الشارع المغاربي – زعيمة‭ ‬أم‭ ‬مُهَرّجة‭ ‬؟ / بقلم معز زيود

زعيمة‭ ‬أم‭ ‬مُهَرّجة‭ ‬؟ / بقلم معز زيود

قسم الأخبار

25 يناير، 2023

الشارع المغاربي: عبير‭ ‬موسي‭ ‬ظاهرة‭ ‬سياسيّة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬إلى‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوصيف‭ ‬حتّى‭ ‬لدى‭ ‬خصومها‭ ‬وإنْ‭ ‬كابروا‭ ‬باستحياءٍ‭ ‬في‭ ‬التكتّم‭ ‬على‭ ‬ضمور‭ ‬أحجامهم‭ ‬أمامها‭. ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنّ‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬وجوها‭ ‬المختلفة‭ ‬يكشف‭ ‬أنّها‭ ‬لاعتبارات‭ ‬سياسويّة‭ ‬اختارت‭ ‬تصعيد‭ ‬سمة‭ “‬المهرّجة‭” ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مكانة‭ “‬امرأة‭ ‬السياسة “….

في‭ ‬وقت‭ ‬مّا،‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬كانت‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬شخصيّات‭ ‬مؤثّرة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬التونسي‭ ‬مثل‭ ‬كمال‭ ‬لطيّف‭ ‬وشفيق‭ ‬الجرّاية‭ ‬كالسير‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬مليء‭ ‬بالألغام لأنّ‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬المتهوّرة‭ ‬كان‭ ‬سينال‭ ‬نصيبًا‭ ‬وافرًا‭ ‬من‭ ‬التشويه‭ ‬والضغوط‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك.‭ ‬اليوم‭ ‬تحاول‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭ ‬المؤذي‭ ‬حيال‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يبادر‭ ‬بنقدها،‭ ‬بل‭ ‬وإزاء‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يرفض‭ ‬الاصطفاف‭ ‬وراءها،‭ ‬وكأنّها‭ ‬منزّهة‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬والتجاوزات‭ ‬المتراكمة‭ ‬التي‭ ‬تأتيها‭…‬

إلقاء‭ ‬التّهم،‭ ‬يمينًا‭ ‬ويسارًا،‭ ‬ورمي‭ ‬كافّة‭ ‬منتقديها‭ ‬بتدمير‭ ‬الدولة‭ ‬وضرب‭ ‬أمنها‭ ‬وخيانة‭ ‬الوطن‭ ‬والعمالة‭ ‬للخارج‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬سماتها،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬العبارات‭ ‬الدارجة‭ ‬تقريبًا‭ ‬في‭ ‬كافّة‭ ‬خُطبها‭… ‬موسي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تكتفي،‭ ‬مثلما‭ ‬تعوّدت‭ ‬زمن‭ ‬البرلمان‭ ‬المنحلّ،‭ ‬بكيل‭ ‬اتّهاماتها‭ ‬لخصومها‭ ‬التقليديّين‭ ‬وفي‭ ‬صدارتهم‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬وحلفائها؟‭ ‬فقد‭ ‬طالت‭ ‬أسهمها‭ ‬المنفلتة،‭ ‬حقّا‭ ‬وباطلا،‭ ‬مختلف‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬التونسي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يعبأ‭ ‬بها‭ ‬ولم‭ ‬يستدر‭ ‬نحوها‭ ‬مطلقًا‭. ‬لا‭ ‬يخصّ‭ ‬الأمر‭ ‬إذن‭ ‬استمرار‭ ‬مواجهتها‭ ‬لكافّة‭ ‬تيّارات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬خصوصا‭ ‬اليوم‭ ‬لرئيس‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬الذي‭ ‬قطف‭ ‬ثمار‭ ‬حراكها‭ ‬السياسي‭ ‬ضدّ‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬ومشتقّاتها،‭ ‬ثمّ‭ ‬حرمها‭ ‬بقوّة‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬تتويج‭ ‬مسارها‭ ‬المتوقّع‭ ‬انتخابيّا‭ ‬عبر‭ ‬فرض‭ ‬مشروعه‭ ‬السياسي‭ ‬وتبخيس‭ ‬الأحزاب‭ ‬وعدم‭ ‬الإنصات‭ ‬إلّا‭ ‬لصوت‭ ‬صاحبه‭… ‬

الحرب‭ ‬ضدّ‭ ‬الكلّ

تشابكت‭ ‬سيناريوهات‭ ‬الحلّ‭ ‬المحتملة‭ ‬في‭ ‬ذهنيّة‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسر‭ ‬حلقة‭ ‬الانغلاق‭ ‬التي‭ ‬تُخيّم‭ ‬على‭ ‬آفاقها‭ ‬واستئناف‭ ‬مسيرة‭ ‬صعودها‭ ‬نحو‭ ‬قصور‭ ‬الحكم،‭ ‬فلم‭ ‬تجد‭ ‬سبيلا‭ ‬إلّا‭ ‬مناصبة‭ ‬العداء‭ ‬لكلّ‭ ‬من‭ ‬يختار‭ ‬خطّا‭ ‬مستقلّا‭ ‬عنها‭. ‬وضعت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬السلّة‭ ‬نفسها،‭ ‬وكأنّ‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬خصوصيّة‭ ‬في‭ ‬معاداتها‭. ‬والحال‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬جرّبته‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬زمن‭ ‬سطوتها‭ ‬باختلاق‭ ‬منوال‭ “‬إعلام‭ ‬العار‭” ‬فانقلب‭ ‬ضدّها‭. ‬السؤال‭ ‬البديل‭ ‬هو‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬جهة‭ ‬واحدة‭ ‬لم‭ ‬تستهدفها‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬بسهامها‭ ‬اللاذعة؟‭ ‬قطعا‭ ‬لا،‭ ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬شاردة‭ ‬أو‭ ‬واردة‭ ‬إلّا‭ ‬وحاولت‭ ‬جرّها‭ ‬إلى‭ ‬مستنقع‭ ‬معاركها‭. ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬حملاتها‭ ‬ضدّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬ومكوّنات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬عموما‭ ‬وحتّى‭ ‬المؤسّسات‭ ‬الدوليّة‭ ‬مثل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭…‬

هل‭ ‬يعود‭ ‬هذا‭ ‬التشنّج‭ ‬ضدّ‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬مجرّد‭ ‬حقدٍ‭ ‬أعمى‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬انتقام‭ ‬لشخصها‭ ‬ولمكانتها‭ ‬السابقة‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬زمن‭ ‬كانت‭ ‬تشغل‭ ‬منصب‭ ‬أمينة‭ ‬عامّة‭ ‬مساعدة‭ ‬مكلّفة‭ ‬بشؤون‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬حزب‭ “‬التجمع‭ ‬الدستوري‭ ‬الديمقراطي‭” ‬المنحلّ؟‭… ‬كلّا،‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬سائر‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيّين‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬ليست‭ ‬نقيّة‭ ‬كبياض‭ ‬الثلج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيّام‭ ‬القارسة،‭ ‬بدليل‭ ‬القضايا‭ ‬المرفوعة‭ ‬ضدّها،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ضئيلة‭ ‬جدّا‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬عشرات‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تتفنّن‭ ‬في‭ ‬رفعها‭ ‬ضدّ‭ ‬الجميع،‭ ‬حتّى‭ ‬تاهت‭ ‬بوصلتها …. الأرجح‭ ‬إذن‭ ‬أنّها‭ ‬من‭ ‬معتنقي‭ ‬شعار‭ ‬أنّ‭ “‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬أخلاق‭ ‬فيها‭” ‬مطلقا،‭ ‬متجاوزةً‭ ‬بذلك‭ ‬أقصى‭ ‬تعاليم‭ ‬الحكم‭ ‬لدى‭ ‬ماكيافلّي‭ ‬نفسه‭!.‬

نعم‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬ظاهرة‭ ‬سياسيّة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬صعودها‭ ‬الصاروخي‭ ‬زمن‭ ‬احتضار‭ ‬الأمل‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الأخيرة‭. ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬فيما‭ ‬فشل‭ ‬فيه‭ ‬غيرها،‭ ‬ولاسيما‭ ‬قبل‭ ‬25‭ ‬جويليّة‭ ‬2021 ‬وخاصّة‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬وتلويث‭ ‬صورة‭ ‬زعيمها‭ ‬وكشف‭ ‬بعض‭ ‬ممارساته‭ ‬الخفيّة‭ ‬وخاصّة‭ ‬اتّصالاته‭ ‬الخارجيّة،‭ ‬حتّى‭ ‬أنّ‭ ‬معظم‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬كانت‭ ‬تُرشّح‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحرّ‭ ‬آنذاك‭ ‬إلى‭ ‬الفوز‭ ‬بأيّة‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعيّة‭ ‬مقبلة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬وضوح‭ ‬خطّها‭ ‬السياسي‭ ‬المعادي‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬للإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بكافّة‭ ‬تيّاراته‭ ‬وتلاوينه،‭ ‬بل‭ ‬ويرجع‭ ‬خاصّة‭ ‬إلى‭ ‬الظروف‭ ‬الدقيقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعشيها‭ ‬تونس‭ ‬جرّاء‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬حلبة‭ ‬صراع‭ ‬جنوني‭ ‬على‭ ‬الهويّة،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬مهادنة‭ ‬منهجيّة‭ ‬للتيارات‭ ‬التكفيريّة‭ ‬كانت‭ ‬تعتمدها‭ ‬حركة‭ ‬النهضة،‭ ‬فأغرقت‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬انعكاساتها‭ ‬القاتلة‭ ‬أمنيّا‭ ‬واجتماعيّا‭ ‬واقتصاديّا‭. ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬حتّى‭ ‬هذا‭ ‬الملفّ‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬مسألة‭ ‬مبدئيّة‭ ‬واستراتيجيّة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭. ‬ويكفي‭ ‬التذكير‭ ‬بأنّ‭ ‬أحد‭ ‬ألدّ‭ ‬أعداء‭ ‬موسي،‭ ‬وهو‭ ‬يوسف‭ ‬القرضاوي‭ ‬زعيم‭ ‬تنظيم‭ “‬اتحاد‭ ‬العلماء‭ ‬المسلمين‭”‬،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وُصف‭ – ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬التونسي‭ ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬لتونس‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬بمناسبة‭ ‬احتفاليات‭ “‬القيروان‭ ‬عاصمة‭ ‬للثقافة‭ ‬الإسلاميّة‭” – ‬بأنّه‭ “‬رمز‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬التسامح‭”…‬

أكذوبة‭ ‬السيادة‭!‬

مُنعت‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬من‭ ‬التوجّه،‭ ‬بمناسبة‭ ‬14‭ ‬جانفي،‭ ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬قرطاج‭ ‬لتنفيذ‭ ‬وقفة‭ ‬احتجاجيّة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أنْ‭ ‬تُطوّرها‭ ‬إلى‭ ‬اعتصام‭ ‬مفتوح‭ ‬حيث‭ ‬تُنصب‭ ‬خيام‭ ‬رثّة‭ ‬أمام‭ ‬أهمّ‭ ‬رمز‭ ‬للحكم‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الساكن‭ ‬المؤقّت‭ ‬لقصر‭ ‬الرئاسة‭ ‬اليوم‭. ‬فهل‭ ‬كانت‭ ‬تجرؤ‭ ‬زمن‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬المرور‭ ‬فقط‭ ‬أمام‭ ‬قصر‭ ‬قرطاج‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أخذ‭ ‬إذن‭ ‬مسبق‭ ‬من‭ ‬أعوان‭ ‬وليّ‭ ‬نعمتها؟‭!… ‬لماذا‭ ‬اختارت‭ ‬الاحتجاج‭ ‬أمام‭ ‬قصر‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬تحديدا؟،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬ترفضها‭ ‬وتعتبرها‭ “‬مؤامرة‭”‬،‭ ‬مع‭ ‬أنّها‭ ‬أوصلتها‭ ‬إلى‭ ‬اعتلاء‭ ‬دفّة‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬ولولاها‭ ‬لما‭ ‬بارحت‭ ‬الصف‭ ‬الثالث‭ ‬لقيادات‭ ‬نظام‭ ‬بن‭ ‬علي‭… ‬هي‭ ‬إذن‭ “‬الغاية‭ ‬تُبرّر‭ ‬الوسيلة‭”‬،‭ ‬فالسيادة‭ ‬تبدو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬مسألة‭ ‬نسبيّة،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬العبارة‭ ‬التونسيّة‭: “‬تحضر‭ ‬وتغيب‭”… ‬يُفسّر‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬مثلا‭ ‬اعتصام‭ ‬موسي‭ ‬وجماعتها‭ ‬أمام‭ ‬مقرّ‭ ‬مكتب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بتونس‭ ‬بل‭ ‬إعلانها‭ ‬حرفيّا‭ ‬عن‭ “‬الانطلاق‭ ‬في‭ ‬تطويق‭ ‬المقرّ‭ ‬الأممي‭ ‬بدرع‭ ‬بشري‭”. ‬تلك‭ ‬سابقة‭ ‬خطيرة‭ ‬تضرب‭ ‬القواعد‭ ‬الدبلوماسيّة‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬بذريعة‭ ‬أنّ‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬تقوم‭ ‬بتشجيع‭ ‬نظام‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬على‭ ‬المضيّ‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬فاقدة‭ ‬للشرعيّة‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬رسمي‭ ‬لحزب‭ ‬موسي‭ ‬ما‭ ‬يوضحّ‭ ‬هذا‭ ‬التضارب‭ ‬الصارخ،‭ ‬مبرّرا‭ ‬الاعتصام‭ ‬المذكور‭ ‬بـ‭ “‬مواصلة‭ ‬المنظمات‭ ‬الأمميّة‭ ‬والاقليميّة‭ ‬تجاهل‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬حقّ‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬حكامه‭ ‬وممثليه‭ ‬بالمجالس‭ ‬المنتخبة‭.. ‬واستعداد‭ ‬بعضها‭ ‬لتجنيد‭ ‬مراقبين‭ ‬وملاحظين‭ ‬لتبييض‭ ‬عملية‭ ‬اغتصاب‭ ‬الإرادة‭ ‬الشعبيّة‭”… ‬أيّ‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬سيادة‭ ‬البلاد‭ ‬إذن،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تُطالب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بصريح‭ ‬قولها‭ ‬بدعم‭ “‬حقّ‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭”‬،‭ ‬وكأنّ‭ ‬البلاد‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحت‭ ‬نير‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأجنبي‭…‬

من‭ ‬حقّ‭ ‬موسي‭ ‬طبعًا‭ ‬معارضة‭ ‬تنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬صوريّة‭ ‬بكلّ‭ ‬الوسائل‭ ‬السلميّة‭ ‬الممكنة،‭ ‬ومن‭ ‬حقّها‭ ‬عدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬ببرلمان‭ ‬غير‭ ‬شرعي،‭ ‬ومن‭ ‬صميم‭ ‬دورها‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬تُطالب‭ ‬بانتخابات‭ ‬ذات‭ ‬حدّ‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬المشروعيّة‭ ‬ومطابقة‭ ‬للمعايير‭ ‬الدوليّة،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬يرفع‭ ‬شعار‭ ‬السيادة‭ ‬لا‭ ‬يفترض‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يُطالب‭ ‬منظمات‭ ‬دوليّة‭ ‬وأجنبيّة‭ ‬بالاضطلاع‭ ‬بأيّ‭ ‬دور‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صيانة‭ ‬هذا‭ ‬الحقّ‭…‬

إمّا‭ ‬معي‭ ‬أو‭ ‬ضدّي‭!‬

تعتنق‭ ‬موسي‭ ‬نهجا‭ ‬شموليّا‭ ‬لا‭ ‬يُصنّف‭ ‬مختلف‭ ‬الجموع‭ ‬والفئات‭ ‬والمؤسّسات‭ ‬والهيئات‭ ‬والأشخاص‭ ‬سوى‭ ‬صنفين‭ ‬فحسب،‭ ‬فإمّا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬أتباعا‭ ‬مريدين‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬أعداء‭ ‬يحقّ‭ ‬لها‭ ‬محاربتهم‭ ‬والتصدّي‭ ‬لهم‭ ‬ونعتهم‭ ‬بأشنع‭ ‬الأوصاف‭ ‬وكيل‭ ‬الاتّهامات‭ ‬المختلفة‭ ‬لهم،‭ ‬ورفع‭ ‬القضيّة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬ضدّ‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭…‬

كذلك‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬حديثها‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطيّة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إلّا‭ ‬مجرّد‭ ‬معول‭ ‬لتحقيق‭ ‬غاياتها‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النطاق‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬موسي‭ ‬كثيرا‭ ‬مثلا‭ ‬عن‭ ‬الرئيس‭ ‬النظام‭ ‬الراحل‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬معجما‭ ‬سياسيّا‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬لا‭ ‬صلة‭ ‬له‭ ‬مطلقا‭ ‬بواقع‭ ‬ممارساته‭ ‬السياسيّة‭. ‬والحقيقة‭ ‬أنّ‭ ‬أبرز‭ ‬خصومها‭ ‬السياسيّين‭ ‬الحاليّين‭ ‬لا‭ ‬يختلفون‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار،‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتهم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬وزعيم‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬راشد‭ ‬الغنوشي…‭

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬من‭ ‬ثمّة‭ ‬أنّه‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحرّ،‭ ‬لا‭ ‬صوت‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬موسي،‭ ‬بل‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬النطق‭ ‬بكلمة‭ ‬دون‭ ‬إذنها‭. ‬هو‭ ‬تقريبا‭ ‬حزب‭ ‬شخصي،‭ ‬حزب‭ ‬للحساب‭ ‬الخاص،‭ ‬يفتقد‭ ‬لأيّ‭ ‬وجوه‭ ‬سياسيّة‭ ‬غيرها،‭ ‬حزب‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬فقط‭… ‬بمعنى‭ ‬أنّه‭ ‬حزب‭ ‬قابل‭ ‬للاندثار‭ ‬سريعا‭ ‬من‭ ‬دونها‭… ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدركه‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬حولها‭. ‬وربّما‭ ‬لا‭ ‬تتردّد‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬ترديد‭ ‬ذلك‭ ‬لمساعديها‭ ‬بأنّ‭ ‬وجودهم‭ ‬وارتقاءهم‭ ‬أو‭ ‬حتّى‭ ‬سقوطهم‭ ‬مرتبط‭ ‬بها‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬غير‭

‭”‬صاحبة‭ ‬الخوذة‭

‬ نجحت‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬مرّات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬استفزاز‭ ‬خصومها‭ ‬وتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬دفع‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬التحكّم‭ ‬في‭ ‬أعصابهم‭ ‬والاعتداء‭ ‬عليها‭ ‬بالعنف‭ ‬لفظيّا‭ ‬وجسديّا‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرّة‭. ‬معلوم‭ ‬طبعا‭ ‬أنّ‭ ‬العنف‭ ‬غير‭ ‬مبرّر‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬الأحوال،‭ ‬ولاسيما‭ ‬ضدّ‭ ‬المرأة‭ ‬لأنّه‭ ‬يستبطن‭ ‬استضعافا‭ ‬كريهًا‭ ‬للنساء‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الذكوريّة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬هناك‭ ‬حدّا‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬السلوكيّات‭ ‬السليمة‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬بها‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬ونساؤها‭. ‬وهذا‭ ‬بالتحديد‭ ‬ما‭ ‬تفتقده‭ ‬عبير‭ ‬موسي،‭ ‬فهل‭ ‬ننسى‭ ‬واقعة‭ “‬الخوذة‭” ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترتديها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬المنحل‭ ‬وكأنها‭ ‬تخوض‭ ‬مباراة‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬الرڤبي‭ ‬أو‭ ‬كذلك‭ ‬استعمالها‭ ‬مضخّم‭ ‬الصوت‭ ‬تحت‭ ‬قبّة‭ ‬البرلمان‭ ‬السابق‭..

ومنذ‭ ‬أيّام‭ ‬تناقلت‭ ‬الشاشات‭ ‬مشهد‭ ‬صراخها‭ ‬تحت‭ ‬حماية‭ ‬رجال‭ ‬الأمن،‭ ‬وهي‭ ‬تتّهم‭ ‬أحدهم‭ ‬بقولها‭ ‬حرفيّا‭: “‬راجل‭ ‬يتحرّش‭ ‬شفتوه‭ ‬من‭ ‬لوطة،‭ ‬عاد‭ ‬حُطْ‭ ‬الحديد‭ ‬أهون،‭ ‬هاذي‭ ‬عملة‭ ‬تتعمل،‭ ‬هاذي‭ ‬عملة،‭ ‬مرا‭ ‬تتظاهر‭ ‬تعملوا‭ ‬فيها‭ ‬هكّا،‭ ‬مرتْ‭ ‬راجل‭”… ‬نعم‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬تعبيرها‭ “‬مرتْ‭ ‬راجل‭” ‬وليست‭ ‬كيانا‭ ‬مستقلّا‭ ‬بذاته.‭ ‬فوفق‭ ‬وصف‭ ‬النائبة‭ ‬السابقة‭ ‬لأمين‭ ‬عام‭ ‬حزب‭ ‬التجمّع‭ ‬المكلّفة‭ ‬بشؤون‭ ‬المرأة‭ ‬لنفسها،‭ ‬فإنّها‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سوى‭ ‬كيان‭ ‬مكمّل‭ ‬للرجل،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬حاولت‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬سابقا‭ ‬أن‭ ‬تُصنّف‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬2014‭ ‬الذي‭ ‬أسقطه‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬بجرّة‭ ‬قلم‭…‬

حين‭ ‬نشاهد‭ ‬مدى‭ ‬غرابة‭ ‬الفيديوهات‭ ‬الشخصيّة‭ ‬التي‭ ‬يُروّجها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التونسيّين‭ ‬والتونسيّات‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ “‬فيسبوك‭”‬،‭ ‬فإنّنا‭ ‬لا‭ ‬نستغرب‭ ‬تلك‭ ‬الشطحات‭ ‬المتجّددة‭ ‬التي‭ ‬تبثّها‭ ‬دوريّا،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النخب‭ ‬السياسيّة‭ ‬أن‭ ‬تتسّاقط‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المنحدرات‭ ‬البهلوانيّة‭… ‬تعوّدت‭ ‬موسي‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬خطبها‭ ‬بعبارة‭ “‬سجّل‭ ‬يا‭ ‬تاريخ‭”. ‬ولذا‭ ‬نقول‭ ‬لها‭ ‬بدورنا‭ : ‬سجّل‭ ‬يا‭ ‬تاريخ‭ ‬أنّ‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيّين‭ ‬الذين‭ ‬دفعتهم‭ ‬أنانيّتهم‭ ‬ونوازعهم‭ ‬الشخصية‭ ‬إلى‭ ‬الاكتفاء‭ ‬أجنداتهم‭ ‬الذاتيّة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصالح‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬المعتلّة‭ ‬بنُخبها‭… ‬سجّل‭ ‬يا‭ ‬تاريخ‭ ‬أنّ‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬قد‭ ‬غرقت‭ ‬في‭ ‬استعراض‭ “‬سكاتشات‭” ‬المظلوميّة‭ ‬وفوّتت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وعلى‭ ‬أتباعها‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخيّة‭ ‬في‭ ‬مراجعة‭ ‬الذات‭ ‬والمصالحة‭ ‬مع‭ ‬هموم‭ ‬البلاد‭…‬

* نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 24 جانفي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING