الشارع المغاربي – عن‭ ‬منع‭ ‬كتاب‭ ‬وإغلاق‭ ‬جناح‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب / بقلم:أنس الشابي (الرقيب الاسبق للكتاب في وزارتي الثقافة والداخلية)

عن‭ ‬منع‭ ‬كتاب‭ ‬وإغلاق‭ ‬جناح‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب / بقلم:أنس الشابي (الرقيب الاسبق للكتاب في وزارتي الثقافة والداخلية)

قسم الأخبار

6 مايو، 2023

الشارع المغاربي: مساء‭ ‬اليوم‭ ‬الأوّل‭ ‬من‭ ‬افتتاح‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬حُجز‭ ‬مؤلَّف‭ “‬فرنكشتاين‭ ‬تونس‭” ‬للروائي‭ ‬كمال‭ ‬الرياحي‭ ‬وأُغلق‭ ‬جناح‭ “‬دار‭ ‬الكتاب‭” ‬ناشره‭. ‬وفي‭ ‬معرض‭ ‬ردّ‭ ‬إدارة‭ ‬المعرض‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ذكرت‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬دُسّ‭ ‬ضمن‭ ‬معروضات‭ ‬الجناح‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬الرسميّة‭. ‬ولأني‭ ‬صاحب‭ ‬تجربة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الميدان‭ ‬إذ‭ ‬كُلّفت‭ ‬بمراقبة‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬المعارض‭ ‬وفي‭ ‬غيرها‭ ‬لسنوات‭ ‬امتدت‭ ‬من‭ ‬1991‭ ‬إلى‭ ‬1999‭ ‬تبادرت‭ ‬إلى‭ ‬ذهني‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬الفضيحة‭ ‬وهي‭ ‬التالية‭: ‬

1) ‬الرقابة‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬تعتمدها‭ ‬الدولة‭ ‬لحماية‭ ‬نفسها‭ ‬ممّا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬خصومها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معارضتها‭ ‬وذلك‭ ‬بحجز‭ ‬ما‭ ‬تخشى‭ ‬انتشاره‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬كأن‭ ‬يكون‭ ‬كتابا‭ ‬أو‭ ‬أغنية‭ ‬أو‭ ‬صورة‭ ‬أو‭ ‬فيلما‭ ‬أو‭ ‬منشورا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسّر‭ ‬وجود‭ ‬الرقابة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أعتى‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬وأقدمها‭.‬

2) ‬ما‭ ‬هي‭ ‬حدود‭ ‬عمل‭ ‬الرّقيب؟،‭ ‬عادة‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬للرّقيب‭ ‬حدود‭ ‬معيّنة‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬لأن‭ ‬المسألة‭ ‬تخضع‭ ‬لتقييمه‭ ‬الشخصي‭ ‬ولفهمه‭ ‬للمعطيات‭ ‬المتوفّرة‭ ‬ولحساب‭ ‬الربح‭ ‬والخسارة‭ ‬السياسيّة‭ ‬من‭ ‬المنع‭ ‬أو‭ ‬السماح‭ ‬بالترويج‭. ‬لذلك‭ ‬يمتلك‭ ‬الرقيب‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬التصرّف‭ ‬تتّسع‭ ‬كلّما‭ ‬كان‭ ‬منغرسا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬والسياسيّة‭ ‬ومشاركا‭ ‬فيها‭ ‬بحيث‭ ‬يمكنه‭ ‬الحدّ‭ ‬من‭ ‬المنع‭ ‬وأسبابه‭ ‬والنزول‭ ‬بالممنوعات‭ ‬إلى‭ ‬أدنى‭ ‬حدّ‭. ‬وتضيق‭ ‬مساحة‭ ‬الحرية‭ ‬كلما‭ ‬ضاق‭ ‬أفقه‭ ‬الثقافي‭ ‬وكلّما‭ ‬كان‭ ‬اختياره‭ ‬لهذه‭ ‬المهمة‭ ‬مندرجا‭ ‬ضمن‭ ‬الترقيات‭ ‬الإدارية‭ ‬أو‭ ‬التعيينات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬المهمّة‭ ‬لتتّسع‭ ‬لديه‭ ‬دائرة‭ ‬المحجوزات‭.‬

3) ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬عرفت‭ ‬تونس‭ ‬الرقابة‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ملحوظة‭ ‬في‭ ‬البدايات‭ ‬لأن‭ ‬الجميع‭ ‬كان‭ ‬منشغلا‭ ‬ببناء‭ ‬الدولة‭ ‬الجديدة‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عهد‭ ‬الزعيم‭ ‬أصبحنا‭ ‬نسمع‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬حُجز‭ ‬وذاك‭ ‬مُنع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬سبب‭ ‬معلن‭ ‬يبرّر‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الصديقين‭ ‬المرحوم‭ ‬محمد‭ ‬الصغير‭ ‬أولاد‭ ‬أحمد‭ ‬وحسن‭ ‬بن‭ ‬عثمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ومع‭ ‬غيرهما‭. ‬أنا‭ ‬نفسي‭ ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬المنع‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كُلّفت‭ ‬بالرقابة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭.‬‭ ‬ففي‭ ‬حديث‭ ‬لي‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬القدامى‭ ‬قال‭ ‬لي‭: “‬هنا‭ ‬لن‭ ‬تُسأل‭ ‬لماذا‭ ‬حجزت‭ ‬الكتاب‭ ‬بل‭ ‬لماذا‭ ‬سمحت‭ ‬برواجه‭” ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬القاعدة‭ ‬هي‭ ‬المنع‭ ‬والاستثناء‭ ‬هو‭ ‬السماح‭ ‬بالترويج‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتعرّض‭ ‬الرّقيب‭ ‬الموظّف‭ ‬إلى‭ ‬المساءلة‭.‬

4) ‬قرار‭ ‬الحجز‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬وهي‭ ‬صاحبة‭ ‬القول‭ ‬الفصل‭ ‬فيه‭ ‬ولكن‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬صنعه‭ ‬جهات‭ ‬متعدّدة‭ ‬كوزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الدينيّة‭ ‬والشؤون‭ ‬الثقافيّة‭ ‬وغيرهما‭ ‬والأنكى‭ ‬أن‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثقّفون‭ ‬وناشرون‭ ‬وأساتذة‭ ‬جامعيّون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬الجرائد‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقارير‭ ‬سرية‭ ‬تقدّم‭ ‬إلى‭ ‬الجهات‭ ‬المختصّة‭.‬

5) ‬الأصل‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬المنع‭ ‬يتناول‭ ‬كتابا‭ ‬محدّدا‭ ‬ولا‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬العناوين‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬ناشره‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الاحتراز‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬بعينه‭ ‬فإن‭ ‬المنع‭ ‬لا‭ ‬يشمل‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬نشر‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬استثناءات‭ ‬حسب‭ ‬المضمون‭. ‬فمعظم‭ ‬كتب‭ ‬سيّد‭ ‬قطب‭ ‬كانت‭ ‬ممنوعة‭ ‬باستثناء‭ ‬كتابين‭ ‬له‭ ‬واحد‭ ‬عن‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬والثاني‭ ‬عنوانه‭ “‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬جذوره‭ ‬وآفاقه‭” ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مقالات‭ ‬نشرت‭ ‬سنة‭ ‬1941‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬جمعها‭ ‬وقدّم‭ ‬لها‭ ‬آلان‭ ‬روسيون‭ ‬وطبعتها‭ ‬دار‭ ‬سينا‭ ‬للنشر‭ ‬سنة‭ ‬1994‭ ‬أيام‭ ‬مواجهة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الإخوانجي‭ ‬لدينا‭ ‬وكذا‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬حسن‭ ‬حنفي‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يُمنع‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬والثورة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬تمجيدا‭ ‬لقتلة‭ ‬السادات‭ ‬وتبريرا‭ ‬لجريمتهم‭. ‬أما‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬المنع‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬النشر‭ ‬أو‭ ‬جناح‭ ‬عرض‭ ‬الكتاب‭ ‬فذلك‭ ‬تعسّف‭ ‬وتجاوز‭ ‬للصلاحيات‭ ‬لا‭ ‬مبرّر‭ ‬لهما‭. ‬فدور‭ ‬النشر‭ ‬غير‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬المضمون‭ ‬السياسي‭ ‬والفكري‭ ‬للكتاب‭. ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬تبرير‭ ‬الإدارة‭ ‬بأنها‭ ‬أغلقت‭ ‬الجناح‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬مراقبة‭ ‬معروضاته‭ ‬مضحك‭ ‬لأن‭ ‬الرّقابة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتمّ‭ ‬حتى‭ ‬بحضور‭ ‬زوّار‭ ‬الجناح‭ ‬وبشكل‭ ‬متخفّ‭ ‬لا‭ ‬يلفت‭ ‬الأنظار‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أقوم‭ ‬به‭ ‬بصورة‭ ‬يوميّة‭ ‬أيام‭ ‬إشرافي‭ ‬على‭ ‬الرّقابة‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬كانت‭ ‬مواجهة‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭ ‬وكانت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأجنبيّة‭ ‬تتسقط‭ ‬أخبار‭ ‬الرقابة‭. ‬أما‭ ‬إغلاق‭ ‬الجناح‭ ‬وما‭ ‬تبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬المشاركين‭ ‬بحضور‭ ‬الضيوف‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬الافتتاح‭ ‬فأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬مقصود‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬تشويه‭ ‬صورة‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وهي‭ ‬مشوّهة‭ ‬وليست‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ .‬

6) ‬منع‭ ‬كتاب‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬قراءة‭ ‬يحدّد‭ ‬أسباب‭ ‬المنع‭ ‬كأن‭ ‬تكون‭ ‬الترويج‭ ‬للتطرف‭ ‬أو‭ ‬تمجيد‭ ‬الإرهاب‭ ‬أو‭ ‬تحريض‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬بإحياء‭ ‬النعرات‭ ‬الجهويّة‭ ‬أو‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬والنفخ‭ ‬فيها‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬ينصبّ‭ ‬المنع‭ ‬على‭ ‬الدراسات‭ ‬الفكريّة‭ ‬والسياسيّة‭ ‬أمّا‭ ‬مجالات‭ ‬الإبداع‭ ‬الأخرى‭ ‬كالرواية‭ ‬والشعر‭ ‬وغيرهما‭ ‬فالأصل‭ ‬ألاّ‭ ‬يشملها‭ ‬المنع‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬حملت‭ ‬في‭ ‬ثناياها‭ ‬موقفا‭ ‬سياسيا‭ ‬مناوئا‭ ‬فإنه‭ ‬يضيع‭ ‬في‭ ‬زحمة‭ ‬الأحداث‭ ‬والسرد‭ ‬والتغافل‭ ‬عنه‭ ‬أفضل‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬مخالفة‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬مناوأة‭ ‬السلطة‭ ‬عندها‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬كمنشور‭ ‬سياسي‭ ‬وليس‭ ‬نصّا‭ ‬إبداعيّا‭.‬

7)‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬أشرفت‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬الرقابة‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬مُنع‭ ‬كتاب‭ ‬بسبب‭ ‬غلافه‭ ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬صورة‭ ‬الزعيم‭ ‬بورقيبة‭ ‬وهو‭ ‬شاب‭ ‬وفي‭ ‬عزّ‭ ‬قوّته‭ ‬كانت‭ ‬ممنوعة‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬صورته‭ ‬وهو‭ ‬شيخ‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬أيامه‭ ‬لتظهر‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬المتعلقة‭ ‬به،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬صدرت‭ ‬مؤلّفات‭ ‬حاملة‭ ‬لصور‭ ‬الزعيم‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬رغبة‭ ‬المذكور‭. ‬وفي‭ ‬حالتنا‭ ‬هذه‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬منع‭ ‬كتاب‭ ‬كمال‭ ‬الرياحي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الكاريكاتور‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬شبها‭ ‬برئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬لسيادته‭ ‬دارجة‭ ‬وموجودة‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬أنه‭ ‬اعترض‭ ‬عليها‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتور‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهمّ‭ ‬الفنون‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تخلو‭ ‬منه‭ ‬مطبوعة‭. ‬وقد‭ ‬ذكرني‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بأغنية‭ ‬السيدة‭ ‬علية‭ “‬الزين‭ ‬هذا‭ ‬لواش‭” ‬التي‭ ‬مُنعت‭ ‬إذاعتها‭ ‬منذ‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للسابع‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭ ‬بتحريض‭ ‬من‭ ‬انتهازييي‭ ‬كلّ‭ ‬العصور‭ ‬الذين‭ ‬يُظهرون‭ ‬ولاء‭ ‬مزيّفا‭ ‬للحاكم‭ ‬بصغائر‭ ‬الخسّة‭ ‬التي‭ ‬يقدمونها‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الرئيس‭ ‬وحكمه‭ ‬وينطبق‭ ‬عليهم‭ ‬المثل‭ ‬العامي‭ ‬البليغ‭ “‬قالو‭ ‬تعرف‭ ‬العلم‭ ‬قالو‭ ‬نزيد‭ ‬فيه‭”.‬

8) ‬في‭ ‬تبرير‭ ‬موقفها‭ ‬ذهبت‭ ‬إدارة‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الكتاب‭ ‬لم‭ ‬يدرج‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬المصرّح‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الناشر‭ ‬وهو‭ ‬تبرير‭ ‬فاسد‭ ‬لأن‭ ‬الناشرين‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬عرض‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬المطابع‭ ‬حتى‭ ‬أثناء‭ ‬المعرض‭. ‬فمن‭ ‬أسباب‭ ‬نجاح‭ ‬المعرض‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬الزائر‭ ‬عناوين‭ ‬يراها‭ ‬لأوّل‭ ‬مرّة،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬أن‭ ‬تلاحق‭ ‬الجديد‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬القائمات‭ ‬الرسميّة‭ ‬المودعة‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تنتظر‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬حتى‭ ‬تتفطن‭ ‬إلى‭ ‬الكاريكاتور‭ ‬وتتخذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬فضحنا‭ ‬بين‭ ‬ممثلي‭ ‬الأمم‭ ‬الحاضرة‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬المعارض‭ ‬بالكرم‭.‬

9) ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬أغلق‭ ‬جناح‭ ‬في‭ ‬الدورات‭ ‬السابقة‭ ‬للمعرض‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬العقوبة‭ ‬مسيئة‭ ‬للدولة‭ ‬وللمعرض‭ ‬وكنا‭ ‬نتحاشاها‭ ‬لأن‭ ‬إغلاق‭ ‬الجناح‭ ‬يستلزم‭ ‬أسبابا‭ ‬مقنعة‭ ‬كأن‭ ‬يثبت‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الناشر‭ ‬تزوير‭ ‬الكتب‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الناشرين‭ ‬أو‭ ‬المؤلفين‭. ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬دار‭ ‬الاعتصام‭ ‬القاهرية‭ ‬جلبت‭ ‬معها‭ ‬كتبا‭ ‬كثيرة‭ ‬غير‭ ‬مدرجة‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬واحد‭ ‬لعبد‭ ‬الصبور‭ ‬شاهين‭ ‬عنوانه‭ “‬قصة‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬وانحسار‭ ‬العلمانية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭” ‬شتم‭ ‬في‭ ‬غلافه‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬أيامها‭ ‬لأنه‭ ‬وسّم‭ ‬نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬رحمهما‭ ‬الله‭ ‬ولم‭ ‬أستجب‭ ‬لرغبة‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬إغلاق‭ ‬الجناح‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬مفتوحا‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬الدورة‭ ‬بل‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬قمت‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬سحب‭ ‬النسخ‭ ‬التي‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬عرضها‭ ‬غير‭ ‬محبّذ‭ ‬ثم‭ ‬أعدتها‭ ‬إلى‭ ‬صاحبها‭ ‬عند‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬ومرّت‭ ‬الدورة‭ ‬بسلام‭ ‬دون‭ ‬ضوضاء‭ ‬أو‭ ‬هرج‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭.  ‬

10) ‬بعض‭ ‬التعاليق‭ ‬حبّذت‭ ‬قرار‭ ‬المنع‭ ‬بتعلّة‭ ‬أن‭ ‬كمال‭ ‬الرياحي‭ ‬مطبّع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهو‭ ‬كلام‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محلّه‭ ‬لأننا‭ ‬إزاء‭ ‬موضعين‭ ‬مختلفين‭. ‬فالتطبيع‭ ‬موقف‭ ‬سياسي‭ ‬يناقش‭ ‬فيه‭ ‬صاحبه‭ ‬وهو‭ ‬مجال‭ ‬قابل‭ ‬للأخذ‭ ‬والردّ‭. ‬أمّا‭ ‬منع‭ ‬كتاب‭ ‬لمجرّد‭ ‬كاريكاتور‭ ‬ودون‭ ‬أسباب‭ ‬مقنعة‭ ‬فمسألة‭ ‬مُدانة‭ ‬لأنها‭ ‬تحمل‭ ‬ظلما‭ ‬غير‭ ‬مبرّر‭ ‬للمؤلّف‭ ‬وظلما‭ ‬مضاعفا‭ ‬للناشر‭.‬

الرّقابة‭ ‬من‭ ‬أدقّ‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬يستلزم‭ ‬التوفّق‭ ‬لأدائها‭ ‬ثقافة‭ ‬واسعة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬الفرز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يستحقّ‭ ‬المنع‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يستحقّه‭ ‬لأن‭ ‬الخطأ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يستفيد‭ ‬منه‭ ‬المحجوز‭ ‬ويضرّ‭ ‬بصورة‭ ‬السلطة‭. ‬ولدينا‭ ‬أمثلة‭ ‬تندّ‭ ‬عن‭ ‬الحصر‭ ‬أشهرها‭ ‬كتاب‭ “‬آيات‭ ‬شيطانية‭” ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬فتوى‭ ‬الخميني‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬شيوخ‭ ‬بول‭ ‬البعير‭ ‬ليحقّق‭ ‬انتشارا‭ ‬عالميا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليعرفه‭ ‬سلمان‭ ‬رشدي‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أضاف‭ ‬إلى‭ ‬عمره‭ ‬أعمارا‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬والتأليف‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي “الصادرة بتاريخ الثلاثاء 2 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING