الشارع المغاربي – في‭" ‬الحوار‭ ‬الوطني‭" ‬النافع‭ ‬وشروطه / بقلم العميد الصادق بلعيد

في‭” ‬الحوار‭ ‬الوطني‭” ‬النافع‭ ‬وشروطه / بقلم العميد الصادق بلعيد

قسم الأخبار

25 يناير، 2023

الشارع المغاربي:

-1 ‬أدبيات‭ “‬الحوار‭” ‬ عموما

إن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬سنتطرق‭ ‬اليه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬نشهد‭ ‬حقا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي‭ ‬لبلادنا‭ ‬شيئا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نسميه‭ ‬‮”‬حوارا‮”‬‭ ‬بالمعنى‭ ‬الدقيق،‭ ‬أي‭ ‬التداول‭ ‬والتشاور‭ ‬البناء‭ ‬والذي‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬اتفاق‭ ‬حقيقي‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ ‬المتناول،‭ ‬ام‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬بعيدون‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬ذلك؟‭ ‬

لنذكّر‭ ‬بان‭ ‬‮”‬الثورة‭ ‬المرتجلة‮”‬‭ ‬عرفت‭ ‬تجربة‭ ‬ثرية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحوارات‭ ‬التي،‭ ‬في‭ ‬الحقيقية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬ذا‭ ‬منفعة‭ ‬حازمة،‭ ‬والكل‭ ‬يذكُر‭ ‬ما‭ ‬آلت‭ ‬اليه‭ ‬لقاءات‭ ‬قرطاج‭ ‬الأولى‭ ‬وقرطاج‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬المرحوم‭ ‬الباجي‭ ‬قائد‭ ‬السبسي‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬سلبية‭ ‬وعوائق‭ ‬وخيمة‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬الازمة‭ ‬الوطنية.

‮*-ذلك ان “الحوار “هو‭ ‬بالأساس‭ ‬عمل‭ ‬جدي‭ ‬يهدف‭ ‬الى‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المصلحة‭ ‬الاكبر‭ ‬والاقتداء‭ ‬بما‭ ‬يملي‭ ‬العقل فللحوار الجدي “ادبيات ” وقواعد منهجية يحسن التذكير باهمها في ما يلي:

‭ -* ‬ان‭ ‬‮”‬الحوار‮” ‬‭ ‬الجدّي‭ ‬يفترض‭ ‬ان‭ ‬يقبل‭ ‬المشاركون‭ ‬فيه‭ ‬مسبقا‭ ‬بأنهم‭ ‬متساوون‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمهمة‭ ‬التي‭ ‬سيقومون‭ ‬بإنجازها‭. ‬فالحوار‭ ‬ليس‭ ‬صراعات‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬او‭ ‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬متضاربة،‭ ‬وانما‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬اجتهاد‭ ‬جماعي‭ ‬هدفه‭ ‬حلّ‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭ ‬بالطريقة‭ ‬الاصلح‭ ‬والأفضل،‭ ‬وتنتهي‭ ‬دورة‭ ‬الحوار‭ ‬‮”‬بلا‭ ‬غالب‭ ‬ولا‭ ‬مغلوب”.

‮‬ *‭ -‬إن‭ ‬‮”‬الحوار‮” ‬‭ ‬المُجدي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬تقبل‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬المصادقة‭ ‬المسبقة‭ ‬على‭ ‬‮”‬ميثاق‭ ‬تأسيسي‮ ” ‬يتضمن‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬ستطبق‭ ‬في‭ ‬اطاره

‭‬ ‭ -*‬إن‭ ‬هذا‭ ‬‮ “‬الحوار‮” ‬‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مفيدا‭ ‬الا‭ ‬عندما‭ ‬وبشرط‭ ‬ان‭ ‬يفضي‭ ‬الى‭ ‬برامج‭ ‬دقيقة‭ ‬وشاملة‭ ‬وقابلة‭ ‬للإنجاز‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع.

*-‬إن‭ ‬‮”‬الحوار‭ ‬الوطني‮”‭ ‬في‭ ‬معناه‭ ‬الصحيح،‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬المنطق‭ ‬والتفاعل‭ ‬الايجابي‭ ‬والبنّاء‭ ‬بين‭ ‬الأفكار‭ ‬والتصورات‭ ‬والخضوع‭ ‬لقواعد‭ ‬التناسق‭ ‬والتلاؤم‭ ‬بينها‭. ‬وهو‭ ‬لذلك‭ ‬يختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬المحادثات‭ ‬والنقاشات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التوازنات‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬السياسية،‭ ‬ففي‭ ‬تلك‭ ‬الحال،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ينقلب‭ ‬‮”‬الحوار‮”‬‭ ‬الى‭ ‬‮”مفاوضات‮”‬‭ ‬وصراعات‭ ‬تسود‭ ‬فيها‭ ‬نسب‭ ‬القوى‭ ‬المتواجهة،‭ ‬لا‭ ‬غير‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬نحن‭ ‬أًمام‭ ‬عالمين‭ ‬مختلفين‭ ‬جذريا‭: ‬ العالم‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬الاقتداء‭ ‬بمبادئ‭ ‬المنطق‭ ‬واحكامه‭ ‬وحدوده‭ ‬سعيا‭ ‬للتوصل‭ ‬الى‭ ‬نتائج‭ ‬أكثر‭ ‬مصداقية‭ ‬وفاعلية‭ ‬وديمومة‭. ‬والعالم‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬المناورات‭ ‬والمساومات‭ ‬والسعي‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭ ‬وراء‭ ‬‮”‬أربَح‭ ‬نتيجة‮” ‬‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬ظرفية‭ ‬وسريعة‭ ‬الزوال‭.

‬ 2‭ – ‬ أين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم؟

‭ -* ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬للبلاد‭ ‬لا‭ ‬يدفع‭ ‬على‭ ‬الابتهاج‭. ‬لكن‭ ‬وفي‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬ورغم‭ ‬حالة‭ ‬الاحتقان‭ ‬المشهودة،‭ ‬فإن‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والخاصة‭ ‬منها‭ ‬عجزت‭ ‬فرادى‭ ‬كانت‭ ‬او‭ ‬جماعات،عن‭ ‬ابتكار‭ ‬منظومة‭ ‬او‭ ‬مخطط‭ ‬يُدخل‭ ‬الامل‭ ‬على‭ ‬النفوس،‭ ‬سببه‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬تغلّب‭ ‬دافع‭ ‬الغرور‭ ‬وعبادة‭ ‬الذات‭ ‬لدى‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬قلّما‭ ‬يقبلون‭ ‬التحاور‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المبادئ‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭. ‬وهذا‭ ‬العجز‭ ‬سنشاهده‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬كما‭ ‬سنبين‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي:

‬ *‭ -‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬‮”‬الحوار‭ ‬الوطني‮” ‬‭ ‬وشروط‭ ‬مشاركتها‭:‬

انه‭ ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬ان‭ ‬أكثر‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬توخّت‭ ‬مواقف‭ ‬سلبية‭ ‬ومتشددة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬أعلن‭ ‬مقاطعته‭ ‬للحوار‭ ‬او‭ ‬قدم‭ ‬شروطا‭ ‬تعجيزية‭ ‬لمشاركته‭ ‬فيه‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬لزموا‭ ‬الصمت‭ ‬الكامل‭. ‬وآخرون‭ ‬اشترطوا‭ ‬ان‭ ‬يلعبوا‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬دورا‭ ‬شبه‭ ‬قيادي‭. ‬وهناك‭ ‬طرف‭ ‬رئيسي‭ ‬يدّعي‭ ‬احتكار‭ ‬مبادرة‭ ‬‮”‬الحوار‮” ‬‭ ‬من‭ ‬ألفها‭ ‬الى‭ ‬يائها،‭ ‬فلا‭ ‬يكون‭ ‬‮”الحوار‮” ‬‭ ‬عنده‭ ‬الا‭ ‬خطابا‭ ‬احاديا،‭ ‬يتفرّد‭ ‬ببعثه‭ ‬وبقيادته‭ ‬وباختتامه‭. ‬

‭ -* ‬إنه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬انه‭ ‬طالما‭ ‬ستبقى‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التركيبة‭ ‬المختلة،‭ ‬فإن‭ ‬تنظيم‭ ‬‮”‬الحوار‭ ‬الوطني‮” ‬‭ ‬المنشود‭ ‬وبالمعنى‭ ‬المبين‭ ‬أعلاه‭ ‬سيكون‭ ‬صعبا‭ ‬للغاية‭ ‬مثلما‭ ‬سنبرزه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النظر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬الطرفين‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسرحية،‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬اخرى‭. ‬فرئيس‭ ‬الدولة‭ ‬وضع‭ ‬شروطا‭ ‬اقصائية‭ ‬صارمة‭ ‬ولم‭ ‬يقبل‭ ‬أي‭ ‬تنازل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬الا‭ ‬لفائدة‭ ‬القلة‭ ‬التي‭ ‬قبلت‭ ‬‮”‬الاصطفاف‮”‬‭ ‬المطلق‭ ‬خلف‭ ‬مواقفه‭ ‬وتوجهاته‭. ‬وفي‭ ‬العموم،‭ ‬فإنه‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬بالحوار‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ . ‬اما‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬الطرف‭ ‬العمالي‭ -‬،‭ ‬فإنه‭ ‬يبدو‭ ‬معنيا‭ ‬بقيادة‭ ‬الحوار‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬موقفه من‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المجال،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬لرئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الا‭ ‬بدور‭ ‬شرفي‭ ‬وحضور‭ ‬رمزي‭ ‬وشبه‭ ‬‮”‬بروتوكولي‮ ‬‭.” ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يقبله‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬الا‭ ‬اذا‭ ‬اصبحت‭ ‬الشمس‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الأرض.

‭… -* ‬في‭ ‬رأينا،‭ ‬يسود‭ ‬هاذين‭ ‬الموقفين‭ ‬التشدد‭ ‬واللامبالاة،‭ ‬ولا‭ ‬يمهدان‭ ‬السبيل‭ ‬لحوار‭ ‬إيجابي‭ ‬وبناء‭ ‬بل‭ ‬هما‭ ‬انحدرا‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬العمل‭ ‬‮”‬السياسوي‮”‬‭ ‬وغير‭ ‬المسؤول‭. ‬لهذه‭ ‬الاسباب،‭ ‬فإنا‭ ‬نتوقع‭ ‬ان‭ ‬المبادرة‭ ‬الحوارية‭ ‬لن‭ ‬تؤول‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬الا‭ ‬الى‭ ‬نتيجة‭ ‬غير‭ ‬مجدية على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬عهدنا‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاجتماعات‭ ‬غير‭ ‬المجدية‭ ‬والمخيبة‭ ‬للآمال‭…‬

‭*- ‬محاور‭ ‬‮«‬الحوار‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬المعروضة‭:‬

الى‭ ‬جانب‭ ‬الاختلافات‭ ‬السلبية‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬المذكورة‭ ‬آنفا،‭ ‬دعنا‭ ‬نتعرض‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمحاور‭ ‬الحوار‭ ‬موضوع‭ ‬تلك‭ ‬الاختلافات‭. ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬ان‭ ‬تنشب‭ ‬النزاعات‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬انها‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬الى‭ ‬سد‭ ‬باب‭ ‬الحوار‭ ‬بينها‭ ‬من‭ ‬عدمه‭. ‬وهذه‭ ‬الوضعية‭ ‬المأساوية‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬الى‭ ‬انفجار‭ ‬سياسي‭. ‬وحتى‭ ‬نبين‭ ‬خطورة‭ ‬الوضع‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتقان،‭ ‬لننظر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬في‭ ‬اهم‭ ‬تلك‭ ‬الإشكاليات.

‭ -* ‬معضلة‭ ‬‮”‬الدستور‮”‬‭ ‬الحالي:

‬ ‭ ‬لقد‭ ‬ثبت‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬سمّي‭ ‬في‭ ” ‬2014‭ ‬‮ ‬أحسن‭ ‬دستور‭ ‬في‭ ‬العالم‮”‬‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أسوأ‭ ‬دستور‭ ‬عرفته‭ ‬البلاد،‭ ‬وتبيّن‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬إلغائه‭ ‬وتعويضه‭ ‬بطرق‭ ‬ديمقراطية‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭. ‬الا‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬كان‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬باعتبار‭ ‬انه‭ ‬تم‭ ‬وضعه‭ ‬بطريقة‭ ‬انفرادية‭ ‬ومفاجئة‭ ‬وان‭ ‬عرضه‭ ‬على‭ ‬‮”‬الاستفتاء‮”‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬مجرد‭ “‬مهزلة‭ ‬سيئة‭ ‬الإخراج‮ ‬‭.” ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الحال،‭ ‬يبدو‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لأي‭ ‬‮”‬حوار‮”‬‭ ‬بالمعنى‭ ‬المبيّن‭ ‬أعلاه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الدستور‭ ‬الحالي‭ ‬وان‭ ‬الأمر‭ ‬المطروح‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬مراجعة‭ ‬النص‭ ‬الدستوري‭ ‬بأكمله.

‬ ‭*- ‬معضلة‭ ‬‮ ‬25‭” ‬جويلية 2021″:

هو‭ ‬يوم‭ ‬تاريخي‭ ‬بامتياز‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬قبله‭ ‬وما‭ ‬بعده‭. ‬وهنا،‭ ‬تبرز‭ ‬الاختلافات‭ ‬بين‭ ‬مؤيدي‭ ‬ذلك‭ ‬الرمز‭ ‬وبين‭ ‬مناهضيه،‭ ‬ولقد‭ ‬تفاقم‭ ‬الاختلاف‭ ‬بينهما‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬ان‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬الشقّين‭ ‬أصبح‭ ‬صعبا‭ ‬للغاية‭ : ‬فمن‭ ‬جهة‭ ‬أولى،‭ ‬يَعتبر‭ ‬صانع‭ ‬25‭” ‬جويلية‮”‬‭ ‬ان‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬هي‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الأولى (2010-2011‭ ‬ ) باعتبار‭ ‬انها‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬وعودا‭ ‬ومشاريع‭ ‬ضخمة‭ ‬وان‭ ‬الشعب‭ ‬–‭ ‬وربما،‭ ‬الإلهام‭ ‬الرباني‭ ‬–‭ ‬كلّفه‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬بإنجاز‭ ‬الرسالة‭ ‬كاملة‭ ‬ومكّنه‭ ‬من‭ ‬الصلاحيات‭ ‬اللازمة‭ ‬لذلك‭ ‬وعصمه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مسؤولية‭ ‬عمّا‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬اعمال‭. ‬لكن‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يدّعي‭ ‬الشق‭ ‬الثاني‭ ‬انه‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬رعاية‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬ومصالحه‭ ‬وأنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بالمشروعية‭ ‬الشعبية‭ ‬والصلاحيات‭ ‬الكافية‭ ‬للقيام‭ ‬بتك‭ ‬المهمة‭ ‬العليا‭. ‬وادّعى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬انه‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬المبادرة‭ ‬وان‭ ‬له‭ ‬الاسبقية‭ ‬في‭ ‬تبنّيها‭ ‬وفي‭ ‬الإعلان‭ ‬عنها،‭ ‬فنتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬سد‭ ‬باب‭ ‬النقاش‭ ‬بينهما‭.‬وبذلك‭ ‬اصبح‭ ‬‮”‬الحوار‮”غير‭ ‬ذي‭ ‬معنى‭ ‬بحكم‭ ‬انه‭ ‬بصدد‭ ‬التحول‭ ‬الى‭ ‬مواجهة‭ ‬ومنازلة‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭. ‬

‭*- ‬معضلة‭ ‬تحديد‭ ‬اهداف‭ ‬الثورة:

‭‬ ‭ ‬إن‭ ‬‮”‬ثورة‮” ‬‭ ‬2010‭ – ‬2011‭ ‬كانت‭ ‬بالأساس‭ ‬انتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬تلقائية‭ ‬على‭ ‬الفقر‭ ‬والظلم،‭ ‬لكنها‭ ‬تطورت‭ ‬بسرعة‭ ‬الى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭: ‬فبعد ‭ ‬‮”‬معركة‭ ‬الهوية‮” ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الإسلاميون‭ ‬يحنّون‭ ‬اليها‭ ‬ويأملون‭ ‬في‭ ‬الرجوع‭ ‬اليها،‭ ‬تحولت‭ ‬الثورة‭ ‬الى‭ ‬اتجاه‭ ‬شعبَوي‭ ‬فوجئ‭ ‬الجميع‭ ‬باندلاعه‭ ‬وبانتصاره‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬لسنة‭ ‬2019‭ ‬وبتَبنّيه‭ ‬لمنظومة‭ ‬كليانية‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ولا‭ ‬سابقة‭ ‬بل‭ ‬وتَدّعي‭ ‬انها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬تأتي‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬به‭ ‬الأوائل.

‭ -* ‬ليس‭ ‬من‭ ‬حظ‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬ان‭ ‬يتحمل‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬محنة‭ ‬تحويل‭ ‬ثورته‭ ‬الى‭ ‬مأساة‭ ‬عقائدية‭ ‬مصطنعة‭ ‬آلت‭ ‬به‭ ‬الى‭ ‬الخراب‭ ‬والى‭ ‬الانشقاق‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي،تليها‭ ‬محنة الهروب‭ ‬الى‭ ‬الامام‭ ‬او‭ ‬القفز‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬والمجهول‭. ‬فوضعية‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬لم‭ ‬تتحسن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬فحسب‭ ‬وانما‭ ‬ازدادت‭ ‬سوءا‭ ‬باعتبار‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يهتد‭ ‬الى‭ ‬ابتكار‭ ‬الحل‭ ‬المفصلي‭ ‬والحاسم‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬ثورته‭ ‬من‭ ‬اجله‭. ‬ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬للغاية‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬ابتكار‭ ‬منوال‭ ‬تنموي‭ ‬جديد‭ ‬يوفر‭ ‬أسباب‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬للجميع‭ ‬ويحقق‭ ‬العدالة‭ ‬والاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬المرغوب‭. ‬فالمخطط‭ ‬‮”‬التنموي‮” ‬‭ ‬الحكومي‭ ‬لا‭ ‬يفي‭ ‬بالحاجة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الأهداف‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬فترة‭ ‬الإنجاز‭(‬2023-2025‭). ‬أما‭ “‬المخطط‭ ‬التنموي‮”‬‭ ‬للاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يُكشف‭ ‬للعموم‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬ولم‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬القرار‭ ‬الحكومية‭ ‬او‭ ‬الخاصة‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬اليوم‭.‬

‭*****////****‬ ‭*- ‬

إن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬‮”‬الثورة‮” التونسية‭ ‬لم‭ ‬تكلل‭ ‬بالنجاح‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة‭ ‬نوجزها‭ ‬في‭ ‬انّها‭ ‬لم‭ ‬تخلق‭ ‬المناخ‭ ‬الملائم‭ ‬لإنجاز‭ ‬العمل‭ ‬الاصلاحي‭ ‬المرغوب‭ ‬ولم‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬منهجية‭ ‬واضحة‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬إتمام‭ ‬أهدافها‭. ‬وفي‭ ‬رأينا،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬‮”‬مربط‭ ‬الفرس‮ ‬‭:”‬ففي‭ ‬رأينا،‭ ‬إن‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والخاصة‭ ‬الحالية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭ ‬الحيوية‭. ‬لهذا،‭ ‬وتفاديا‭ ‬لاضاعة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬واعتبارا‭ ‬لتدني‭ ‬الوضعية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬ولضرورة‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬عاجلة‭ ‬لإنقاذه،‭ ‬واهتداء‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الناجحة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬بالخارج،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬تمسك‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بالصمت‭ ‬والامتناع‭ ‬عن‭ ‬التفاعل‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬مبادرات‭ ‬مختلف‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬نرى‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الصالح‭ ‬والعملي‭ ‬اعتماد‭ ‬مخطط‭ “‬الرباعي‭” ‬كقاعدة‭ ‬للتحرك‭ ‬السياسي‭ ‬ولإحداث‭ ‬ديناميكية‭ ‬جدّية‭ ‬لوضع‭ ‬برنامج‭ ‬واقعي‭ ‬للخروج‭ ‬بالبلاد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الازمة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬اكثر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬يطاق‭….‬

*نُشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 24 جانفي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING