الشارع المغاربي – فرنسا تفتح باب الثّورة ضد العولمة - بقلم أحمد بن مصطفى

فرنسا تفتح باب الثّورة ضد العولمة – بقلم أحمد بن مصطفى

27 ديسمبر، 2018

الشارع المغاربي : تعددت التأويلات للمد الاحتجاجي الشعبي المتواصل في فرنسا للأسبوع السادس على التوالي والمدعوم من شريحة هامة من الرأي العام الفرنسي، خاصة في ظل ما يحيط به من ضبابية وعدم ارتباطه بالأحزاب السياسية أو النقابات المعارضة التي عادة ما تكون وراء تحريك المظاهرات ضد السياسات الاقتصادية والجبائية الظالمة والمنحازة للاثرياء التي ازدادت استفحالا منذ انتخاب الرئيس ماكرون المعروف بانتمائه للقطاع المالي المعولم وتبنيه منظومة اقتصاد السوق والمشروع الأوروبي المرتبط بها.
ولكن الجميع يقر بأن الأمر لا يتعلق بحركة احتجاجية تقليدية وعابرة على علاقة فقط بتدهور الظروف المعيشية وتراجع المكاسب الاجتماعية وانتشار الخصاصة والشعور بالهشاشة في أوساط عديدة من المجتمع الفرنسي بدليل أن الحكومة لم تنجح في احتواء هذا الحراك وإخماده رغم مسارعتها لاتخاذ تدابير ذات صبغة اجتماعية اعلن عنها الرئيس الفرنسي فضلا عن تراجعه عن الزيادات في الضرائب التي أشعلت فتيل الانتفاضة.
صحيح أن الدعاية الرسمية تسعى للتقليل من حجم الاحتجاجات بناء على ما تدعي من تراجع عدد المشاركين فيها ، و لكن استمرارها بنفس نضالي متصاعد وانتشارها بكافة أرجاء البلاد وانتقال عدواها حتى إلى بلجيكا، فضلا عن الطابع السياسي للمطالب والشعارات المرفوعة من قبل المتظاهرين- من قبيل المطالبة باستقالة الرئيس ماكرون والدعوة لإرساء شكل من أشكال الديمقراطية المباشرة في صيغة الاستفتاء بمبادرة شعبية – كل ذلك يؤكد أن هذا الحراك الشعبي التلقائي،هو في جانب منه تعبير عن رفض شعبي عميق لمنظومة الحكم الهجينة التي أفرزتها العولمة الاقتصادية المرتبطة بالمشروع الأوروبي وما ترتب عنها من إضعاف للدولة الوطنية و تنازل عن جانب من مكتسباتها و استقلالية قرارها لصالح المؤسسات الأوروبية.
الحقيقة أن المجموعة الاقتصادية الأوروبية شهدت تحولا جذريا في طبيعتها ووظائفها بعد تحولها مطلع التسعينات من منطقة للتبادل الحر تجمع عددا محدودا من دول أوروبا الغربية ، إلى مشروع اقليمي سياسي ضخم يتطلع إلى إدماج أوروبي اقتصادي ومؤسساتي من خلال تحرير سوق الشغل والمبادلات التجارية والخدماتية والبشرية وهو ما تجسد عبر إحداث الاتحاد الأوروبي بمؤسساته وعملته الموحدة بعد توسيعه، في حيز زمني قصير، بانضمام بلدان أوروبا الشرقية والشمالية.
ومن الانعكاسات المترتبة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن أزمة العولمة المستمرة منذ 2008 بروز تيارات سياسية أوروبية معروفة بمناهضة المشروع الأوروبي نظرا لطابعه غير الديمقراطي وخضوع مؤسساته للهيمنة الألمانية الفرنسية.
كما ساهمت هذه الأزمة في اندلاع الانتفاضات الشعبية العربية انطلاقا من الثورة التونسية التي أثبتت أن الحراك الشعبي المستند إلى المنظومة القيمية الكونية قادر على تغيير مسار التاريخ إقليميا ودوليا. وقد أثبتت الأحداث انه كان موجها من حيث لا يدري ضد التبادل الحر الظالم وتبعاته الاقتصادية الكارثية، و مع ذلك، فان المنظومة المتعددة الأطراف ممثلة في مجموعة السبع والمؤسسات المالية الدولية الخاضعة لها ظلت متمسكة بنفس السياسات بل
تعمل على توسيعها داخل الفضاء الأوروبي وباتجاه دول جنوب المتوسط ومن بينها تونس.
و لعل ما تشهد فرنسا اليوم من حراك احتجاجي يضم فئات واسعة من الطبقات الهشة والمهمشة في المجتمع الفرنسي والأوروبي التي تضررت بفعل العولمة هو مقدمة لتحول جذري يمكن أن يطال مستقبل الكيان الأوروبي وسياساته الداخلية والخارجية بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية لشهر ماي 2019 خاصة إذا صحت التوقعات بصعود أغلبية برلمانية جديدة تعارض تغليب المشروع الأوروبي على حساب الدولة الوطنية الاوروبية.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING