة في ”الشغل والحرية والكرامة الوطنية”. ويبدو لي أني ارى في الافق الوطني  همة صادقة اتية بقوة  الصدق الامينة وروح الوطنية العالية .ورب همّة أنقذت أمة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING