الشارع المغاربي – صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬أفقر‭ ‬التونسيين‭ ‬وجوّعهم‭ ‬وأذلّهم ! / بقلم عز الدين سعيدان

صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬أفقر‭ ‬التونسيين‭ ‬وجوّعهم‭ ‬وأذلّهم ! / بقلم عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

26 يناير، 2023

الشارع المغاربي: تسبّب‭ ‬تسيير‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬في‭ ‬إفقار‭ ‬التونسيين‭ ‬وتجويعهم‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬إذلالهم.‭ ‬كان‭ ‬سبب‭ ‬بعث‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مساعدة‭ ‬العائلات‭ ‬المعوزة‭ ‬وتقليص‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والجهات‭. ‬وكان‭ ‬يعمل‭ ‬بميزانية‭ ‬صغيرة‭ ‬تناهز‭ ‬200‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬لكنه‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬حاد‭ ‬عن‭ ‬هدفه‭ ‬لعدّة‭ ‬أسباب‭ ‬منها‭ ‬عدم‭ ‬مراجعة‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬المدعّمة‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭.

‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬لعدم‭ ‬مراجعة‭ ‬الأسعار‭ ‬والذي‭ ‬يعود‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬الى‭ ‬ضعف‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الى‭ ‬سياسات‭ ‬شعبوية‭ ‬تداعيات‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭ ‬نذكر‭ ‬منها:

‭ -1 ‬ان‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬سعر‭ ‬المادة‭ ‬المدعّم‭ ‬وسعر‭ ‬نفس‭ ‬المادة‭ ‬غير‭ ‬المدعم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة‭ (‬مثال‭ ‬ذلك‭ ‬الزيت‭ ‬النباتي‭ ‬أو‭ ‬السكر‭) ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬انتشار‭ ‬الفساد‭ ‬والتبذير‭ ‬وتضخم‭ ‬ميزانية‭ ‬الصندوق‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط

‬ 2- ‬أدّى‭ ‬الفساد‭ ‬الى‭ ‬اختفاء‭ ‬المواد‭ ‬المدعّمة‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬بما‭ ‬أجبر‭ ‬المواطن‭ ‬على‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬اقتناء‭ ‬نفس‭ ‬المادة‭ ‬لكن‭ ‬بسعر‭ ‬غير‭ ‬مدعّم‭ ‬وأبلغ‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الزيت‭ ‬النباتي‭. ‬ففي‭ ‬الواقع‭ ‬تستورد‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تحتكر‭ ‬الامتياز‭ ‬التجاري‭ ‬كميات‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬الزيت‭ ‬النباتي‭ ‬لكن‭ “‬زيت‭ ‬الحاكم‭” ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬يتوفر‭ ‬في‭ ‬مسالك‭ ‬التوزيع‭ ‬العادية‭ ‬بالسعر‭ ‬المدعم‭ ‬اذ‭ ‬يتم‭ ‬تحويل‭ ‬وجهته‭ ‬الى‭ ‬قنوات‭ ‬أخرى‭ ‬لينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬بالمواطن‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬نفس‭ ‬المادة‭ ‬لكن‭ ‬بسعر‭ ‬غير‭ ‬مدعم‭ ‬ومرتفع‭ ‬جدا‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬يتعذّر‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬الشراء‭ ‬بسعر‭ ‬غير‭ ‬مدعم‭ ‬استهلاك‭ ‬مادة‭ ‬أساسية‭ ‬مثل‭ ‬الزيت‭ ‬النباتي.

3- ‬تفرقع‭ ‬ميزانية‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬بما‭ ‬أدى‭ ‬غالبا‭ ‬الى‭ ‬سدّ‭ ‬عجزها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ميزانية‭ ‬الاستثمار‭. ‬ولمّا‭ ‬كان‭ ‬الاستثمار‭ ‬العمومي‭ ‬رافعة‭ ‬أساسية‭ ‬للاستثمار‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬بدوره‭ ‬رافعة‭ ‬للاستثمار‭ ‬المباشر‭ ‬الأجنبي‭. ‬تسبّب‭ ‬ارتفاع‭ ‬عجز‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط‭ ‬في‭ ‬تباطئ‭ ‬الاستثمار‭ ‬العمومي‭ ‬وتبعا‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬تباطئ‭ ‬نسق‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬تراجع‭ ‬عدد‭ ‬مواطن‭ ‬الشغل‭ ‬التي‭ ‬يخلقها‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بدوره‭ ‬مؤديا‭ ‬بذلك‭ ‬الى‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭.‬

لقد‭ ‬ساهم‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬في:‭

-‬إفقار‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬بفعل‭ ‬ضعف‭ ‬النموّ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وضعف‭ ‬عدد‭ ‬مواطن‭ ‬الشغل‭ ‬المحدثة‭ ‬وتآكل‭ ‬كبير‭ ‬للقدرة‭ ‬الشرائية.

– تجويع‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬نتيجة‭ ‬فقدان‭ ‬مواد‭ ‬أساسية‭ ‬بالسوق‭ ‬المحلية. ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬بأن‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬حكر‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬توريد‭ ‬المواد‭ ‬المدعّمة‭. ‬وأغلب‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬اليوم‭ ‬راكعة‭ ‬على‭ ‬ركبتيها‭ ‬بسبب‭ ‬عجز‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬تغطية‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬سعر‭ ‬بيع‭ ‬المادة‭ ‬المدعمة‭ ‬وسعر‭ ‬شرائها‭.‬ ‭-

‬-إذلال‭ ‬التونسيين‭ ‬الذين‭ ‬باتوا‭ ‬مجبورين‭ ‬على‭ ‬الانتظار‭ ‬في‭ ‬طوابير‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭. ‬كما‭ ‬يتعرضون‭ ‬للإذلال‭ ‬بعدما‭ ‬أصبحت‭ ‬تونس‭ ‬تطلب‭ ‬اعانات‭ ‬غذائية‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬وتحصل‭ ‬عليها‭ !!‬

‭- ‬مفاقمة‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بالبلاد‭ ‬وتدمير‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬كانت‭ ‬عاملا‭ ‬هاما‭ ‬في‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬بالبلاد‭.‬

‬-تعريض‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬للخطر‭ ‬مثل‭ ‬قطاعي‭ ‬الحليب‭ ‬والمخابز‭ ‬وغيرهما‭.‬ طبعا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حذف‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تشهد‭ ‬أزمة‭ ‬متعدّدة‭ ‬الأبعاد‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭. ‬لذلك‭ ‬لابدّ‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلته‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬تشخيص‭ ‬واقعي‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬وجود‭ ‬المضاربة‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أيضا‭ ‬تفسير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بظاهرة‭ ‬المضاربة‭.‬

فغالبا‭ ‬ما‭ ‬تتسبب‭ ‬الدولة‭ ‬ذاتها‭ ‬رغما‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬فقدان‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬وبالتالي‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬المضاربة‭.‬ ومن‭ ‬أسباب‭ ‬الأزمة‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬مشاكل‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض‭. ‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬أسباب‭ ‬علاقات‭ ‬تونس‭ ‬العسيرة‭ ‬مع‭ ‬الممولين‭ ‬وخصوصا‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬العجز‭ ‬المفرط‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬صندوق‭ ‬التعويض.‭

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 24 جانفي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING