الشارع المغاربي – في الشركة الوطنية للنقل بين المدن: مئات الانتدابات بالرشاوى والمحسوبية وإدارة تكرّس الإفلات من المحاسبة/ تحقيق: محمد الجلالي

في الشركة الوطنية للنقل بين المدن: مئات الانتدابات بالرشاوى والمحسوبية وإدارة تكرّس الإفلات من المحاسبة/ تحقيق: محمد الجلالي

قسم الأخبار

15 يناير، 2022

الشارع المغاربي: عمدت إدارات متعاقبة للشركة الوطنية للنقل بين المدن على مدى سنوات متتالية الى إثقال كاهل المؤسسة بأعباء مالية غير مدروسة أو مبرمجة عبر انتداب غير قانوني لمئات الأشخاص معتمدة على أساليب وحيل مختلفة للقفز على التشريعات ومراوغة إجراءات وقرارات سلطة الإشراف. بل ان بعض المسؤولين بها تفننوا في التآمر على المؤسسة وعلى طالبي الشغل بفرض أسماء بعينها في الانتدابات وإقصاء مترشحين ناجحين وتدليس وثائق رسمية وعدم الالتزام بمبادئ المساواة والشفافية وتكافؤ الفرص في مختلف مراحل تنظيم المناظرات في ظل تقصير مراقب الدولة ووزارة النقل في التثبت من سلامة المناظرات، مثلما يثبت ذلك تقرير التفقدية العامة لوزارة النقل عن الانتدابات بالشركة في 2014.

في شهر أفريل 2019 أعلنت الشركة الوطنية للنقل بين المدن (SNTRI) عن فتح مناظرة عمومية لانتداب 33 سائقا مشترطة في بلاغ نشرته على موقعها الالكتروني ان يكون المترشح مؤهّلا طبيا للعمل كسائق والا يتجاوز عمره 35 سنة في غرة جانفي من نفس السنة.

وأفادت الشركة في نفس البلاغ ان المناظرة تمتد على مراحل متتالية بدءا بانتقاء اولي للمترشحين فاختبار كتابي ثم اختبار تطبيقي في السياقة فالتصريح بالنتائج ثم عرض المقبولين على فحص طبي قبل ان تضبط إدارة الموارد البشرية قائمة نهائية للمقبولين وقائمة انتظار.

وفي غرة أوت 2019 نشرت المؤسسة على موقعها الالكتروني نتائج ما أسمته بـ “الانتقاء الأولي” داعية المقبولين في المرحلة الأولى الى ارسال وثائقهم عبر البريد قبل نهاية نفس الشهر.

مناظرة مشبوهة

مرت الأيام والشهور والسنوات على فتح مناظرة 2019 دون أن تُكمل المؤسسة بقية المراحل الى ان حل يوم 23 ديسمبر 2021 أي بعد انقضاء قرابة ثلاث سنوات لتعيد إدارة SNTRI نشر ما أسمته بـ “نتائج المرحلة الاولى للمناظرة الخارجية عدد 2/2019 لانتداب 33 سائق حافلة”.

ووفقا لمراحل المناظرة التي سبق للشركة ان أعلنت عنها في افريل 2019 تكون الشركة قد نشرت في مناسبتين متباعدتين (ثلاث سنوات) نتائج نفس المرحلة دون ان توضح مدى التزامها بالشروط التي وضعتها حتى تكون فيصلا بينها وبين المترشحين.

مصدر بالشركة أكد في تصريح لـ “الشارع المغاربي” ان إعادة نشر نتائج الانتقاء الأولي بعد مرور ثلاث سنوات تحمل في طياتها أسئلة تتعلق باحترام مبادئ المساواة والشفافية وتكافؤ الفرص بين المترشحين ملاحظا انه قد يكون تم اقصاء عدد من المشاركين في المناظرة بسبب تجاوز سن 35 سنة.

وتابع متسائلا: “هل يتطابق ما نشرت الشركة من نتائج للمرحلة الأولى مع نفس القائمة الاسمية التي نشرتها في سنة 2019؟ وكيف يمكن للرأي العام التأكد من خلو الانتقاء الاولي من أي تدخل مشبوه للتأثير على النتائج؟”

مناظرة أخرى كانت أعلنت عنها الشركة الوطنية للنقل بين المدن في جانفي 2019 لانتداب 5 إطارات وعون اداري. وفي مارس 2021 أعلنت ادارة هشام العساس الرئيس المدير العام الحالي للشركة في بلاغ لها عن الغائها معتبرة ان الترشحات المسجلة في الغرض وما انجر عنها لاغية.

مصدر بوزارة النقل أكد لـ “الشارع المغاربي” ان مناظرة جانفي 2019 أتت لتسوية وضعية 6 موظفين سبق لادارة الشركة ان مكنتهم من عقود موسمية منذ 2016 وانها لم تفلح في ادماجهم بعد صدور تقرير تفقد الانتدابات المشبوهة لسنة 2014.

وأفاد المصدر بان الانتدابات المباشرة شملت أيضا قريبة كاتب دولة بوزارة النقل وقريبة مستشار سابق بديوان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

المحسوبية بَدَلَ الشفافية

في أكتوبر 2014 فرغت التفقدية العامة بوزارة النقل من اعداد تقرير حول أوجه التصرف في الانتدابات بالشركة الوطنية للنقل بين المدن بين 2008 و2012.

التقرير الذي حصل “الشارع المغاربي” على نسخة منه رصد تطور حركة الاعوان بالشركة طيلة خمس سنوات فوقف على جرائم منظمة تتصل بانتدابات عشوائية طغت عليها المحسوبية والزبونية وغابت عنها المساواة والشفافية.

ويشير فريق التفقد في تقريره الى أن الشركة انتدبت خلال الفترة المذكورة 273 عونا دون سند قانوني والى أن من بينهم 180 شخصا تم تشغيلهم خارج إطار المناظرات والاتفاقيات الاجتماعية و93 شخصا تم ادماجهم بعد التعاقد معهم كموسميين ودون اعلام سلطة الاشراف.

واوضح التقرير ان إدارة الشركة كانت تبرم عقودا موسمية بثلاثة أشهر مع من تروم انتدابهم ثم تجددها بصفة دورية وأنها كانت تتعلل “بجديتهم في العمل وبحاجة المؤسسة لخدماتهم.”

واعتبر المتفقدون ان جنوح إدارة الشركة الى الانتدابات الموسمية “مخالف لنظامها الأساسي الذي ينص على ان المناظرة هي القاعدة الأساسية للانتداب” وان “في هذا إخلال بمبدأ المساواة بين كافة المترشحين واهدار لفرصة انتقاء أحسن الكفاءات.”

ولفت التقرير الى اعتماد الإدارة على الانتداب المباشر دون اللجوء الى فتح مناظرات رغم حصولها على ترخيص من سلطة الإشراف.

مناظرات صورية

يوثّق تقرير التفقد ايضا ان الشركة الوطنية للنقل بين المدن أنجزت بين 2008 و2012 ما لا يقل عن 11 مناظرة وطنية للانتداب، لافتا الى انها كانت كلها غير قانونية.

في هذا السياق رصد التقرير جملة من التجاوزات على غرار:

– فتح مناظرة انتداب دون الحصول على ترخيص مسبق من سلطة الإشراف

– عدم احداث لجان مناظرات بخصوص عمليات الانتداب المنجزة

– عدم تقديم قائمة المترشحين المقبولين بمكتب الضبط

– عدم تقديم قائمة في المترشحين المقبولين لاجتياز الاختبار الكتابي

– استدعاء مترشحين لإجراء الاختبار الكتابي رغم عدم تقديم ملفات ترشحهم

– عدم تقديم الاختبار الكتابي

– عدم تقديم قائمة المترشحين المقبولين لاجتياز الشفاهي

– تغيير العدد المسند لمترشح ضمن نتائج الاختبار الكتابي

– استدعاء مترشحين لاجتياز الاختبار الشفاهي رغم انهم لم يقدموا ملفات ترشحاتهم ولم يجتازوا الاختبار الكتابي

– استدعاء مترشحين لإجراء الاختبار الشفاهي رغم عدم نجاحهم في الاختبار الكتابي

– عدم تقديم نتائج الاختبار الشفاهي

– عدم تقديم قائمة في المترشحين المقبولين لاجتياز الاختبار التطبيقي

– استدعاء مترشحين لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة لاجتياز الاختبار التطبيقي

– اقصاء مترشحين مقبولين لاجتياز الاختبار التطبيقي

– عدم تقديم نتائج الاختبار التطبيقي على أساس الاعداد المسندة

– عدم اعداد قائمة للمترشحين المقبولين حسب جدارتهم وعلى أساس معدل للأعداد المتحصل عليها بمختلف الاختبارات

– عدم التنصيص على نتائج الاختبارات ضمن محاضر جلسات في إطار لجان المناظرات

وحسب تقرير المتفقدين حصلت الشركة سنتي 2010 و2011 على ثلاثة تراخيص من وزارة النقل لانتداب 59 سائقا و10 فنيين و8 إطارات. وبتدقيق فريق التفقد في المناظرات المنجزة تبين ان إدارة الشركة استدعت 21 مترشحا لاجراء الاختبار التطبيقي رغم حصولهم على أعداد تتراوح بين 0 و3 على عشرة في الاختبار الكتابي.

وشدد التقرير على الإدارة لم تستدع 21 مترشحا لاجتياز الاختبار التطبيقي رغم حصولهم على أعداد تساوي أو تفوق 5 على عشرة في مرحلة الاختبار الكتابي.

وذكر التقرير ان الشركة انتدبت 41 عونا بالاعتماد فقط على نتائج الاختبار التطبيقي عوض احتساب المعدل العام بين الاختبارين التطبيقي والكتابي وانها لم تنجز قائمة للناجحين حسب ترتيب تفاضلي.

وبين ان إدارة الشركة انتدبت 12 مترشحا غير مؤهلين للعمل كسواق حسب نتائج الفحص الطبي الذي خضعوا له الى جانب 4 مترشحين لا يستجيبوا لشرط السن.

وفي ملف انتداب 7 قُبّاض يلاحظ فريق التفقد ان الإدارة قبلت ملف ثلاثة مترشحين لاجتياز الاختبار الكتابي رغم عدم تقديم وثائقهم في المرحلة الثانية للمناظرة وان قائمة نتائج الاختبار الكتابي تضمنت أسماء 19 مترشحا تم رفض مطالب ترشحهم خلال مرحلة فرز الملفات.

وسجل المتفقدون انتداب مترشحتين اثنتين في خطة إدارية رغم ان المناظرة كانت تنص على انتداب قُباض.

وختم فريق التفقد ملاحظاته بالتنصيص على تعمد الإدارة تجاوز العدد المرخص لها بانتدابه وعدم احترام الترتيب التفاضلي.

وفاق في الشركة والوزارة

ويعود تقرير التفقد الى انتدابات منجزة في سنة 2008 مسلّطا الضوء على إجراءات انتداب سواق واعوان فنيين.

أما بالنسبة لمناظرة السواق فيشير فريق التفقد الى ان مصالح الشركة لم تقدم قائمة المترشحين الذين تم قبول ملفاتهم.

ويؤكد على وجود تضارب بين قائمة اعداد الاختبار الكتابي التي تضمنت 89 مترشحا حصلوا على اعداد تساوي او تفوق 10 /20 وقائمة الناجحين في الاختبار الكتابي التي تضمنت 114 مترشحا حصلوا على اعداد تساوي او تفوق 10 /20.

ويوثق التقرير إضافة اسمين إلى قائمة الناجحين في الاختبارين الكتابي والشفاهي مؤكدا ان الاول غير مسجل بمكتب الضبط ولم يجتز الاختبار الكتابي وان الثاني حصل على عدد دون المعدل العام في الاختبار الكتابي (5 /20) وانه تم تغيير العدد المسند اليه ليصبح 10 /20.

انتدابات خارج القانون

كان نصيب الأسد من الانتدابات المشبوهة في الشركة الوطنية للنقل بين المدن وفق تقرير التفقد لعمليات تشغيل موسمية تمتع بها 180 عونا بين 2008 و2012. وفي هذا الإطار ساق فريق الرقابة ملاحظات عديدة من بينها:

– انتداب اعداد تفوق ما تم الاتفاق بشأنه مع وزارة النقل او ما تم ذكره في اعلان الانتداب

– انتداب أعوان لم يقدموا ملفات ترشح

– انتداب أعوان تم قبول ملفاتهم بعد الآجال

– انتداب أعوان تم رفض ملفات ترشحهم

– انتداب أعوان لم يجتازوا الاختبارات الكتابية والشفاهية والتطبيقية

– انتداب أعوان غير مؤهلين للعمل في الخطط المطلوبة حسب نتائج الفحص الطبي

– انتداب أعوان في خطط مخالفة لما تم التنصيص عليه في تراخيص وزارة النقل او في اعلان الانتداب

– انتداب أعوان دون الالتزام بالترتيب التفاضلي

– انتداب أعوان تجاوزوا السن المطلوب في اعلان الانتداب

– انتداب أعوان قبل اجراء الفحص الطبي

– اقتصار الإدارة على التأشير على نتائج مناظرات مقدمة من مكاتب خاصة دون انجاز محاضر نتائج وقائمات للأعوان المنتدبين

من جهة أخرى حمّل التقرير مراقب الدولة مسؤولية عدم التثبت في صحة المعطيات الواردة بوثائق مختلف مراحل المناظرات والوزارة مسؤولية عدم متابعة تنفيذ المناظرات.

وفاق اجرامي

“الشارع المغاربي” بحث في ملف الانتدابات المشبوهة بالشركة الوطنية للنقل بين المدن وتمكن من الحصول على شهادة أحد الملتحقين بالمؤسسة بين 2008 و2012.

يقول سائق بالمؤسسة فضّل عدم كشف هويته: “ما حصل بالمؤسسة من تلغيم لها بأعداد مهولة من المنتدبين هو نتيجة تعمد بعض مسؤوليها وموظفيها فتح مزاد غير قانوني لبيع الوظائف ولتمكين أبناء زملائهم وأقاربهم من فرص عمل على حساب أبناء الشعب.”

ويتابع: ” انا شخصيا كنت من بين المئات الذين دفعوا رشاوى مقابل النجاح في مناظرة عمومية للانتداب صلب المؤسسة. وقد كنت مضطرا لدفع ثلاثة آلاف دينار في 2011 على قسطين لاحد النقابيين بالشركة بعد أن شاركت في خمس مناسبات في مناظرات الانتداب دون جدوى.

ويؤكد السائق ان اعدادا لا تحصى من المترشحين تمكنوا من ضمان عمل بالمؤسسة بعد دفع مبالغ مالية تتراوح بين ثلاثة وستة الاف دينار للنقابي مشيرا الى ان المبلغ يرتفع كلما كان المترشح غير مستجيب لشروط الترشح على غرار تجاوز السن المطلوب أو التأخر في تقديم ملف الترشح أو عدم الاستجابة للخطط المطلوبة.

في هذا السياق استشهد السائق بحالات أشار اليها تقرير التفقد بالنسبة لمنتدبين تجازوا السن المسموح به قانونا للدخول للوظيفة العمومية او وضعيات مترشحين تم انتدابهم رغم انهم لم يجتازوا اختبار الفحص الطبي.

ويقول متذكرا واقعة كان قد عاشها رفقة بعض الباحثين عن موطىء قدم بالشركة: “قبل حوالي 7 سنوات كنت شاهدا على تسلم النقابي مبلغا ماليا في حدود 45 ألف دينار من 15 شابا مقابل تأمين انضمامهم الى المؤسسة. ومع مرور الوقت لم يوفق النقابي في انتداب المجموعة فما كان من الشبان الا المطالبة باستعادة ما دفعوا أو التهديد بكشف أمره. لم يجد النقابي من حل لاعادة الرشاوى الا بالتفويت بالبيع في قطعة ارض على ملكه وتمكينهم من أموالهم. ومن الطريف انهم تسلموا أموالهم في كيس بلاستيكي اكتشفوا انه كان يحتوي أيضا على وصل بنكي لسحب الأموال باسم النقابي.”

السائق تحدث أيضا عن وجود وفاق داخل الشركة مؤكدا انه لا يقتصر على النقابي وانه يطال رؤساء مديرين عامين سابقين ومديرا سابقا للموارد البشرية ومديرين ومستشارين سابقين بوزارة النقل قال انهم كانوا يفرضون على إدارة الشركة ابرام عقود موسمية مع أقاربهم ثم انتدابهم عبر مناظرات وهمية او خارج اطار المناظرات ثم الحاقهم بمؤسسات عمومية أخرى بحثا عن رواتب مجزية وظروف عمل مريحة.

“الشارع المغاربي” راسل كل من إدارة الشركة الوطنية للنقل بين المدن ووزارة النقل للاستفسار عن الإجراءات الإدارية والقانونية في شأن الانتدابات المشبوهة بين 2008 و2012. لكن الشركة فضلت عدم الإجابة بينما اكدت الوزارة انها احالت الملف الى كل من المكلف العام بنزاعات الدولة ودائرة الزجر المالي منذ 2014. في الاثناء بقي مهندسو الانتدابات المشبوهة بعيدا عن المحاسبة الإدارية.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING