الشارع المغاربي – شعاره1‭ ‬pour tous et tous pour 1‭ ‬: كيف وظّفت أمريكا "الناتو" لمصالحها؟

شعاره1‭ ‬pour tous et tous pour 1‭ ‬: كيف وظّفت أمريكا “الناتو” لمصالحها؟

قسم الأخبار

18 يونيو، 2022

الشارع المغاربي-الحبيب القيزاني: “الناتو بات يمثّل تهديدا واضحا لبلدنا ولحدودنا.. الغرب كان يحضّر لغزو بلدنا وفي كييف كانوا يقولون إنهم قد يحصلون على أسلحة نووية وبدأ الناتو في استكشاف الأراضي القريبة منّا وأصبح تهديدا واضحا لبلدنا ولحدودنا… كان كل شيء يشير الى أن هناك حاجة للقتال… لقد حثّ بلدنا أوروبا على التوصل إلى تسوية عادلة لكنهم لا يريدون الاستماع الى مطالبنا ولذلك أمرت ببدء هجوم داخل أوكرانيا في فيفري الماضي..”

بهذه الكلمات توجه الرئيس الروسي بوتين الى شعبه في خطاب عيد النصر على النازيين متهما الحلف الأطلسي بإضمار نوايا عدوانية ضد بلاده راسما خطا أحمر أمام محاولة التفكير في مغامرة مماثلة.

ولكن ما هو الحلف الأطلسي أو “الناتو” بتعبير أمريكا صاحبة فكرة تأسيسه؟ ولماذا تأسس؟ والأهمّ هل احترم بنود معاهدة انشائه أم حاد عنها؟ هل التزم بضوابط شعاره 1‭ ‬pour tous et tous pour 1‭ ‬ أم أصبح في خدمة أهداف جغراستراتيجية لعضو واحد منه تتهمه روسيا ومن ورائها الصين بالزحف نحو حدودها ومحاصرتها لاستدراجها في حروب جانبية تخوضها دوله نيابة عن العضو الواحد الأحد؟

قراءة في تاريخ الناتو ومسيرته المطبوعة بتدخلات عسكرية دمرت دولا مثل يوغسلافيا والعراق وليبيا وسوريا كان ذنبها الوحيد معارضة سياسة أمركة العالم مثلما قالت الفيلسوفة الفرنسية الراحلة Simon Gui.

توسع “الناتو” واقترابه من حدود روسيا

يكشف مسار الحرب العالمية الثانية أن الولايات المتحدة الامريكية التي هبّت – في الربع ساعة الأخير من الحرب – لنجدة أوروبا وتحريرها من قوات ألمانيا، أغفلت مدّ روسيا بقوات أمريكية رغم علمها بتفوّق قوات هتلر الساحق. وقد انتهج آنذاك ستالين تكتيك الانسحاب واحراق المزارع وتدمير المعامل والجسور والبنى التحتية لمنع استغلالها من طرف القوات الألمانية وكانت خطته توريط قوات هتلر في مستنقع شاسع لعبت الثلوج في أشهر الشتاء دورا هاما في تعطيل زحفها وقطع امداداتها قبل الهجوم الروسي المعاكس الذي لم يتوقف إلا في برلين.

خسرت روسيا في الحرب العالمية الثانية ما بين 22 و27 مليون قتيل بين عسكريين ومدنيين مقابل 418 ألف أمريكي سقطوا في ساحات أوروبا الغربية. بعد انتهاء الحرب مباشرة شكلت أمريكا الحلف الأطلسي وردّت عليها موسكو بإنشاء حلف فرصوفيا. ورويدا رويدا اتضح أن “الناتو” لا يحترم سيادة الدول بما فيها تلك التابعة له من أجل إزاحة أية حكومة تبني علاقات طبيعية مع موسكو خاصة أيام ما يسمى بالحرب الباردة بين القوتين العظميين الشيء الذي حدا بمجموعة دول عدم الانحياز للتنديد بذلك في مؤتمر باندونغ عام 1955 خاصة في ظلّ انتهاج الاتحاد السوفياتي نفس السياسة عبر تبنّي “عقيدة بريجنيف” وفرضها على حكومات دول حلف فرصوفيا.

بسقوط جدار برلين عام 1989، عبّر الألمان عن رغبتهم في استعادة وحدتهم. كان معنى ذلك توسع الحلف إلى أراضي المانيا الشرقية التي كانت سياسيا وعسكريا تابعة لحلف فرصوفيا. وقد عارضت موسكو في البداية ذلك لكن غورباتشوف قبل في النهاية مقابل وعد أمريكي بعدم سعي الناتو الى مزيد التوسع شرقا.

ساند الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران والمستشار الألماني هيلمت كول ووزير خارجيته هانس ديترتش غنشر الموقف الروسي فيما كرّر الرئيس الأمريكي جورج بوش الاب ووزير خارجيته جيمس بيكر التزام بلادهما بذلك. لكن ما إن تم حلّ منظومة الاتحاد السوفياتي حتى انضمت 3 دول محايدة للاتحاد الأوروبي هي النمسا وفنلندا والسويد. وما يجب معرفته هو أن الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي يمثلان كيانا واحدا. الأول مدني والثاني عسكري ومقرّاهما في العاصمة البلجيكية بروكسال. وحسب التعديل الذي أدخل على معاهدة الاتحاد الأوروبي فإن الحلف الأطلسي هو الذي يتولّى حماية دول الاتحاد سواء كانت أعضاء بالناتو أم لا ومعنى ذلك أن النمسا وفنلندا والسويد لا تعد دولا محايدة.

وفي عام 1993 أعلن مجلس أوروبا بكوبنهاغن أنه بإمكان دول أوروبا الوسطى الانخراط في الاتحاد الأوروبي وتبع ذلك انضمام عدة دول كانت تابعة لحلف فرصوفيا الى الناتو الشيء الذي لم يمرّ دون اثارة امتعاض موسكو التي لم تجد اذانا صاغية لتحفّظاتها.

في عام 1999 أخلّ الأمريكان مجددا بتعهداتهم وشهد العالم انضمام جمهورية التشيك ودولتي المجر وبولونيا للحلف الأطلسي تبعتها في 2004 كل من بلغاريا واستونيا وليتوانيا ولاتونيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا ثم ألبانيا وكرواتيا في عام 2009 فجمهورية الجبل الأسود عام 2017 انتهاء بمقدونيا الشمالية عام 2020 فيما راجت أنباء من باب بالونات الاختبار حول وجود نوايا لانضمام جورجيا وأوكرانيا للحلف تلاها تقديم السويد وفنلندا مؤخرا مطلبين للانضمام إليه.

حاول الكرملين منذ مجيء بوتين الى دفة السلطة لفت انتباه واشنطن الى ضرورة احترام بنود ميثاق الأمم المتحدة.

ونصّ اقتراح روسي عرضته موسكو يوم 17 ديسمبر 2021 على امضاء معاهدة ثنائية بين البلدين للمحافظة على السلم في العالم وطلب الروس أن “يحرص الجانبان على أن يسهر الطرفان على تكريس كل المنظمات العالمية والأحلاف العسكرية التي تضم على الأقلّ أحد الطرفين مبادئ ميثاق الأمم المتحدة”. وهذا يعني واقعيا أمام التجاوزات التي ارتكبتها دوله بالخصوص في العراق وليبيا وسوريا تغيير سياسة الحلف الأطلسي أو حلّه مثلما تم حلّ حلف فوصوفيا.

الأكثر من ذلك نص الاقتراح الروسي على منع انتماء الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي الى الناتو ممّا يفرض مغادرة استونيا وليتونيا وليتوانيا إياه وعدم انخراط أوكرانيا وجورجيا فيه.

كما ينص الاقتراح الروسي على عدم نشر أية من الدولتين أسلحة نووية خارج حدودهما ومعنى ذلك سحب القنابل النووية الأمريكية المخزّنة خارج التراب الأمريكي مثلما هو الشأن بالنسبة لألمانيا وإيطاليا في خرق واضح لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الموقعة عام 1968.

المشكلة اليوم أن الولايات المتحدة باتت تتصرّف خارج ميثاق الأمم المتحدة وتلوّح بفرض عقوبات لا على الدول المناهضة لها فحسب وإنّما حتى على دول الحلف الأطلسي.

مسار الحلف الأطلسي 1‭ ‬pour tous ou tous pour 1‭ ?‬

اثبتت الاعتداءات التي تعرضت لها عدة دول نامية وخصوصا منها العربية أن الحلف الأطلسي بات ذراعا طيّعة في خدمة أجندات وأهداف واشنطن الجغراستراتيجية.

وليس أدلّ على ذلك من انكشاف الدور الأمريكي في الدفع بالأزمة الروسية-الأوكرانية الى مرحلة مواجهة عسكرية لم يتردّد بوتين في خوضها والتلويح بلجوء بلاده الى السلاح النووي في صورة حدوث أي تدخل أجنبي ميداني لمؤازرة أوكرانيا.

بوتين قال يوم 9 ماي الماضي بمناسبة احتفال بلاده بعيد النصر على قوات المانيا النازية ان الناتو “بات يمثل تهديدا واضحا لبلدنا ولحدودنا” وانه لذلك اطلق عملية الغزو متهما الغرب بأنه كان يحضّر لغزو بلاده. وأضاف بوتين “في كييف كانوا يقولون انهم قد يحصلون على أسلحة نووية وبدأ الناتو في استكشاف الأراضي القريبة منّا وأصبح ذلك تهديدا واضحا لنا… كان كل شيء يسير نحو الحاجة للقتال”.

لقد كان شعار الحلف لدى تأسيسه : Tous pour 1 et 1 pour tous وكان معنى الشعار أن تواجه كل الدول الأوروبية كرجل واحد أي معتد على أية دولة من دول الحلف وألاّ تدخر أية دولة جهدا في الدفاع عن كل دول الحلف إذا لزم الأمر.

لكن في ظل تفوق أمريكا العسكري الهائل باتت أساطيلها البحرية حاضرة في كل محيطات العالم عبر ترسانة من حاملات الطائرات والغواصات الى جانب قواعد عسكرية تحتضن مئات الطائرات من مختلف الأنواع دون ذكر الدبابات والصواريخ والقنابل النووية. وباسم توفير “مظلة نووية” لحمايتها من “الجيش الأحمر” حوّلت أمريكا أوروبا رويدا رويدا الى شبه محمية تخضع حكوماتها لطلباتها وشروطها وأحيانا لـ “دكتاتوريتها” لا في المجالين الاقتصادي والسياسي فحسب وإنما أيضا في المجال العسكري عبر جرّ دول الناتو الى حروب تقررها هي وتكون غنيمتها لها وحدها – وهكذا لم يبق من شعار الحلف الأطلسي إلاّ نصفه الأول Tous pour 1 ولكن بمفهوم آخر : فعوض تجند الجميع للدفاع عن احدى دوله، أصبحت كل دوله مجندة للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة حتى لو وضع ذلك العالم على شفا حرب نووية شاملة.

سبق لأوروبا مباشرة اثر نهاية الحرب العالمية الثانية أن نهلت الكثير من القروض الامريكية عبر “مخطط مارشال” لإعادة بنائها قبل أن تستفيق بعد عقود على أن المخطط كان لتكبيل نظامها الاقتصادي واخضاعه لسطوة دولار كان الرئيس الفرنسي شارل ديغول أوّل من نبّه الى أن أوراقه تطبع بالآلاف بلا أية تغطية ذهبية مثلما ينص على ذلك نظام النقد العالمي… وطلب ديغول من واشنطن الكشف عن مخزونها من الذهب لكنها رفضت فكان أن سحب بلاده من الحلف الأطلسي قبل أن تدبّر له أمريكا ما يسمى بـ “أحداث ماي 1968” ليغادر الرجل السلطة.

اليوم وأوكرانيا تحارب نيابة عن أمريكا بدأت الأصوات ترتفع في الدول الأوروبية محذّرة حكوماتها من تداعيات الانقياد وراء إرادة واشنطن على بلدانها مذكّرة بسوابق عديدة خذلت فيها الإدارات الامريكية بلدان أوروبا خصوصا على مستوى المنافسة التجارية الحادة بين الطرفين ومناورات واشنطن الخفية لاستحواذ شركاتها على معظم صفقاتها لعل آخرها كانت صفقة “ايكوس” التي حرمت فرنسا من بيع 12 غواصة متطورة لأستراليا.

ولم تستبعد أصوات أخرى أن يكون هدف الولايات المتحدة ضرب اقتصاد المجموعة الأوروبية للتخلص من منافس كبير عبر فرض قطع تصدير الغاز والنفط الروسيين لتعطيل عملية نموّ بلدان القارة لفائدة انتعاش الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من ركود نتيجة منافسة صينية شرسة.

ولعلّ تصريح جيل كيبال المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بتونس يوم 12 أفريل الماضي بأن الاتحاد الأوروبي لم يعد يثق في الولايات المتحدة للدفاع عنه واشارته الى أن استقلالية الاتحاد أضحت مطروحة اليوم بشدة” خير دليل على الإحساس السائد لدى شريحة واسعة من السياسيين والمفكرين الأوروبيين اليوم إزاء أمريكا.

الثابت اليوم ان الدول الأطلسية الأوروبية وجدت نفسها في ضوء المواجهة غير المباشرة مع روسيا بين المطرقة والسندان : مطرقة نفوذ وتغوّل أمريكي لا يعترف إلاّ بسيادة بلاده المطلقة على العالم وسندان شبح حرب نووية لا تبقي ولا تذر لوّح بها بوتين الذي سبق له أن قال منذ 3 سنوات : “ان لم يكن لروسيا مكان في هذا العالم فلا حاجة لنا به”.

ألم تقل الفيلسوفة الفرنسية  Simon Gui صاحبة كتاب “الجاذبية والدلال” : “اننا نعلم أن أمركة العالم أو أوروبا بعد الحرب (العالمية الثانية) ستصبح خطرا عظيما، ونعلم أيضا مدى ما سنخسر لو تمّ ذلك، لأن أمركة أوروبا سوف تمهّد دون شك لأمركة العالم بأسره، وحينئذ ستفقد الإنسانية جمعاء ماضيها”.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 14 جوان 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING