الشارع المغاربي – عندما‭ ‬تتحوّل‭ ‬وكالات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬إلى‭ ‬طرف‭ ‬سياسي‭...‬/ بقلم د.رفيق بوجدارية

عندما‭ ‬تتحوّل‭ ‬وكالات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬إلى‭ ‬طرف‭ ‬سياسي‭…‬/ بقلم د.رفيق بوجدارية

قسم الأخبار

16 فبراير، 2023

الشارع المغاربي: بمناسبة‭ ‬صدور‭ ‬نتائج‭ ‬آخر‭ ‬سبر‭ ‬للآراء‭ ‬حول‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬احتد‭ ‬الجدل‭ ‬وانسابت‭ ‬التساولات‭ ‬حول‭ ‬مصداقية‭ ‬عمليات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬ومدى‭ ‬تطابقها‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭. ‬كما‭ ‬تعالت‭ ‬عديد‭ ‬الأصوات‭ ‬منادية‭ ‬بتقنين‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬لصعود‭ ‬أو‭ ‬تصعيد،‭ ‬مغني‭ ‬الراب‭ ‬كريم‭ ‬الغربي‭ ‬المعروف‭ ‬بكادوريم‭ ‬الأثر‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬الفضائين‭ ‬الاتصالي‭ ‬والافتراضي‭ ‬طوال‭ ‬الأسبوع‭ ‬المنقضي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطويها‭ ‬داخليا‭ ‬الاعتقالات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وخارجيا‭ ‬الزلزال‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬وشمال‭ ‬سوريا‭ ‬وما‭ ‬خلفا‭ ‬من‭ ‬موت‭ ‬ودمار‭.‬

وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬نجد‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬مثيرة‭ ‬لعديد‭ ‬الردود‭ ‬الغاضبة‭ ‬والمنتقدة‭ ‬والمعارضة‭. ‬ولفهم‭ ‬هذه‭ ‬الردود‭ ‬يجب‭ ‬التسليم‭ ‬بأمرين‭ ‬إثنين‭. ‬أما‭ ‬الأمر‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬مهما‭ ‬بدت‭ ‬تقنية‭ ‬وحسابية‭ ‬إحصائية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬وكنهها‭ ‬سياسية‭ ‬اجتماعية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تلحفت‭ ‬بالأرقام‭. ‬أما‭ ‬الأمر‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬غياب‭ ‬أدنى‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬يمكّن‭ ‬من‭ ‬التأطير‭ ‬والإعتراض‭ ‬والمراقبة‭ ‬والمتابعة‭ ‬إذا‭ ‬استثنينا‭ ‬حق‭ ‬الولوج‭ ‬الى‭ ‬المعلومة‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬مطابق‭ ‬لطبيعة‭ ‬عمليات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭.‬

وبلغة‭ ‬أكثر‭ ‬بساطة،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الوكالات‭ ‬عرض‭ ‬شخصيات‭ ‬غير‭ ‬سياسية‭ ‬على‭ “‬القيس‭ ‬السياسي‭” ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬منها‭ ‬أدنى‭ ‬موقف‭ ‬سياسي‭! ‬وكيف‭ ‬تعرض‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬على‭ “‬القيس‭ ‬الرئاسي‭” ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬ترشحها‭ ‬للسباق‭ ‬الرئاسي‭!!‬

ودائما‭ ‬بلغة‭ ‬بسيطة،‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭  ‬نسمى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬خلطا‭. ‬والخلط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬العالي‭ ‬من‭ ‬الحرفية‭ ‬ليس‭ ‬بريئا‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬يتكرر‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬أعوام‭. ‬فالخلط‭ ‬الحاصل‭ ‬هنا‭ ‬بين‭ ‬الشهرة‭ ‬والقدرة‭ ‬يصبح‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬دفعا‭ ‬لأسماء‭ ‬بعينها‭ ‬في‭ ‬سلّم‭ ‬الشهرة‭ ‬وتكريس‭ ‬أو‭ ‬إيهام‭ ‬بقدرة‭ ‬شخصيات‭ ‬على‭ ‬الرئاسة‭ ‬أو‭ ‬على‭  ‬درء‭ ‬الأخطار‭… ‬وفي‭ ‬كلا‭ ‬الحالتين‭ ‬يصبح‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬سلّما‭ ‬للشهرة‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬أو‭ ‬منصة‭ ‬لإطلاق‭ ‬مرشحين‭ ‬عبر‭ ‬خدمة‭ ‬إسمها‭ ‬صناعة‭ ‬الرأي‭.‬

وهنا‭ ‬مكمن‭ ‬كل‭ ‬الإنتقادات‭ ‬والإعتراضات‭ ‬والإتهامات‭ ‬التي‭ ‬توجه‭ ‬الى‭ ‬وكالات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬والتي‭ ‬أبرزها‭ ‬وأخطرها‭ ‬هو‭ ‬تحوّل‭ ‬هذه‭ ‬الوكالات‭ ‬الى‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬وإلى‭ ‬أداة‭ ‬لصناعة‭ ‬الرأي‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬يبرز‭ ‬للعيان‭ ‬تماهي‭ ‬بعض‭ ‬الوكالات‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العهود‭….‬

كما‭ ‬لا‭ ‬تصدر‭ ‬هذه‭ ‬الإنتقادات‭ ‬حصريا‭ ‬عن‭  ‬السياسيين‭ ‬والمتحزبين‭ ‬وإنما‭ ‬يقاسمهم‭ ‬فيها‭ ‬أيضا‭ ‬منتجو‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزية‭ ‬وأصحاب‭ ‬الإذاعات‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬نددوا‭ ‬بـ‭ “‬الزبونية‭ ‬والمحسوبية‭” ‬عند‭ ‬انتقادهم‭ ‬نتائج‭ ‬لم‭ ‬ترضيهم‭.. ‬ولقد‭ ‬شاهد‭ ‬التونسيون‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنين‭ ‬الأخيرة‭ ‬العلاقة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬المرئية‭ ‬خاصة‭ ‬والإذاعية‭ ‬ووكالات‭ ‬لسبر‭ ‬الآراء‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬بعض‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوكالات‭ ‬دائمي‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬كمحللين‭ ‬سياسيين‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬الديمقراطية‭ ‬حيث‭ ‬يمنع‭ ‬التداخل‭ ‬بين‭ ‬السياسي‭ ‬ووكالات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التجارية‭ ‬وذلك‭ ‬ضمانا‭ ‬لاستحقاقات‭ ‬الثقة‭ ‬والشفافية‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬التقني،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الوكالات‭ ‬مطالبة‭ ‬بأن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬عيّنة‭ ‬تضمن‭ ‬أدنى‭ ‬هامش‭ ‬للخطأ،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ملزمة‭ ‬باجتناب‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬بين‭ ‬طياتها‭ ‬الإجابة‭ ‬كما‭ ‬يتوجب‭ ‬عليها‭ ‬احترام‭ ‬استحقاق‭ ‬الدقة‭ ‬وإمكانية‭ ‬المراقبة‭ ‬البعدية‭..‬

إن‭ ‬مطلب‭ ‬تقنين‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬والوكالات‭ ‬قديم‭/ ‬جديد‭ . ‬فمنذ‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬تصاعدت‭ ‬المطالبة‭ ‬بقانون‭ ‬ينظم‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لاحترام‭ ‬كل‭ ‬الضمانات‭ ‬العلمية‭ ‬والاستناد‭ ‬الى‭ ‬مدونة‭ ‬أخلاقية‭. ‬و‭ ‬يظل‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬إنتظاره‭ ‬حماية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬و‭ “‬تسييجها‭ ” ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الوكالات‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬من‭ ‬التوظيف‭ ‬السياسي‭ ‬وتوجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬عبر‭ ‬نتائج‭ “‬مدفوعة‭ ‬الأجر‭” ‬مثلما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬أسئلة‭ ‬موجهة‭ ‬أو‭ ‬عبر‭  ‬حصر‭ ‬الاختيار‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الجهة‭ “‬السابرة‭” ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬إسقاط‭ ‬بعض‭ ‬الأسماء‭ ‬أو‭ ‬تعويم‭ ‬أسماء‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬تصعيد‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬خوض‭ ‬سباق‭ ‬الرئاسة‭ ‬أو‭ ‬ترذيل‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬تبخيس‭ ‬للاحزاب‭ ‬أو‭ ‬تمجيد‭ ‬وتركيز‭ ‬لأحزاب‭ “‬افتراضية‭” ‬خدمة‭ ‬لسلطة‭ ‬قائمة‭ ‬أو‭ ‬تقربا‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬قادمة‭ …‬

ولأن‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬تملكها‭ ‬سوى‭ ‬النتائج‭ ‬الرسمية،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬لنا‭ ‬جميعا‭ ‬فهم‭ ‬وتفكيك‭ ‬أسباب‭ ‬العزوف‭ ‬القياسية‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لإدراك‭ ‬إشكالات‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬تسويق‭ ‬نتائج‭ ‬لا‭ ‬هي‭ ‬بالمحرار‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬بالمرآة‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬أرقاما‭ ‬تثير‭ ‬التساؤلات‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬رافق‭ ‬عمليات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ “‬الإنتقال‭ ‬الديمقراطي‭” ‬من‭ ‬رفض‭ ‬و‭ ‬نقد‭ ‬واتهامات‭ ‬بأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬سوقا‭ ‬للخدمات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭. ‬لذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬يضمن‭ ‬الشفافية‭ ‬والحيادية‭ ‬ويتيح‭ ‬المراقبة‭ ‬ويردع‭ ‬المتلاعبين‭..‬

وقد‭ ‬سبق‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬أن‭ ‬اقترحت‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬أساسي‭ ‬ينظم‭ ‬القطاع‭ ‬لكنه‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬رفوف‭ ‬المجلس‭ ‬بلا‭ ‬متابعة‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬الكتلة‭ ‬البرلمانية‭ ‬الأغلببة‭ ‬حينها‭.. ‬كما‭ ‬قدمت‭ ‬الغرفة‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكاتب‭ ‬استطلاع‭ ‬الرأي‭ ‬الى‭ ‬الحكومة‭ ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬النظر‭ ‬فيه‭..‬

وفي‭ ‬الختام‭ ‬يبقى‭ ‬الأمل‭ ‬معقودا‭ ‬لكي‭ ‬يرى‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬النور‭ ‬قبل‭ ‬الاستحقاق‭ ‬الرئاسي‭ ‬لسنة‭ ‬2024،‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬يصح‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ : ‬ ‭”‬يسعون‭ ‬حول‭ ‬المرء‭ ‬ما‭ ‬طعموا‭ ‬به

وإذا‭ ‬نبا‭ ‬دهر‭ ‬جفوا‭ ‬وتغيّبوا‭”. 

والسلام

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 14 فيفري 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING