الشارع المغاربي – سرّ الانقسام بين مؤيدي ومعارضي تمديد سن التقاعد لمديرة القضاء العسكري آمال الجويني

سرّ الانقسام بين مؤيدي ومعارضي تمديد سن التقاعد لمديرة القضاء العسكري آمال الجويني

13 يناير، 2019

الشارع المغاربي-كوثر زنطور : مرة أخرى ، تدور النقاشات حول التمديد في سن التقاعد لمديرة القضاء العسكري العميدة آمال الجويني بـ” تكتم شديد”، بل وتتضارب المعطيات بخصوصه بين من يؤكد ان التمديد تم فعلا منذ أيام قليلة ومن ينفي البت فيه من قبل الأطراف المعنية .. أما سرّ الاهتمام السياسي بالتمديد من عدمه فيسكن في ثقل القضايا المنشورة لدى القضاء العسكري وبالدور الذي بات يلعبه هذا الهيكل في الحياة السياسية .

 

تناقلت الاوساط السياسية منذ مطلع 2019 انباء عن تمديد ثان للعميدة آمال الجويني التي سبق ان تم التمديد لها موفى شهر ديسمبر 2017 دون ان يتم نشر القرار بالرائد الرسمي ( حسب ما يتداول متابعون للملف) ، ويتناقل أيضا ان هذا التمديد طُرح في اجتماع عقد منذ فترة بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي وان الأخير دافع عن خيار التمديد مستندا في ذلك الى”كفاءة العميدة” .

ويعتبر التمديد ، إن أُقرّ فعلا، خيبة أمل لطيف ممن يرون أن القضاء العسكري خلال عهدة العميدة الجويني “مسيس” وأنه يأتمر بتعليمات رئيس الحكومة يوسف الشاهد وجماعته، وممن كانوا ينتظرون تغييرا على رأس الوكالة العامة للقضاء العسكري لحدوث تطورات في جملة من القضايا ابرزها “التآمر على أمن الدولة ووضع النفس على ذمة جيش أجنبي زمن السلم” ، مقابل شق متمسك بالابقاء على العميدة ، الضامنة وفق تقديراتهم ، في عدم حصول أي انحراف بعمل الجهاز ،يتمثل أساسا في الافراج عن متهمين بعينهم وأبرزهم شفيق جراية.

آمال الجويني اللغز

تحولت السيدة آمال الجويني ، التي قد تكون اول سيدة تتقلد وظيفة ” وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري”، الى لغز حقيقي بالنسبة لكثيرين ، فالعميدة عينت يوم 2 سبتمبر 2016 من قبل الوزير السابق فرحات الحرشاني وتواصل مهامها حتى اليوم بعد ان حظيت بامتياز التمديد الثالث من نوعه في تاريخ المؤسسة العسكرية.

منذ تعيينها حتى 23 ماي 2017 تاريخ انطلاق ما يسمى بـ “حرب الشاهد على الفساد” وإيقاف رجل الأعمال شفيق جراية ، ازداد التركيز على جهاز القضاء العسكري الذي قُدّم وقتها ، وسط انتقادات وتنديد حقوقيين وسياسيين وناشطين، كمُكلف بالنظر في قضايا الفساد ، وازداد الجدل بعد إيقافات شملت إطارات عليا بوزارة الداخلية هما صابر العجيلي مدير عام الأمن السياحي السابق وعماد عاشور مدير عام المصالح المختصة سابقا.
ومع صدور بيانات وكالة الدولة للقضاء العسكري وكشفها التهم التي وجهت للموقوفين وكلها تمس الأمن القومي ، جُرت للتحقيق شخصيات سياسية وأمنية ومسؤولين سابقين بالدولة ، على غرار علي العريض القيادي بحركة النهضة وعبد الرحمان الحاج علي مدير عام الامن الوطني الاسبق والحبيب الصيد رئيس الحكومة السابق والمنصف المرزوقي الرئيس المؤقت السابق . وكانت تلك القضايا وراء الاطاحة بوزير الداخلية السابق والسفير ناجم الغرسلي قبل ان ترفع عنه الحصانتان الدبلوماسية والقضائية والمختفي منذ شهر ماي 2018.

وطبعا حشر القضاء العسكري في معركة سياسية ضروس بين شقين ، الاول يدافع عن جدية القضايا والثاني يعتبرها عملية انتقائية بخلفيات انتخابية ، ومعها تتالت الاحداث أيضا منها تداول تلويح وزير الدفاع بالاستقالة رفضا لمخطط اخراج القضية من العسكري واحالتها الى القضاء العدلي ، ثم ايقاف الواشي الذي كان وراء القضية وهو عون في وحدة مكافحة الارهاب بالقرجاني فتدهور الحالة الصحية لصابر العجيلي وتدويل قضيته وتوجيه مجلس حقوق الانسان بجنيف طلبا للحكومة التونسية بالافراج عنه وتعويضه.
ازاء كل الإحداث الطارئة ، دأب القضاء العسكري على الرد بالبيانات وعلى التحذير من “التشويش على سير التحقيقات” وسريّتها ، اما في الكواليس فالاسم الحاضر باستمرار فهو اسم العميدة آمال الجويني ، قريبة احد نواب مجلس نواب الشعب ، والصامدة رغم كل التطورات حتى تلك الصادرة عن مجلس حقوق الانسان بجنيف ، والباقية أيضا رغم تأكيدات بأن ضغوطات مورست على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي للتدخل شخصيا ومنع التمديد لها.

وخلال الاسابيع الاخيرة من 2018 ، أصبح الحديث في الاوساط التي لها علاقة مباشرة بالقضايا المنشورة لدى القضاء العسكري ، هو التمديد للعميدة من عدمه ، وطرحت الاسماء المرشحة لخلافتها ، نذكر منها الوكيل العام لمحكمة الاستئناف السابق وحيد بونني رغم القرار الصادر بشأنه في جوان 2018 بإحالته على التقاعد الوجوبي.

الا ان انتظارات إحداث تغيير على رأس القضاء العسكري سقطت في الماء بعد تحضيرات وحشد وتكتيكات ، ووضع اسماء المرشحين وحظوظهم ، صمدت امال الجويني بقرار من وزير الدفاع الوطني ، وفق ما يتداول مقربون من القصر ، ناقلين عن الزبيدي اشادته بكفاءتها ، في وقت تؤكد مصادر رفيعة المستوى ان التمديد الاول ( ديسمبر 2017) كالثاني ( ان تم فعلا) جاء بسبب عدم وجود مرشحين لهم رتبة عميد.

وذكرت نفس المصادر ان التمديد للعميدة هو الثالث في تاريخ المؤسسة القضائية العسكرية وان أطول تمديد تم اقراره يعود الى تسعينات القرن الماضي ومدته خمس سنوات متتالية وأوضحت ان أسباب التمديد غياب مرشحين تتوفر فيهم شروط اسناد هذه الوظيفة وهي ان يكون المرشح قاضيا عسكريا برتبة عميد.

غضب من الزبيدي
المعلوم انه عهدت للقضاء العسكري عدد من القضايا الثقيلة سياسيا وقد تكون حاسمة في السباق الانتخابي القادم ، نذكر منها قضية التأمر على الأمن الخارجي وقضية الجهاز السري لحركة النهضة وشكاية الانقلاب التي رفعها امين عام حزب حركة نداء تونس سليم الرياحي على 5 شخصيات منها رئيس الحكومة يوسف الشاهد وصدر بشأنها قرار الاحتفاظ في شهر ديسمبر المنقضي.
وكشفت مصادر موثوق بها لـ “الشارع المغاربي” ان هيئة الدفاع عن الرياحي كانت تنتظر تغيير العميدة آمال الحويني لاستئناف الشكاية ، ويتناقل مقربون من الرياحي تهما للعميدة بالتعامل بشكل مباشر مع رئاسة الحكومة وبأن القرار الصادر عن القضاء العسكري بشأن الشكاية “متسرع ومسيس” ، ولا يعلم اليوم ان كان التمديد للعميد سيجعل الرياحي يعدل عن التوجه نحو الاستئناف.
اما قضية ما تسميه هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بـ” الجهاز السري لحركة للنهضة ” ، فهي أيضا من القضايا المرفوعة لدى القضاء العسكري ، ونذكّر في هذا الصدد بأنه سبق لعضو الهيئة ايمان البجاوي ان كشفت في تصريح بتاريخ 23 اكتوبر 2018 ان رئيس كتبة المحكمة العسكرية فضل خلافا للموجبات القانونية استشارة النيابة العسكرية وانه اعلم الهيئة بعد ذلك وأن وكيل الجمهورية رفض قبول الشكاية ، ليتم بعد ذلك قبولها اثر ضغط اعلامي وسياسي .
وبخلاف ثقل القضايا المنشورة لدى القضاء العسكري والمخاوف من قبرها أو تطويعها وتوظيفها ، فان السؤال الذي يُطرح في خضم انباء التمديد هو سر مساندة عبد الكريم الزبيدي العميدة ، اذ تشيرمعطيات نقلها لـ “الشارع المغاربي” مصدر موثوق به إلى انه كان حتى حاسما في اقناع الرئيس قائد السبسي بالتمديد لها وحتى بالتأثير عليه ، وهناك من يقول ان الزبيدي اقترح التمديد لها ومواصلتها على رأس القضاء العسكري ومن ثمة تعيينها بديوانه.
هذا الموقف أثار غضب نقابات امنية اعتبرت ان وزير الدفاع لم يصطف وراء”رجالات خدمت الدولة” وانه “ادار ظهره للعجيلي ولعماد عاشور” وان تأشيره على التمديد يعني رضاء بـ”ظلم” سلط على “صابر العجيلي” خاصة لاسباب سياسية ، وتأتي هذه التشكيات رغم تأكيد الزبيدي في نقاشات جانبية جمعته بعدد من النواب انه ضد الإبقاء على العجيلي وعاشور في حالة إيقاف مجددا قوله بأنهما “لا يمثلان خطرا على الامن القومي”.
وكان الزبيدي قد دعا خلال شهر نوفمبر المنقضي الى تفعيل الفصل 110 من الدستور الذي يضبط اختصاص المحاكم العسكرية وذلك في رده على تساؤلات نواب حول تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء العسكري ، وأكد وقتها انه “لا سلطة لديه على القضاء العسكري” سواء في سيره أو في التعيينات التي تهمه .
جسدت اذن العميدة “آمال الجويني” الانقسام حول القضاء العسكري الذي اهتزت ثقة سياسيين بشأنه وبات في منظور طيف من الفاعلين اداة من أدوات رئيس الحكومة يوسف الشاهد ، رغم اشادة كثيرين بقضاته وبنزاهتهم بما يتطلب رفع اليد تماما عن هذا الجهاز وغيره حتى لا تمس شخصيات وتصبح محل اتهامات لأنها فقط كانت موجودة في دائرة هذا الكم من الانقسامات والمناورات.

صدرت بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم 8 جانفي 2019.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING