الشارع المغاربي – صندوق‭ ‬النقد‭.. ‬قيس‭ ‬سعيد‭.. ‬نجلاء‭ ‬بودن‭ ‬واتحاد‭ ‬الشغل:‭ ‬جدّ‭ ‬الجدّ

صندوق‭ ‬النقد‭.. ‬قيس‭ ‬سعيد‭.. ‬نجلاء‭ ‬بودن‭ ‬واتحاد‭ ‬الشغل:‭ ‬جدّ‭ ‬الجدّ

قسم الأخبار

30 يونيو، 2022

الشارع المغاربي-كوثر زنطور:منذ 3 أشهر وتحديدا يوم 28 مارس 2022 كشف نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل خلال اجتماع نقابي في ولاية المنستير عن فحوى اتصال هاتفي جمعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن  قال انها كانت خلاله في “حالة غضب شديدة ” وانها حمّلت “الاتحاد مسؤولية فشل التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي .  منذ ذلك التاريخ حتى اليوم واصل الطبوبي ومختلف المسؤولين النقابيين لهجة التصعيد واقرت المنظمة الشغيلة إضرابا عاما اولا تم شنه يوم 16 جوان الجاري واعقبته يوم أمس بإقرار إضراب عام ثان سيشمل هذه المرة الوظيفة العمومية ومختلف منشآت ومؤسسات القطاع العمومي رفضا لـ” تحول الصندوق للحاكم الفعلي في البلاد” ، حسب ما أسرّ به مصدر موثوق به من الاتحاد لـ “الشارع المغاربي”.

اعلان اتحاد الشغل الدخول في اضراب عام جديد كان مرفوقا هذه المرة باقرار المشاركة في حملة الاستفتاء في  انتظار صدور الدستور قبل الإجابة بـ”نعم” أم “لا”  وهو موقف يمكن اعتباره رسالة سياسية وجّهت لرئيس الجمهورية قيس سعيد رأسا . فالرئيس الذي يواجه تشكيكا في مسار تنظيم استفتاء 25 جويلية في حاجة الى هذا “الاعتراف” الثمين من اتحاد يبحث من جهته عن منافذ تحول دون  دخوله في مواجهة مع السلطة وتمكنه من التوصل حتى الى نصف اتفاق سيكون أشبه بجرعة اوكسجين لقيادة للمنظمة.

لكن هذا ” التنازل” التكتيكي من الاتحاد لن يمثل الكثير في المعادلة بالنظر الى ان التوصل لاتفاق مع الحكومة يعني نسف مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي تأخرت كثيرا وتقول الحكومة صراحة انه لا بديل عنها في ظل ازمة حادة ازدادت حدتها بفعل الحرب الروسية الاوكرانية , واضح ان حكومة بودن  ماضية قدما في تطبيق ما يسمى بـ “برنامج الاصلاحات” مسيّرة وليست مخيّرة بعد ان اغلقت كل منافذ الاقتراض. الاتحاد الذي يصف الاصلاحات بـ”الاملاءات” وبعملية تفقير للشعب سيتصدى لها وسيُحّمل “مسؤولية” افشال الاتفاق تماما مثلما قالت ذلك رئيسة الحكومة صراحة في اتصالها الهاتفي بأمين عام المنظمة.

الحاكم الفعلي

تستعد الحكومة للانطلاق في تنزيل “برنامج الاصلاحات” المثير للجدل  مع اقتراب بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي غير مُحدّدة الموعد والمقترنة بشروط بعيدة عن “مرونة الحكومات المتعاقبة. اول الشروط كانت الحصول على التزام واضح من صاحب الشرعية الانتخابية الوحيد في البلاد رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي استقبل منذ ايام جهاد ازعور مدير ادارة الشرق الاوسط واسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي. والمعلوم ان سعيد لم يتطرق البتة لملف “الاصلاحات” ولم يترأس اي مجلس وزاري حول هذا الملف.

التزام سعيد اكده بعبارات دبلوماسية ازعور خلال ندوة صحفية عقدت في الرباط بالمغرب كشف فيها عن وجود ما اسماه بـ”التوافق التام مع رئيس الجمهورية  حول ملف الدعم. وقال ازعور حرفيا” كان هناك توافق تام ( مع رئيس الجمهورية) على ضرورة ان يذهب الدعم الى اصحاب الدخل المحدود والفئات الاكثر فقرا عبر تحويل الدعم ( تحويلات مالية مباشرة) الذي يشكّل حاليا عبئا بحوالي 8 في المائة من الناتج المحلي ويمثل ضعف ونصف قيمة الانفاق الاستثماري”. واضاف “يجب تصحيح هذا الامر ليذهب الدعم  لاصحابه.. هناك اتفاق على ان تكون عدالة ضريبية وعلى ان تساهم فيها  كل الاطراف كل حسب موقعه.

طبعا لا علاقة لما جاء على لسان المسؤول بالصندوق والبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية التي لها سجل حافل في “النقل غير الامين لفحوى الاتصالات او اللقاءات مع المسؤولين الاجانب” متناسية ان ذلك يمس من مصداقيتها. مصدر موثوق به اكد لـ” الشارع المغاربي”  ان تصريحات ازعور كانت مدروسة ” واصفا البيان الصادر عن الصندوق اثر زيارته الى تونس بحر الاسبوع المنقضي بـ” غير المسبوق”  لما ” تضمن من عبارات مباشرة لا تعتمدها المؤسسة المالية في علاقتها  بدول في مسار مفاوضات معها” . والصندوق ملتزم بواجب التحفظ وانتقاء الالفاظ في تصريحاتهم ضمن سياسة اتصالية تقوم على ” تقاليد  دبلوماسية راسخة ” اصبحت في الدكتاتوريات كالديمقراطيات ورقة تستخدمها السلطات في مسار إنكار الازمة على غرار حال تونس اليوم .

فالاخبار القادمة من الدوائر القريبة من سلطة القرار والقريبة  خاصة من  ملف المفاوضات، تؤكد ان الصندوق دق ناقوس الخطر وان مسؤوليه كانوا  “صرحاء”  مع  الحكومة ومع الرئيس قيس سعيد حول “وجوبية سرعة التحرك” وعدم “انتظار التوصل لاتفاق لبدء الاصلاحات”. فالوقت والتطورات في العالم تستوجب تنفيذ  “حزمة اجراءات سريعة”  تقي البلاد من سيناريو انهيار بات من الفرضيات التي تطرحها كبريات مراكز التفكير المعتمدة مع التأكيد على ان عامل الوقت لا يسمح باي تخاذل أو تسبيق اجندات انتخابية سياسية على الاجندة الاصلاحية الاقتصادية بما يجعل اعتماد الرئاسة ازدواجية الخطاب في تعاطيها مع ما يسمى ببرنامج الاصلاحات عين العبث، اذ ان ما يشبه التكذيب الذي جاء على لسان ازعور خلال الندوة الصحفية المنعقدة مؤخرا في المغرب يمثل مؤشرا سلبيا من  صندوق يطالب صراحة بـ”  الافصاح”  ليفاجأ بخطاب رئاسي موغل في الانكار والايهام بمعطيات لا علاقة لها بالواقع وفيه تبرأ ضمني من الاجراءات اللاشعبية التي ستنطلق الحكومة في تنزيلها تباعا بطلب من الصندوق .

ويقول مسؤولون من الصندوق ان “الكرة اليوم في ملعب الماسكين بالسلطة في تونس” وان “بدء الاصلاحات بسرعة والافصاح عنها بشكل تفصيلي ضمن حوار داخلي” هو الحل الوحيد للنجاح في التوصل لابرام اتفاق هو الثالث منذ الثورة  وسيكون حسب الصندوق “قابلا للانجاز.لآخيار للحكومة اذن الا ان تمضي قدما في “برنامج الاصلاحات” لكن  كالعادة” في المهموتة”. اصلاحات ستضبط وتنشر بأوامر ومراسيم في  غياب اية نقاشات وفي مناخ احتقان سياسي وتوتر اجتماعي  سببه حكومة متهمة  بالتعتيم وبنشر المغالطات وعرض وثيقة في ندوة شارك فيها 13 وزيرا غير متطابقة مع الوثيقة محل النقاشات مع  النقد الدولي .

لذلك سيكون صندوق النقد الدولي هو الرئيس الفعلي للحكومة  التونسية والمحدد لقرارتها. فطريق اللاعودة الذي دخلت فيه حكومة بودن مع الاتحاد العام التونسي للشغل بغلق  باب الحوار والمفاوضات ليس على خلفية خصومة سياسية او تناغما مع سياسة قيس سعيد الرافضة لما يسمى بالاجسام الوسيطة. فأي اتفاق مع المنظمة الشغيلة يعني نسفا للمفاوضات مع الصندوق والايذان بكارثة اقتصادية ومالية يقول مصدر رفيع المستوى في الحكومة لـ”الشارع المغاربي” انه “واقع يعلمه الاتحاد وكان حريا به تفهمه وتسبيق المصلحة الوطنية على اية اعتبارات اخرى مهما كانت اهميتها” والمصلحة الوطنية تقتضي حسب المصدر “اعادة ترتيب الاولويات والتفاف حول برنامج الاصلاحات هو بمثابة الافق الوحيد للانقاذ”.

تصعيد

الخطاب الرسمي التونسي يعتبر “تشتت السلطة التنفيذية في منظومة ما قبل 25 جويلية وتعاظم دور “اتحاد الشغل” سبب من اسباب فشل الاتفاقين السابقين. كما يعتبر ايضا ان “استفتاء 25 جويلية سيفرز سلطة قوية لها شرعية ومشروعية شعبية” تمكنها من التقدم في تنزيل الاصلاحات وتنفيذها بـ”ثقة من الشعب لا تتطلب المرور عبر الاتحاد العام التونسي للشغل”. هذا الطرح يجد نوعا من القبول لدى صندوق الذي  يشيد مسؤولون فيه بـ”رئيسة الحكومة نجلاء بودن وفريقها” لما “يتميز به من واقعية”.

اشادة تفهم من رد فعل بودن في اتصالها مع الطبوبي واللهجة الغاضبة التي حدثته بها على خلفية “موقف المنظمة الذي قدمه امينه العام لوفد من الصندوق التقاه وعبر له عن رفضه برنامج الاصلاحات وتبرئه منها”.ممثلو الصندوق اتصلوا على الارجح ببودن ربما لتذكيرها بأن الاتحاد الذي كانت الحكومة تقدمه كـ “شريك في برنامج الاصلاحات”  يتموقع في الضفة المقابلة في حين يطالب الصندوق باتفاق داخلي واساسا بموافقة المنظمتين الاهم اي المنظمة الشغيلة ومنظمة الاعراف. فبودن القريبة من المؤسسات المالية باعتبارها كانت تشرف على خطة تنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي قبل توليها منصبها الحالي قد تكون بمفهوم التحليل الداخلي اداة طيعة لتمرير برنامج الصندوق تماما مثلما هو الحال مع تنفيذها اجندة رئيس الجمهورية السياسية.

الاتحاد سيتجه نحو التصعيد وقد يجد نفسه مضطرا للدخول في مواجهة مع السلطة لن تكون طبعا في مصلحة اي طرف. الحكومة امام خيارين احلاهما مرّ: إما  لعب دور تلميذ نجيب وتنفيذ برنامج الاصلاحات بكلفته الاجتماعية الباهظة او التنازل تحت ضغط كبير تفرضه حسابات رئيس الجمهورية بما يعني عدم وجود اتفاق مع صندوق النقد الدولي والمرور وقتها الى السيناريو الاسوأ والاخطر. وبينهما يبقى دور قيس سعيد في تحمل مسؤوليته والبحث عن حلول انقاذ واقعية تحددها الاولويات الوطنية حتى لا ينهار السقف على الجميع.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING