الشارع المغاربي – سقوط‭ ‬المنجي‭ ‬الرحوي‭ ‬واجهة‭ ‬لأزمة‭ ‬اليسار / بقلم أنس الشابي

سقوط‭ ‬المنجي‭ ‬الرحوي‭ ‬واجهة‭ ‬لأزمة‭ ‬اليسار / بقلم أنس الشابي

قسم الأخبار

27 يناير، 2023

الشارع المغاربي: شاهدت‭ ‬المنجي‭ ‬الرحوي‭ ‬في‭ ‬القناة‭ “‬التاسعة‭” ‬وهو‭ ‬بصدد‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حكم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬مقيما‭ ‬تناقضا‭ ‬بين‭ ‬جماعة‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬وما‭ ‬قبله‭ ‬داعيا‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الثاني‭ ‬لانتخابات‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬جانفي‭ ‬منعا‭ ‬للسابق‭ ‬من‭ ‬العودة،‭ ‬وفي‭ ‬الغد‭ ‬ظهر‭ ‬رفيق‭ ‬له‭ ‬للردّ‭ ‬عليه‭ ‬قائلا‭ ‬بأنهم‭ ‬فصلوه‭ ‬من‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬ينتسبان‭ ‬إليها‭ ‬مذكرا‭ ‬بأنه‭ ‬أصدر‭ ‬بيانا‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2019‭ ‬يدعو‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬التصويت‭ ‬لنبيل‭ ‬القروي‭. ‬

في‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬متضاربة‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬أي‭ ‬اختلاف‭ ‬جدي‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬تصطف‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬خصوم‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬ومدنيّة‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وتؤشّر‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬أزمة‭ ‬كبرى‭ ‬يعيشها‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬الحركة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬ودخولها‭ ‬الساحة‭ ‬السياسيّة‭ ‬تارة‭ ‬بإعانة‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬أيام‭ ‬حكم‭ ‬مزالي‭ ‬وأخرى‭ ‬بإعانة‭ ‬من‭ ‬المعارضات‭ ‬بمختلف‭ ‬ألوانها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬المرحوم‭ ‬ابن‭ ‬علي‭.‬

انخرطت‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬سنة‭ ‬1981‭ ‬معتقدا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬أدبيّات‭ ‬اليسار‭ ‬من‭ ‬نقد‭ ‬للفكر‭ ‬الديني‭ ‬ولمختلف‭ ‬مدارسه‭ ‬سيظهر‭ ‬في‭ ‬سياساته‭ ‬غير‭ ‬أني‭ ‬وجدت‭ ‬حزبا‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬والسياسة‭ ‬ويعطي‭ ‬الأولويّة‭ ‬للمواقف‭ ‬الظرفية‭ ‬اليوميّة‭. ‬ففي‭ ‬مسألة‭ ‬الحركات‭ ‬الإسلامية‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬جريدة‭ “‬الطريق‭ ‬الجديد‭” ‬وبيانات‭ ‬الحزب‭ ‬والكراس‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬لبيان‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬اقتنعت‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يُقدّر‭ ‬تقديرا‭ ‬سليما‭ ‬مدى‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬التي‭ ‬تخلط‭ ‬الدين‭ ‬بالسياسة‭ ‬لقصور‭ ‬في‭ ‬فهمه‭ ‬للمسألة‭ ‬الدينيّة‭ ‬من‭ ‬مصادرها‭ ‬الأصلية،‭ ‬إذ‭ ‬يذهب‭ ‬في‭ ‬اعتقاده‭ ‬أن‭ ‬الأديان‭ ‬جميعها‭ ‬متشابهة‭ ‬يمكن‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بمسطرة‭ ‬واحدة،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬نتائج‭ ‬إدراج‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬دين‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬فتجد‭ ‬الحزب‭ ‬يستعير‭ ‬مفاهيم‭ ‬الآخرين‭ ‬عن‭ ‬المسيحية‭ ‬والمسيحية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أساسا‭ ‬ويلبسها‭ ‬الإسلام‭ ‬معتقدا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يصحّ‭ ‬على‭ ‬الأولى‭ ‬يصحّ‭ ‬ضرورة‭ ‬على‭ ‬الثانية‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الفرق‭ ‬بينهما‭ ‬شاسع‭. ‬فالمسيحية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التبشير‭ ‬أما‭ ‬الإسلام‭ ‬فإنه‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬الجهاد‭ ‬والدعوة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬الإكراه‭ ‬الى‭ ‬بجانب‭ ‬أحكام‭ ‬الردّة‭ ‬وأهل‭ ‬الذمّة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسّر‭ ‬تفرّد‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الديانات‭ ‬جميعها‭ ‬بأنه‭ ‬الدين‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يفجّر‭ ‬فيه‭ ‬منتسبوه‭ ‬أنفسهم‭ ‬لقتل‭ ‬المخالفين‭ ‬لهم،اعتقادا‭ ‬منهم‭ ‬أنهم‭ ‬مأمورون‭ ‬بذلك‭ ‬شرعا‭ ‬ويثابون‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭. ‬هذه‭ ‬الفوارق‭ ‬تغيب‭ ‬لدى‭ ‬مدّعي‭ ‬اليسارية‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬ومن‭ ‬غرائب‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬فيها‭ ‬خلال‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وما‭ ‬بعده‭ ‬أن‭ ‬أسماء‭ ‬وتنظيمات‭ ‬يساريّة‭ ‬أشادت‭ ‬بما‭ ‬سُمّي‭ ‬اليسار‭ ‬الإسلامي‭ ‬والثورة‭ ‬الإيرانيّة‭ ‬وكتبوا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المدحيّات‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬عدّ‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬حصر‭ ‬في‭ ‬جرائد‭ “‬الرأي‭” ‬و‭”‬المستقبل‭” ‬و‭”‬الطريق‭ ‬الجديد‭” ‬و‭”‬الصباح‭” ‬وفي‭ ‬مجلة‭ “‬أطروحات‭” ‬و‭”‬التقدم‭” ‬وفي‭ ‬غيرها‭ .

‬لم‭ ‬تكن‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬اليسار‭ ‬بمختلف‭ “‬حوانيته‭” ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬دينا‭ ‬وتراثا‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬مؤسّسة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬سليم‭ ‬لطبيعة‭ ‬الإسلام‭ ‬وارتباطه‭ ‬بالمسألة‭ ‬الاجتماعيّة‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬اليسار‭ ‬لدينا‭ ‬فصل‭ ‬بين‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ونسيجها‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بالضرورة‭ ‬بنيتها‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬يحضر‭ ‬فيها‭ ‬الإسلام‭ ‬معتقدا‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليدا‭ ‬حضورا‭ ‬قويا،‭ ‬هي‭ ‬بنية‭ ‬تقليدية‭ ‬لا‭ ‬أفق‭ ‬لها‭ ‬لأن‭ ‬المستقبل‭ ‬فيها‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬سيرة‭ ‬السلف‭ ‬الصالح‭.‬غياب‭ ‬نقد‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬لدى‭ ‬اليسار‭ ‬منعه‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الموقف‭ ‬الآني‭ ‬اليومي‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬مكّن‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬الإصلاحية‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬عمائم‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬كالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬الاجتهاد‭ ‬وإلغاء‭ ‬الخلافة‭ ‬وتحرير‭ ‬المرأة‭ ‬لنجد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬أُجهضت‭ ‬ووقع‭ ‬الارتداد‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬أشد‭ ‬انغلاقا‭ ‬وتطرّفا‭ ‬ويُبسا‭ ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬وممارسة‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬طوال‭ ‬العشريّة‭ ‬الماضية‭.‬

إن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الجماهير‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬مطالبها‭ ‬الحياتيّة‭ ‬اليومية‭ ‬مطلب‭ ‬أساسي‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬مناطحة‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬وشروطه‭ ‬أو‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬وعدم‭ ‬التفريط‭ ‬في‭ ‬المؤسّسات‭ ‬العموميّة‭ ‬بالبيانات‭ ‬والتصريحات‭ ‬وكفى‭ ‬الله‭ ‬المؤمنين‭ ‬شرّ‭ ‬القتال،‭ ‬إنما‭ ‬يعني‭ ‬بالأساس‭ ‬ترشيد‭ ‬الجماهير‭ ‬ومساعدتها‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬حسّ‭ ‬نقدي‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬الفرز‭ ‬بين‭ ‬أوّلا‭ ‬الأعداء‭ ‬الحقيقيّين‭ ‬الذين‭ ‬يستهدفون‭ ‬أخونة‭ ‬المجتمع‭ ‬والعودة‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬أهل‭ ‬الذمة‭ ‬والردّة‭ ‬وقطع‭ ‬الأيدي‭ ‬والأرجل‭ ‬بخلاف‭ ‬وثانيا‭ ‬المنافسين‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يختلفون‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬ومسائل‭ ‬جزئية‭ ‬في‭ ‬التوقيت‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأولوية‭ ‬ولكنهم‭ ‬يلتقون‭ ‬حول‭ ‬مشترك‭ ‬وطني‭ ‬جامع‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬المدنيّة‭ ‬ومفهوم‭ ‬المواطنة‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬وواجبات‭ ‬يتساوى‭ ‬فيها‭ ‬الجميع‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬المحدّدات‭ ‬الأخرى‭ ‬والإعلاء‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬الجماهير‭ ‬الشعبيّة‭ ‬من‭ ‬الفرز‭ ‬بين‭ ‬الخصوم‭ ‬والمنافسين‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭. ‬

والمؤلم‭ ‬حقا‭ ‬أننا‭ ‬نجد‭ ‬النخب‭ ‬المدنيّة‭ ‬والعلمانيّة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تتقدّم‭ ‬وتحتلّ‭ ‬موقع‭ ‬الطليعة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬الحضاريّة‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬المسألة‭ ‬الدينيّة‭ ‬بتكتّم‭ ‬واحتشام‭ ‬رافعة‭ ‬شعار‭ “‬إذا‭ ‬عصيتم‭ ‬فاستتروا‭” ‬متخفّية‭ ‬وراء‭ ‬بيانات‭ ‬سياسيّة‭ ‬مراوغة‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭. ‬

هذه‭ ‬الاستقالة‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ “‬اليساريّون‭” ‬والهروب‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬الأساسيّة‭ ‬أدت‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬انتهاج‭ ‬أسهل‭ ‬الحلول‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬سياسيّة‭ ‬لا‭ ‬تأثير‭ ‬لهم‭ ‬فيها‭ ‬فتجدهم‭ ‬يسارعون‭ ‬إلى‭ ‬الارتباط‭ ‬بمن‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوفّروا‭ ‬لهم‭ ‬مقعدا‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المعارضة‭ ‬لمجرد‭ ‬الظهور‭. ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬وبعدها‭ ‬لمّا‭ ‬انخرط‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬التجمّع‭ ‬الدستوري‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والتحق‭ ‬قسم‭ ‬آخر‭ ‬بجبهة‭ ‬18‭ ‬أكتوبر‭ ‬واتجه‭ ‬نوع‭ ‬ثالث‭ ‬إلى‭ ‬مساندة‭ ‬الشاهد‭ ‬وحزبه‭ ‬ورابع‭ ‬لم‭ ‬يتورّع‭ ‬عن‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬صفّ‭ ‬الإخوانجية‭ ‬بصفاقة‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬نظير‭ ‬وخامس‭ ‬يقف‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬خندق‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤشر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬سُمّي‭ ‬يسارا‭ ‬لدينا‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬أرضيّة‭ ‬فكريّة‭ ‬ونظريّة‭ ‬صلبة‭ ‬وانما‭ ‬تتراوح‭ ‬مواقفه‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬آنيّة‭ ‬ظرفيّة‭ ‬لنجد‭ ‬الانقلاب‭ ‬من‭ ‬الموقع‭ ‬إلى‭ ‬نقيضه‭ ‬دون‭ ‬تفسير‭ ‬أو‭ ‬تبرير،‭ ‬والأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تندّ‭ ‬عن‭ ‬الحصر‭ ‬آخرها‭ ‬انخراط‭ ‬وجوه‭ ‬يساريّة‭ ‬تاريخيّة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سُمي‭ ‬بجبهة‭ ‬الخلاص‭ ‬الوطني‭ ‬التي‭ ‬تحرّكها‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬لخدمة‭ ‬أغراضها‭.‬

إنّ‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬من‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬العلوي‭ ‬والرحوي‭ ‬لا‭ ‬يعتدّ‭ ‬به‭. ‬فمساندة‭ ‬أحد‭ ‬الطرفين‭ ‬أو‭ ‬رفض‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬موقفين‭ ‬متعارضين‭ ‬لأن‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬وحركة‭ ‬النهضة‭ ‬يصدران‭ ‬عن‭ ‬نفس‭ ‬الأرضيّة‭ ‬الفكريّة‭ ‬المذهبيّة‭ ‬والخلاف‭ ‬بينهما‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬التموقع‭ ‬السياسي‭ ‬لهذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬ضمن‭ ‬نفس‭ ‬السياق‭ ‬الفكري‭ ‬والمعرفي‭ ‬وتذكروا‭ ‬مليّا‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬دستور‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬لسنة‭ ‬2012‭ ‬جاء‭ ‬حاملا‭ ‬سعيها‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬الشريعة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نفّذه‭ ‬لهم‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬جوان‭ ‬2022‭ ‬في‭ ‬فصله‭ ‬الخامس‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الجمعيّات‭ ‬الدينيّة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬بؤرة‭ ‬القرضاوي‭ ‬التي‭ ‬أسّستها‭ ‬الحركة‭ ‬تجد‭ ‬الحماية‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬حكم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬مقاومة‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬استشرى‭ ‬طوال‭ ‬حكم‭ ‬النهضة‭. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬فتح‭ ‬ملفات‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتسفير‭ ‬والجهاز‭ ‬السري‭ ‬والأموال‭ ‬المشبوهة‭ ‬بجدية‭ ‬وبقيت‭ ‬تراوح‭ ‬مكانها‭. ‬والمستفاد‭ ‬ممّا‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬اليسار‭ ‬اليوم‭ ‬يتخبّط‭ ‬خبط‭ ‬عشواء‭ ‬ولم‭ ‬يتبيّن‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬الخط‭ ‬الوطني‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬تمثله‭ ‬لا‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬وتوابعها‭ ‬ولا‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬ومن‭ ‬سمّوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بالمفسرين‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الخط‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬اليوم‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬يرفض‭ ‬وجهي‭ ‬العملة‭ ‬الواحدة‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬والذي‭ ‬أثبت‭ ‬صدقه‭ ‬وثباته‭ ‬وصلابته‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الإخوانجية‭ ‬وعملائهم‭ ‬حيثما‭ ‬وجدوا‭.

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 24 جانفي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING