الشارع المغاربي – كوثر زنطور : وجد حزب حركة تحيا تونس نفسه سريعا في مواجهة تناقضاته المتعددة وفي مواجهة محدودية وغرور جزء من قياداته التي بحثت عن استعراض للعضلات في قاعة رادس بمؤتمر حاشد يقدم خلاله رئيس الحكومة كلمة فاصطدمت بفشل تعبوي وبخروج “عورات” الحزب للعلن ومنها معركة لفرض عضوية احد المتهمين سابقا في حرب الشاهد على الفساد بأعلى هرم قيادي صلب الحزب.
يستأنف يوم غد الاربعاء غرة ماي حزب حركة تحيا تونس اشغال مؤتمره بعد ان اعلن يوم الاحد عن تأجيله لأسباب قال انها تتعلق بالأحداث الاليمة التي جدت بمنطقة السبالة التابعة لولاية سيدي بوزيد واسفرت عن مقتل 12 شخصا ، تعلة لم تنطل على متابعي الشأن السياسي ليس فقط بالنظر الى توقيت الاعلان عن التأجيل الذي جاء قبيل نصف ساعة من موعد انطلاق اختتام المؤتمر بل بالنظر ايضا الى كم التدوينات المتناثرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي كشفت بشكل جلي عن صراعات حادة على المواقع تشق اركان الحزب الوليد .
وسقط قناع الحرب على الفساد
في اجتماع 27 جانفي 2019 الحاشد بولاية المنستير ، الذي شكل الانطلاقة الرسمية للحزب ، قُدم يوسف الشاهد رئيس الحكومة في فيديوهات بثت بشكل متواصل طيلة الاجتماع ، وتمحورت حول مسار الرجل في القصبة ورحلة المتاعب التي بدأت وفق الفيديوهات مع اعلانه الحرب على الفساد.
شكل ملف “الحرب على الفساد” اهم الشعارات التي راهن عليها الحزب ، ومنذ أيام قليلة قال الشاهد في كلمة على القناة الوطنية الاولى إن ما قام به هو في الحرب على الفساد لم تشهده تونس طيلة 60 سنة ، وانه سيواصل الحرب عكس كثيرين الذين ” خافوا ايمسّو السيستام ويضربهم الضو”.
يوم 28 أفريل 2019، تم تداول اسم “مبروك الخشناوي” بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي ، بتوصيفات متعددة منها “المناضل الدستوري” و”النائب السابق في البرلمان عندما كانت للبرلمان هيبته” وفُهم من تدوينات قيادات من تحيا تونس ان مجموعات تحشد لمناصرة تجمعيين يتعرضون لـ”حملة استئصالية” ، بل وتجاوزت المساندة قيادات تحيا تونس لتشمل تجمعيين من خارجه .
لكن في خضم هذه المعركة التي حملت عبر مواقع التواصل الاجتماعي عنوان ” لا لإقصاء التجمعيين” ، تناسى كثيرون ان السيد الخشناوي المهدد بالإقصاء هو من بين رجال الاعمال الذين أُعلنت مصادرة أملاكهم في اطار الحرب على الفساد ، وأنه شريك للطرابلسية ويواجه قضايا مع جليلة الطرابلسي .
وجاء الاعلان عن مصادرة ممتلكات الخشناوي يوم 30 جوان 2017 بعد شهر ونصف من اطلاق ما سمى بالحرب على الفساد بإيقاف رجل الاعمال شفيق جراية ، واعلن رئيس لجنة المصادرة وقتها منير الفرشيشي انها شملت كلا من الحبيب حواس وصلاح الدين الشملي وعبد الحميد الشملي وشكري البربري ومبروك الخشناوي ومنير بن راشد .
وقال الفرشيشي وقتها ان قرار لجنة المصادرة على اثر جلستين يومي 6 و15 جوان 2017 أكد انهما كشفتا ثبوت ادلة على علاقات مصلحة بين رجال الاعمال والتجار وعون ديوانة واشخاص اخرين سبق ان تمت مصادرة ممتلكاتهم، وأن الابحاث والاعترافات ومحاضر الجلسات مكنت من استيفاء شروط المصادرة.
وخلال جلسات “مفاهمات” عقدت بالحزب رفض عدد من قيادات تحيا تونس ان تكون للخشناوي عضوية بالمجلس الوطني للحزب ، بل ووصف بشفيق جراية جديد داعين الى ابعاده عن الواجهة لتجنب أية انتقادات ، طلب رُفض بقوة ووجد الخشناوي دعما لافتا من بين جملة من “رفاقه” في تحيا تونس وخاصة المجموعة التجمعية ورفضا من قبل شق يتزعمه مصطفى بن احمد .
وفات بن احمد وهو يتمسك برفض عضوية الخشناوي ان الاخير موجود في الحزب منذ تأسيسه وان المواقف المبدئية تقدم من الاول ، وانه وجد نفسه فاقدا للعضوية باعتباره لم يرفض انخراطه في الحزب ، والاهم من المعركة الحالية حول الخشناوي هو رمزيتها ، اذا انه من بين “ضحايا” حرب الشاهد على الفساد والسؤال الجوهري الذي ينتظر اجابة من قبل قيادة الحزب هو كيف تم استقطابه و”ثمن” هذا الاستقطاب ان كان اسقاط لقرار المصادرة مثلا ؟ ، ام انه تبين ، حتى لا نكون متحاملين على قائد الحرب على الفساد ، وجود خلل في الاجراءات وان الخشناوي المتهم بالحصول على امتيازات في عهد بن علي بفضل شراكته مع جليلة الطرابلسية ، نظيف اليدين ولا علاقة له بالفساد والفاسدين.
وقد يكون الخشناوي في الاخير شجرة تخفي الغابة ، فلولا رفض بن احمد ومجموعة اخرى حصوله على عضوية في اعلى هرم قيادي بالحزب لما عرف انه موجود اصلا ضمن قياداته ، ونشير هنا الى أنه في صورة نهاية المعركة الحالية بفوز الخشناوي بمقعد في المجلس الوطني لتحيا تونس فإن رئيس الحكومة يوسف الشاهد سيصبح رئيسا للحزب بفضل صوت احد رجال الاعمال الذين اتهمه في وقت سابق بالفساد.
ونذكّر بأنه سبق لعدد من السياسيين على غرار سامية عبو ان اتهمت الشاهد بتأسيس حزب بالترهيب والترغيب وانه تم ابتزاز رجال اعمال تحت غطاء الحرب على الفساد لجمع تمويلات الحملة الانتخابية المقبلة ، اتهامات فندها الشاهد في وقت لاحق ووصفها بالاشاعات بل ودعا لمبادرة ، لم تر النور حتى الان ، لارساء ميثاق الاخلاق السياسية .
فشل التعبئة
كشف مؤتمر تحيا تونس الوجه القبيح للحزب ، لاسيما صراع المواقع الذي يشق صفوفه وغياب الانسجام بين مكوناته التي انطلقت في تكتيكات اضعاف بعضها البعض ، كما كشف محدودية “الوافدين الجدد” لعالم الممارسة الحزبية ، من ذلك الفشل الذريع في تنظيم اختتام المؤتمر خاصة في الجانب التعبوي .
مصادر من الحركة أكدت لـ “الشارع المغاربي” ان الوزير السابق المهدي بن غربية هو من كُلف بمهمة التنظيم وان اللجنة التي ترأسها تضم 7 قيادات اخرين ، وان تمكسهم بمركزة “التنظيم” ورفضهم تشريك الجهات في المهمة وراء فشل يوم الاحد الذي كان سيكون ضربة قاضية للحزب وأنه فضل مجابهة ذلك بقرار التأجيل الذي كان أيضا محل خلاف ورفض من قبل البعض .
تغيرت المعطيات ، تضيف المصادر ، من يوم الاحد الى الموعد الجديد لاختتام المؤتمر ويبدو انه تم الالتجاء لاجهزة الدولة وتكليف الولاة والمعتمدين بالحشد للنجاح في مهمة التعبئة ليوم غد الاربعاء غرة ماي مثلما ذكر البعض من ذلك الناشط السياسي التجمعي أسامة محمد الذي كان ايضا مستشارا لدى الوزيرة السابقة سميرة فريعة.
وتحول المؤتمر من موعد فارق لتثبيت قوة الحزب كرقم صعب في المعادلة السياسية يهابه الجميع مثلما تبجح بذلك امينه العام سليم العزابي ، إلى ملف وجب غلقه قبل حلول شهر رمضان ، والبحث بعد ذلك عن اليات الاصلاح من الداخل والقضاء على “التعفنات” التي ضربت الحزب بسبب ضعف التجربة والتكالب على المواقع وغرور البعض الذي ذهب بهم إلى حد القول ان تحيا تونس سيفوز بأكثر من 109 مقاعد .
ولم تمر “النيران الصديقة” التي شهدها مؤتمر تحيا تونس دون ان تخلف اثارا يبدو انها عميقة ، من ذلك حالة الاحباط التي قال مصدر من الحزب إنها أصابت اكثر من 30 نائبا من كتلته البرلمانية التي تضم 45 نائبا ، وتزايد الرفض على دور الوزراء في الحزب ودعوتهم للالتزام بأداء مهماهم بدل البحث عن تموقعات داخل تحيا تونس متناسين ان الحزب سيواجه خلال الحملة الانتخابية حصيلة حكم وانهم مسؤولين عنها بدرجة هامة .
وفشل يوم الاحد فتح الباب للنظر في ملف حارق داخل الحزب يتعلق بالأمين العام سليم العزابي الذي ضاع وهو يبحث عن ارضاء الجميع وعجز عن فرض نفسه وعن الحسم في الخلافات منذ انطلاقها لتتحول الى صراعات خرجت الى العلن وتحولت الى كرة ثلج ، معها ملف ما يسمى بـ”التيار الرأسمالي” المتحكم بقوة في صناعة القرار داخل الحزب وبتحديد هياكله .
عثرة جديدة لتحيا تونس ، حزب الحكومة الذي دخل المشهد الحزبي بسياسة “من تحصيل الحاصل” وراهن على الفراغ لاكتساح الساحة السياسية وهو فقير الزاد البشري والعرض السياسي وأسس على تناقضات بات من الواضح أنها تشكل خطرا جسيما على ديمومته وعلى نجاحه في الانتخابات القادمة بشقيها الرئاسي والتشريعي ، مصادر تقول ان امينه العام سليم العزابي سيمسك بزمام الأمور وان تغيرات قادمة أياما بعد المؤتمر ، لكن الرهان تغير من فرض النفس كقوة حزبية وسياسية قادمة لتفنيد الروايات التي باتت تتداول حول دواخل الحزب واطفاء النيران المشتعلة بين ثناياه وتحديدا بين قياداته .
معطى هام اخر يبدو انه سيكون محددا ليس داخل تحيا تونس فقط ، بل أيضا داخل عدد من الأحزاب وقد يكون محددا في اعادة تشكيل السياسة المتواصلة تتمثل في تحالف طلبة التجمع المنتشرين في عدد من الأحزاب . وسيكون لهذه المجموعة دور سيبرز خلال الأيام القادمة بشكل جلي ومن ذلك نفهم لماذا يتمسك البعض بمساندة الخشناوي الذي يمثل جزءا من منظومة جديدة اسمها تحالف طلبة التجمع.
صدر باسبوعية “الشارع المغاربي” في عدد اليوم الثلاثاء 30 أفريل 2019.