الشارع المغاربي – في الانتخابوية .../ بقلم د. نوفل حنفي

في الانتخابوية …/ بقلم د. نوفل حنفي

قسم الأخبار

4 فبراير، 2023

الشارع المغاربي: تختزل الانتخابوية L’électoralisme مفهوم السياسة فى المسألة الانتخابية. ومن ثم فهي تغفل كل ثقل النضال السياسي الذي لن يكون هدفه سوى الحصول على نتائج انتخابية جيدة لاسيما وانه ليس ثمة شرعية لتغيير السلطة من خلال الاستيلاء عليها بالقوة بل من خلال المسار الانتخابى ، بحيث ان الانتصار في صناديق الاقتراع هو مرحلة ضرورية داخل الانتقال الديمقراطى لذلك فهاجس الفوز في الانتخابات
هو الهدف الرئيسي ، إن لم يكن الوحيد ، لأي شخص يريد المساهمة في تغيير المجتمع. وبهذا المعنى ، فإن اغلب الأحزاب والفاعلين السياسيين في العالم وفى تونس يميلون إلى التصرف كما لو أن الانتخابات سواء كانت محلية أو وطنية يمكن أن تكون لحظة تؤدى في نهايتها الى الفوز بكل شيء.
تحيلنا الانتخابوية بشكل مجازى على التوجه الديماغوجي والزبونى والشعبوى والانتهازى للسياسة في الفترة التي تسبق الانتخابات ، حيث يتم الحرص على تملق الناخبين وإخفاء الجوانب غير المقبولة فى الواقع. كما يتم تحديد المواقف والبرامج على أساس المكاسب الانتخابية المتوقعة.

  1. الانتخابوية هي شكل من ألأشكال الديماغوجية:
    الديماغوجيا La démagogie ، التي ظهرت مع الديمقراطية اليونانية ، موجودة في جميع الديمقراطيات لا سيما خلال فترة الانتخابات. الديماغوجي هو الخطيب السياسي ، الذي يعد الجميع بما يرفضه في علاقته بذاته وبالآخرين ،.و الديماغوجيا هي فن قيادة الشعب ومعرفة كيفية التحدث اليه وإثارة اعجابه وإبهاره بالكلام والمظهر… ولم يكن لهذه الكلمة في الأصل دلالة ازدراء، كما هو الحال في كثير من الأحيان هذه الأيام. الديماغوجيا هي موقف سياسي وخطابي يهدف إلى محاولة السيطرة على الشعب من خلال التظاهر بخدمة مصالحه ودعم طموحاته. يستعمل الخطاب الديماغوجي لغاية كسب دعم مجموعة ما من خلال تملق المشاعر واستغلال الظروف القاسية والإحباط النفسى والاجتماعى والمهنى واستثمار الأفكار المسبقة الشعبيوية. لذلك فغالبا ما يستخدم الديماغوجي خطبًا مبسطة تداعب الانكسارات النفسية والاجتماعية للفئات الهشة وذلك دون التركيز على الفروق الدقيقة ويهدف ذلك الى تشويه الحقيقة وإظهار الرضا المفرط. وبالتالي فهو يدعو إلى التخفيف والتبسيط المفرط الى حد التشجيع على الكسل الفكري ، من خلال اقتراح التحليلات والحلول التي تبدو في الظاهر واضحة وفورية. كما إنه لا يناشد العقل ولا يسعى بشكل حقيقى إلى البحث عن المصلحة العمومية.
  2. الانتخابوية هي شكل من الزبونية :

يستخدم مصطلح الزبونية clientélisme بشكل ازدرائي من قبل أولئك الذين يريدون التنديد بها. إنه يشبه الديماغوجيا ، عندما يتعلق الأمر ، على سبيل المثال ، بتفضيل جزء من السكان من أجل الحصول على أصواتهم. يعلمنا التاريخ ان الزبونية هي الممارسة التي تسمح لشخص لديه ثروة بالحصول على ولاء مجموعة من الأشخاص الذين يشكلون “زبائنه” ، من أجل الفوائد المالية. وهكذا تحدد الزبونية الموقف السياسي لشخص أو حزب يسعى إلى زيادة عدد “زبائنه السياسيين” من خلال منح مزايا غير مبررة مقابل دعم مستقبلي ، خلال الانتخابات على وجه الخصوص. على الرغم من أن التصويت يتم في حجرة الاقتراع ، فإن هذا الدعم هو تعبير عن شكل من أشكال التضامن والتبعية والعلاقة “الهرمية” أو ، على الأقل ، “الاعتراف ببعض الخدمات”. ويمكن أن تتمثل هذه الممارسة ، الشائعة في شراء أصوات الناخبين بوسائل مختلفة : الإعانات ، والحصول على الوظائف ، والتسهيلات المختلفة ، وألجولات في المقاهي

  1. الانتخابوية هي شكل من اشكال الشعبوية:
    تبدو الدلالة اللغوية لكلمة “شعبوية” غامضة نسبيًا وتختلف وفق استخدمها المتعدد وغالبًا ما تكون مرادفًا للدماغوجية والانتخابوية والانتهازية. “الشعبوية هي أقوى أصناف الأفيون الذى يتجه الى تدمير الذكاء والثقافة والصبر والجهد المفاهيمي “. يذكر التاريخ ان الشعبوية هي حركة سياسية روسية في أواخر القرن التاسع عشر وقد حاربت ضد القيصرية من خلال الاعتماد على الشعب والدعوة إلى تغيير المجتمعات الزراعية التقليدية. الشعبوية السياسية هى ايديولوجيا أو موقف بعض الحركات السياسية التي تعود إلى الشعب من أجل دفعه
    الى معارضة النخبة الحاكمة أو لرأس المال أو أصحاب الامتيازات أو أي أقلية “احتكرت” السلطة دون رعاية مصالح افراد الشعب. يعتبر “الشعبويين” ، ان الديمقراطية التمثيلية تعمل بشكل سيئ ولا تفي بوعودها. ولذلك فإنهم يعرفون من خلال دعوتهم إلى ديمقراطية أكثر مباشرة بهدف إعادة السلطة الى الشعب. يستخدم مصطلح الشعبوية عمومًا بمعنى ازدرائي من قبل خصومه ، أي الطبقات الحاكمة أو
    السياسيين في السلطة ، لدمج وانتقاد الحركات الاحتجاجية التي يمكن ان تألب الجماهير. كما تعتمد بعض المجموعات على هذا المصطلح “الشعبوية” للتنديد بالدماغوجيين الذين يحشدون الشعب بالوعود الانتخابية الكاذبة أو يثيرون “غرائزهم والأساسية ” مثل العروشية والجهوية والميكرو جهوية والقومية أو تغذية نظريات المؤامرة وكراهية الأجانب والنازحين واقصاء مرشحى المعتمديات الأخرى
    داخل نفس الدائرة الانتخابية.
  2. الانتخابوية هي شكل من المحسوبية
    عبرت كلمة “محسوبية ” népotisme من الناحية التاريخية عن شكل من أشكال الانتهازية التي سادت في الفاتيكان ، وخاصة في القرن السادس عشر ، وتتمثل فى تخصيص البابا للألقاب أو التبرعات أو الامتيازات لوالديه ، ولأبناء أخيه ، ومن هنا جاء أصل الكلمة .و تشير المحسوبية في الوقت الحاضر إلى ممارسة انتهازية لمرشح انتخابى او مسئول (منتخب ، موظف حكومي كبير ، بارز ، ، إلخ) ، وتتمثل في توزيع المناصب أو المزايا أو الوظائف على أفراد عائلته أو أصدقائه أو أقاربه ، بدلاً من الأشخاص الذين يحق لهم الحصول عليها وقد تسبق هذه الوعود الانتخابات ذاتها حيث يعد البعض اقاربه وأصدقائه ببعض المناصب والامتيازات والمنافع دون وجه حق. لذا فإن المحسوبية هي إساءة استخدام السلطة التي تولد الظلم عن طريق إبعاد “أولئك الذين ليسوا من ألعائلة او من الجماعات المقربة.

وإذا استطاعت الانتخابات ان تتخلص قدر الإمكان من هذه النزعات الانتخابوية يمكنها حينئذ ان تتصالح مع مجموعة من الفضائل السياسية بحيث انها يمكن ان تسمح بشكل من أشكال المشاركة السياسية المتكافئة والفردية والميسرة دون أي شرط آخر غير شروط المواطنة الديمقراطية ، وهكذا تؤسس الانتخابات مساحة للتفاعل بين الحكام والمحكومين مما يجعل من الممكن الطعن والسيطرة على القرارات التي تتخذها السلطة الحاكمة في اطار النقاش الحر داخل الفضاء العمومى . وغالبًا ما يتم تقييم هذه الديمقراطية من زاوية تنظيم انتخابات حرة وشفافة. صحيح أن الانتخابات هى معيار أساسي لقياس حيوية ديمقراطية أي بلد ، وان التصويت هو “حق وحرية وضمانة وسلطة” يقع منحها للمواطنين ولا يجوز اليوم التفكير في الديمقراطية دون تنظيم انتخابات وتعيش الديمقراطيات الحديثة على إيقاع الانتخابات التي تمنح الحيوية بشكل دورى وتخلصنا من الحكم التقليدي الذى يقوم على الوراثة.و يصبح التصويت اداة مشاركة متاحة للمواطنين مما يمنحهم القدرة على فرض عقوبات إيجابية أو سلبية على طريقة إدارة المدينة.
لكن الديمقراطية لا تقتصر على الانتخابات وانه يجب الشعور يوميًا بمشاركة فعالة من المواطنين. لقد ركزت الأبحاث الاكاديمية حول للمشاركة السياسية على فكرة أساسية وهى تراجع نسبة المشاركة والزيادة في الامتناع عن التصويت في الانتخابات ، خاصة بين الشباب.
تتطلب الديمقراطية اليومية وجود مواطنين مستنيرين لهم معرفة بالشؤون العمومية. يدفع هذا الاهتمام بشؤون المدينة المواطنين إلى السعي إلى فهم أفضل لطريقة الإدارة التي يستخدمها ممثلوهم.

إن افتقار المواطنين للثقافة السياسية وعدم اهتمامهم بالشأن العمومى يزيد من نسبة الامتناع عن التصويت. ويمتنع المواطنون عن التصويت لأنهم لا يعتقدون أن صوتهم يمكن أن يحدث فرقا. وبالتالي ، فإن تملك المعرفة هو شرط ضروري من اجل اجراء تصويت مستنير.
تتحمل الدولة مسؤولية كبيرة في توعية وتثقيف المواطنين. ويعد وجود قنوات معلومات حرة ومتعددة جانبًا مهمًا في الديمقراطية. تتيح هذه القنوات للمواطنين حرية اختيار المعلومات ومواجهة مصادرها. وهذا يفترض حماية حرية التعبير مع وجود صحافة حرة ومتعددة. إن بناء قدرات المواطنين خلال التربية الديمقراطية هو وسيلة أساسية لتشجيع المشاركة السياسية.

في الواقع من الصعب جدًا على المواطنين الانخراط في شؤون المدينة إذا لم يكونوا على دراية بمعنى المواطنة. وهو ما يعنى إن التربية على المواطنة هي التي ستمكنهم من المشاركة بفعالية في حماية الديمقراطية وتعزيزها.

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 31 جانفي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING