الشارع المغاربي: مرّ فوز جوهرة التيس في مؤتمر شباب النهضة وصعودها للمكتب التنفيذي للحركة مرور الكرام ، ولم يحظ هذا المؤتمر أو الندوة الشبابية الوطنية للحركة باهتمام المتابعين للشأن السياسي رغم ما يعكس الحدث ونتائجه من دلالات هامة حول الواقع الداخلي لأكثر حزب مهيكل في تونس.
انتُخبت جوهرة التيس عضو مجلس شورى النهضة والنائبة السابقة في المجلس الوطني التأسيسي ممثلة لشباب النهضة في المكتب التنفيذي يوم 18 مارس المنقضي بعد انتصار مريح أمام 3 منافسين لم يتمكنوا مجتمعين من تحصيل عدد الأصوات التي نالتها والمقدرة بـ 228 صوتا من مجموع أصوات 600 مُشارك في الندوة المذكورة.
ويُعد فوز التيس أول هزيمة لشقّ راشد الغنوشي في المعركة الداخلية التي تدور رحاها صلب الحركة منذ مؤتمرها العاشر، اذ تشير المعطيات المتوفرة إلى ان مرشح شق الغنوشي المدعوم من “الشيخ” رأسا، راشد الكحلاني تحصّل على 135 صوتا فيما تحصل محمد أمين السديري المسنود من الأمين العام للنهضة والوزير زياد العذاري (وهو أيضا من المحسوبين على شق الغنوشي) على 82 صوتا في حين اكتفى المتنافس الأخير بتجميع صوتين اثنين لا غير.
وجاءت مخرجات مؤتمر الشباب لتكشف هشاشة التغييرات التي يقودها الغنوشي منذ2014 والمعروفة إعلاميا “بالنهضة لايت” الهادفة لجرّ الحزب من مربع العقائدية الى المدنية ، ووضعت النتائج التي أفضت الى صعود راديكالية ممثلة للشباب في مكتب تنفيذي من جديد مسألة توسع دائرة الرافضين لخط رئيس الحركة الذي تقول الأرقام انه وراء خسارة الحزب أكثر من 300 ألف صوت منذ انتخابات 2014 وفق نتائج سبر اراء داخلية.
جوهرة التيس .. الراديكالية
لا ينظر الى فوز جوهر التيس بنفس المنظور، فالمجموعة المحسوبة على الغنوشي تبحث عن التقليل من وقع هزيمة مرشحيها عبر الادعاء بأن سن التيس ( من مواليد 1985) جعل الشباب يصوّت لفائدتها حتى لا تحرم من آخر فرصة لتمثيله باعتبار أن السن القصوى للترشح هي 35 سنة، فيما يحاول شق المناهضين للغنوشي توظيف الانتصار وتقديمه كدليل على تأثيرهم على مجريات الأمور صلب الحركة .
لكن الثابت ان لفوز التيس دلالات أبعد من ذلك بكثير، فجلّ شباب النهضة أو جيلها الثالث كما يلقّب نفسه من أبناء “مناضلي” الحزب، وممن يرفضون “انقلابه” على ثوابت التأسيس التي حالت دون ان تكون لهم حياة عادية وطفولة كبقية نظرائهم ، ومن يتابع مسار ابناء قيادات معروفة مثلا على غرار هشام العريض ابن علي العريض او أسامة بن سالم ابن المنصف بن سالم مثلا يتيقن أن جيل الابناء يحمل خطابا على يمين جيل الآباء وأن منهم من يوصف في الجامعات بالتطرّف.
وتمثل التيس صوت هذا الشباب، وهي التي عرفت في البرلمان بمساندة رابطات حماية الثورة، وهي من اعترفت صراحة بأن زوجها من بين المشاركين في المسيرة التي أفضت إلى مقتل المنسق العام لنداء تونس بتطاوين لطفي نقض الذي اعتبره الحزب وقتها أول اغتيال سياسي في تاريخ تونس الحديث وهي من طالبت أيضا بالاعتذار من الموقوفين واصفة إياهم بالأبطال الذين قادوا مسيرة لتطهير الادارة من الأزلام .
ويُتداول ان جوهرة التيس من بين الوجوه التي أبعدتها القيادة المركزية للنهضة إبان اعداد انتخابات 2014 التشريعية باعتبارها من الوجوه التي تمثل “صقور الحزب” وممن تلاحقها تصريحات راديكالية تشجع على “الاستئصال والعنف السياسي” والداعمة لخط “القطع مع الماضي“.
وممثلة الشباب عرفت في الساحات بالقصبة وباردو وهي تدافع عن “الشرعية” في صيف ساخن عاشته تونس عقب اغتيال النائب محمد البراهمي. وعكس الكثيرات ممن دخلت الحزب بعد “سنوات الجمر” تعد ابنة “غمراسن” من قدماء “النضال” صلب الحركة ، ومن الاصوات العالية في مختلف ندواته ، لم تأت بها صورة المرأة السافرة ولا التوازنات السياسية ولا ثقل القيادات على المستوى المركزي.
نجحت التيس في مؤتمر الشباب لانها تمثل جزءا هاما منه ، الشباب الذي ترفض قيادة النهضة الإقرار بأنه تمرّد على خطها وبأنه يتّبع سياسة “التذيل” ووأد الثورة كما يقولون عبر التحالف مع “التجمعيين” وراء هجرة عددا كبير منهم نحو الأحزاب “الثورية” على غرار حزب حراك تونس الارادة.
وفي موفى سنة 2015 ، كشف قيادي بارز لـ“الشارع المغاربي” وجود قطيعة بين مجموعة هامة من شباب الحركة وقياداتها ، وبانهم توجهوا نحو النشاط في الجمعيات بما في ذلك الجمعيات والتنظيمات المتطرفة نافيا بتحفظ انخراط عدد من شباب النهضة في تنظيم “داعش“.
خوف من المستقبل
نجح راشد الغنوشي في المؤتمر العاشر للحركة في فرض ما يسميه مقربون منه بـ “أجندة التجديد” الرامية وفق تقديراتهم الى اخراج الحركة من جلباب التنظيم وتحويلها الى حزب “حكم” له مشروعية شعبية تُمكنه من الاستمرار في التأثير السياسي وفي انهاء أية مساع لعزله في الداخل عبر التمسك بسياسة “التوافق” والتشارك” وفي فرض القبول في الخارج عبر الترويج لمنظومة” الاسلام الديمقراطي” .
وعرف الغنوشي كيف ينتصر في معاركه الداخلية بفضل تحكمه في ” الخزنة” المصدر الأساسي للسلطة كما يقول الشق المناهض له ، وبفضل تمكنه من مفاصل الحركة التي يتحكم فيها بمجموعة من الموالين المعينين في جل المناصب القيادية وصلب المكتب التنفيذي والسياسي بعد نجاحه في إبعاد خصومه وخاصة الجيل الخمسيني.
كل هذا جعل الشق المناهض للغنوشي أو “المعارضة” تنهمك في الإعداد لفترة ما بعد الغنوشي التي تنتهي منطقيا وفقا لما ذهبوا اليه بانتهاء عهدته الحالية على رأس الحركة وفقا لقانونها الداخلي، وأصبح التمايز عن سياسة “الشيخ” وانتقاده وحتى مهاجمته محور إستراتيجية هذا الشق الذي جمّع حوله الغاضبين على رئيس الحركة في انتظار اختيار زعيمه.
لذلك يسعى هذا الشق الى توظيف انتصار جوهرة التيس ، واستثماره داخل الحركة وتقديمه كمنطلق لإدارة معركة الخلافة، التي يرون ان الفائز فيها سيكون الاقرب الى القيادات الوسطى ولشباب الحزب الذي سيصطف، وفق تقديراتهم، في صف المعارضين للغنوشي.
وان كانت هذه المجموعة ترى ان مستقبل الحزب يمُر عبر رفض تعديل القانون الداخلي للحركة الذي يفرض على الغنوشي مغادرة المنصب في المؤتمر القادم، فإن طيفا واسعا يرى ان استقرار الحركة لن يكون ممكنا الا باستمرار الغنوشي على رأس الحزب ، وانه الوحيد القادر على احتواء اختلافاته وعلى حسن استغلال علاقته الخارجية الواسعة.
حرب باردة في النهضة بين مشروعين متناقضين، مشروع “الثوابت” ومشروع “التجديد “، وكل شق يبحث عن الاستفادة من أخطاء الآخر وعن توسيع دائرة مسانديه، والشباب الذي يقال إن دوره ليس محدد في ماكينة الحركة نجح في فرض مرشح يمثله ويمثل مواقفه… أما الغنوشي فهو محافظ على استراتيجية “الاحتواء” وتحويل الهزائم الى انتصارات وآخرها تزكيته ممثلة الشباب لعضوية في المكتب التنفيذي.