الشارع المغاربي – فيلم عن محاولة الانقلاب على بورقيبة : الإطار التاريخي المفقُود

فيلم عن محاولة الانقلاب على بورقيبة : الإطار التاريخي المفقُود

11 مايو، 2018

الشارع المغاربي-بقلم لطفي الشايبي : تمّ عرْض الفيلم الوثائقي الحٓدٓث، منذ أسبوع في قاعةكارمنCarmen  بالعاصمة، حولمحاولة الانقلاب على الحبيب بورقيبة 1962، (إخراج فتحية خذير، سيناريو خالد عبيد) الذي تناول فيه الزميل خالد عبيد موضوعا شائكا، ذي أهمية ووقع في فترة استكمال السيادة (تٓوْنسة الإدارة والأمن، تأسيس البنك المركزي، الجلاء العسكري، تأميم أراضي المعمرين…)لتونس المستقلة (19561964)  يصبّ في خانة الذاكرة الحيّة أو في ما يُدْرجه ذوي الاختصاص في حقبة تاريخ الزمن الحاضر أو الرّاهن. واستمتع الحضور طوال ساعة باستحضار سلسلة  الأحداث التي حفّت بملابسات المحاولة الانقلابية التي انفضح أمرها في ديسمبر 1962، سٓرْدا عن طريق الصورة الوثائقية الواضحة والصوت الجٓهْوري المُعلّق عليها في نسق سلس شدّ انتباه المشاهدين. وتضمّن عرض الفيلم من حين إلى آخر توضيحات كاتب السيناريو المؤرّخ، خالد عبيد. وهي لعمري أصعب مهمة ملقاة على كاهل المؤرخ تتطلب كثيرا من التدقيق والتثبّت والإحاطة بقضية محاولة الانقلاب التيتمّ التحقيق فيها بسرعة بداية من تاريخ الاعتقال 19 ديسمبر 1962، والمحاكمة التي بدأت يوم 12 جانفي 1963 والحكم الذي صدر يوم 17 من نفس الشهر وتنفيذه يوم 24 منهوطويت قضية المحاولة الانقلابية بسرعة. وفي تقديرنا، تفسر هذه السرعة بخطورة ما كان سيحدث مباشرة لو نجحت المحاولة، أي حسب شهادات المورطين.

أوّلا، تدخّل رئيس الجمهورية الجزائرية، أحمد بن بلة في الشأن التونسيوهو الذي ارتقى إلى دفّة الحكم في سبتمبر 1962 ( ثلاثة أشهر قبل انكشاف المحاولة الانقلابية) وأزيح عنوة يوم 19 جوان 1965،  باعتبار العون والمساعدة التي وعد بها المتآمرين من جهة وتحالفه مع الزعيم صالح بن يوسف منذ أن قرر الزعيم جمال عبد الناصر تقديم العون للجنة تحرير المغرب العربي في أفريل 1954 والإعداد لاندلاع الثورة الجزائرية يوم غرة نوفمبر 1954 من جهة أخرى. ولم يخف بن بلة أثناء اعتقاله في الحصن / السجن الفرنسي (من 22 أكتوبر 1956 إلى  1962) حسرته عندما وصله خبر اغتيال الزعيم صالح بن يوسف يوم 12 أوت 1961.

ثانيا، ما أشار إليه الفاعل السياسي الأساسي الثاني بعد الرئيس الحبيب بورقيبة في الستينات من القرن الماضي، الوزير السابق أحمد بن صالح إلى مخطط المتآمرين في إسناد الحكم إلى بعض وزراء بورقيبة. وهي مسألة تم ذكرها بسرعة والحال أنّها توحي بأنه يصعب القبول بفكرة أنّ هؤلاء الوزراء كانوا خالين البال مما سيحدث بحكم طبيعة الحقائب الوزارية التي تولّوا الإشراف عليها حين انكشاف المحاولة الانقلابية من جهة والحقائب التي ستسند إليهم في صورة نجاح المحاولة الانقلابية من جهة ثانية.

نذكّر بهذه الأحداث على المستوى المباشر، أما التي سبقت حدث المحاولة الانقلابية، وكان لها تأثير غير مباشر، فهي تحوم حول بداية المفاوضات الفرنسية الجزائرية الشبه سرية (مفاوضات Melun في جوان 1960 التي سبقت محادثات Evian1 من 20 ماي إلى 13 جوان 1961
وEvian 2 من 5 إلى 18 مارس 1962 وLugrun من 20 إلى 28 جويلية 1961). والجدير بالملاحظة، أن لقاء الرئيس بورقيبة  بالجنرال ديغول حصل في Rambouillet يوم 27 فيفري 1961 بطلب من الرئيس الفرنسي وقد سبق أن نشرت الحكومة المؤقتة الجزائرية بلاغا يوم 16 جانفي 1961 عبرت فيه عن استعدادها لخوض مفاوضات مع الطرف الفرنسي بدون شرط مسبق. وكان مدار الحديث بين الرئيسين التونسي والفرنسي حول وضعية القاعدة العسكرية الفرنسية ببنزرت وطلب تحديد موعد جلائها

وضبط الحدود التونسيةالجزائرية الجنوبية. علما أن الطرف الفرنسي كان في ذات الوقت يحاول إقناع الطرف الجزائري باحتفاظه بالصحراء. ولم ينل الرئيس التونسي مبتغاه في تحديد موعد الجلاء وفي ضبط الحدود التونسية الجزائرية الجنوبية. ثم في 3 مارس 1961 حصل اللقاء بين الزعيمين بورقيبة وبن يوسف فيزوريخوكان مدار الحديث حسب قراءة تقاطعية لشهادتي الدكتور عمر الشاذلي الذي حضر اللقاء وإبراهيم طوبال الذي سجل ما رواه له الزعيم صالح بن يوسف بعد اللقاء، حول من هو الذي ظفر باستقلال تونس : بورقيبة أم بن يوسف ؟ وكانت وجهات نظر الزعيمن متضادة. وفشل اللقاء علما أن الزعيم صالح بن يوسف كان يردد في تصريحاته بالقاهرة قبل مغادرتها إلى ألمانيا للتداوي خلال سنة 1961انه لا استقلال في تونس دون الجلاء من قاعدة بنزرت.

و قد عٓجّل ذلك في تقديرنا، بتنفيذ طلب الزعيم الحبيب بورقيبة منذ الحصول على الاستقلال سنة 1956  بوجوب الجلاء العسكري الفرنسي عن التراب الوطني والذي أعلن عنه في خطابه بتطاوين والذي تم على مراحل ( معركة السدود واعتداء الساقية واللذين أسفرا عن جلاء القوات العسكرية الفرنسية من الجنوب التونسي وبقية ثكناتها الحدودية ثم اندلاع معركة بنزرت 1922 جويلية 1961 ). ولئن كانت معركة بنزرت دامية وخلفت ضحايا جسيمة فالمسؤولية يتحمّلها إلى حدّ كبير الجنرال ديغول الذي استعمل وسائل جزرية ومفرطة في القوّة (أمره الشهير للأميرال Aman: ” اضرب بقوة وبسرعةFrappez fort et vite) مثل التي نشاهدها اليوم في قطاع غزة الشهيدة أمام الغطرسة الصهيونية.

وخلاصة القول إن الغضب الذي نتج عن معركة بنزرت لدى أهاليها  والغلاء في الأسعار الذي رافق تراجيديا معركة بنزرت والذي مهّد لحصول معارضة داخلية لحكم الزعيم بورقيبة (خليط من العسكريين والمدنيين ذوي التوجهات المختلفة ) ما كانا أن يأخذا صبغة انقلابية مدعمة من قوى خارجية لولا ارتقاء الرئيس بن بلة إلى الحكم في سبتمبر 1962 والذي أراد أن ينتقم لرفيقه وحليفه صالح بن يوسف الذي أغتيل يوم 12 أوت 1961.

وعلى أية حال فإن سيرورة الأحداث إثر الجلاء عن قاعدة بنزرت يوم 15 أكتوبر 1963 وحضور كل من الرئيسين بن بلة وعبد الناصر في احتفالات عيد الجلاء تأكيد لانتصار المقاربة البورقيبية المرحلية في استكمال السيادة وطي لصفحة الصراع اليوسفي البورقيبي الذي اختلفت حول أفضل السبل لتكريس الاستقلال الذي هو اليوم بحكم المديونية الثقيلة وتململ الحراك الاقتصادي والاجتماعي المتواصل وعجز الحكومات المتعاقبة منذ 2011 مهدد حقا.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING