الشارع المغاربي – عبير موسي: عنتريات و"سقيفة حمّام" /بقلم لطفي النجار

عبير موسي: عنتريات و”سقيفة حمّام” /بقلم لطفي النجار

قسم الأخبار

23 نوفمبر، 2019

الشارع المغاربي :“هرج ومرج” هو عنوان الخرجة الأولى و”المنتظرة” شعبيا لعبير موسي في البرلمان: تلاسن واشتباك مع جماعة “ائتلاف الكرامة”، مقاطعة النشيد الرسمي، عنتريات و”شو” أمام عدسات الكاميرا، صياح ومبالغات في المقاطعة والتشنّج اللّامبرّر….هو دخول بقوّة  (passage en force) على ما يبدو في مسلسل من السلوك السياسي الأرعن الذي نفره “التوانسة”، وهو أيضا نسخة كربونية مكرّرة ورديئة لشطحات سابقة لنوّاب مرّوا من تحت قبّة باردو.

“الصوف يتباع بالرزانة” هي الحكمة الشعبية التي تنسحب على الحب والحرب والسياسة والحياة، والخفّة أو التنطّع والتسرّع هي استخفاف بالمحبوب وبالعدوّ وبالخصم السياسي وهي أيضا سلوك أرعن يشي بضعف في التبصّر وضيق في النظّر. وما أتته عبير موسي من هرج ومرج تحت قبّة البرلمان هو من قبيل هذا الانعدام في “الرزانة” أو “الخفّة السياسية” التي لا تعني في “الشو  البرلماني” لعبير سوى استخفافا وترذيلا للسياسة و حطّا من رمزية البرلمان بصفته التعبير عن إرادة التونسيين.

“سقيفة حمّام” أو في ترذيل البرلمان

يُحسب لعبير موسي أنّها لم “تقلب الفيستة” وبقيت “وفيّة” لنظام بن علي ولم تُساير رياح الثورة طمعا وتزلّفا أو رهبة وخوفا كما فعل جلّ قيادات “التجمّع”. أعلنت أنّها ضد الثورة ومخرجاتها، وخاصمت في العلن من تسمّيهم بـ”الخوانجية” و”تجّار حقوق الإنسان” (كما تتّهمهم) محمّلة إيّاهم مسؤولية فشل الحكم والعطالة الرسمية. رسمت عبير لنفسها دربا مضادّا للجميع تقريبا، مستثمرة في “الإحباط” العام والتعثّر الرسمي والفشل الحكومي المتراكم منذ 2011. مثّلت بامتياز التعبيرة السياسية الأوضح عن “نوستالجيا” جزء من التونسيين المحبطين لزمن بن علي…مجّدته وذكّرت بـ”مناقب نظامه” حتّى أنّها أعادت بشكل فلكلوري مناخات أيّامه الخوالي في مشهد انتخابي سريالي لمّا استقبلها أنصارها بالطّار والبندير والزكرة !.

لعبير ولحزبها مطلق الحرية أن تختار مسارا سياسيا خاصّا وخطابا تعبويا مميّزا، ولها أيضا أن “تستفيد” من خزّان شعبي محبط ويائس، وأن تحوّل من “رصيد” الأحزاب التي ادّعت خصومة مع الإسلاميين كذبا وتحيّلا على الناس لحسابها الخاصّ، فذلك شأنها وأمر لا يهمّ سوى المنتسبين لحزبها وناخبيها. ولكن أن يتمّ تصريف هذا الخيار السياسي إلى سلوكات”شعبوية” مقيتة وعنتريات برلمانية فذلك أيضا عرض من أعراض خواء “الخطاب الموسوي” وفراغه وحجّة على أنّ هذا “الهرج والصياح” الذي رأيناه وسمعناه في الجلسة الافتتاحية للبرلمان ليس سوى “بروفة” على الحساب لما انتظرناه من سلوك وممارسة سياسية من حزب يدّعي أنّه سليل العائلة الدستورية العريقة.

لم يكن لائقا ومقبولا مقاطعة النشيد الوطني من قبل عبير موسي وإحداث حالة من الفوضى في البرلمان، إذ كان بالإمكان التريّث و”شويّة رزانة” حتّى ينتهي النشيد (وهو رمز للدولة إلى جانب العلم والعملة). موسي لم تقف احتراما وإجلالا للنشيد الوطني بل خيّرت “تصفية الحساب السياسي والإيديولوجي” مع خصومها والدخول في مهاترات و”عركة متاع حمّام” لا تمتّ للسلوك السياسي الرّصين. نعتت “ائتلاف الكرامة بـ”الدواعش” وبأنّهم “لن يمرّوا ” فردّوا عليها بـ”حدّك حدّ السطل والكاسة”، فتحوّل البرلمان فجأة إلى حلبة اشتباك بينها وبين نوّاب “الائتلاف” وصل إلى حدّ الشتائم والسّباب.

إنّ المراهنة على “المشهدية” وتحويل الفعل السياسي إلى “فرجة” سخيفة والترويج لخطاب تسطيحي مداده “السبّ والشتم” هو خدمة مجّانية للخصوم، وهو استهزاء واستخفاف بعقول “التوانسة”. فالوقوف ضدّ “منظومة ما بعد 14 جانفي” مثلما تصفها عبير موسي، وادّعاءات الوطنية ومعاداة الظلامية والرجعية لا تكون عبر العنتريات الإعلامية و”العرك والمعروك”، بل من خلال الرؤية الجادّة وبطرح البدائل التنويرية والبرامج الحداثية التي تستجيب لآمال الناس.

“سقطة” غير مبرّرة لعبير

يبدو أنّ المقدّمات الأولى أو العنتريات التي رصدناها لعبير في الأيام الأولى للبرلمان ،هي فاتحة لسلسلة من “السقطات” التي يمكن أن تحشر صاحبتها في الزاوية وتجعلها تخسر باستمرار “التعاطف” الذي كسبته من طرف جزء من التونسيين الذين رأوا فيها “نموذجا للإخلاص والشجاعة”. “سقطة” عبير هذه المرّة كبيرة ومدوّية وستدفع ثمنها السياسي باهظا إلى جانب سقوط أخلاقي مشين بسبب رفضها قراءة الفاتحة على أرواح شهداء فلسطين.

لقد اختلط الأمر في رأس عبير بسبب “الحقد الإيديولوجي” معتبرة ربّما أنّ دماء الأطفال الفلسطينيين الأبرياء الذين سقطوا أخيرا تحت القصف والرصاص الصهيوني هي دماء “غزّاوية إخوانية” ولا يجوز قراءة الفاتحة على أرواحهم !! هذا الموقف أو الصورة التي رأيناها لعبير وهي مسدلة يديها عند قراءة الفاتحة فيه استفزاز لمشاعر التونسيين وفيه أيضا استخفاف حقير وسوء تقدير لمكانة القضيّة الفلسطينية في قلوب “التوانسة”…من سقطوا من الشهداء هم فلسطينيون سيّدتي وكفى، ودماء الأبرياء والمظلومين لا تحمل هويّة إيديولوجية أو بصمة سياسية ولا يجوز إلّا الترحّم والوقوف أمام ذكراهم إجلالا واحتراما.

كان صعود عبير موسي ملفتا وسريعا ويمكن أن يكون سقوطها أسرع لو تمادت في “رعونتها” السياسية…السياسة فكر ونظر أوّلا وثانيا وثالثا ثمّ عمل…حين يغيب الفكر في السياسة يصبح العمل “خبط عشواء” و”هزّان ونفضان” و”عركة حمّام” كما هو الحال عند عبير.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING