الشارع المغاربي – عندما " يَثأر" الباجي الميّت لنفسه من الغنوشي..! /بقلم خالد عبيد

عندما ” يَثأر” الباجي الميّت لنفسه من الغنوشي..! /بقلم خالد عبيد

13 يناير، 2020

 الشارع المغاربي- بقلم خالد عبيد: وأنا أتابع جلسة منح الثقة إلى حكومة السيّد الحبيب الجملي مثلي مثل العديد من التونسيين، لم تفارقني ولو لِلَحْظةٍ صورة المرحوم الباجي قائد السبسي، وهو يبتسم ساخرا ويشعر في قرارة نفسه، بأنّه قد ” ثأر” لنفسه من “صديقه اللدود” راشد الغنوشي، لقد كانت أمنيته الكبرى وهو في حياته أن يتمكّن من إزاحة يوسف الشاهد لأسباب عدّة آخرها تغليبه ابنه حافظ، كان الباجي يعتقد أنّ الغنوشي سيقف إلى جانبه، حادثه أكثر من مرّة وطلب منه ذلك جِهَارًا، لكن الغنوشي آثر أن ينحاز إلى يوسف الشاهد بالرغم من إدراكه التام وتحذير مستشاريه له بأنّ “انقلاب” الشاهد على “أبيه” الرمزي وصاحب الفضل عليه، لا يمكن اعتباره إلاّ “غدرا” و”خيانة”.

أصرّ الغنوشي على دعم الشاهد بتوصية من أقرب أقربائه ممنّيا النفس بأنّه هو الذي لديه القدرة على “ترويضه” وفق ما يريد، فكانت النهاية التي نعرفها للباجي الذي مات كَمَدًا، وفي نفسه، كلّ الألم على شعور “الغدر” والتهميش والإهانة التي لحقته من “ماكينة الغدر”.

لديّ يقين بأنّ الغنوشي قد استحضر، طوال يوم 10 جانفي الطويل، صورة الباجي قايد السبسي وكلّ ما أسرّ به له بخصوص الشاهد وقوله له بأنّه سيندم يوما مَا حين لا ينفع الندم، كان ذلك، وهو في ردهات مجلس النوّاب، يحاول عبثا بصفة محمومة قلب موازين القوى لفائدة حكومته حفظًا لماء الوجه، خاصّة لمّا تيقن بأنّ حزب قلب تونس لن يصوّت بتاتا له إثر اتفاق نبيل القروي مع يوسف الشاهد.

لم يكن الغنوشي يتصوّر أبدا أنّ قلب تونس سيتخلّى عنه، أمّا وقد حدث هذا، فالسبب هو يوسف الشاهد الذي “غدر” به بالرغم من أنّه سانده عندما “غدر” بالباجي، ولولاه لأزاحه الباجي من منصبه، وفي هذه اللحظة بالذات، وعندما أعلن الغنوشي عن عدم حصول حكومته على ثقة المجلس، تراءت صورة الباجي أمامه وهو يبتسم ساخرا منه ويقول له: ألم أحذّرك منه؟ لكنّك ركبتك العزّة بالإثم فكان أن اكتويْتَ بمثل ما اكتويتُ به!

وهنا بالذات، ربّما تراءت، وربّما لا أيضا، صورة  الباجي لنبيل القروي وهو في مكتب الغنوشي بالبرلمان، صورة الباجي الذي “غدر” به الغنوشي وها هو نبيل قد يكون أخذ بـ”ثأره” دون أن يدري، عندما احتاج إليه الغنوشي وأصرّ على الرفض.

لكن، هل أنّ هزيمة حركة النهضة في البرلمان هي إيذان بنهايتها مثلما تسرّع البعض في التوهّم؟ لا أعتقد ذلك صراحة، بالرغم من أنّني مؤمن تمام الإيمان، وسبق أن صرّحت به، بأنّ النهضة هي ” نَمِر من ورق” “تتمعّش” من تشتت “الآخر” وانقساماته وتصارع فِراخ دِيَكَتِه، وحاليا هذا “الآخر” لم يستوعب بعد ضرورة التخلّي عن “السَرْدَكة” و”الصَعْصَعَة”، إضافة إلى أنّ هذا “الآخر” الذي “تألّب” على النهضة في رحاب البرلمان ليس بِمُتَجَانِسٍ بالمرّة، وتشقه اختلافات كبيرة وتحرّكه مطامح متفاوتة.

وهذا ما ستعمل حركة النهضة على استغلاله من أجل شق الصفوف تماما، كما فعلت من قبل، خاصّة وأنّ هذا “الآخر” قد أسدى لها في النهاية “خدمة جليلة” بإطاحة حكومتها، لأنّها تدرك تمام الإدراك بأنّ المرحلة الحالية دقيقة جدّا وحرجة للغاية، وأنّ أيّة حكومة كانت، ليس بإمكانها أن تنقذ الوضع بين عشيّة وضحاها، وأنّها ستُحمّل تبعا لذلك ارتدادات هذه الوضعية المنذرة بكلّ المخاطر وستُحْسب ضدّها، ولذا فوجود حركة النهضة خارج الحكومة دون أن تخرج من الحكم هي أفضل هديّة قدّمها “الآخر” إليها دون أن يدري ربّما في جلسة 10 جانفي، إذ مكّنها من أن تؤكّد لاحقا وبصوت عال بأنّ الحكومة القادمة ليست حكومة النهضة وأنّها لا تتحمّل أيّة مسؤولية تماما مثلما “تنصّلت” من مسؤوليتها في الحكم سابقا.

في الأثناء، قد لا ينجح خيار “الشخصية الأقدر” في تشكيل الحكومة المنتظرة وهو ما تعمل عليه بعض الأطراف خُفْية، وقد يقع الاتفاق على الذهاب إلى الانتخابات التشريعية المبكّرة كما يتمنى البعض، لكن هل أنّ دقة الوضع وحرج الظرفية يسمحان بكلّ هذا التمطيط العبثي وهدر الوقت الضائع؟ أشكّ في ذلك كثيرا مثلما سبق أن وضّحت في مقالات سابقة، فالأمواج العاتية تتربّص بنا إن لم نتدارك أمرنا قبل فوات الأوان، لكن كمن أسمعت ميّتا في ظلّ نظام سياسي معتلّ!.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING