الشارع المغاربي – سُفراء الدول المستثمرة بتونس يصعّدون لهجة النقد للسلطة التونسية ويمهلونها فرصة أخيرة

سُفراء الدول المستثمرة بتونس يصعّدون لهجة النقد للسلطة التونسية ويمهلونها فرصة أخيرة

قسم الأخبار

7 مارس، 2021

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: اتسمت الاحداث خلال الاسبوع الفارط باجتماع رئيس الجمهورية بسفراء الاتحاد الاوروبي في تونس ولقاء رئيس الحكومة بسفراء الدول الصناعية السبع المعتمدين في البلاد وهما حدثان نادران جاءا في سياق طغى عليه ارتباك كبير سيما بعد توجيه وكالة التصنيف الائتماني “موديز” لتونس رسالة قوية باصدار تقرير يبدو في ظاهره فنيا ولكنه سياسي بامتياز، اذ انه وللمرة الاولى تتحدث هيئة ترقيم دولية عن عجز موصوف للساسة في تونس عن ارساء حوكمة اقتصادية واجتماعية ناجعة بما يعني صراحة اتهام السلط الحاكمة بالعجز وبانعدام الكفاءة.

في ذات السياق، وبعد اجتماعيْ رئيسي الدولة والحكومة بقناصل الدول الفاعلة في تونس سيما من النواحي السياسية والاقتصادية وخصوصا التشغيلية، وجه بدورهما كل من مجلس الغرف المشتركة للصناعة والتجارة المتكون من 14 دولة تستحوذ على الحصة الاهم في الاستثمارات والغرفة التونسية الفرنسية الاقتصادية رسالتين واضحتين في شكل بيانين مفادهما ان الوضع السياسي اصبح منفّرا للمستثمرين وان سقوط تونس في وضع ملتبس اقتصاديا وجبائيا لا يجب ان يستمر طويلا…

رسالة “موديز” السياسية

اتخذ تبرير تخفيض وكالة التصنيف الائتماني “موديز”، مساء الثلاثاء 23 فيفري الفارط، ترقيم اصدار العملة الاجنبية والعملة المحلية لتونس من بـ 2 الى بـ 3 مع الإبقاء على افاق سلبية منحى واضحا، اذ بينت الوكالة بشكل صريح ان الحط من التصنيف يرجع في الواقع وبالأساس الى ضعف الحوكمة بالبلاد في مواجهة تفاقم التحديات الاقتصادية وخاصة الاجتماعية، مما يحد من هامش مناورة السلط على مستوى قيامها بإصلاح الجباية والقطاع العام  بما من شأنه ان يضمن استقرار قدرتها على التصرف في الدين العام.

ويؤكد ربط خفض التصنيف الائتماني لتونس بسوء الحوكمة، أن الدوائر النافذة في مجالات السياسة والمال والاعمال باتت منزعجة من فشل او بالأحرى افشال التجربة التونسية بحكم تشديد احد اهم قنواتها الاتصالية وهي وكالة “موديز” على سوء التصرف الواضح في الشأن العام بالبلاد وهو ما يعني اشارة ضمنية لغياب الكفاءة وانعدامها لدى الحكام والساسة. وجاء اعلان الوكالة عن التخفيض وهو الثامن من نوعه منذ 2011 بعد خمسة اشهر من منح الثقة لحكومة المشیشي، وهي الحكومة العاشرة في العقد الاخير.

ويعتبر العديد من المراقبين ان كل هذه الحكومات التي وظفت 400 وزير وكاتب دولة تحملت اوزار السلطة لممارسة السلطة لا غير، وهوما يشكل ضربة قاتلة للتوازنات المالية والاقتصادية وبالتأكيد للقدرة على سداد الديون دون الخوض في غمار طريقة التصرف فيها.وتؤكد ابرز وكالات التصنيف على غرار “فيتش رايتينغ” و”ستاندرد آند بورز” هذا الامر بالنظر الى ان لها نفس الترقيمات لتونس تقريبا مع توقعات سلبية في اطار تركيزها الجلي في معظم تقاريرها سيما المفصلة منها على استمرار عدم الاستقرار السياسي بتونس بسبب الصراع المتواصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من ناحية والاعتماد المشط على المحاصصة الحزبية والعلاقات الشخصية في التعيينات بالمواقع الاقتصادية، من ناحية اخرى .

ويحيل هذا التخفيض وفق معايير وكالة “موديز” الى ان المرحلة القادمة قد تتسم بمزيد تخفيض الترقيم السيادي لتونس الى – ج أأ1-  اي ان البلد قد يصبح مصنفا في موقع عالي المخاطر بمعنى عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية. كما قامت الوكالة بالتخفيض في ترقيم سندات ديون البنك المركزي التونسي بالعملة الاجنبية المضمونة وغير المضمونة من الصنف -ب2- الى -ب3- مع الإبقاء على افاق سلبية باعتبار ان البنك المركزي هو مسؤول من الناحية القانونية على خلاص كافة الإصدارات الرقاعية للحكومة.

رد فعل القناصل

عقد رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم الثلاثاء 23 فيفري2021 بقصر قرطاج اجتماعا مع سفراء بلدان الاتحاد الأوروبي المعتمدين بتونس، يتقدمهم ماركوس كورنارو، السفير رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس. وتم خلال هذا اللقاء، حسب بلاغ للرئاسة، التباحث في عدة مسائل من بينها استراتيجية التعاون مع الاتحاد الأوروبي وعلاقات تونس الثنائية مع الدول الأعضاء في الاتحاد. كما تم تناول جملة من المواضيع ذات العلاقة بدور تونس في محيطها ودورها في إرساء علاقات متكافئة مع شركائها في الاتحاد الأوروبي.

من جانبه، اجتمع رئيس الحكومة هشام المشيشي، يوم الجمعة 26 فيفري 2021، بسفراء مجموعة الدول الصناعية السبع، وسفير الاتحاد الأوروبي بتونس، بحضور وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي وهو اجتماع نادر اذ يرجع اخر لقاء رسمي للسفراء برئيس الحكومة الاسبق يوسف الشاهد الى 11 ماي 2018 .

وقدم رئيس الحكومة، وفق بلاغ لرئاسة الحكومة، لمحة عن برنامج الإصلاح الاقتصادي والإصلاحات الهيكلية التي تنوي تونس القيام بها لتجاوز آثار الأزمة الاقتصادية في ظل انتشار فيروس كورونا. كما عبر السفراء عن اقتراحاتهم من أجل دفع مناخ الاستثمار في البلاد و تحسين ترقيمها السيادي، حسب البلاغ.

وأعرب السفراء عن اهتمامهم بأية مفاوضات مرتقبة لتونس مع صندوق النقد الدولي ومع البلدان المانحة، مجددين استعدادهم لدعم مجهودات تحسين الاقتصاد ودفع الاستثمار.

وتحيل كافة الافادات في هذا الاطار الى “اهتمام” كبار القناصل في تونس بالوضع الاقتصادي والمصالح المشتركة وتخوفهم من تضرر مصالحهم على وقع مناخ يطغى عليه الارتجال وسوء التصرف في السياسات العامة وهو ما اكده بلاغان صدرا، في ذات السياق، الاول عن مجلس الغرف المشتركة والثاني عن الغرفة الاقتصادية التونسية الفرنسية.

مصالحهم أصبحت مهددة: لعبة المصالح الكبرى

من جهة أخرى كشف تقرير للغرفة التونسية الفرنسية للتجارة والصناعة اصدرته، يوم الاثنين 22 فيفري 2021، استنادا الى نتائج مسح احصائي أجرته حديثا عن انخفاض مبيعات 57% من المؤسسات خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 15 فيفري 2021، بالإضافة الى ايقاف 75% من الشركات نشاطها خلال سنة 2020 والتخفيض من انتاجها، ولجوء 43% من الشركات الى تسريح عمالها، وذلك في ظل مخاوف من تداعيات الازمة السياسية في البلاد خلال الفترة القادمة، والتي توقع التقرير تفاقمها وتسببها المؤكد في مزيد تأزم مناخ الاعمال بالبلاد.

وشمل المسح 145 شركة تونسية- فرنسية (75 في الصناعة و70 في قطاع الخدمات)، بهدف الاطلاع على مخلفات الازمة متعددة الابعاد وانعكاساتها على هذه المؤسسات. وابرز المسح ان قادة الأعمال يبدون حذرا بشأن آفاق عام 2021 وانتعاش النشاط الاقتصادي، وعلى وجه الخصوص مواصلة الاستثمار بالبلاد، وقلقا من تواصل الازمة السياسية في البلاد الذين اكدت نتائج المسح انهم لا يخفون مخاوفهم من تردي الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

ومن حيث الاستثمار، شهد عام 2020 توقفًا حقيقيًا تحت تأثير كوفيد -19 ولكن أيضًا بسبب الوضع السياسي وتدهور مناخ الأعمال حسب التقرير، حيث لجأت 75 % من الشركات الى خفض استثماراتها وايقافها مؤقتًا مقابل 25 % قامت باستثمارات جديدة. ومع بداية سنة 2021، أبدى 38% من رجال الاعمال عزمهم مواصلة الاستثمار في البلاد في حين فضل 62% الانتظار والتريث الى حين ما ستؤول اليه الاوضاع الاقتصادية والسياسية بالبلاد.

في جانب اخر، وجه مجلس الغرف المشتركة المتكون من 14 غرفة تونسية واجنبية للصناعة والتجارة تستحوذ على %95 من الاستثمار الخارجي وتشغل مؤسسات منظوريها 360 الف تونسي، يوم الخميس25 فيفري 2021، دعوة عاجلة لإطلاق مخطط “شامل وطموح” لدفع الاستثمارات الوطنية والدولية القادرة على تحقيق نمو مستدام والمساهمة في احداث فرص عمل دائمة و”ادماج المناطق ذات الأولوية في ديناميكية التنمية الإقليمية” .

وأعرب المجلس، في بيان بعنوان “صيحة فزع شركاء تونس”، عن أسفه لحالة عدم الاستقرار السياسي التي تشكل في نظر اعضائه “عامل خطر وعقبة حقيقية” مؤكدا أن موقع تونس للأعمال بات اقل جاذبية وشدد في هذا الصدد، على وجوب اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين مناخ الاستثمار، خاصة عبر برنامج رقمنة الإجراءات الإدارية المرتبطة بالنشاط الاقتصادي (الاستثمار والتجارة الخارجية والتشغيل والتكوين المهني)، فضلا عن تثبيت الجباية المطبقة على الاستثمارات الأجنبية وتسريع إجراءات معالجة ملفات الاستثمار الجديدة أو الهادفة إلى التوسع ومراجعة مجلة الصرف.

وأعرب اصحاب المؤسسات، بدورهم، عن انشغالهم إزاء تدهور مناخ الاستثمار في البلاد، مشددين على أن “غياب أية رسالة واضحة من السلطات العمومية كفيلة باستعادة ثقة الفاعلين الاجانب المتواجدين في تونس، قد يؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي تواجهها البلاد” .وحذر المجلس من إمكانية فقدان تونس جزء كبير من استثماراتها الأجنبية، “بعد أكثر من عشر سنوات من الترقب وانعدام الاستقرار السياسي ووجود إطار مالي غير محفز للمبادرة والاستثمار علاوة على اضطراب دورة الإنتاج نتيجة الاحتجاجات الاجتماعية غير المؤطرة وغير المنظمة في اغلب الاحيان”.

ورأى المجلس أن حالة الترقب والقلق هذه تتجلى من خلال النزعة الكبيرة للشركات التي مازالت مترددة في اتخاذ قرارات بشأن التوسع في استثماراتها أو تنفيذ استثمارات جديدة مستقبلا.

المجلس التنفيذي لصندوق النقد والتقرير الحاسم

في ظل تأكيدات سفراء الاتحاد الاوروبي والدول الصناعية السبع والغرف المشتركة ان وضع مؤسساتهم بات مهددا في وجوده بسبب عدم الاستقرار السياسي وسوء التدابير الاقتصادية طيلة عشر سنوات متواصلة، اصدر مساء يوم الجمعة 26 فيفري 2021 المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي تقريرا حول تطور الاوضاع في تونس بموجب مقتضيات المادة الرابعة بين تسجيل عجز المالية العمومية ومستوى الدين العام ارتفاعا حادا في عام 2020 مع الاشارة الى ان التقديرات تبرز أن عجز المالية العمومية (باستثناء الهبات) بلغ 11,5% من إجمالي الناتج المحلي. وانخفضت الإيرادات نتيجة انخفاض الحصيلة الضريبية. كما أدى التوظيف الإضافي (40% منه تقريبا في قطاع الصحة، لأسباب من بينها مكافحة جائحة كوفيد-19) إلى رفع كتلة أجور القطاع العام إلى 17,6% من إجمالي الناتج المحلي، لتصبح ضمن أعلى الكتل في العالم. وعرفت كذلك النفقات العمومية ارتفاعا ملحوظا مقابل انخفاض نفقات الاستثمار ودعم الطاقة. ونتيجة لارتفاع عجز المالية العمومية والانكماش في إجمالي الناتج المحلي، تشير التقديرات إلى ارتفاع الدين العام المركزي إلى قرابة 87% من إجمالي الناتج المحلي.

واتفق المديرون التنفيذيون لصندوق النقد مع الخط العام لتقييم خبراء الصندوق على تفاقم أوجه الهشاشة الاجتماعية-الاقتصادية موضحين أن مخاطر التطورات السلبية تهيمن على الأوضاع وان ذلك يفرض ايلاء الأولوية العاجلة لإنقاذ الأرواح والأرزاق وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وذكّروا بأنه ينبغي للسياسة الاقتصادية أن تركّز كذلك على استعادة الاستدامة المالية وبقاء الدين في حدود يمكن الاستمرار في تحمّله، وتشجيع النمو الشامل.

وشدد المديرون على ضرورة تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للمؤسسات العمومية بغية تخفيض التزاماتها الاحتمالية. وحثوا السلطات على اعتماد خطة للحد من مخاطر هذه المؤسسات على المالية العمومية والنظام المالي، وتعزيز الحوكمة المؤسساتية، وتحسين إعداد التقارير المالية والشفافية.

ولعلها المرة الاولى التي تتطرق فيها اعلى هيئة تنفيذية في صندوق النقد الدولي لمعضلة سوء التصرف والحوكمة في تونس على مستوى عام بما يعني ان للمسألة السياسية اهمية خاصة على مستوى هذا التقييم.  ورغم تأكيد العديد من المتابعين للشأن الوطني على ان مجمل التقارير التي صدرت عن اهم الهيئات الفاعلة اقتصاديا في العالم في علاقة بمصالحها بتونس تحث على الاسراع بالإصلاحات المالية الهيكلية فإن الرسالة هي عكس ذلك بحكم ان لها طابعا سياسيا بامتياز فحواه انعدام سيطرة حكام تونس على الوضع بكل ما للمصطلح من معنى من ناحية ورغبة القوى الكبرى في الا ترى ليبيا ثانية في شمال افريقيا بما قد يعيد مناخ فوضى شاملة لمنطقة ذات حساسية وهشاشة كبيرتين.

نُشر بصحيفة “الشارع المغاربي” الصادرة يوم 2 مارس 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING