الشارع المغاربي – في الحداثة وجماعات الإسلام السياسي في تونس

في الحداثة وجماعات الإسلام السياسي في تونس

قسم الأخبار

6 يناير، 2021

الشارع المغاربي– عميره عليّه الصغيّر: نذكّر أوّلا أن مفهوم الحداثة – la modernité- يطلق على مرحلة تاريخية من نموّ الدّول الصّناعيّة وهو أيضا مفهوم مستعمل للدّلالة على المميزات المشتركة بين البلدان الأكثر تقدّما في المجال الاقتصادي (التطوّر التقني، التطوّر العقلاني والكلي لقوى الإنتاج، السّيطرة على الطبيعة) والإجتماعي (تعدّي الأنظمة التقليدية، قابليّة التغيّر والابتكار، انتشار العقلانيّة) والسّياسي (إرساء أنظمة ليبراليّة، الدولة المجرّدة والمركزيّة، اعتماد الديمقراطيّة…) والتحديث إذن هو تلك السياسات المعتمدة لبلوغ الحداثة. وقد اختلفت نظريّات التّحديث منذ الحرب العالميّة الثانية حسب الخلفيات الفكريّة والإيديولوجية لأصحابها وحسب الفترات التاريخيّة، لكنها تجمع كلّها على اعتبار التّحديث عملية شاملة تضمّ النموّ الاقتصادي والتقدّم التقني والتحوّل المجتمعي وتحرّره من قيود التقاليد وإرساء ثقافة علمانيّة وعقلانيّة. أمّا التّحديث السّياسي فيقصد به تلك الجهود التي تُتوخّى لتجديد البنيات والمؤسّسات السّياسية القائمة وتطوير الثقافة السّياسية السائدة ومن الوجهة النّمطية تتبدّى تجليّات التّحديث السياسي في:

-ترشيد بناء السّلطة السّياسية (أي قيامها على أسس قوميّة وعقلانيّة مستقلّة تماما عن كافة الوشائج والارتباطات التقليديّة سواء كانت دينيّة أو عرقيّة أو قبليّة …).

-تمايز البنيات والوظائف السّياسية (تأكيد الطّابع التخصّصي للمؤسسات وازدياد استقلاليتها وإقامة الحدود الفاصلة بين كل من الأدوار المهنيّة وعلاقات القرابة وشؤون الحياة العائلية من ناحية وبين ضوابط القانون ومحدّداته وبين القيم الدينيّة…).

-تدعيم القدرات المؤسّسيّة والسّياسية للنظام السياسي (أي الزيادة المطّردة في قدرته على التكيّف والإبداع ويتجلّى ذلك في تطوير الهيكل المؤسّسي وتعظيم نطاق المجتمع السّياسي ومؤازرة منظمات المجتمع المدني والارتقاء بقدرتها على التعبير عن مصالح المواطنين وتجميعها…).

-تسييد روح المساواة في الحقوق والواجبات واستغراقها المجتمع بأسره (تكريس فكرة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والتزام حدود القانون وأحكامه في ضبط العلاقة  بين الحكومة والمواطنين وتغليب معايير الكفاءة والقدرة على الإنجاز عند شغل مواقع القوّة السّياسية أو توزيع المناصب والأدوار القياديّة والإداريّة.

هذه التعريف المختصر للحداثة والتحديث يحيلنا الى حالة التقهقر والانتكاس التي صارت عليها تونس مع حكم الإخوان وتوابعهم منذ 2011 حيث تحولت الدولة مشاعات تتقاسمها المصالح الحزبية والفئوية مفككة الى اقطاعات ووظائفها موزعة على الاتباع دون اعتبار للكفاءة والجدارة واضحت البلاد مهددة في وحدتها السياسية وحتى الترابية بإثارة وتغذية النعرات الجهوية والعروشيّة وحتى المذهبيّة وساد الشعور عند عامة الناس بفقدان الدولة للمصداقيّة وتراجع منسوب الثقة في كل اجهزتها خاصة مع انتشار الفساد  في كل المجالات وعجز القضاء على مقاومته .كما يتجلى هذا الانتكاس في التحديث على ما اكتسبته تونس منذ استقلالها على الاقل من انتشار مدعوم ممن بيدهم السلطة السياسية لقيم ما قبل حداثية مرجعيتها دينيّة صحراويّة ريعيّة قبليّة سماتها الغزو والعنف والإرهاب والغنيمة والمعاداة للعقل وللعلم وللجمال وللحياة ونشر الخرافة و تقديس الجمود وعبادة الماضي حيث اطلق العنان في الإعلام الخاص والعام وفي الفضاء المدني للجمعيات المتكاثرة كالفيروسات و للمدارس القرآنية الفالتة و حتى داخل المدارس و الجامعات الدولية الى المنادين بمحاربة قيم الحداثة والعقل تحت غطاء الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية للتونسيين ومحاربة “التّغريب” و الثأر من “دولة العلمانيين” و”النظام الفاسد” وهي لعمري هجمة ظلاميّةوثورة مضادة منافية للحداثة ومجهضة لأسباب التقدم وسعادة البشر ومن هناجاء مطلب التّنوير وواجب الوقوف في وجه هذا التيار الجارف للبلاد للتخلف اكثروالمهدد لمكتسباتها على جميع المستويات وخاصة المجتمعيّة والسياديّة منها ومحاربة من يقف وراءه و يتغذى منه اي مجاميع الاسلام السياسي احزابا و جمعيات و بقية الاحزاب و القوى التي تستظل بظلهم وتستنزف البلاد دون هوادة وتتجار بالدين وبالثورة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING