الشارع المغاربي – في الأثناء... سيبقى الاتحاد العام التونسي للشغل / بقلم خالد عبيد

في الأثناء… سيبقى الاتحاد العام التونسي للشغل / بقلم خالد عبيد

قسم الأخبار

22 يناير، 2020
الشارع المغاربي: لم يسْتوعب البعض خاصّة ممّن أتى بعد 2011 لماذا يتدخّل الاتحاد العام التونسي للشغل في الشأن السياسي؟ ولماذا يرغب أحيانا في أن تكون له كلمته؟ ولماذا على الساسة أن يتودّدوا إليه أو يتفاهموا معه؟ وإذا ما أضفنا إلى ذلك تحرّكات “متهوّرة” تقوم بها بعض قياداته الوسطى أو القاعدية، فإنّه سرعان ما تُحمّل المسؤولية إلى الاتحاد، مسؤولية تعطيل مرافق الدولة، وإيقاف عجلة الإنتاج…الخ.
نتفهّم أنّ بعض هؤلاء يجهلون تاريخ الاتحاد بل ويجهلون مسار تشكّل الدولة الوطنية منذ عقود طويلة ترجع إلى القرن التاسع عشر، فلا نلومهم كثيرا عملا بقاعدة يُعْذر الجاهل بجهله، بينما الغالبية تتعمّد انتقاد الاتحاد مستغلّة بعض التحرّكات الاجتماعية أو النقابية التي تبدو لعدد مهمّ من الرأي العام التونسي غير مقبولة، وحتى قيادة الاتحاد ذاتها تعجز أحيانا عن كبْح جِمَاحِها، وذلك كي تسمح هذه الغالبية لنفسها بكيْل كلّ السبّ والشتم إلى الاتحاد بالمناولة عن أطراف أخرى،
ويتمّ التركيز على أنّ الاتحاد متهوّر ويريد إسقاط هذه الحكومة أو تلك، وكان عليه أن يهتمّ بالجانب النقابي البحت ويتحكّم في منظوريه رفقا بالبلاد والعباد، فما دخله بالسياسة والشأن الوطني؟ قد نتفهّم، ومرّة أخرى أخرى، حتى هذه الغالبية، لوْ لمْ نلاحظ أنّ ذات الوجوه التي كانت وَقُودًا في شيْطَنَة الاتحاد والهجوم على مقرّاته والمنتسبين إليه، هي ذاتها أو بعضها التي رأيناها عقب انتخابات 2019 تستهدف مجدّدا الاتحاد. في رأينا، الذي عبّرنا عنه حتى إلى قيادة الاتحاد منذ مدّة، كان هناك عمادان للدولة الوطنية التونسية، أو بالأحرى تعتمد مشروعية الدولة الوطنية في توجّهها التحديثي على أساسيْن اثنيْن مترابطيْن منذ عقود، غالبا في حالة تحالف وأحيانا في حالة صدام لا ينفصم في الأخير حتى وإن خيّل للبعض عكس ذلك، أو توهّم البعض الآخر أنّهما على طرفيْ نقيض.
سقط العماد الأوّل سنة 2011 وتمّ استغلال ما شابه من اعْتلال وما اندسّ فيه من وصوليين وانتهازيين كي تقع أبْلَسته فمحْوه بجرّة قرار، وكأنّ الذين يقفون وراء هذا التوجّه هم الأخْيار الطيّبون أو الثوْرَوِيون الطَهُوريون! ولم يتبق إلاّ العماد الثاني للدولة الوطنية وهو الاتحاد العام التونسي للشغل، ولدينا قناعة بأنّ الذين استهدفوا الاتحاد منذ سنوات وما زالوا إلى الآن، لديهم الاعتقاد الجازم بأنّ الإجهاز على ما تبقى من هذه الدولة الوطنية التي تداعت منذ سنوات نتيجة تتالي الطعنات حتى من أبنائها، إنّما يكمن في اجتثاث الاتحاد وإنهاء دوره، جرّبوا من قبل بخلْق منظمة صنيعة فلم تَخترق الهدف، جرّبوا الانْبثاث في هياكله فما قدروا على التحكّم، هم ينتظرون أن يكون لديهم نفوذا أكبر وسطوة أكثر كي يُنْهُوه بجرّة قرار. لا يمكن أن نفهم عودة خطاب التصعيد تجاه الاتحاد خارج هذه القناعة الدفينة، قناعة ترتكز على هدم أسس الدولة الوطنية وشيْطنة أخطائها السابقة والتضخيم فيها للدفع نحو إعلان التبرئة منها، والدفع أكثر نحو تبنّي أجيال من التونسيين، ممّن لم يستوعبوا ما يُحاك في الدوائر المغلقة، لشعور الخزْي ممّا حدث فتتبرّأ هذه الأجيال من إرث الدولة التي احتضنتهم، وبذلك يسهل تقويض هذه الأسس التي هي في الحقيقة أساسيْن اثنيْن، تمْهيدًا لِخلْقٍ جديد، ولِأسُسٍ جديدة تقوم على القطْع النهائي مع الدولة الوطنية وإحلال نموذجهم على الأرض، هكذا هي “الثورة” في مفهومهم وهكذا يريدون، الهدم لإعادة البناء، لكن ما فاتهم كما فات غيرهم ممّن يَتَّبِعَهم من الغَاوِين أنّ البناء عندما يتداعى ويسقط، إنّما يسقط على الجميع وأنّ الذين يكْتَوُون به أوّلا هم هؤلاء الذين هدموا، وأنّهم في عملية الهدم سَيَتَهَاوُون فلا يَبْقوْا هُمْ ولا يُمَرَّرُ مشروعهم، فالهدم أمر سهل لكن البناء يستلزم العقل والحكمة والنظر إلى الأمام ولا إلى الخلف…. في الأثناء، سيبقى الاتحاد العام التونسي للشغل…..وسيقع غلق القوس سريعا، لكن كيف؟ نترك ذلك للأيّام فهي الكفيلة بالإجابة عن ذلك!
افتتاحية أسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة يوم الثلاثاء 21 جانفي 2020.

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING