الشارع المغاربي – سعيّد والطبوبي... قراءة في التقارب والتقاطع

سعيّد والطبوبي… قراءة في التقارب والتقاطع

قسم الأخبار

24 مايو، 2020

الشارع المغاربي-لطفي النجار: يبدو أنّ التناغم السياسي بين رئاسة الجمهورية والاتحاد العام التونسي للشغل ولا سيّما بين قيس سعيّد ونور الدين الطبوبي ظاهر وجلي ويبرز ذلك من خلال التصريحات المتتالية التي تفيد بأنّ «التيّار» يمر بيسر كبير بين الرجلين يجعلنا أمام مشهد سياسي قادم مفتوح على سيناريوهات عديدة وإعادة جذرية لترتيب التحالفات والاصطفافات.
يظهر هذا «التناغم» بين سعيّد والطبوبي عبر التقارب المضموني في الرؤية للراهن السياسي وطرق حلحلة الأوضاع المتأزّمة. هو تقارب وتقاطع في الموقف حول جملة من القضايا والملفّات، ربّما انطلق منذ حدث «هجوم» مخلوف وجماعة ائتلاف الكرامة على قيس سعيّد وتهديده رئيس الجمهورية بالعزل بعد خطابين متتاليين له فسّرته الجماعة كتهديد لشرعيتها ومشروعيتها وتأليب للرأي العام عليها. وقف الاتحاد مباشرة مدافعا عن قيس سعيّد ومساندا له ضدّ ائتلاف الكرامة المناوئ للمنظّمة الشغيلة وأبرز أعدائها. هو تقارب وتقاطع إذن، بين قيس سعيّد الرئيس الذي لا يملك حزبا يذود عنه والاتحاد العام التونسي للشغل المنظّمة التي يجرّها ائتلاف الكرامة إلى مربّعات التصادم والتدافع من جهة، وخصم عنيد ثورجي صدامي وشرس يذود عن النهضة ويجمع شتاتا من الرابطات الثورجية.
التقى سعيّد والطبوبي أمام «محطّة» الكرامة، وانطلقا في السير معا على طريق وعرة عنوانها الرئيسي: وقوف سعيّد مع الاتحاد في «الملف الاجتماعي» مقابل دعم ومساندة المنظمة الشغيلة له في مطالبته بتغيير النظام السياسي.
يعلم النقابيون جيّدا أنّ السنة القادمة ستكون صعبة على الجميع وأنّه ستلي الاتفاقات الموقّعة مع صندوق النقد الدولي واشتراطاته قرارات لاشعبية من الحكومة مثلما حصل في النقاط الواردة بمشروع ميزانية 2021 من تجميد للانتدابات والأجور والترقيات في الوظيفة العمومية. كما يدرك الاتحاد أن النّزال قادم لا محالة ضدّ حكومة الفخفاخ وأنّ الاستعداد لجولات من المواجهة يتطلّب إعدادا محكما وذكيّا. يبدو أن المنظّمة الشغيلة قد اختارت دخول حلبة الصراع المنتظر ضد الفخفاخ تحت مظلّة رئاسة الجمهورية وصارت تتحدّث بما يتحدّث الرئيس من تغيير للنظام السياسي وذلك طلبا لوقوف سعيّد مع الاتحاد في «الملف الاجتماعي» وأملا في أن يضغط الرئيس على إلياس الفخفاخ لما له من سلطة معنوية عليه.
في تماه مفهوم مثلما شرحنا بين الرئاسة والمنظّمة الشغيلة يقول الطبوبي على أمواج الإذاعة الوطنية «البلاد تعيش أزمة سياسية بامتياز» داعيا إلى «إجراء استفتاء شعبي لتقييم النظام السياسي إن كان ناجحا أو فاشلا أم أنّه يساعد توجّها سياسيا معيّنا يسعى إلى السيطرة على مفاصل الدولة دون مراعاة مصلحتها». يتماهى إذن مضمون القول عند الطبوبي مع رؤية سعيّد ومقاربته للنظام السياسي الراهن الذي يتطلّب تغييرا عبر استفتاء ينهي هذا النظام التمثيلي التقليدي (حسب سعيّد) ويؤسّس لنظام شعبي مباشر جديد. يلتقي الرجلان حول ضرورة التغيير وحول التشخيص وسبل الخروج من الأزمة السياسية المستفحلة.
إنّ التقارب المتصاعد بين سعيّد والطبوبي وتقاطع المصالح السياسية والتخندق في جبهة مشتركة تقف إلى جانب المستضعفين والمهمّشين وتدعو إلى تغيير النظام السياسي يمكن أن يؤدي إلى مآلات عديدة ستغيّر بالضرورة من تضاريس الساحة السياسية وتزيد ربّما في تعرّجاتها وتوتّراتها في قادم الأيام. سيضعف محور سعيّد – الطبوبي حركة النهضة ويزيد من إرباكها وتوجّسّها. وسيزيد محور قرطاج – ساحة محمد علي من شراسة ائتلاف الكرامة في السلوك والموقف السياسي وسيدفع جماعة مخلوف إلى مزيد من التشدّد والقصووية. سيتسبّب هذا التقاطع بين سعيّد والطبوبي في توتّر العلاقة واهتزازها بين رئيس الجمهورية وإلياس الفخفاخ الذي سيجد نفسه بين خيارين لا ثالث لهما: إمّا الاقتراب والتنسيق (وربّما التحالف) مع حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس أو تأسيس جبهة جديدة مستقلّة عن المعسكرين (معسكر النهضة- قلب تونس الكرامة ومعسكر سعيّد – الاتحاد) وحينها سيضعف وينتهي وحيدا فريدا ضعيفا كما انتهى الشاهد من قبله.
هي سيناريوهات واردة ومحتملة ترسم آفاق هذا الالتقاء التكتيكي بين سعيّد والطبوبي ولكنّ السؤال المطروح الآن هو : إلى متى يمكن أن يصمد هذا «التحالف» أو التقاطع ؟. نرمي بالسّؤال في سياقات تبدو صعبة وشديدة التعقيد خاصّة في ظلّ انهيارات اقتصادية قادمة ومنتظرة دوليا وإقليميا ووطنيا. وسيكون الأمر صعبا على الجميع دون استثناء: على الرئيس الذي لم ينجح في أن يكون رئيسا للجميع ونجح فقط في أن يكون له حلفاء وخصوم والمتّهم بخرق الدستور. لم يكن سعيّد حكما فوق الجميع بل انزلق مع الوقت إلى لاعب قائد لفريق فحسب. سيكون الأمر صعبا على الاتحاد أيضا الذي لن يكفه الاحتماء بقيس سعيّد لردّ الشبهات التي ما فتئ ائتلاف الكرامة ومخلوف والدايمي يردّدونها…الجميع تحت الضغط ولن يسلم أحد… يبدو أنّ «تسونامي» ما بعد كرونا» آت ولن تسلم منه تقاطعات وتحالفات تعيد «طاحونة الشيء المعتاد» وتجتر القديم دون اكتراث بما يحصل من تغييرات جذرية وعميقة في الأفكار والتصوّرات…إلى متى سيصمدوا جميعا ؟ ذلك هو السؤال !!

صدر بالعدد الالكتروني من “الشارع المغاربي” pdf بتاريخ 19 ماي 2020

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING