الشارع المغاربي – في الذكرى 66 لاغتياله/ إضاءات تاريخية على سيناريو اغتيال الزعيم فرحات حشاد ومسؤولية الدولة الفرنسية: جهاز اليد الحمراء الإرهابي والموازي جيش الجمهورية السري

في الذكرى 66 لاغتياله/ إضاءات تاريخية على سيناريو اغتيال الزعيم فرحات حشاد ومسؤولية الدولة الفرنسية: جهاز اليد الحمراء الإرهابي والموازي جيش الجمهورية السري

4 ديسمبر، 2018

الشارع المغاربي – بقلم : أ. محمد لطفي الشايبي

اغتيل الزعيم فرحات حشاد صباح يوم 5 ديسمبر 1952 وعملت الدولة الاستعمارية على طمس جريمتها بتوجيه الشبهات نحو سرايا العائلة الحسينية وقيادة الحزب الحر الدستوري الجديد ولكن سرعان ما خاب رجاؤها في ثنايا التحقيق الذي أنجزه الصحفي الفرنسي « روجي ستيفان Roger Stéphane)1994 – 1919) » المناهض للاستعمار الذي تحدّى القمع الذي شنهّ المقيم العام «جان دي هوتكلوك Jean de Hauteclocque” على الحركة الوطنية وقدِم مبْعوثا عن صحيفة «الأبسرفاتور L’Observateur » إلى تونس مُحقّقا وكاشفا عن تورّط الجهاز السرّي والموُازي «اليد الحمراء » في الجريمة التي ارتكبت في حق نضال الوطنيين من أجل الاستقلال ( 1).

وتم منع الصحيفة من التوزيع في الإيالة ورفعت قضية في الثلب ضد الصحفي المذكور. وبقي ملف اغتيال الزعيم مطروحا بدون تقدّم يذُكر في الشأن.
وفي يوم 24 جويلية 1954 – أي قرابة الأسبوع عن زيارة رئيس الحكومة الفرنسية، الراديكالي «بيار منداس فرانس » المفاجئة للباي محمد الأمين ( 31 جويلية 1954 ) والتي أعلن فيها عن رغبة فرنسا «الصادقة » في التفاوض مع الحكومة التونسية من أجل الحصول على الاستقلال الداخلي-، اغتالت المقاومة الدستورية تحت إشراف الطيب المهيري العقيد « بونوا دي لا بايون Benoit de La Paillonne» مدير البعثة العسكرية الفرنسية بتونس ومدير
الإدارة المركزية للجيش التونسي منذ 1951 بسبب تورّطه في عملية اغتيال الزعيم فرحات حشاد كما ورد في شهادة المناضلين محمد بن سلامة (سنة 2013 ) وعلية قعيب (سنة 2006  (2).

وبطبيعة الحال، لم يتم البوح بتفاصيل العملية المذكورة وعلاقتها باغتيال الزعيم حشاد إلا بعد أكثر من نصف قرن عن حصولها لحساسية طرحها وتبعاتها على سير بداية المفاوضات التونسية الفرنسية مع حكومة الطاهر بن عمار الأولى (أوت 1954 -سبتمبر 1955 ).

وكان المتداول لدى الرأي العام التونسي في تلك الفترة أن « اليد الحمراء »، هي عصابة إرهابية متكونة من استعماريين فرنسيين مُتطرّفين مُستقرّين في تونس، منهم من يشتغل في إدارة الامن الفرنسي حينذاك ومنهم من هو ينتمي إلى مجموع المعمرين.

وتتمثل مهمتها في ترويع الوطنيين النشطين وقمعهم وتصفية قياداتهم بدعم ورعاية من قبل الإقامة العامة وتحديدا الكتابة العامة للحكومة التونسية التي يديرها موظفا ساميا فرنسيا. لكن هذه الصورة توارت إثر بداية الكشف عن «الجهاز السري لليد الحمراء » والتابع لمصلحة التوثيق الخارجي ومقاومة التجسس ( Service de Documentation Extérieure et de Contre- Espionnage ( المعروف بالاختصار اللفظي SDECE في غضون موفى شهر ماي 1956 أي قرابة الشهرين عن تاريخ الإعلان عن الاستقلال ( 20 مارس 1956 ) والذي حصل بصفة عرضية إثر وفاة أحد عناصر اليد الحمراء، «جون لوسياني Jean Luciani » متأثرا بجروحه بعد مهاجمة مقر شعبة دستورية ببن عروس وتزوير شهادة الدفن من قبل عيادة طبيب فرنسي كائنة في حي «بلفي Bellevue » بتونس وأسفر التحقيق الذي باشره جهاز الأمن التونسي الحديث على اعتقال شبكة من الموظفين الأمنيين المُورّطين في عملية اغتيال الزعيم حشاد وهو الثالوث «روفينياك » “Rouffignac”  “رويزي Ruisi ” ، و “أويزرات  Aouizerat” .

وتمكّن السفير الفرنسي حينذاك «روجي سيدو Roger Seydoux » من «إخراجهم من السجن بعد أن تحصّل على دعم وزير العدلية الفرنسي في حكومة الاشتراكي، «غي موللي »، السيد « فرنسوا ميتران » François Mitterrand الذي ساعده على نقلهم خفية في طائرة حربية من بنزرت إلى مطار مارينيان
بمرسيليا (3) » .

وواكبت جلّ الصحف التونسية الصادرة باللغتين العربية مثل الصباح والفرنسية مثل « لابراس » و «لوبتي متان » و «الديباش التونزيان » عملية التحقيق والندوة الصحفية التي عقدها وزير الداخلية، الطيب المهيري في الغرض واعتقال الثالوث المورّط المشار إليه أعلاه دون التعرض إلى لغز « تهريبه خفية إلى
مرسيليا ». علما أن السفير الفرنسي كان قد طلب سابقا المساعدة من كاتب الدولة المكلف بالشؤون التونسية والمغربية لدى وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، الاشتراكي المناهض للاستعمار، «آلان سافاري » ولكن هذا الأخير رفض الطلب.

كما أشارت الصّحف لأوّل مرّة بأن التحقيق أبان تمركز الجهاز السرّي والموازي «اليد الحمراء » في كلّ من البلدان الثلاث المغاربية : تونس والجزائر
والمغرب الأقصى ( 4).وفي سنة 1997 ، أصْدر أحد العناصر القيادية في الجهاز الموازي والسرّي، «أنطوان ميليرو » شهادته أو بالأحرى روايته وأكد تنفيذ عملية اغتيال الزعيم فرحات حشاد من قبل «اليد الحمراء » التي قرّرتها وأعدّ ت لها رئاسة الحكومة الفرنسية حينذاك، حكومة المستقل «أنطوان بيناي (Antoine » Pinay (8 مارس 1952 – 23 ديسمبر 1952  (5). وبقدر ما أثبت تورط رئاسة الحكومة الفرنسية، أراد «ميليرو » ثانية توريط الزعيم بورقيبة المبعد في جزيرة جالطة ذاكرا ما يلي:
Dès lors, Ferhat Hached se retrouva vraiment seul contre tous. La dernière inconnue qui demeurait quant à son avenir ? Le jour de son” éviction. Laquelle était désormais tenue pour définitive. Elle fut fixée au 5 décembre 1952. Décidée par qui ? Par Bourguiba, selon toute (vraisemblance.Par la présidence du Conseil, probablement,avec la complicité tacite du premier pour faire bonne mesure» (page 50.
والغريب في هذا الادّعاء أن « أنطوان ميليرو » لم يدلي بأي وثيقة أو حُجّة تثبت مقاربته بل تجاهل التحقيق الذي أنجزه الصحفي « روجي ستيفان » (ديسمبر 1952 – جانفي 1953 ) وما أسفرت عنه عملية اعتقال عناصر اليد الحمراء في ماي 1956 من قبل جهاز الأمن التونسي وخاصة شهادة «آلان سافاري » للتاريخ سنة 1987 وهو الذي أطلع على الأرشيف الأمني والعسكري المتعلق بقضية اغتيال الزعيم فرحات حشاد :
Il est certain que De Hautecloque n’est pas un homme sanguinaire, mais il laisse assassiner Ferhat Hached. Certains le font assassiner par un lieutenant de gardes mobiles. Peu de temps après, on me demande de rapatrier ce lieutenant sous un faux nom, ce que je refuse à faire

وفي تقديرنا، يكمن اهتمام مصلحة الاستعلامات الفرنسية بسيرة الزعيم فرحات حشاد ومراقبة نشاطه وتحركاته منذ سنة 1945 أي قبل تأسيس
الاتحاد العام التونسي للشغل ( 20 جانفي 1946 ) وإثر تأسيس ” النقابات المستقلة بالجنوب 19 نوفمبر 1944 ” حيث يشير التقرير المؤرخ في 27
جوان 1945 إلى «طبيعة المركزية النقابية الثورية وارتباطها بالحركة الدستورية وقدرتها على شلّ مؤسسة الحماية » مضيفا « أن التنظيم النقابي الجديد الذي نشأ أواخر سنة 1944 يرغب في أداء دور سياسي إلى جانب دوره المهني، على غرار الكنفدرالية العامة للشغل. ولئن ساعد أحيانا على مواجهة بعض الأنشطة السياسية المتطرفة، فهو يظل عنصرا يصعب إلى حد كبير ترويضه من قبل السلط نظرا إلى أنه يتركب كليا من الأهالي، وأغلبهم من الدستوريين (من جملة ثمانية آلاف منخرط، قرابة سبعة آلاف منهم تحتسب على التيار الوطني)، علاوة على أن القياديين يجابهون خطر تجاوزهم من قبل قواعدهم. نحن أمام جمع من الرجال الصدامين القادرين على إثارة هذه القلاقل أو جعلها تتفاقم. إذا انخرم النظام العام، سوف تدعو السلطة المدنية الجيش إلى التدخل. لذلك وجب إخطار السلطة العسكرية بطبيعة هذه الحركة النقابية .»

لقد اغتالت الدولة الاستعمارية الزعيم فرحات حشاد عن طريق جهازها السرى والموازي ” اليد الحمراء ” التابع لمصلحة التوثيق الخارجي ومقاومة التجسس
SDECE والذي تلقى دعم مدير البعثة العسكرية الفرنسية بتونس، « بونوا دي لابايون » كما كشفت عنه خلية التجسس الدستورية (محمد بن سلامة وعلية قعيب وشبيل شهر حمدة) ، أجل اغتيل حشاد لصموده وقيادته المقاومة الوطنية ضد الاستعمار ومن أجل الحرية.
٭Méléro (Antoine) : La Main rouge. L’Armée secrète de la République. Monaco, Editions du Rocher, 1997.
—————-
الهوامش:
(1) – L’Observateur, 11 décembre 1952. La Haute Cour pour Hauteclocque, Claude Bourdet. – L’Observateur, 11 décembre 1952. L’ordre règne à Tunis, de notre envoyé spécial Roger Stéphane. – L’Observateur, 8 janvier 1953. Ferhat Hached: indices malgré le black-out, Roger Stéphane.
( 2) – كشف المناضل الدستوري والوزير السابق، البشير بن سلامة في (مذكراته: عابرة هي الأيام. تونس، برق للنشر والتوزيع، 2013 ، ص. 70 – 56 و 357 – 356 ) عن مشاركة والده البنباشي (أي مقدم)، محمد بن سلامة في صلب خلية تجسس ومقاومة بوزارة الحرب (تجمع علية قعيب من مدينة مساكن وشبيل شهر حمدة واليعقوبي) تحت إشراف المناضل الطيب المهيري وكانت منفذة عملية اغتيال العقيد « دي لابايون ». إذ كان والده منذ سنة 1938
إلى 1953 ضابط الاتصال بين الكولونيل الفرنسي مدير المركزية للجيش التونسي (وزارة الحرب) وحرس الباي.
– راجع شهادة المناضل علية قعيب في العلاني  (عبد الحميد): لم يناموا على الذل. شهادات شفوية لعدد من المناضلين والمقاومين من تونس والقيروان والساحل. تونس، 2006 ، ص. .337-350
(3) Méléro (Antoine) : La Main rouge. L’Armée secrète…, Op.cit., page 52.
(4) Le Petit Matin, 26 mai 1956. Premiers éléments d’enquête : « La Main Rouge, agissait en liaison avec un groupe de Français d’Algérie ».
( 5) بينّت المؤرّخة/الموثقّة الفرنسية «جورجات ألجاي Georgette » Elgey في المجلّد الثاني من سداسيتها حول تاريخ الجمهورية الرابعة الفرنسية (جمهورية التناقضات La République des contradictions الصادر بدار Fayard ، سنة 1993 ) تورّط رئيس الحكومة، « بيناي » ووزير الداخلية، الراديكالي « شارل برون Charles Brune » ووزير الدفاع، الوحدوي الديموقراطي الاشتراكي للمقاومة، ” روني بليفان René Pleven” في قرار اغتيال الزعيم فرحات حشاد حيث طلبوا من المقيم العام « دي هوتكلوك » السفر إلى باريس يوم 4 ديسمبر 1952 لمتابعة عملية الاغتيال المبرمجة والتي جدت صبيحة 5 ديسمبر 1952 وكانت الجماعة ملتئمة في مجلس وزاري مضيق. ووظفت « جورجات ألجاي » وثائق أرشيفية وشهادات صحفية لدعم مقاربتها.
(6) Témoignage de Alain Savary In La SFIO et la politique extérieure de la France entre 1945 et 1954. Cahiers Léon Blum, n°21, 1987, page 21.

 

 

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING