الشارع المغاربي – شجّعت على انتهاك القانون: الصمت الانتخابي المغشوش لهيئة الانتخابات!

شجّعت على انتهاك القانون: الصمت الانتخابي المغشوش لهيئة الانتخابات!

14 سبتمبر، 2019

الشارع المغاربي – معز زيّود : انطلقت، في تمام الساعة صفر من اليوم السبت 14 سبتمبر 2019، فترة الصمت الانتخابي التي “تُحجَّر خلالها جميع أشكال الدعاية” وفق القانون الانتخابي. ومع ذلك اكتشف التونسيّون أنّ “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” قد أوقعتهم في ورطة انتهاك القانون الذي يُشرّع وجودها. فقد أقرّت انطلاق حملة الانتخابات التشريعيّة تزامنا مع يومَي الصمت الانتخابي الخاصين بالانتخابات الرئاسيّة، ومهّدت بذلك كلّ الظروف لارتكاب المخالفات والتجاوزات الدعائيّة الخطيرة والجرائم ذات الصلة…

من المعلوم أنّ وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قد ألزمت هيئة الانتخابات بتغيير المواعيد الانتخابيّة عبر تقديم موعد الانتخابات الرئاسيّة إلى 15 سبتمبر، دون المسّ بالمواعيد المرتبطة بالانتخابات التشريعيّة المنتظر إجراؤها يوم 6 أكتوبر المقبل. وقد احترم الجميع ممارسة الهيئة لقراراتها السياديّة، لاسيّما أنّ الأغلبيّة لم تتفطّن لوجود خطأ كارثي ارتكبته هيئة نبيل بفون من شأنه أن يمسّ بمبادئ الحياد والشفافيّة والنزاهة التي يُفترض أن تسود الانتخابات بشقّيها وفي كلّ مراحلها…

والجدير بالذكر أنّ “فترة الصمت: هي المدة التي تضمّ يوم الصمت الانتخابي ويوم الاقتراع إلى حد غلق آخر مكتب اقتراع بالدائرة الانتخابية”، وفق ما جاء في الفصل الثالث من القانون الأساسي عـ16ـدد لسنة 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء والمنقح والمتتم في القانون الأساسي عـ7ـدد7 لسنة 2017. كما “تُحجَّرُ جميع أشكال الدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي”، حسب منطوق الفصل 69 من القانون ذاته.

ولا ريب أنّ تزامن انطلاق حملة الانتخابات التشريعيّة قبل يوم من الاقتراع العام الخاص بالانتخابات الرئاسيّة يجعل فترة الصمت الانتخابي بلا معنى، بل ومفرغة من أيّ موضوعيّة وشفافيّة ومعقوليّة أصلا. فقد سمح خطأ هيئة الانتخابات للمرشحين وأحزابهم ولجانهم الانتخابيّة ووسائل الإعلام التي تدعمهم علنا أو من وراء الستار بالبحث عن كلّ سبل المخادعة لمواصلة الحملات الدعائيّة لمرشّحيهم، تحت يافطة حملة الانتخابات التشريعيّة.

فلا يمكن على سبيل المثال منع أيّ حزب من ذكر اسم مرشّحه الرئاسي بصفته رئيس الحزب أو قياديّ فيه، من خلال إبراز دوره في التنظيم السياسي المذكور. وهذا على خلاف الخطاب الديماغوجي التبريري الذي تحاول الهيئة تسويقه اليوم وفي السويعات الأخيرة قبل اقتراع يوم الأحد بهدف التنصّل من مسؤوليّتها في خورٍ انتخابي هي المتسبّب الأوّل والوحيد فيه.
في هذا السياق التبريري، كان فاروق بوعسكر نائب رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات قد أكّد أنّ “الهيئة اتخذت عدّة إجراءات ترتيبيّة لمنع حصول تجاوزات وخروقات للصمت الانتخابي”، مردّدا أنّ هذه الإجراءات “تتمثّل أساسا في منع كلّ أنشطة الدعاية الانتخابية من اجتماعات ومواكب الاستعراضات وتجمهرات في محيط مراكز الاقتراع وبالقرب منها”، وأنّه سيتمّ بالمناسبة “منع تضمين المعلقات الانتخابية للتشريعية والمطويات أسماء وصور المترشحين للرئاسية حتى وإن كانوا مسؤولين بالأحزاب المترشحة للتشريعية”. كما ذكر أنّه تمّ التنسيق مع الضابطة العدليّة من شرطة وحرس والنيابة العمومية للتصدّي لكلّ خرق للصمت الانتخابي للانتخابات الرئاسيّة ولمنع كل اقتراب من مراكز الاقتراع ومراجعة النيابة العموميّة عند الاقتضاء في صورة التلبّس بجريمة انتخابية خاصّة إذا تعلّقت بخرق الصمت الانتخابي”.

وبتأمّل هذه الإجراءات التي يزعم بوعسكر أنّها كفيلة بمنع انتهاك الصمت الانتخابي، يظهر بوضوح أنّها مجرّد ذرّ للرماد على العيون من أجل التغطية على الخطأ الجسيم الذي ارتكبته هيئة بفون. ففي حال التزمت الأحزاب واللجان الانتخابيّة بعدم إبراز صور مرشحيها للانتخابات الرئاسيّة وبرامجهم ذات الصلة، فهل بإمكانها منع هؤلاء المرشحين من الحضور لحما ودما لتلك المواكب والاجتماعات العامّة المخصّصة لحملة الانتخابات التشريعيّة؟!. وهل يمكن أيضا مراقبة ألسنة مسؤولي الأحزاب وسائر القائمات الانتخابيّة المرشحة حين تصدح عبر مضخّمات الصوت عن إنجازاتها الحزبيّة في ظلّ “القيادة الحكيمة” لمرشّحها دون ذكر صفته هذه؟!. وهل من الممكن كذلك منع وسائل الإعلام من تناول برامج الأحزاب الخاصة بالانتخابات التشريعيّة والتلميح ضمنها لمرشحيها للانتخابات الرئاسيّة بشتّى الطرق والوسائل والخدع التي يتلقاها الناخبون بمنتهى السهولة دون أن تُتيح الفرصة لمحاسبتها قانونيًا؟!.
والمثير للدهشة أنّ هيئة الانتخابات بتفطّنها لخطئها الجسيم قد نزعت إلى اعتماد نهج التخويف لجموع المتأهّبين لخرق فترة الصمت الانتخابي، ممّا يبدو بمثابة حيلة بسيطة لا يمكن أن تنطلي على مُحرّكي الماكينات الانتخابيّة. فقد أعلن بوعسكر عن قيام الهيئة بالتنسيق مع الضابطة العدليّة من شرطة وحرس والنيابة العمومية للتصدّي لكلّ خرق للصمت الانتخابي. وهو إجراء ضروري وسليم في حال تفادت الهيئة خطأها قبل فوات الأوان.

والواضح أنّ “عسكرة” الأجواء الانتخابيّة التي تحدّث عنها بوعسكر لا تُجدي نفعا، بل تبدو أصلا بمثابة توريطٍ للضابطة العدليّة في تأويل لا سند قانوني له من خلال إعطائها صلاحيّة تمييز ما هو حملة للانتخابات التشريعيّة عمّا هو دعاية للانتخابات الرئاسيّة. كما أنّه ليس من صلاحيات هيئة بفون، بأيّ حال من الأحوال، أن تحتكر الحقّ في تأويل تشريعي، عبر النزوع إلى تمطيط القانون الأساسي ذي الصلة.

ولا يخفى أنّ هيئة الانتخابات كانت، في هذا المضمار بالذات، قد تغاضت عن دمج حملتي الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة. ويكفي لاكتشاف ذلك، النظر مثلا إلى الشعار الرسمي للمرشح السجين نبيل القروي الذي اختار عبارة “في قلب تونس”. هو إن لم يُضف إلّا حرفا واحدا لاسم حزبه فإنّه قد أطلق بذلك حملة الانتخابات التشريعيّة لحزبه في أوّل يوم لحملته الرئاسيّة.

وما يبدو واضحا إذن أنّه لا توجد ثغرة قانونيّة في التشريع السائد بخصوص فترة الصمت الانتخابي، غير أنّ الثغرة الحقيقيّة الوحيدة استنبطتها هيئة الانتخابات من خلال ارتكابها خطأ جسيم جعل الصمت الانتخابي مغشوشا، والحال أنّ تاريخ الانتخابات التشريعيّة لم يكن مقدّسًا وكان بالإمكان قبول قرارات الهيئة في أوانها…

ومن ثمّة، ينكشف اليوم كيف تجنّب رئيس الهيئة نبيل بفون استخدام السلطة التقديريّة المتاحة له حيال أزمة غير مسبوقة شوّهت المسار الديمقراطي وتُبشّر بمرحلة عاصفة. ولا غرابة في أنّه قد نزع إلى ممارسة سياسة النعامة وأسهم في صبّ الزيت على النار من أجل أن يأمن من شرّ التداعيات المحتملة لنتائج الانتخابات!…

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING